
الدور الأكبر للإعلام الملتزم
نحو تأسيس أصول الإعلام الذكي
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب أي مجتمع نريد
إن مزجنا كل وسائل الإعلام في العالم وأخذنا عصارتها، فسوف تكون عبارة عن بث اليأس والإحباط في نفوس مخاطبيها أينما كانوا. حتى تلك الوسائل التي تضع بث الأمل في صلب برامجها، إن لم تتمكن من تفسير الواقع تفسيرًا صحيحًا، واعتمدت على بث الأمل الخيالي، فلن تحقق أهدافها تلك. الأمل الحقيقي ينبع من المزج بين الواقع والخيال، حيث ننطلق من فهم الواقع الحاضر لرسم معالم الواقع المنشود.
هذه المعادلة تقوم على أساس التفسير الدقيق للواقع، منعًا لخيبات الأمل الناجمة عن التوقعات الواهية. فالأمل الذي يبعدنا عن الواقع سرعان ما يتحول إلى مادة للإحباط، والتفسير المغلوط للواقع مقدمة لنشوء الآمال المستحيلة.
أكثر طرق تفسير الواقع سطحيةً هي السائدة في نشرات الأخبار التي تعتمد أسلوب اقتطاع الواقع وتجزئته إلى أحداث يومية لا تربط بأسبابها ولا تتصل بمثيلاتها. لا يعنينا هنا تلك التي تفقد سمعتها وتأثيرها من خلال قلب الواقع عبر الأكاذيب.
الواقع هو كلٌّ واحدٌ تترابط جميع أجزائه ولا تنفك عن بعضها بعضًا إلا بالحس. وواقع كل قضية عبارة عن سياق تاريخي لأحداث ووقائع متسلسلة متّصلة مبنية على نظام علّي سببي ومنظومة شديدة الإحكام. أي اقتطاع لأي قضية من هذا الكل وعرضها بمعزل عن سياقها وموضعها سيكون تفسيرًا غير دقيق أو غير صحيح للواقع.
حين نتأمل في المقاربات الإعلامية لأحداث فلسطين المقاومة والتي تتبنى هذا المنهج الإعلامي الاقتطاعي (الاجتزائي)، سنجد أنها، وبالرغم من تسليطها الضوء على بطولات شعب مقاوم، عاجزة عن بث الأمل المرجو في النفوس؛ بل إنها تبث الإحباط من حيث لا تشعر. لنا أن نتساءل عن الرسائل غير المباشرة (وهي قوة الإعلام الأساسية) إن كانت تشي بقرب حصول نصر في الأفق.
يجب أن نفكر بعمق من أجل ابتكار إعلام قادر على لعب هذا الدور الحساس لتحقيق ذلك الهدف الأعلى وهو بث الأمل في النفوس. ولا يمكن ذلك إلا عبر تبني منهج عرض الحقيقة بأبعادها المختلفة وسياقاتها التاريخية الناظرة إلى المستقبل. ولا ننسى أنّ عرض السياق التاريخي هو الشيء الوحيد الذي يمكّننا من رؤية المستقبل واستشرافه؛ حيث يتلازم الأمل والمستقبل ويتعانقان.
هذه المهمة تُصبح مستحيلة وفق المناهج السائدة في عرض الأخبار والحوادث. نشرات الأخبار وغيرها من البرامج ذات الصلة بوقائع المجتمع قامت على الارتهان لوكالات أنباء دورها نقل الحدث المجزأ المقتطع. يجب فك هذا الارتهان واعتماد منهجية مختلفة تمامًا.
لن يكون صعبًا ابتكار نهجٍ جديد إذا ما تمت معالجة الأصول وإعادة تشكيل الرؤية الإعلامية بناءً على مُقدمات الحكمة. فلا يوجد ما هو أهم من تأسيس إعلام ملتزم بقضية الأمل، حيث يُمثل الدافع الأكبر للتحركات التقدمية والمقاومة في المجتمعات البشرية.
واحد من أهم بواعث الأمل في النفوس، إدراك الناس للتفوق النوعي لجبهة الحق. لم تكن جبهة الحق يومًا إلا قابلة لأعظم القدرات. معظم الهزائم التي مُنيت بها هذه الجبهة تعود إلى ضعف الإيمان بهذه القدرات.
هنا يوجد كلام حول المضمون وكلام حول العرض والصورة.
وظيفة الصورة هنا هي إظهار الفارق النوعي في الحجم الحقيقي للمعسكرين حتى مع وجود أخبار تدل على عكس ذلك! الأخبار المتفرقة قد لا تساعد على ذلك بتاتًا. الظهور الأكبر والأكثر في الإعلام هو للآخر. ويجب عكس هذا الظهور وإظهار الحقيقة. الصورة تتشكل من إظهار أعداد وألوان وجودة ووجوه وتجمعات وأماكن. في كل واحد من هذه الأبعاد يجب مراعاة التفوق. إن ظهر العدو بصور ذات جودة عالية في مقابلك فأنت خاسر. إن ظهر العدو في مظهر حضاري في مقابل ظهورك بمظهر بدائي أو أقل حضارة فأنت إعلاميًّا خاسر. إن ظهر العدو بأعداد وجماهير أكثر فأنت خاسر.
العدو يرتدي بزّات أنيقة ويجتمع في غرف واسعة ومُضاءة جيدًا، وأنت لا تراعي الأناقة ولا السعة ولا الإضاءة فأنت إعلاميًّا خاسر.
يحكم أي مشاهد على الصورتين بأدنى تأمل. الصورة تخاطب الوعي الباطني وتؤثر بطريقة غير مباشرة ولكن عميقة.. الصورة قد تقلب الواقع رأسًا على عقب دون تعمّد منّا. كل من جرب تصوير مناظر طبيعية خلابة وأُصيب بخيبة أمل عند رؤية الصورة التي التقطتها عدسة كاميرته قد يعرف ما نقصده هنا. يتفاجأ المصور العادي من الفارق الكبير بين الواقع والصورة. هنا يأتي دور المصوّر المحترف الذي يعرف كيف يستعيد بعض العظمة المفقودة.
الذين يخوضون معترك الإعلام قد يغفلون عن دور الصورة من شدة استغراقهم في نقل الأخبار والحقيقة. هنا تأتي الصورة لتقضي على تأثير الكلمة بالكامل. نتحدث عن زعماء العدو وهم مجتمعون في غرف التخطيط لشن حرب مجرمة، لكن صورتهم تظهر على أنّهم أُناس متحضّرون.
مجموعة من القتلة السفاحين المفسدين في الأرض العارين عن أي نوع من الإنسانية يظهرون على أنّهم هم الذين يستحقون الحياة.
في المقابل الأبطال المؤمنون الإنسانيون الشرفاء يظهرون أقل حجمًا وأقل حضارة، حيث يسهل تصورهم ككائنات يمكن للأرض أن تستمر بدونهم.
تجمّعات أُناس غاصبين عديمي الشرف والكرامة تظهر حضارية منظّمة، والمشاركون فيها بارزون في إنسانيتهم العالمية!
في المقابل، صورة تجمّعات مضطَهدين مظلومين تحكي عن أُناس يصعب تصوّرهم أنّهم من هذا الكوكب. هذا فعل الصورة في الإعلام.
هنا يأتي دور الإعلام الذكي، في تشكيل الصورة التي تعكس ما هو أكبر من الظاهر الذي قد يتضاءل أيضًا في الإعلام المعادي والإعلام الغبي، إنّه تلك الحقيقة التي عليها الشرفاء والمقاومون والأبطال، في قوتهم وتفوّقهم وإنسانيتهم وتقدّمهم وعالميتهم.
إن كنت تتوجّه إلى العرب بالصورة يجب أن تتضمّن صورتك كل ما يمكن أن يُشعرهم بأنك عربي مثلهم. وإن كنت تتوجه بالصورة إلى أهل الأرض قاطبة، فالصورة التي تبثها يجب أن ترسم بعض أبعاد العالمية. حضور الكرة الأرضية وسعة المكان وصلته بالحضارة، كل هذا هو جزء من هذه العالمية. إظهار التنوّع العرقي في صورتك هو جزء من العالمية كذلك.
يجب أن يرى العالم أنّك متجذر في هذه الأرض حين يراك قرب أشجار معمرة أو غابات كثيفة أو بيوت عتيقة.
الصورة في الإعلام لا تنفك عن المضمون أو الرسالة الصوتية، وفي حالات عديدة رُبّ صورة تكون أقوى من ألف كلمة. لكن تشكيل الصورة في الإعلام إنّما ينبع من قوة حضور المحتوى عند صانعي الإعلام. فإن غابت عنهم الحقيقة الكبرى أنتجوا ما يخدم أعداء الحقيقة.

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

إنّها معركة الإعلام يا ذكي! في الإعلام المواجهة الحقيقية بين القيم
اكتشف لبنانيون أنّ كل تلك الشتائم والسباب الموجه لشخصيات لبنانية يعتزون بها ـ والتي تعمدت محطات إعلامية بثها وتضخيمها ـ كانت تهدف إلى تصوير الحراك بعيدًا عن تيار المقاومة التقليدي المعروف. وقد نجح هذا الإعلام فعلًا في جعل مؤيدي المقاومة ينظرون بتوجس وشيء من الاشمئزاز إلى كل من يشارك في هذا الحراك. فلا شيء عند هؤلاء يمكن أن يبرر كيل الشتائم سوى أنّها في سياق أجندة معادية، حيث كل أصابع الاتّهام كانت موجهة إلى أمريكا طبعًا. والمضحك في ذلك الإعلام أنّه، ولكي يستهزئ بهذه المقولة، عمد إلى جعلها شعارًا وحيدًا للمتوجسين، وهو القول بأنّ الناشطين "الثوار" يقبضون من السفارة الأمريكية.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...
مجالات وأبواب
نحن في خدمتك

برنامج مطالعة في مجال الأخلاق موزّع على ثمان مراحل
نقدّم لكم برنامج مطالعة في الأخلاق على ثمان مراحل