
القاعدة الذهبية للفتوحات العلمية الكبرى
حول إخلاص العالِم وما ينجم عنه
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب كيف أكون مخلصًا
كل طالب علم أو باحث وعالم يتمنّى لو أنّ الله يهبه العلم الكثير ويجعل قلمه ولسانه وسيلةً لهداية البشر. هل يوجد طريقة ما لتحقيق هذه الأُمنية الرائعة؟ ولماذا يتخلّى الكثيرون من أهل العلم عن هذا الحلم بعد مدة؟
القاعدة الذهبية التي تُعشعش في أجواء المدارس الدينية وصدور العلماء هي أنّ من يخلص لله تعالى حقًّا فسوف يجعل الله قلبه مصدرًا تتفجر منه ينابيع الحكمة والعلم؛ ذلك لأنّ القلب الخالص هو عرش الله، والعرش الرحماني هو مظهر العلم وفيض الحكمة. هذا ما تشهد عليه النصوص الدينية الكثيرة.
تتفاوت قناعة أهل العلم بشأن هذه القاعدة بحسب تفاعلها مع التجربة المُعاشة. ليس من السهل أن تصمد هذه القاعدة أمام تجارب التحصيل وكثرة الدرس والمطالعة، حيث يستولي الاعتقاد بالعلاقة السببية بين كثرة التعلُّم وكثرة العلم. وأسوأ من ذلك هو الصعوبة التي يواجهها أهل العلم من طلاب ومعلّمين ومبلّغين حين يريدون تطبيق هذه القاعدة، حيث الإغراءات الكثيرة والتسويلات اللامتناهية.
الإخلاص، باعتراف الجميع، ليس أمرًا سهلًا. والصعوبة لا تنفي الحقيقة الكبرى. كل من عبر المرحلة الأولى في المعارف الدينية يدرك جيدًا أنّه لا قيمة لعمل أو طاعة أو قربة بدون الإخلاص. يمكن جعل الأمر ميسّرًا حين نسلط الضوء على بعض جوانبه الخفية، أو لنقل صعوباته ومزالقه.
إخلاص العالِم الذي يُفترض أن يكون منظور طالب العلم ومقصده الأول، يرتبط بصنعته ومهمته. لكل مهنة أو مهمة في الحياة إخلاصها أو خصائصها والتي بدورها تستجلب تلك المزالق والمنعطفات.
الإخلاص يتعلق بعبور تلك المزالق التي هي في الواقع محال الشرك. فالإخلاص هو كمال التوحيد، ومع عبور درجات التوحيد للوصول إلى كماله الذي هو الإخلاص يكون السالك في طور التخلّص من الشرك درجة بعد أخرى. فإن أردنا سلوك الطريق المؤدي إلى الإخلاص يجب أن نطهر قلوبنا من درجات الشرك. غاية الأمر أن شراك شرك العالِم لها ظهورات وحالات لا توجد في غير أجواء العلم.
إخلاص أهل العلم يستلزم أن يجعلوا تعلّمهم وتعليمهم نابعًا من رؤية إلهية محضة. يجب أن يكون سلوكهم وأداؤهم العلمي منسجمًا تمامًا مع ما يريده الله. هنا نحتاج إلى تعميق النظر إلى هذه المهمة وفهمها على ضوء الدور الاجتماعي بشكل أساسي. فالشراك بمعظمها قد أُعدّت في بيئة الحياة الاجتماعية. يبقى هناك ما يدور في خلجات نفس العالِم حتى لو عاش على الكرة الأرضية وحده. الافتخار والاعتداد بالعلم على قاعدة: {إِنَّما أُوتيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدي}،[1] هو شركٌ صريح أيضًا. فمجرد الاعتقاد بكون النفس وسعيها والتفكر والتحصيل أسبابًا وعللًا لحصول العلم هو شركٌ ناشئٌ من الاعتقاد بتعدّد الآلهة. فمصدر العلم الأوحد هو الله، ولا معلّم إلا هو سبحانه وتعالى. الأسباب المختلفة للتحصيل ليست في الواقع سوى مجاري ظهور السببية الإلهية. طالب العلم مدعو لشهود المدد العلمي الإلهي والتعليم الرباني اللدني أثناء دراسته ومطالعته وتفكيره. المجاهد يشهد التوحيد الفعلي للحق تعالى حين يرمي ويقتل: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى}.[2]
حين يؤمن طالب العلم بهذه القاعدة الذهبية ويتوجه لمشاهدتها ومعاينتها في آية نفسه، لن يطول الأمر حتى يُدرك أنّ العالِم والمعلّم هو الله وحده لا شريك له.. ما أشد احتجاب من لم يشهد هذه الحقيقة في دراسته وتعليمه. كثرة عدد أهل الحجاب ليست دليلًا على حقانية منهجهم. هؤلاء هم فتنة طالب العلم الكبرى.
لماذا قد يتمنّى أهل العلم كثرة العلم ووفوره؟ إن كان للتباهي والشعور بالرضا عن الذات، فليس هذا سوى شرك آخر. لا يطلب المخلصون العلم إلا للعمل، وهداية المجتمع من الأعمال الكبرى. حتى تتحقّق الهداية الواقعية للمجتمع يجب تحديد احتياجاته المعرفية والعلمية بدقة. يصبح كل علم زائد لا تطبيق له ولا نفع وبالًا حتى لو كان حقًّا.
مع الإصرار على تزويد المجتمع بالمعارف دون وجود رؤية واضحة للاحتياجات يترسخ الشرك في القلب. |
فلا ينبع هذا الإصرار إلا من حب الأنا الذي هو أحد أوجه الشرك. أن تكون سببًا للتأثير لمجرد التأثير هو وجه من أوجه هذا الشرك الخفي. ومع جموح هذه النزعة تنشأ المُشكلات الكبرى في الحياة البشرية. يحتاج سالك طريق الإخلاص إلى معايير دقيقة لتشخيص حاجات المجتمع. حين يجد في الساحة من يسدّ هذه الاحتياجات بنجاح، ثم يستمر في عرض بضاعته العلمية، فما الذي ستُخبره عنه نفسه اللوامة؟
النفس الأمارة حاضرة لتزيين هذه النزعة الخفية. لكن انسداد باب العلم عليه ـ والذي سيتلمّسه بنفسه ـ يحكي شيئًا آخر. لا تتساءل بعدها لماذا لم تتصل بمنبع العلم الإلهي.
حقيقة كبرى لا يمكن إنكارها في هذه القاعدة الذهبية، وهي أنّ العالِم المخلص مؤيَّد من الله تعالى دومًا؛ يجري الله على لسانه وقلمه الحق والعلم النافع أينما كانت الحاجة إليه. على هذا العالِم المخلص أن يستمر في اقتحام ميادين العمل حتى يزداد علمًا. وهذا توفيقٌ آخر يبدأ من حب الناس والحرص على مصير المجتمعات البشرية، ويتبلور في رؤية هندسية شاملة للعلم.
هل تحتاج إلى نفس أخرى حتى تعرف ما الذي يجري في باطن نفسك؟ الازدياد العلمي الناشئ من تحمل مسؤولية الهداية الواقعية أو الهداية المهتدية أدل دليل على سلوك طريق الإخلاص. سُرعان ما يظهر هذا المخلص في الفئة الأولى من العلماء الإلهيين. يعرفه العلماء الإلهيون أنفسهم إن كان في دوره محتجبًا متقيًا، ويُعرَف على رؤوس الأشهاد إن ابتلاه الله بمهمة اجتماعية كبرى. تفجُّر ينابيع العلم ووفوره علامة أساسية للمخلصين.
لا قيمة لما دون الإخلاص. تنكشف هذه الحقيقة في الآخرة. كل عامل هالك أو خاسر إلا العالِم الذي يعمل على أساس العلم، وكل عالِم خاسر إلا من أخلص لله تعالى.
اختفاء مضمار العلم والتعليم في المجتمع يفسح المجال للشيطان لكي يرسم للناس مضاميره ويجعلها نهجًا. حينها سنشاهد العاملين متبجحين بإنجازاتهم الكبرى ومناصبهم العليا. يُهجر العالِم ولا يُعرف قدره بعدها. فما بالك بالعالِم المخلص. لكنّ الله أبى إلا أن يُظهر قيمة العلماء الربانيين ولو بعد حين. وذلك حين يتألق هؤلاء فوق الجميع في نهاية المطاف. زُهد العالِم بعلمه دليل على غفلته عن هذا المشهد الإلهي العظيم. سيبقى العلم السلطان الأعظم في عالم الوجود.
التعليم الذي يمتزج بالتأثير فتنة، وهو مظهر الخالقية الكبرى. إحياء النفوس بالعلم والهداية أعظم من إحيائها بعمارة الأجساد أو إنقاذ الأبدان. الإحياء بالعلم والهداية هو التأويل الأعظم لقول الله تعالى {وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَميعًا}،[3] كما قال صادق أهل البيت عليهم السلام.
نحب بالفطرة أن نكون خالقين، وننسى أنّ الخالقية والخلّاقية هي لله تعالى الذي يتجلى بأفعاله في عمل الإنسان وحركته. ما نُحبه في عمق الفطرة هو شهود خالقية الرب المتعال. إنّه من قول إبراهيم الخليل عليه السلام {رَبِّ أَرِني كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى}.[4]
إن أراد الله فتنة عالِمٍ ما، يُنسيه المؤثّر الواقعي ويوهمه أنّه الهادي والمعلّم والمخلص والمنجي من الضلالة. تصوّر لو رأيت نفسك سببًا لهداية الملايين الذين يتفاعلون معك بالإعجابات وغيرها.. هذا ما يحدث في العالم الافتراضي وفي السينما وفي كل عمل تعليمي عام. الملايين رقم قد يزيدك فتنة.
حين يُقبل العالِم على التأليف والكتابة بحكم انتمائه لهذا العالم المكتوب ونشوئه داخل ساحة المكتبات، قد ينسى أهم قواعد الإخلاص حيث الشرك كامن عند منعطفات الكتابة والنشر. لماذا لا نبحث ونفحص وندقق في الموضوع الذي نريد تناوله في كتابتنا؟ ولماذا لا يهمنا فيما إذا كان هناك من كتب فيه ممّن هو أفضل وأعمق وأعلم وأسهل وأيسر؟
الدوافع الخالصة في التعليم ونشر العلم يجب أن تراعي تقديم الأفضل والأعلم أو مسألة التيسير والتسهيل. لماذا تنشر ما هو أقل علمًا ممّا هو موجود؟ فإن كان هدفك تيسير هذه المعارف وتسهيل فهمها على أكبر شريحة ممكنة من الناس فنِعمّا هي. ولكن ما هي قيمة الكتاب الذي لا يزيد المعارف ولا يسهل العلوم؟ دوره في الهداية عكسي. كثرة الضجيج العلمي مانع من العلم. وقصته مع الإخلاص واضحة.
[1]. سورة القصص، الآية 78.
[2]. سورة الأنفال، الآية 17.
[3]. سورة المائدة، الآية 32.
[4]. سورة البقرة، الآية260.

كيف أصبح مخلصًا؟
لو تأمّلت في نفسك وفي حياة غيرك لعلمت أنّ كلّ إنسان يريد الوصول إلى غايةٍ ما ويسعى نحوها؛ والخيار المطروح أمامنا هو في تحديد طريق السفر وغايته وسرعة السير والترحال. على صفحات هذا الكتاب سنحدثك عن رحلة هي أجمل وأعظم رحلة يمكن أن تقوم بها في حياتك؛ إنّها رحلة تعبر بك كل المحطات الجميلة التي تملأ حياتك سرورًا وحبورًا؛ إنّها الرحلة التي تفسّر لك كل شيء، فتجعل كلّ شيء واضحًا ساطعًا؛ إنّها رحلة الإخلاص. كيف أصبح مخلصًا؟ الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 152 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

عشر قواعد لحياة روحية عظيمة
عشر قواعد أساسيّة تدلّنا على كيفية الوصول إلى حياة روحانية صاخبة فوّارة طيّبة مفعمة بالنشاط والاندفاع. 10 قواعد لحياة روحية عظيمة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 160 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 7.5$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

سفر إلى الملكوت
المبادئ الأساسيّة لبناء حياة معنويّة رائعة.كتاب يتحدّى تفكيرنا ويحثّنا على إعادة النظر بما كنا نعتبره من المسلّمات أو الأمور التي لا تحتاج إلى تعمّق وتدبّر. سفر إلى الملكوت الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 406 صفحاتالطبعة الرابعة، 2017مالسعر: 10$ تعرّف أكثر إلى الكتاب من خلال الكاتب يمكنكم شراء الكتاب عبر موقع جملون على الرابط التالي:

١٢. كيف نكون مخلصين؟ (٢)
للوصول إلى الإخلاص الحقيقي لا بد من عبور مراتب ودرجات، فما هي؟

١٣. كيف نكون مخلصين؟ (٣)
كيف نتقدّم نحو الإخلاص الحقيقي خطوة خطوة؟

١١. كيف نكون مخلصين؟
بالإخلاص نبلغ أعلى درجات الكمال. فما هي حقيقة الإخلاص؟

أفضل معيار للإخلاص
ولما كان الإخلاص أمرًا إلهيًّا وشأنًا ربانيًّا، فتحديده لا يكون باعتبار المعتبرين ولا نواياهم ورؤاهم. وعليه وجب أن نعرف حقيقته من مصدره.. فما الذي أراده الله من إخلاصنا، وكيف نكون مخلصين لله حقًّا؟

ما هي الخطيئة الكبرى؟ في ليلة الغفران ما الذي يمنع التوبة؟
قد تعجب إذا سمعت أنّ هناك سيّئة واحدة تكفي لدخول الإنسان إلى جهنّم وبئس المصير، وأنّ هناك حسنة واحدة كافية لبلوغ الجنّة والرضوان. وهذا يعني أنّه لو قام الإنسان بكلّ أعمال البر ولم يتخلّص من تلك السيّئة، فكأنّه لم يفعل شيئًا؛ وأنّه إذا ارتكب ذنوب الثقلين وأتى بتلك الحسنة، فإنّ الله تعالى سيغفر له ويرحمه!

ابحث عن الإخلاص في شيء خاص
للذين يبحثون عن أسرع طريق للإخلاص أقول لهم مثل هذا الطريق موجود. للذين يبحثون عن أسرع طريق للإخلاص أقول لهم مثل هذا الطريق موجود.

المقالة الثالثة، الباب الثالث، الفصل الثالث: في بيان بعض مراتب الإخلاص
الدرس 58 من دروس في سلسلة شرح دروس الأربعون حديثا

المقالة الثالثة، الباب الثالث، الفصل الخامس: في ذكر بعض درجات الإخلاص
الدرس 61 من سلسلة دروس في شرح كتاب معراج السالكين (الآداب المعنوية للصلاة للإمام الخميني قده)

المقالة الثالثة، الباب الثالث، الفصل الثاني: في الإخلاص
الدرس 57 من سلسلة دروس في شرح كتاب معراج السالكين (الآداب المعنوية للصلاة)
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...
مجالات وأبواب
نحن في خدمتك

برنامج مطالعة في مجال الأخلاق موزّع على ثمان مراحل
نقدّم لكم برنامج مطالعة في الأخلاق على ثمان مراحل