![](http://m.islamona.center/archive/image/2024/1/6/2955b947-eefd-4aa2-b9f6-62603cee9a64/1.jpg?v=2)
لماذا تُعد المصارحة المطلقة صعبة؟
ولماذا نخشى مصارحة أزواجنا؟
وهل یمکن أن نتصارح في المبهمات؟
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب الزواج في مدرسة الإيمان
وشركاء الحياة
{وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[1]
ربما لا يوجد في الزواج ما هو أجمل وأعظم من الاتحاد الروحي. نقصد بهذا أن يجد الأزواج في بعضهم بعضًا محلًّا يضعون أنفسهم كلّها فيه ولا يقلقون.. ما أصعب ألّا يجد الإنسان مثل هذا الموئل والملجأ في عالمٍ مليءٍ بالاضطراب والقلق. كأنّ النفوس لا تستقر في هذه الحياة حتى تجد هذا المكان الثابت. وبمجرّد حصول هذا الاتحاد والاستقرار تذوق النفس طعم الطمأنينة.
إذا ركنت النفس إلى نفسٍ أُخرى وشعرت معها بالأمن المطلق، فإنّها تُلقي بأحمالها التي تُثقل كاهلها فترتاح. كأنّ النفوس الأُخرى أمرٌ من عالم الغيب نحتاجه بشدة.
أجل خُلقت النفوس لمثل هذا؛ وهذه هي حقيقة الزوجية التي قد يتحقّق شيءٌ أو درجة منها في الحياة الدنيا، حتى إذا انتقلت إلى الحياة الآخرة تتحقق هذه الزوجية بكل درجاتها، كما يقول تعالى في كتابه العزيز: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَت}.[2] ولعلّ هذه الآية أيضًا إشارة إلى هذه الحقيقة بقوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ}.[3] حتى رسول الله وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله يختار لنفسه أزواجًا في ذلك العالم، كما ورد في بعض الأحاديث.
ربما هذا ما يُبحث عنه في بعض الثقافات تحت عنوان "سول مايت" أو شريك الروح. يُريد الإنسان أن يأمن إلى أحدٍ ويطمئن إليه، فلا يشعر أنّه يُخفي شيئًا من أفكار وهواجس ومشاعر وأحاسيس. كأنّه يريد أن يرى انعكاس كل هذه الأحوال ليعرفها بحقيقتها، ولذلك يحتاج إلى نفسٍ أخرى.
بعض النفوس تكون قاصرة بذاتها عن أن تعكس أي شيء من أعماق النفوس، مرآة وجودها محدودة جدًّا ربما لا تقدر على إدراك ما نبثه إليها من شجون وهموم وأحوال وأفكار. ولكن هناك مرايا تكون رغم استعدادها متّسخة ويعلوها طبقات من الرين والصدأ، تحتاج معها إلى تنظيف وتلميع. هناك عوامل عديدة تؤدي إلى هذا النقص، وعلى رأسها حب الذات والأنانية التي تجعل النفوس كالثقوب السوداء في الفضاء التي لا تعكس أي ضوء. هذا ما يُعبّر القرآن عنه بشح الأنفس، {وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبيرًا}. وظيفة المرآة هي الانعكاس، وحين لا تفعل ذلك لا تبقى مرآة. هذه هي خاصية النفس أيضًا، جعلها الله مرآةً، والهدف الأعلى أن تعكس جماله وجلاله. بعض النفوس تصل من حيث السعة والصقالة والنظافة إلى درجة تعكس أعظم مراتب الجمال والكمال. فمن الطبيعي عندها أن تعكس كل ما يرد عليها من النفوس الأخرى؛ "المؤمن مرآة المؤمن".[4]
إن وجدتَ نفسًا تستطيع أن تبثها كلَّ أسرارك دون خوفٍ أو قلق، فقد حصلتَ على قوة عظيمة، هذه هي قوة الزواج الحقيقي. كثيرة هي القضايا التي نرتكب الأخطاء فيها لأنّنا لم نستشر ولم نتباحث مع أحدٍ بشأنها. ولكن إذا وجدنا من يقدر على الاستماع والإصغاء جيدًا ثم يعكس لنا الحقيقة، فمن المتوقَّع أن تقل أخطاؤنا كثيرًا. بعض القضايا يكفي أن نتحدث بشأنها ونتباحث حتى نُدرك الخطأ فيها. لذلك محرومٌ، محروم من لم يجد مثل هذا في الزواج. إنّه حرمانٌ عظيم.
حين تعزم على الزواج ابحث عن هذا النوع من النفوس. هذا الاتحاد الروحي لا يحصل دفعةً واحدة. لكن العنصر الأساسي فيه هو إرساء قواعد المصارحة.
أسّس لهذه المصارحة منذ اللحظات الأولى للتعارف. استعداد المرأة للمصارحة ربما يكون أكبر من الرجل لأنّها ترى في الزواج كل شيء. لكن قد يكون هناك عوامل مانعة تضغط على روحها وتمنعها من تقبُّل المصارحة. فلا يمكن الوصول إلى المُصارحة المطلقة إن لم نتمكن من القضاء على تلك العوامل.
من عرف قيمة الاتحاد الروحي وزواج الأنفُس لن يُفضِّل على المصارحة أي شيء. كل شيء آخر سيكون أقل قيمة مهما كان. قد تخفي على شريك حياتك ما لديك من أموال وممتلكات خوفًا من الطلاق أو المطالب المزعجة. وقد تخفي ما لديك من عقد خشية أن يتم استغلالها ضدك. وقد تخفي ما يحصل لك من ميول ورغبات عجيبة لكي لا تظهر كشخصٍ شرير أو فاسد. هناك العديد من الأسباب والمبررات التي تجعلك تخفي أسرارك عن شريك حياتك، لكن لو استطعت أن تجد من يستمع إليك دون أن يستخدم ما يعرفه ضدك مهما كان هذا الأمر معقدًا أو فظيعًا، فقد حصلتَ على ما هو أهم وأفضل مما كنت ستحصل عليه بهذا الإخفاء.
وبالتأكيد ليس كل إنسان جديرًا بحفظ أسرارنا. هناك أزواج أو زوجات ينقلن أسرار الحياة الزوجية في اليوم التالي ويفعلن ذلك بسهولة شربة الماء. لا يشعرون بأيّ نوعٍ من الحرج في الحديث عن أمور لا يُفترض أن يعرفها إلا الله. لذلك كانت المصارحة أمرًا صعبًا جدًّا ونادرًا. ولكن، لأنّها على درجة عالية من الأهمية والفائدة، لا ينبغي أن نيأس من تحقيقها. وهذا ما يتطلّب رعاية مجموعة من الأصول والمبادئ.
المصارحة المنشودة هي المصارحة المُطلقة التي لا نشعر معها بأي نوع من الخوف والقلق في أن نخبر بأي سر خاص (أسرار الدولة والجماعة وأمثالها ليست لنا ولا يجوز بثّها لأحد).
لكي نصل إلى هذه المصارحة نحتاج إلى أن نطمئن من جهة العواقب. هل كشف هذا السر سيؤدي إلى نتائج غير محمودة؟ هذه الطمأنينة تتحقق في الغالب بالتدريج. نبث سرًّا بسيطًا فلا يُذاع ولا تحصل ردة فعل صادمة. ننتقل إلى سر أكبر، فنجد الأمانة والتفهُّم. وهكذا نتدرّج ونطمئن إلى أنّ شريك حياتنا لن يخون هذه الأمانة مهما كانت عظيمة وكبيرة.
لا يكفي أن يكون الشخص الآخر أمينًا لا يذيع الأسرار أو لا يصدر منه ردة فعل سلبية، بل نحتاج إلى الفهم والتفهُّم. من نبثه أسرارنا هنا ليس مجرد خزانة منيعة أو ذاكرة صلبة ذات شيفرة معقدة (لا نحتاج إلى مثل هذا البث)، بل نحتاج إلى ذلك الانعكاس الذي يظهر بصورة الفهم. هل يدرك جيدًا ما يعنيه هذا السر ويفسّره بطريقة منطقية.
فهم الأسرار هو النقطة الأعقد والأعمق في المصارحة. قد تكون مبتلًى بعقدة ما تجعلك ترغب بأمور مخجلة جدًّا، حتى أنت نفسك حين تفكّر بهذه الرغبات العجيبة تشعر بالمقت تجاه نفسك وتكرهها. من تصارحه يجب أن يفهم طبيعة هذه الميول والعقد ليساعدك على التحرُّر منها. لا تريد شخصًا آخر يكرهك.
الأمر الآخر الذي يجعل المصارحة المطلقة أمرًا صعبًا جدًّا هو أنّ الإنسان نفسه قد لا يعلم ماذا يجري في أعماق نفسه. هناك العديد من المشاعر التي لا تتبلور ولا تتضح لصاحبها إلا بعد مرور الزمن. قد لا يقدر على الحكم بشأنها مباشرة، فكيف يمكن لشريك حياته أن يفعل ذلك. إذا كان هذا الشريك ممّن يطالب ويطلب الوضوح في كل شيء، فلا يمكن الوصول معه إلى هذا المستوى من المصارحة. يجب أن يقدّر مثل هذا الواقع البشري ويحترمه. لذلك كانت المصارحة رحلة مشتركة نحو اكتشاف الذات.
اكتشاف الذات يعني أنّنا قد نحتاج إلى حياة كاملة حتى نعرف أنفسنا جيدًا. كل مشاعرنا وميولنا ورغباتنا تنبع من مصدر قد يكون مجهولًا بالكامل لنا. نعرف جيدًا كيفية شعورنا، لكنّنا لا نعرف لماذا ومن أين صدرت. هذا يعني أنّنا لم نعرف مشاعرنا حقًّا. وهذا ما نحتاج إليه حين نريد للآخر أن يصارحنا.
بعض الناس تكون مواقف حياتهم وسيلتهم الوحيدة ليعرفوا أنفسهم جيدًا. يصبح الأمر أسهل إن وجدوا من يشاركهم في هذه الرحلة. ولكي تحصل المشاركة لا بد أن تكون رحلة الاكتشاف من الطرفين. فلا ينبغي أن تتوقع مشاركة الآخر إن لم تشاركه. تحصيل حُسن الإصغاء منها يتطلب حُسن الإصغاء منك.
هذا العمق من المصارحة يحتاج إلى فهم طبيعة النفس البشرية المتقلبة المتغيرة، والجاهل هو الذي يتسرع في إصدار الأحكام. الذين يتعاملون مع الآخرين بالحسم والحكم من الصعب أن يكونوا أصحاب الصدور الأمينة الواسعة.
[1]. سورة الروم، الآية 21.
[2]. سورة التكوير، الآية 7.
[3]. سورة الزخرف، الآية 70.
[4]. تحف العقول، ص 173.
![](http://m.islamona.center/archive/image/2017/10/27/07afbef8-a773-4211-a38b-6f2c64d5d5e3/2.jpg)
الزواج في مدرسة الإيمان
ما هو الحب؟ وما هو الزواج؟ وهل الحب شرط لنجاح الزواج؟ هذا ما يجيب عنه هذا الكتاب بالإضافة إلى العديد من الأسئلة الأخرى التي تفرضها الحياة في عصر الإنترنت. فلننظر إلى الزواج قبل اشتعال نيران العشق وقبل انطفاء شعلة الحب. الزواج في مدرسة الإيمان الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب:17*17غلاف ورقي: 264 صفحةالطبعة الأولى، 2016مللحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
![](http://m.islamona.center/archive/image/2022/8/4/a794d301-ffbe-413d-bebc-566588cfd7ed/2.jpg)
شركاء الحياة
شركاء الحياةالحياة سفر والسفر يحتاج إلى صحبةولا معين في الحياة كالزواجفيه تتأسس شراكة فريدة لا مثيل لهايتحد معها الزوجان في كل شيءلأجل النجاح الأكبرحيث الوصول إلى مرضاة الله ونعيمه الأبديفكيف نكون خير شركاء في أجمل رحلة الكتاب: شركاء الحياةالكاتب: السيد عباس نورالدينالطبعة الأولى، 2023بيت الكاتب للطباعة والنشر الحجم: 17*17عدد الصفحات: 346ISBN: 978-614-474-102-3 سعر الكتاب: 15$ بعد الحسم 60%: 6$ يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقع النيل والفرات https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=0
![](http://m.islamona.center/archive/image/2019/10/5/48ac48e4-9adc-4540-b017-5070ddd0ef5e/1.jpg)
كيف نجمع بين المصارحة وكتمان السر تجنبًا للمشاكل؟
كيف نجمع بين المصارحة وكتمان السر؟ فإذا ما أقدم الرجل على التعرف إلى امرأة أخرى بنية الزواج وكان الأمر سرًّا بينهما قبل الإعلان عن ذلك، وقام بمصارحة زوجته بالأمر لوقعت المشاكل وربما فسد الأمر، وإذا ما بقي على كتمانه فيكون بذلك لم يلتزم بقيمة المصارحة، فماذا يفعل؟
![](http://m.islamona.center/archive/image/2021/7/16/855777e6-6c68-49e7-bed2-43078847e148/1.jpg)
ما فائدة المصارحة إذا لم يكن بالإمكان تغيير الشريك؟
أحيانًا يكون لدى الشريك صفة أو خصلة لا يستطيع تغييرها، فما الفائدة من مصارحته بها سوى التسبب بالأذى له؟ أليس من الأفضل ترك المصارحة في مثل هذه الحالة؟
![](http://m.islamona.center/archive/image/2023/4/7/982f0c60-94c4-4625-95eb-46c59e74e1cc/1.jpg)
لكي تنجح المصارحة.. الشرط الأول للتواصل الفعّال
تقوم الحياة الزوجية والعلاقات الإنسانية بشكل عام على التواصل الفعّال. لكل علاقة خصائصها وشروطها التي ترتبط بنجاحها. إن حصل الوعي التام لطبيعة التبادل في أي علاقة، ثم التزم كل طرف بمسؤولياته تجاه هذا التبادل، فمن المتوقع أن تنجح هذه العلاقة نجاحًا تامًا.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...