
الرجوع إلى الله
الطهارة من الذنوب
السيد عباس نورالدين
تمثّل الذنوب التي تصدر منّا تعبيرًا قويًّا عن وجود الحاجز الأكبر بيننا وبين لقاء الله. فإذا كان لقاء الله هو الغاية القصوى والهدف الأسمى لوجود الإنسان، فإنّ هذا الهدف لا يمكن أن يتحقّق إلا بعد زوال كل أشكال الإنيّة (رؤية النفس في استقلالها)، وحالات الأنانية (حبّ النفس في مقابل حبّ الله).
إنّ التحقّق بمقام عند الله وصيرورة الإنسان وليًّا وعبدًا خالصًا لله وبلوغ مرتبة رضوان الله، كل هذه لا تكون إلا بعد إسقاط كلّ التعيّنات الأنفسية والتوجّهات الغيرية. فما دام الإنسان ناظرًا إلى نفسه أو متوجّهًا إلى غير الله تعالى، فهو غير لائق بمظهرية أسماء الله والاتّصال ببحر الكمال المطلق.
إنّ أجمل تعبير عن هذا المقام الأعلى هو أن يعيش الإنسان حالة الفناء في الله بفعله وتوجّهه وصفاته وذاته، فيكون له مقام البقاء بالله فعلًا وصفةً وذاتًا. وليست المعصية سوى تعبير عن شدّة رسوخ رؤية النفس والأنانية. ولهذا، فمن أراد الرجوع إلى الله تعالى الذي هو التحقّق بشأنية الله، لا بدّ أن يتخلّص من المعصية ويتوب من الذنب. ولهذا قالوا: إنّ التوبة هي حالة رفض الاستمرار على طريق المخالفة وترك سبيل المعاندة.
ولا تصح التوبة إلا بعد معرفة ماهية الذنب وتطبيق هذه المعرفة على أحوالنا المختلفة، حتى نتعرّف إلى مصاديق الذنوب التي اجترحناها، فنتوب منها ونقلع عنها. وأهم ما ينبغي أن نعرفه عن الذنب هو أنّه عبارة عن الانخلاع عن العصمة الإلهيّة التي تشبه التيّار، الذي يتّصل بكل نفس ويحول بينها وبين المعاصي. فالأصل في الحياة هو أنّ الله يعصم جميع عباده ويربط وجودهم بوجوده لكيلا يعرضوا عنه. لكن يبقي لهم الاختيار؛ فمن عصى، فكأنّه انخلع عن هذه العصمة وانقطع عن هذا الفيض.
صحيح أنّ نفوسنا أمّارة بالسوء، وأنّ طبائعنا كبشر تميل إلى المعصية، لكنّ الله تعالى قد نفخ فينا من روحه، وهذه النفخة الإلهية متّصلة دومًا بالروح الأعظم، الذي يهدي إلى كل خير. ولا يرتكب المعصية إلا من قطع سبيل الروح، ولا بدّ له من العودة إليه ووصله.
ولا يكون الذنب ذنبًا وعصيانًا مع اضطرار الإنسان إليه والانجبار على فعله وإنّما يكون بالاختيار، والاختيار يبدأ من الرغبة بحصول الشيء، لهذا يجب أن ندرك حالة الفرح واللذة التي نشعر بها حين ارتكابه؛ فهي أساس العصيان وجوهره. وهنا تكمن المشكلة الكبرى في علاقتنا بالله تعالى، وهي أنّه كيف للعبد أن يفرح بمعصية الله وهو يعلم مقام الله عنده. فما الذي أوصلنا إلى هذا المستوى من الانحدار بحيث نفرح بمخالفة ربّنا الذي أوجدنا وأنعم علينا وحبانا بكل هذه الخيرات؟!
علينا أن نغوص في فهم هذه النفس، التي بلغت هذا الدرك من الانحطاط؛ كما علينا أن نفهم سبب إصرارنا على عدم تداركه مع سنوح الفرصة لذلك، خصوصًا أنّنا نكون على يقين بأنّ الله يرانا. فهل لأنّنا اعتبرناه أهون الناظرين إلينا. ولو لم نكن على هذا اليقين، فنحن أسوأ حالًا لأنّنا كفرنا بالربّ العظيم.
ما سرّ هذا الإصرار رغم أنّنا نستطيع بسهولة أن نتدارك الأمر في البدايات؟ ألا يمثّل هذا الإهمال استخفافًا بالله تعالى. فالعاقل الذي يخطئ أمام شخصٍ محترم، لا يمتلك إلا الاعتراف والاعتذار، لكيلا يُعد ذلك انتقاصًا منه لهذا الشخص. فما الذي حصل لنا حتى وصلنا إلى هذا المستوى!
وباختصار، ليس الذنب مجرّد فعل مخالف لما يريده الله؛ وإنّما يحكي عن حقائق داخل النفس، يجب أن نتوغّل فيها ونتعرّف إليها لكي نعلم ما نحن وكيف نحن، عسى أن يكون ذلك مقدّمة للتوبة والرجوع الحقيقيّ.
المعصية ليست سوى سير بالاتّجاه المخالف. ولهذا، لا تجتمع مع السير إلى الله.
وأهم شروط التوبة ثلاثة:
- الندم بالقلب.
- الاعتذار بكثرة الاستغفار.
- الإقلاع بالجوارح.
فالندم يدلّ على الوجدان السليم ويشير إلى بقاء الاتّصال بالإلهام الإلهيّ؛ لأنّ التألّم والتحرّج من الذنب دليل على وجود رغبة وميل حقيقي لبلوغ مقام الكمال والطهارة. والاعتذار بطلب جبران آثار الذنوب وتبعاتها والتيام جروحها وخسائرها هو الاستغفار الحقيقيّ؛ لأنّ الإنسان لا يمكن أن يكون تائبًا وهو غير مكترث لهذه الآثار السلبية، مثلما أنّ من يريد الكمال الجسماني بالرياضة والتمرين لا بدّ أن يتخلّص من الأمراض والجروح. ولا شك بأنّ الإقلاع وترك الاستمرار والإصرار على الذنب هو أفضل مظاهر التوبة، حتى قيل أنّ ترك الذنب هو التوبة. ومن أراد أن يعلم إذا كان الله قد وفّقه للتوبة فلينظر قبل أي شيء إلى هذا الأمر.
وتحت هذه الشروط حقائق هي التي تحقّقها وتعين عليها. فلا يقدر على التوبة الظاهرية إلا من عظم الذنب في عينه ورأى عظيم جنايته عظيمًا؛ لأنّه نظر إلى من عصى ولم ينظر إلى حجم المعصية. وكل صاحب وجدان يدرك أنّ المعاصي تُقاس بهذا المعيار. كما جاء في الحديث عن رسول الله(ص): "يا أبا ذر لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت".[1]
ولأنّنا شاهدنا أنفسنا تعود إلى المعصية بعد كل ندم وتوبة، فلا يمكن أن نكون على يقين بحصول التوبة؛ ولا بدّ أن نشكّك في توبتنا لكي ندرك ما تخفيه نفوسنا، حتى نتمكّن يومًا ما من اقتلاع جذور العصيان بالكامل.
وإحدى الحقائق المهمّة في هذا المجال هي أنّ من أدرك حال نفسه لا يمكن أن يشتغل بعيوب غيره، نظرًا إلى حجم الكارثة والمصيبة. ولأنّ العقل السليم يقدر على إعذار الناس واحتمال العديد من المبرّرات لأخطائهم، في الوقت الذي يكتشف الحقيقة الدامغة المتعلّقة بالنفس. فمن كان مشغولًا بملاحظة أخطاء الآخرين، كان كمن يبحث عن مبرّرات ومعاذير لنفسه، حتى يقلّل من شأن معصيته ويستخف بذنوبه، على قاعدة أنّ البلية إذا عمّت طابت.
[1]. بحار الأنوار، ج 74، ص 77.

مقامات السالكين
تحرير لكتاب منازل السائرين للشيخ عبدالله الأنصاري وشرحه للشيخ القاساني، والذي يُعد من أجلّ الكتب وأرفعها في السير والسلوك والعرفان العملي. ولا نبالغ إذا قلنا أنه لا يوجد له مثيل في هذا الفن الأعلى من حيث الترتيب والمنهجية والتفصيل والعمق والدقة. ولهذا كان مورد تأييد واعتماد أساتذة العرفان وتدريسهم. مقامات السالكين تحرير وشرح: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 304 صفحاتالطبعة الأولى، 2009م السعر: 8$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراءه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

سفر إلى الملكوت
المبادئ الأساسيّة لبناء حياة معنويّة رائعة.كتاب يتحدّى تفكيرنا ويحثّنا على إعادة النظر بما كنا نعتبره من المسلّمات أو الأمور التي لا تحتاج إلى تعمّق وتدبّر. سفر إلى الملكوت الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 406 صفحاتالطبعة الرابعة، 2017مالسعر: 10$ تعرّف أكثر إلى الكتاب من خلال الكاتب يمكنكم شراء الكتاب عبر موقع جملون على الرابط التالي:

أطوار القلوب
بأسلوب يراعي الإيجاز والتسهيل، مزدان بالرسوم والصور التعبيرية المميزة، يسعى الكتاب لتقديم الرؤية الشاملة لأحوال القلوب وأطوارها ومنازلها وآثار كل مقام وعلاماته، ليكون هذا الكتاب دليلا مرشدًا لكل من يحب أن يتجول في عالم المعنويات والروح دون أن يغرق في المصطلحات والتعقيدات العلمية.إنه دليل موجز لرحلة السالكين في عالم المعنى. أطوار القلوب الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19.5*19.5غلاف ورقي: 96 صفحةالطبعة الأولى، 2008م

دروب الحياة
أراد الله خليفة له، يظهر عظيم صفاته في جميع مراتب الوجود، فخلق الإنسان.. وأحب الله أن يعرف في سره المكنون فأبدع الإنسان... وشاء الله لأقرب الخلق إليه أن يعبدوه حقًّا فصوّر الإنسان... وكان لعلماء الإسلام شرف الحديث عن الإنسان في أجمل بيان، ففاقوا غيرهم في أعظم فن من الفنون. وحينما كان الغربيون يتباهون في رسم تقاسيم جسده وجمال صورته، كان العرفاء المسلمون يغوصون في أعماق روحه ليستخرجوا من بحارها أجمل وأروع المشاهد والمعاني. وما يقدمه هذا الكتاب هو صورة مصغرة عن حقيقة هذا الإنسان. دروب الحياة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 20*20غلاف ورقي: 48 صفحةالطبعة الأولى، 2006م

الفرار من الأسر
إن كنت تبحث عن كتاب أخلاقي تعليمي للمبتدئين يعرض لاهم الأفكار التي ترتبط بتهذيب النفس والتكامل فسوف يكون هذا الكتاب ما تبحث عنه بالتأكيد. ولمساعدة الطالب والاستاذ يقدم مع نهاية كل درس مجموعة من التمارين المساعدة والهادفة الفرار من الأسر الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 19.5*19.5غلاف ورقي: 112 صفحةالطبعة الثانية، 2008م يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي: النيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=0وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء

عودة الروح
كثيرًا ما يدور على ألسن الناس الحديث عن الإيمان والمؤمنين، فيقال هذا مؤمن وهذا ليس بمؤمن أو أن المؤمن يفعل كذا ولا يفعل كذا. فما هو الإيمان؟ وكيف يختلف الإيمان الإسلامي عن غيره؟ هل يمكننا التعرف على الإيمان في أنفسنا؟ هذا ما يجيب عنه هذا الكتاب إلى جانب مسائل أخرى ترتبط بموضوع الإيمان.

عشر قواعد لحياة روحية عظيمة
عشر قواعد أساسيّة تدلّنا على كيفية الوصول إلى حياة روحانية صاخبة فوّارة طيّبة مفعمة بالنشاط والاندفاع. 10 قواعد لحياة روحية عظيمة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 160 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 7.5$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

المحطّة الأولى من سفر الكمال.. وشروطها العشرة
إذا عزم الإنسان على السفر إلى الله وأدرك أنّ كماله الحقيقيّ إنّما يكون في ظلّ القرب الإلهيّ، الذي يتحقّق بفضل العبوديّة التامّة، فربما يجد نفسه غير منسجمة مع متطلّبات هذا السفر.

دور اليقظة في السفر إلى الله... كيف نعمل على تنوير قلوبنا بالنور العظيم؟
إذا كان هناك جملة واحدة تختصر قضية السير والسفر إلى الله تعالى، فهي تلك التي وردت في الحديث الشريف: "التَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَ الْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِه".[1]الدنيا هي دار الغرور لمن اتّخذها مقرًّا وغاية، والآخرة هي دار السرور والسعادة لمن جعلها هدفًا ومقصدًا.

أجمل حالات النفس، ماذا يحصل حين نروّض أنفسنا؟
تقتضي المحطة الأولى من السفر إلى الكمال أن يروض المرء نفسه ويجعلها منسجمة مع عزمه على هذا السفر الذي ينتهي إلى الله. وقد عرضنا في مقال سابق لأهم الشروط التي ينبغي أن يلتزم بها من يريد إزالة العقبات والموانع، والتي تجعل نفسه متوافقة مع قلبه التائق للعروج والقيام لله تعالى.

الصوم الهادف 2... كيف يحقّق الصيام حالة التقوى في النفس؟
أحد الأهداف القريبة للصيام هو الذي عُبّر عنه بالتقوى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} يُستفاد من هذا التعبير الجميل أنّ احتمال حصول التقوى من خلال الصيام هو هدفٌ مهمٌّ جدًّا وأساسي.كيف يحقّق الصيام حالة التقوى في النفس؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...