ظاهرة الشذوذ الجنسي.. كيف نتعامل مع عواصفها القادمة؟
السيد عباس نورالدين
منذ سنوات ونحن نستشرف هبوب عاصفة جديدة من جانب الغرب (كالعادة)، ستعمل على اقتلاع كل ما يمكنها من مظاهر الحياة الدينية والروح المعنوية التي نتمتع بها في ظلّ ديننا الحنيف.. وسواء كانت هذه الظاهرة ناشئة من السياق الطبيعي للثقافة الغربية المادية أو من أجندات مؤسّسات القرار الخفية أو منهما معًا، فإنّ تعارضها مع روح الدين هو أمرٌ لا ينبغي أن نشك فيه لحظة، مهما كان الغطاء الذي تتستر به جميلًا أو جذابًا.
ينبغي أن نعترف بأنّ الحركة الإعلامية الدؤوبة التي جرت في المجتمعات الغربية للدفاع عن الشذوذ الجنسيّ، قد أدّت إلى نشوء تيارات واسعة تؤمن بأنّ هذه الممارسة هي أمرٌ طبيعيّ في ظلّ الحقّ الأول، الذي يجب أن تضمنه الحكومات للإنسان، وهو حقّه بأن يعيش حرًّا ويحدّد مصيره الكامل وفق إرادته ورغباته.. فالربط الوثيق بين الحرية والجنس أضحى من البديهيات الأولية للذهنية الغربية، التي لا تستند إلى أيّ ركنٍ إلهيّ.
لقد أصبح الدفاع عن الشذوذ الجنسيّ واحدًا من أصول الدفاع عن الحريات في العالم الغربي. ولا ينبغي أن نتفاجأ من هذا الربط في ظلّ ثقافة لا يمكنها أن تتعرّف إلى الأبعاد والآثار المعنوية للسلوكيات الإنسانية المختلفة ولا أن تشعر بها، سواء كانت ضمن دائرة العلاقات الجنسية أو غيرها.
حين يتم تغييب البعد الروحاني للإنسان، وحين يغفل الناس عن المعنى الحقيقي للحياة، فلن يبقى سوى حياة مادية هابطة، لا يكون الفارق فيها بين مختلف الممارسات الجنسية ملحوظًا. ولهذا، توقّع كبير حكماء الأمّة الإسلامية أنّ هذا التفلت الجنسي سوف يطال سائر المحظورات والممنوعات الحالية، حتى في بيئة العلمانيين والملحدين وأمثالهم من منكري الوحي والألوهية.
إنّ انتفاء الروحانية من الحياة، وإطلاق العنان للماديات والشهوات الجسمانية، والانطلاق من الحرية لتقييم أي ظاهرة اجتماعية أو سلوكية، سيوصلنا بالتأكيد إلى تأييد أي نوع من الممارسات الجنسية. وحين تقصر الدوافع المادية عن حشد التأييد لهذا النوع من الممارسات، يتم ضخ كميات إضافية من جرعات الحرية لسدّ هذا النقص.
نصيحتي هنا أن لا نبني مواجهتنا لهذه الظاهرة المدمّرة على الأسس الفقهية، وأن لا نعتمد أسلوب الدفاع انطلاقًا من الزاوية الشرعية (التحريم والعقوبات الشديدة والتنكيل العجيب بحقّ ممارسي الشذوذ)؛ لأنّ قوّة العاصفة وطبيعة اتّجاهها مخالفة، وهي أكبر من الجوانب العملية والسلوكية. والذي يريد أن يواجه التحدّي القيمي بالسلاح التشريعيّ هنا يبدو أنّه لن يجلب لنفسه سوى الإخفاق والحرج.
إنّنا بأمسّ الحاجة للتعامل مع هذه الظاهرة الخطرة انطلاقًا من الرؤية القيميّة، التي نمتلك من إمكاناتها وجمالياتها الكثير، وإن كنّا بحاجة إلى المزيد من الضخ الأدبي (ابتكار الأدبيات المتناسبة مع روح العصر).
كل المنتمين إلى مدرسة الوحي والألوهية قابعون على منبعٍ فوّار لجمال القيم، التي تصلح لتفسير الحرية الحقيقية والمعنى الدقيق للحياة، وإضفاء أعلى مظاهر الجمال على العلاقات البشرية وعلى الحياة المادية وبيان موقعها الحقيقيّ ضمن دائرة الوجود. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن نتعرّف إلى ما تحتويه ظاهرة الشذوذ هذه من عناوين قيمية وغطاءات جمالية، فيما إذا كنّا نريد النجاح والفوز في هذه المعركة المصيرية.
وأحد أهم القيم الضائعة في ظاهرة الشذوذ ـ والتي يمكن أن نعزي الكثير من أسباب استفحالها إليها ـ هي قيمة الرجولة والأنوثة. ففي الشذوذ الجنسيّ نلاحظ ضعفًا واستضعافًا واضحًا لهاتين القيمتين، سواء على المستوى النفسي (أجل، الرجولة والأنوثة أمران نفسيان حقيقيّان) أو على المستوى البيولوجي.
وكثيرًا ما تنشأ رغبة الرجل برجلٍ آخر حين يرى فيه ملامح الأنوثة؛ هذا طبعًا، بالإضافة إلى سهولة التناول والحصول في مجتمع مشجّع، حيث هناك مرونة لإنشاء مثل هذه العلاقة، مقارنةً بتعقيدات العلاقة مع الجنس الآخر.. ومثل هذا الأمر يحدث على نطاقٍ أوسع في رغبة المرأة بإمرأة أخرى، لما ترى فيها من ملامح الرجولة التي تفتقد إليها.
ولا شك بأنّ أحد أبرز مظاهر التربية والثقافة الغربية، والذي تفاقم في العقود الأخيرة، هو ما كان على صعيد تقليص الفوارق الجنسية، عبر شتى أنواع الممارسات والدعوات والأوضاع الاجتماعية والإعلامية وحتى التعليمية. فكيف إذا أضفنا عامل الضغط الهائل على المرأة وما تولّد عنه من ردّة فعل نسائية استقوائية واسعة (الأمر الذي نعبّر عنه بالاسترجال)! وكيف إذا أضفنا إلى ذلك كلّه عاملًا آخر، وهو ظاهرة التدهور العجيب في معدلات الخصوبة في المجتمعات الغربية قاطبة، وما تشير إليه من دلالات جنسية واضحة.
إنّ ما يجري في الغرب لا يمكن أن يشبهه شيء يجري في بلادنا في المدى المنظور (وهنا نحتاج إلى تفهّم بعضنا البعض فيما يرتبط بهذه التحوّلات، رغم صعوبة تقبّل هذا الكلام في المقلبين). ففي الغرب هناك اجتياحٌ واسع لما يمكن أن نعبّر عنه بانخفاض القوى الجنسية عند الذكور والإناث؛ الأمر الذي يولّد حالة من الحيرة واضطراب الهوية الجنسية. في الوقت الذي يُفترض أن تكون دلالات هذا الأمر الجسمانية والعضوية كافية لحسمه. وهذا ما دفع بعض البلدان الغربية (كألمانيا وأستراليا) إلى تبنّي عدم حسم قضية الجنسية في المراحل العمرية الأولى، باعتبار أنّ ذلك يُعدّ نوعًا من انتهاك حقّ أصيل لكلّ فرد. وتأجيل هذا التحديد إلى مرحلة الرشد!
حين لا أشعر برجوليتي التامّة، وحين يأتي من يشكّكني بها بسهولة، وحين يُفسح المجال أمامي للاختيار، ومن ثم يُعدّ اختياري للجنس الآخر شجاعةً وتمرّدًا على القمع والظلم التاريخيّ المديد، فإنّ اندفاعي نحو الشذوذ لن يكون مجرّد استجابةٍ لضعفٍ بيولوجي صرف، ولا انجرافًا لموضة ثقافية بحتة، بل الأمرين معًا؛ حيث سأكون الرجل المظلوم الشجاع المناضل الذي سيحطّم القيود الاجتماعية الثقيلة.
ولا يختلف هذا الأمر عمّا يجري في البيئة النسائية بتاتًا، بل ربما يزداد استفحالًا إذا أضفنا إليه تلك المظلومية التاريخية للمرأة وحركة النضال من أجل التحرير والدفاع عن حقوقها.
فممّا يؤسف أن تصبح قضية الجنس، التي يُفترض أن تكون عنصرًا أساسيًّا في بقاء النسل وتماسك الأسرة وتقوية البنية الاجتماعية للحياة البشرية، عاملًا لإهلاك الحرث والنسل وتفكيك الأسرة وتقويض البنى الاجتماعية المختلفة؛ وكل ذلك تحت شعارات الحرية والنضال والشجاعة ورفض الهيمنة.
كيف نوعي أولادنا تجاه الشذوذ الجنسي؟
بناء على ما ذكرتموه في فيديو "كيف نهيئ أبناءنا لمواجهة الشذوذ الجنسي"... هل يمكن توضيح كيف نحمي أبناءنا ونوعيهم في هذا المجال؟
كيف نفسر ظاهرة الشذوذ الجنسي؟
كيف نفسر نشوء حالات المثليين، كيف بدأت تاريخيًا وكيف تطورت؟
لماذا ستخسر البشرية كثيرًا بسبب الشذوذ
للثقافة السائدة الدور الأكبر في توجيه شهواتنا الجنسية. صحيح أنّ للطبيعة البشرية قوتها ووجهتها، لكن الأفكار والعادات والأنماط والمؤثرات النفسية التي تهيمن على أي مجتمع (وهي عناصر ثقافته)، ستلعب دورًا بارزًا في بلورة التعبير عن الحاجات والشهوات وصياغتها.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...