
لماذا الحجاب الإسلامي؟
وما هي مخاطر إظهار الجسد
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب أي مجتمع نريد
في العلاقة بين الحجاب والأنشطة الجنسية للبشر
الحجاب في الفكر الإسلامي يعني ستر البدن أو أجزاء منه عن أعين الناظرين، بحيث يصرف الساتر فكر الناظر الطبيعي وخياله عمّا يحجبه ويُخفيه. ومع انصراف الفكر والخيال يُفترض أن يحصل ضبط للاندفاع نحو الرغبة الجنسية. وفي ظل هذا الضبط والانضباط يتم صون النفوس من مخاطر صيرورة الجنس وسيلة للاستغلال والإساءة.
إنّ الاندفاع الجنسي دون ضوابط ومسؤوليات غالبًا ما ينتهي بانغماس الإنسان في الحياة البهيمية والشهوانية وما ينجم عنها من إنجاب خارج إطار الأسرة التي يُفترض أن تكون راعية للأطفال ولحاجاتهم. وقد ينجم عن هذا الاندفاع البهيمي امتناع النفس عن تحمُّل مسؤوليات الأسرة والإنجاب. وفي كلا الحالين يتعرض المجتمع البشري لكوارث تُنذر بفنائه وزواله.
الخطر الأكبر من وراء الانغماس في لذة الجنس دون ضوابط يتمثل في انحراف الإنسان نحو نوع من الحياة البعيدة عما خُلق له من كرامة ورفعة وتمتُّع بالروحانية والمعنويات والانطلاق في آفاق الوجود الرحبة. الانغماس في الحياة الجنسية يحصل غالبًا من استسهال الوصول إلى الجنس الآخر، حيث يجري العرض والجذب بعيدًا عن الالتزامات الأخلاقية والحقوقية. ولذلك كانت مسؤولية المرأة في الانضباط والستر لا تقل عن مسؤولية الرجل، إن لم تكن أكبر.
إنّ أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي إنسان في بداية حياته هو ألّا ينشأ في أُسرة متماسكة يتشارك فيها الوالدان مسؤولية تأمين جميع احتياجاته النفسية والمعنوية والجسمانية. الكوارث التي تقع جراء تفكك الأسرة وعدم وجود مثل هذه الرعاية المشتركة هي أكبر مما نتصوره؛ وبقاء المجتمع البشري وازدهاره يعتمد بشكل أساسي على وجود هذا التوازن النفسي والاندفاع الإيجابي عند الأفراد في الحياة. بالإضافة إلى أنّ الإنجاب خارج إطار الأسرة المتماسكة يؤدي حتمًا إلى انخفاض معدل المواليد بشكل حاد نظرًا للآلام والمتاعب المنهكة التي تحصل جراء ذلك. تجربة إنجاب من هذا القبيل تكون عاملًا للإعراض عن الإنجاب فيما بعد.
إنّ تكاثر البشر في ظل بيئة هانئة وأنظمة مستقرة هو الهدف الأعلى من وجود الحياة الاجتماعية. وتحقق الأهداف الإلهية العليا لخلق الإنسان على الأرض يعتمد بشكل أساسي على استمرار النسل والتكاثر. وهناك علاقة وطيدة بين التفلُّت الجنسي والإعراض عن الإنجاب وانخفاض معدلاته. فالتفلُّت الجنسي عامل أساسي لدمار الأُسر والإحجام عن الزواج أيضًا. حين يحصل الرجال على شهواتهم الجنسية بعيدًا عن المسؤوليات الأسرية يُحجمون عن الزواج والإنجاب لما يرونه في الزواج من تقييد لحريّتهم الجنسية وتمتُّعهم غير المشروط.
يجب أن يبقى الجنس الآخر مرغوبًا به بشدة لأجل بقاء النسل واستمراره وتكاثره. وهذا ما يحصل مع وجود ضوابط وقوانين حقوقية واضحة في التواصل بين الجنسين. يصبح التمتع الجنسي بين الذكور والإناث أضعف حين تنخفض الرغبة بالجنس الآخر؛ ومع وجود محفزات خارجية وثقافية ضاغطة وعقاقير ومشروبات مهيجة يندفع الجميع نحو الجنس، لكن وللمفارقة تصبح الرغبة أقل مع مرور الوقت وتضعف الشهوة في ظل هذا النمط من العيش.. المجتمعات المتفلّتة تعاني من تدنٍّ ملحوظ في قوة الشهوة الجنسية وفي منسوب الرغبة مما انعكس بشكل واضح على معدلات الخصوبة عند الرجال وميل الذكور إلى التأنّث والإناث إلى الاسترجال.
إنّ وضع ضوابط وتحديد مسؤوليات للتمتُّع الجنسي لا يُقلّل منه أبدًا، بل يزيد الرغبة فيه والاندفاع نحوه، وللحفاظ على الطاقة الجنسية لا ينبغي إطلاق العنان لها. ومع وجود طاقة جنسية عالية والتزام بالمسؤوليات يتجه النشاط الجنسي نحو تبني إطار الزواج والمسؤوليات المشتركة. ولا يخفى على أحد أنّ المتزوجين هم أكثر تمتُّعًا بالجنس (كمًّا ونوعًا) مقارنةً بالعُزّاب المتفلّتين الذين يمارسون الجنس دون ضوابط. تأمُّلٌ بسيط في حياة هاتين الفئتين يوصلنا إلى هذه النتيجة المفاجئة، ومعها تأتي الأرقام والإحصاءات المؤيدة أيضًا.. إنه لأمرٌ طبيعي أن يكثر التمتع ويزداد مع وجود بيئة نفسية مريحة ومقدمات لائقة، خصوصًا إذا عرفنا أن الإنسان كائن عاطفي يرتبط الجنس عنده بالأحاسيس والعواطف والتقدير؛ وهذا ما يتحقق في إطار الزواج لا غير. إنّ تواجد الرجل والمرأة في بيئة واحدة ضمن علاقة طيبة وحياة مشتركة يُساهم كثيرًا في الرغبة المتبادلة، ويصون الجنس من الكثير من التعقيدات والصعوبات.
|| فلسفة الحجاب تنشأ من فهمنا للجنس والإنجاب وإدراكنا لفلسفة الحياة الاجتماعية على الأرض.
يريد الله لعباده أن يستمتعوا بهذه الشهوة إلى أقصى حدٍّ ممكن، لأنّ هذا الاستمتاع سيكون عاملًا أساسيًّا للإنجاب والتكاثر، الذي يُعد بدوره هدفًا أعلى للحياة الاجتماعية، بالإضافة إلى ما في هذا التمتُّع من توازنٍ نفسي واستقرارٍ معنوي وبعث التوجه نحو جمال الخلقة ولطافتها. ولكي يتحقق هذا الهدف الأعلى للحياة البشرية يجب أن يكون هذا التكاثر دائميًّا وتصاعديًّا. وهذا ما لا يحصل سوى في ظل بيئة اجتماعية مستقرة لا تتحقق سوى في ظلّ رسوخ قيمة الزواج والأُسرة المتماسكة بين أبناء المجتمع.
الأسرة المتماسكة ـ تكاثر البشر ـ تحقق الأهداف من وجود البشر على الأرض |
خلع الحجاب مقدمة للتعرّي
ما هي العلاقة بين التعرّي وضعف النشاط الجنسي؟
يمثّل جمال المرأة جاذبية مهمّة لتفعيل النشاط الجنسي الإنساني لا البهيمي. فمع توجُّه الرجل إلى جمال المرأة ينصبغ النشاط الجنسي بالبُعد العاطفي الإنساني ويُصبح أكثر متعة. حين يعتاد الرجل على رؤية شعر المرأة، فإنّ جاذبيّته تزول بنسبة كبيرة؛ وبعدها لن يثيره منها أو يُرغّبه بها سوى ما تُخفيه من جسدها، كالكتفين والذراعين والرجلين وغيرها. فإذا اعتاد على رؤية هذه الأجزاء لا تلبث أن تزول جاذبيّة هذه أيضًا عنده. وكلما اعتاد الذكور على رؤية أجزاء أو أعضاء من جسد المرأة قلّت جاذبيتها بالنسبة إليهم، وبذلك تضمر الرغبة ويقل الاحتياج الجنسي للمرأة مع هذا الاعتياد.
ومع التفلُّت المُطلق والتعرّي التام سيبحث الذكور عن مُشبعات للجنس لا علاقة لها بالمرأة وجمالها وحتى جسدها؛ كل ذلك من أجل حفظ الإثارة وتحفيزها وبقاء الانجذاب. وهذا ما يُفسر تزايد نسبة المثليين (الذين تُعد ميولهم شذوذًا وانحرافًا عن الطبيعة الأصلية) في المجتمعات المتفلّتة. ومع تزايد الشذوذ الجنسي يتجه البشر نحو أمورٍ لا تخطر على البال وتخرج عن إطار العلاقات الطبيعية فضلًا عن انقطاع الإنجاب. هذا المسير الانحرافي يبدأ من انعدام النظرة إلى المرأة كإنسان يُفترض أن تكون شريكة حياة. وهذا ما يحدث بسبب توجه المرأة نحو استغلال جسدها في العلاقة مع الرجل.
كذلك فإنّ خطورة كشف الجسد واستخدامه للتأثير على الرجل خارج إطار المسؤوليات وبعيدًا عن رابطة الزواج تكمن بالدرجة الأولى في انخفاض تلك الرغبة وما تؤول إليه من ضعف القوة الجنسية، وذلك خلافًا لما يتصوره الكثيرون. أجل، في المرحلة الأولى التي يحصل فيها خلعٌ للحجاب أو تراجعٌ عن الستر سنلاحظ اندفاعًا مفاجئًا من الرجال نحو النساء، وكأن المجتمع ازداد نشاطًا في الجنس، لكن ذلك سرعان ما يذوي ويزول مع الاعتياد.
قد يُثار الرجل إذا شاهد مجموعة من النسوة بلا غطاء للرأس إن كان يعيش في بيئة تلتزم به. لكنه بعد مدة وحين يصبح الأمر عاديًّا عنده يفقد هذه الإثارة تمامًا. وحين يصبح خلع الحجاب عن الرأس أمرًا عاديًّا ينتقل الناس إلى كشف المزيد، وهم يقولون ما الضير من كشف السواعد والأرجل ثم ما الضير من كشف البطن والصدر، وهكذا. إن مسلسل خلع الحجاب سينتهي حتمًا نحو التعري التام.
المرأة التي تكشف من جسدها ما لا يكون متعارفًا في المجتمع مثل الوجه والكفين، فهي بذلك تقدم دعوة مفتوحة للرجال، والرسالة التي تبثها هي إنّني مُتاحة دون ضابطة. من الطبيعي أنّ مثل هذه الدعوة لن تجلب الشعور بالالتزام من قبل الرجل، ولن تؤدي إلى الزواج. وهكذا تتحول المرأة إلى سلعة وألعوبة يتم تداولها بين الرجال، فيتم الدوس على حقوقها الأولية، ما يحملها على الدخول في معركة استعادة الحقوق التي لن تكون معركة متكافئة أبدًا. المرأة التي تظن أنها بدخول نادي الرجال ستتمكن من إثبات وتثبيت حقوقها هي واهمة جدًّا. وإنّ أول ما سيضيع منها هو تلك الأنوثة التي تمثل جوهر شخصيتها.
لا يمكن للرجل أن يتوقف عن الرغبة بالمرأة لأنه بذلك يخالف أصل خلقته، فإن لم يحصل على رغبته في إطارٍ منظَّم ومتوازن، فسوف يسعى لذلك بأي طريقة ممكنة. إنّ مطالبة الرجال بضبط شهواتهم وتقييدها وعدم تأمينها أشبه بالمهزلة وأقرب شيء إلى الغباء والجهالة. لا يمكن تغيير خلقة البشر سوى بتشويهها وتدميرها. ومع وجود هذه الخلقة الطبيعية سيكون الرجل باحثًا وطالبًا للمرأة بشكل قهري، يلفته أي دعوة تنطلق منها فتجذبه إليها. فإن لم تنته هذه الدعوة إلى علاقة ذات ضوابط واضحة ومسؤوليات محددة، فسوف تنتهي إلى علاقة استغلالية مبهمة مضطربة حتمًا.
لا يمكن للبشر تحمُّل مثل هذا العذاب النفسي الناشئ عن العلاقات المتفلتة التي لا يلتزم الطرفان فيها بمسؤوليات واضحة تجاه بعضهما بعضًا. لذلك إن أضحى الزواج إطارًا طبيعيًّا ينتهي عنده الانجذاب، فلن يعاني الطرفان ولن يدخلا في علاقة مضطربة تستنفد الكثير من جهودهما وتهدرها عبثًا.

صديقتي خلعت الحجاب!
امراة في الثلاثين من عمرها ام لطفلين سافرت الى الخارج للعيش. بدأ دينها يتراجع شيئا فشيئا حتى خلعت الحجاب. مع انها انسانة جدا جيدة ولكن يبدو ان محيطها يؤثر عليها وترى انها لم ترتكب أي خطا بل هي تتماشى مع طريقة العيش هناك. السؤال هو كيف نستطيع ان نساعدها لترجع الى الطريق القويم مع العلم ان الكلام معها كان كثيرًا.

الحجاب بين الحياء والتهتّك.. متى يكون الحجاب سفورًا؟
يبدو أنّ التّركيز الإعلاميّ على ظاهر "الحجاب" قد سمح للكثيرين أن يتلاعبوا به ويحوّلوه إلى عاملٍ مضادٍّ لحقيقته. فالحجاب بحسب المصطلح الشائع هو ذلك الغطاء الذي يكمّل عمليّة إخفاء تفاصيل البدن باللباس، ولذلك صار أمرًا مختصًّا بالنساء.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...