
يوميات مسلم مع الدعاء
السيد عباس نورالدين
حين يكتشف المسلم قوّة الدعاء سرعان ما تصبح الأدعية التي نطق بها أولياء الله الكاملون المنبع الأوحد لهذه التجربة الروحية العظيمة والمصدر الذي يرجع إليه لتوجيه شؤون حياته كلّها. وسرّ ذلك، كما لا يخفى، هو أنّ هؤلاء المعصومين، الذين بلغوا أعلى مراتب الكمال، قد أدركوا الحاجات الواقعية للخلق حين شهدوا جميع منازل الإنسانية ومقاماتها. فأدعيتهم أضحت خارطة طريق تهدي إلى الكمال والسعادة.
غالبًا ما نغفل عن حاجاتنا الواقعية بسبب قوّة تأثير حاجات وهمية تعشعش فينا؛ وقد نطلب من الحاجات ما لا ينفعنا ولا يصلح لنا، لجهلنا بحقيقة أنفسنا. ولأنّنا لم نقطع محطّات السفر الكبرى، فمن الطبيعي أن نجهل ما ينبغي أن نطلبه من الله في رحلة الكمال هذه.
إنّ أهل الدعاء والمناجاة لا يمكن أن يغفلوا عن هذا التراث العظيم من الأدعية الرائعة التي نُقلت عن أهل البيت (عليهم السلام)؛ وذلك لقوّة المعارف المندرجة فيها وسموّ الحقائق الوجودية المشحونة بها؛ هذا، بالإضافة إلى أسلوبها الفريد والمدهش والساحر في بيان طريق السير إلى الله وإضاءة منهاج العبودية.. وقد مثّلت هذه الأدعية أعظم مدرسة لبناء الإنسان وتربيته وإعداده ليكون خليفة الله. فلا شيء بعد القرآن الكريم يمكن أن يضاهي هذا التراث الدعائيّ على صعيد التأثير المعنويّ والتربويّ والأخلاقيّ. بل نخطئ إذا قارنّا بين الأدعية وكتاب الله تعالى وتحيّرنا بينهما؛ لأنّ هذه الأدعية لم تكن في الواقع سوى تجلّي وانعكاس سريان حقائق القرآن في النفوس الطاهرة. وكما أنّه لا يمكن معرفة القرآن ـ كما أراد الله وأحب ـ من دون نبيّ الله، كما قال سبحانه {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون}،[1] فإنّ الأدعية المرويّة عن أهل بيت العصمة والطهارة هي المبيّن والشارح المفسّر لحقائق القرآن ونهجه الأقوم في صناعة الإنسان الكامل.
ولو لم تكن هذه الأدعية العظيمة، لما كان لنا توفيق النظر التقديسيّ التعظيميّ بمثل هذه الدرجة إلى كتاب الله المجيد. فإنّ عظمة أي كتاب أو أي إنسان إنّما تظهر عبر أتباعه وآثاره ومفاعيله؛ وهل هناك من هو أعظم وأكمل وأعلى من هؤلاء الذين اتّحدت أرواحهم بروح القرآن؟ وقد قيل أنّ القرآن الكريم قد انبعث وتجلّى وسطع بنور على نور، بعد أن امتزج بأرواح هؤلاء الكاملين، وكانت هذه الأدعية أفضل تلك الانعكاسات!
الأدعية المنقولة عن هؤلاء العظماء تهيّئنا وتعدّنا بصورة لا مثيل لها للاستفادة من القرآن الحكيم، حيث تجعل قلوبنا مقبلة مشتاقة لاستقبال حقائقه العظيمة.
لأجل ذلك اشتهر عن أمثال هؤلاء المتديّنين أنّهم يضعون برامج خاصّة لهذه الأدعية، يقسّمونها على أيّامهم والمناسبات. وفي كل مناسبة هناك ذكر لأيّام الله وحضور مننه وأياديه وعظيم أنواع عناياته. وبالإضافة إلى ذلك، يستعملون تلك الأدعية التي ترتبط بحاجاتهم العميقة أو حالاتهم الروحية والمعنوية البليغة، فيجعلونها ترجمان مكنونات نفوسهم، عسى أن تبلغ بهم ساحة العرش.
إنّ الإنسان الذكيّ هو الذي يستعمل الوسيلة المناسبة للحظوة عند السلطان؛ ولأنّ الله تعالى هو سلطان العوالم كلّها، ولأنّه عزّ وجل قد أمرنا أن نبتغي إليه الوسيلة، ولأنّ سماع كلمات المقرّبين ومناجاتهم هي أحبّ شيءٍ عنده، فما أذكى من يستعملها للتقرّب إلى الله.
يحتاج الإنسان إلى أن يناجي ربّه ويطلب منه المغفرة والتوبة والستر والصفح والعفو، لأنّنا كثيرًا ما نخطئ ونقصّر بحقّ ربّنا. ولا شيء يمكن أن يخرجنا من تبعات هذا التقصير مثل التوجّه إلى الله والاعتراف بين يديه. لكن الأدعية المختصّة بالتوبة، التي نطق بها أولياء الله هؤلاء، تأخذ بأيدينا وتدلّنا على أوسع أبوابها. ففرقٌ كبير بين أن تقول مثلًا: "أستغفر الله وأتوب إليه"، وبين أن تردّد مع الإمام زين العابدين (عليه السلام) : "يا إلهي لوْ بكيْتُ إليْك حتّى تسْقُط أشْفارُ عيْنيّ ، وانْتحبْتُ حتّى ينْقطع صوْتي، وقُمْتُ لك حتّى تتنشّر قدماي، وركعْت لك حتّى ينْخلع صُلْبي، وسجدْتُ لك حتّى تتفقّأ حدقتاي، وأكلْتُ تُراب الأرْض طُول عُمْري، وشربْتُ ماء الرّماد آخر دهْري وذكرْتُك في خلال ذلك حتّى يكلّ لساني ثُمّ لمْ أرْفعْ طرْفي إلى آفاق السّماء اسْتحْياءً منْك ما اسْتوْجبْتُ بذلك محْو سيّئة واحـدة منْ سيّئـاتي، وإنْ كُنْت تغْفـرُ لي حيْن أسْتوْجبُ مغْفرتك وتعْفُو عنّي حين أسْتحقُّ عفْوك فإنّ ذلك غيْرُ واجب ليْ باسْتحْقاق، ولا أنا أهْلٌ لهُ بـاستيجاب".
وحين يمتلئ قلبك بمشاعر الامتنان بملاحظة مواهب الرحمن، ولا تقدر على التعبير عن شكرك من وقع تتالي نعم المنّان، فلا شيء يمكن أن يسعفك في مثل هذه الحالات مثل أن تقول: "اللهم إنّ أحدًا لا يبلغ من شكرك غاية إلا حصل عليه من إحسانك ما يلزمه شكرًا، ولا يبلغ مبلغًا من طاعتك وإن اجتهد، إلا كان مقصّرًا دون استحقاقك بفضلك، فأشكر عبادك عاجزٌ عن شكرك، وأعبدهم مقصّرٌ عن طاعتك". كما قال هذا الإمام.
وأنّى لنا أن نصل إلى الحمد العظيم الذي لا مثيل له في عالم التكوين، حيث يقول الإمام زين العابدين: "والْحمْد لله بكُلّ ما حمدهُ به أدْنى ملائكته إليْه وأكْرمُ خليقته عليْه، وأرْضى حامديْه لديْه، حمْدًا يفْضُلُ سائر الْحمْد كفضْل ربّنا على جميع خلْقه. ثُمّ لهُ الْحمْدُ مكان كُلّ نعْمةٍ لهُ عليْنا وعلى جميع عباده الْماضين والْباقين عدد ما أحاط به علْمُهُ منْ جميع الأشْياء، ومكان كُلّ واحدةٍ منْها عددُها أضْعافًا مُضاعفةً أبدًا سرْمدًا إلى يوْم الْقيامة، حمْدًا لا مُنْتهى لحدّه ولا حساب لعدده ولا مبْلغ لغايته ولا انْقطاع لأمده، حمْدًا يكُونُ وُصْلةً إلى طاعته وعفْوه، وسببًا إلى رضْوانه وذريعةً إلى مغْفرته وطريقًا إلى جنّته، وخفيْرًا منْ نقمته، وأمْنًا منْ غضبه، وظهيرًا على طاعته، وحاجزًا عنْ معْصيته وعوْنًا على تأْدية حقّه ووظائفه، حمْدًا نسْعدُ به في السُّعداء منْ أوْليائه ونصيرُ به في نظْم الشُّهداء بسُيُوف أعْدائه إنّهُ وليٌّ حميدٌ".
وإذا غدت قلوبنا براكين مستعرّة بمشاعر الحبّ والاشتياق بعد أن تجلّى لها ربّها بمعاني الجمال وآيات الكمال، لكنّها لا تعرف كيف تتفجّر لتملأ الكون كلّه بترانيم العشق الكبير، فسوف تجد في أدعية المعصومين تنفيسًا لكربها؛ ولا يدرك معنى هذا الكلام بتمامه إلا من عرّض نفسه لنفحات تجلّيات الجمال والجلال وصار قلبه مرآة حضور الرحمن.
إنّ للمؤمن حالات مع الله تنشأ من توجّه قلبه إلى تلك النفحات؛ ويمكن الاطّلاع على الكثير من معانيها وأسرارها بفضل هذه الأدعية المجيدة. ففيها تنعكس أنوار التجليات الإلهية وتظهر عظمة خلق الإنسان الكامل، الذي لولاه لما عُرف الله حق معرفته. وبذلك نفهم جانبًا مهمًّا من كلام الإمام الحسين (عليه السلام) حين سأله سائل عن سرّ خلق الإنسان، فقال: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ مَا خَلَقَ الْعِبَادَ إِلَّا لِيَعْرِفُوهُ، فَإِذَا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ، فَإِذَا عَبَدُوهُ اسْتَغْنَوْا بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ. فقال له رجل: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَمَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ؟ قَالَ: مَعْرِفَةُ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ إِمَامَهُمُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ".[2]
لقد كانت أدعية الكاملين البالغين أعلى مراتب القرب أفضل شارح لمقاماتهم وحالاتهم؛ وبذلك كانت أفضل وصف لحقيقة الإنسانية التي ارتضاها الله ربّ العالمين. فمن اتّصل بهذه الأدعية أشرف على ذلك المقام المنيع الذي هو المثل الأعلى والغاية العظمى من خلق العالم.
إنّ هذه الأدعية تحلّق بنا إلى آفاق حقائق الوجود؛ فهي معراجنا الأكبر حيث تنزّلت إلى عوالمنا السافلة دون أن تتجافى عن عالمها العلويّ؛ فشقّت طريق القرب بأيسر سبيل.
تملأ أدعية الصحيفة السجادية حياة المسلم الواقعيّ بغنًى لا مثيل له من الروحانية العابقة، وعلى أثر المداومة والمواظبة تصبغ شخصيّته الواقعية؛ وبذلك تصبح أفضل ترجمان لأحواله وحاجاته ومآربه وتطلّعاته. لهذا صحّ أن يُقال أنّ كل من اتّخذ هذه الصحيفة وسيلة إلى ربّه ومعراجًا إلى قربه تبدّل جوهر وجوده.
[1]. سورة النحل، الآية 44.
[2]. بحار الأنوار، ج5، ص 312.

الدعاء لكل حاجة
يواجه الشباب الكثير من المشاكل والضغوط والتحدّيات التي تلقي بثقلها على حياتهم، ولكن يمكن لكل مشاكلهم أن تُحلّ، بل أن تتحوّل إلى فرصة للسعادة والبهجة في حال استطاعوا أن يهيّئوا أنفسهم لهذه التحدّيات ويحصّلوا الاستعدادات اللازمة لمواجهتها، أي في حال عرفوا أين يكمن مصدر القوّة الذي يغترفون منه للتعامل معها. ولا يوجد مثل أدعية الصحيفة السجّادية المباركة في هذا المجال. ففي الدعاء أسرار القوّة كلّها. الدعاء لكل حاجة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 112 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$

الصحيفة السجادية القرآن الصاعد
التسجيل الصوتي للقاء الثقافي الذي عقد في مركز باء للدراسات تحت عنوان "الصحيفة السجادية القرآن الصاعد"

نمط العيش الإسلامي... القواعد والأركان
شاع في العقود الأخيرة مصطلح نمط الحياة أو العيش للتعبير عن أسلوبٍ خاصّ ينتهجه الإنسان ويمشي عليه بوعيٍ تام باعتبار أنّه العيش الأفضل. ومن الطبيعي في ظل التفاعل الثقافيّ العالميّ الذي يتّخذ أحيانًا منحى الصراع وحتّى الغزو، أن تسعى كل ثقافة لإظهار نمطها الخاصّ في العيش، وتظهيره كأرقى وأفضل أسلوب للحياة؛ عسى أن يكسبها ذلك اليد العليا في هذه المواجهة الحضارية.

لماذا لا يرقص المسلم فرحًا؟
تكاد لا تخلو ديانة أو ثقافة من الرقص كأحد أوجه التعبير عن الفرح والمرح وغيرها من تعابير الشموخ والفخار أو البهجة والازدهار! لكننا في المقابل نجد نهيًا واضحًا وزجرًا شديدًا عن هذا النوع من التعبير الجسدي داخل التجربة الإسلامية الشرعية، حتى لو كان الأمر حصرًا بين زوجين في خلوتهما.

نحو حياة فكرية فوّارة... بداية العيش الإسلامي الرغيد
اهتم روحانيّو الإسلام بالحياة والسلوك البشريّ، وتحدّثوا عن التفكّر كثيرًا، وذكروا أنّه المنزل الأوّل في رحلة الإنسان التكاملية، وهو أوّل ما ينبغي تثبيته في النفس والسلوك بالمجاهدة والرياضة الروحية.. فما لم يصبح التفكّر جزءًا أساسيًّا من شخصيّتنا، لا ينبغي أن نتوقّع أي توفيق أو نجاح في المراحل اللاحقة التي يمكن أن نقطعها.

لماذا نحتاج إلى التّواصل الفعّال مع الله؟ في عصر الإيمان لا شيء يغني عن الاتّصال
الإيمان بالله تعالى هو الذي يضمن لنا التّوجّه إليه. والتوجّه إلى الله هو الذي يمنحنا فرصة الاستفادة من وجودنا في هذا العالم.. لماذا؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...
مجالات وأبواب
نحن في خدمتك

برنامج مطالعة في مجال الأخلاق موزّع على ثمان مراحل
نقدّم لكم برنامج مطالعة في الأخلاق على ثمان مراحل