كيف نغتنم الحياة الدنيا؟
ولماذا لا ترضى معنا بأنصاف الحلول؟
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب السفر إلى الملكوت
عن الإمام علي(ع): "إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا وَدَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا وَدَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا وَدَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنِ اتَّعَظَ بِهَا؛ مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللَّهِ وَمُصَلَّى مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَمَهْبِطُ وَحْيِ اللَّهِ وَمَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اللَّه؛ِ اكْتَسَبُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ وَرَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ. فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَقَدْ آذَنَتْ بِبَيْنِهَا وَنَادَتْ بِفِرَاقِهَا وَنَعَتْ نَفْسَهَا وَأَهْلَهَا. فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلَائِهَا الْبَلَاءَ وَشَوَّقَتْهُمْ بِسُرُورِهَا إِلَى السُّرُورِ. رَاحَتْ بِعَافِيَةٍ وَابْتَكَرَتْ بِفَجِيعَةٍ تَرْغِيبًا وَتَرْهِيبًا وتَخْوِيفًا وَتَحْذِيرًا فَذَمَّهَا رِجَالٌ غَدَاةَ النَّدَامَةِ وَحَمِدَهَا آخَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ ذَكَّرَتْهُمُ الدُّنْيَا فَتَذَكَّرُوا وَحَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا وَوَعَظَتْهُمْ فَاتَّعَظُوا".[1]
الدنيا تعبير عن حياة يعيش فيها الإنسان فرصة أساسية ليشكّل ذاته ويصنع مصيره. فهي مهد هذا التشكُّل وأرض هذا التحوُّل. والدنيا ليست مجرّد ممر أو معبر، بل هي محل صناعة وتبدُّل، وهذا المحل يحتوي على كل مستلزمات هذا البناء والتشكُّل.
نظرتنا للدنيا تؤثر تأثيرًا كبيرًا في مدى استفادتنا منها. والثقافة الإسلامية حافلة بالآراء والتفسيرات والرؤى المتناقضة والمتعارضة التي تناولت الدنيا وفصّلت في الحديث عنها، لكن يندر أن نجد من قدم تفسيرًا جامعًا مانعًا يُستفاد منه كما يلزم.
إنّ الدنيا مليئة بالإمكانات التي يُفترض أن تعيننا على بلوغ المقصد الأعلى ونحقق عبرها أقصى ما يمكن أن يصل إليه مخلوق؛ أما التقصير في الاستفادة من إمكاناتها فسوف يؤثر على مصيرنا بشكل كبير.
هذه الدنيا هي محل الكشف عن الحقيقة ومعرفة الحق، وتمييز الصدق والصادقين. ولولاها لما أتيح لنا ذلك! بواطننا وحقائقنا ما كانت لتنكشف لنا لولا هبوطنا إلى هذه الدار.
رغم أنّ الآخرة هي محل ظهور الحقائق وانكشاف السرائر، لكن ذلك كله إنّما يكون بفضل ابتلائنا بالدنيا ومرورنا عليها. فلو فرضنا أنّ هذا الإنسان لم ينزل إلى أرض الدنيا، لما كان له ليعرف الكثير من الحقائق والأسرار التي ترتبط بنفسه وبالوجود.
الدنيا هي المحل الذي يتميز به الحق من الباطل بكل مراتبهما؛ لأنّ هذا التميّز يحتاج إلى التصادم، ولا يوجد عالم يمكن للحق والباطل أن يتصادما ويتعاركا فيه بهذه الشدة والقوة إلا هذه الدنيا.
جهلنا بمصاديق الحق ومظاهر الباطل في هذه الدنيا إنّما يرجع إلى نقصٍ فينا، لا إلى نقص أو محدودية في الدنيا.
حين لا نتمكن من معرفة أهل الحق في هذا العالم ولا نقدر على تمييزهم من الأشرار، فذلك لأنّنا لم نعرف كيف نستفيد من إمكانات هذا العالم. لقد أُهبطنا إلى هذه الأرض لكي نعرف كل ذلك؛ ولو بقينا في جنة أبينا آدم، لما قدرنا أن نعرف ما نحتاج إليه لندرك الحقيقة.
يتحدث أهل العرفان عن الدنيا ويذكرونها على أنّها حجاب وأنّها أرض الكثرات المقابلة للوحدة. لكنّنا لو فهمنا عمق كلامهم لعلمنا أنّ التوحيد الحق لا يُعرف إلا إذا قوبل بالكثرة، أو ظهر فيها. إن أسماء الله تعالى التي هي طريقنا إلى معرفته تعالى كما هو حقه، ما كانت لتظهر بكلها لو لم تتجلَّ في أرض الكثرات وعوالم الأكوان. وهذا هو سر خلافة آدم بعد استحقاقه لمقام علم الأسماء كلها. فإنباؤه بأسماء ما عُرض على الملائكة كان كاشفًا عن حقائق المسميات في أرض الطبيعة، وبذلك عرفت الملائكة علو منزلة الإنسان الكامل واستحقاقه لخلافة الله في الأرض، لأنّه علم من الأسماء ما لم تكن لتعلمه ولو بقيت أبد الدهر تسبّح وتقدس.
لوازم الأسماء الإلهية من الجمال والجلال واللطف والقهر هي الموجودة في دار الدنيا، وما هو موجود في عالم الطبيعة وأرض الكثرات هو الذي أوصل معرفة الأسماء إلى حدها الأقصى. كأنّ أسماء الله كانت تطلب أقصى ما يمكن أن تحققه وتظهر فيه ويجلوها للأبصار؛ وكانت الدنيا لأجل ذلك.
إنّ الدنيا هي آخر إبداع؛ وعظمة هذا الإبداع تكمن في إخفاء الحق واختفائه. فكانت الدنيا أخيرة عالم الخلق. وهذا هو سر الغيب الأكبر.
جميع مراتب الوجود هي حجب الذات، لكن عالم الدنيا هو أقوى حجاب. احتجاب الذات مطلوب ليُعرف شأنها وقداستها؛ وأقوى حجاب هو الأهم.
الجنة أجمل وأعلى وأرقى وأنور وأكمل مرتبة في الوجود، بل هي الغاية والمقصد؛ ولا يمكن مقارنة شيء بالغاية والمصير. لكن كل ما في الجنة تتم صناعته في الدنيا. وكل حقائق الجنة وأعاجيبها وما لا يخطر على قلب بشر وما لا تسعه الأوهام ولا تدركه العقول؛ إنّما يبدأ من الدنيا ويُزرع فيها.
كلما توغلنا في الدنيا كان لنا فرصة الفوز بمراتب إضافية في الجنة. لكن شرط هذا الفوز هو أن يكون التوغل لأجل ذلك المقصد. فمن جعل الدنيا مقصده وغايته أعماه ذلك ومنعه من الوصول إلى حقائقها وكمالاتها. ولهذا كان الإمام علي عليه السلام يقول فيها: "مَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ وَمَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْه".[2] فمن جعلها غاية نظره كانت عاقبته العمى، ولكن من أراد البصيرة والمعرفة فليتخذ من الدنيا وسيلة وسوف تبصّره.
في الدنيا ما لا يُحصى من الفرص والإمكانات، سواء على مستوى أرضها أو على مستوى حياتها؛ في الطبيعة وفي الاجتماع. والعارف النبيه هو الذي يسعى للاستفادة القصوى من كل هذه الفرص؛ وهذا ما لا يتحقق بالإعراض عن الدنيا واعتبارها مجرد ممر ينبغي أن نعمل كل جهدنا لأجل الفرار منه والخلاص.
الفرار من الدنيا والخلاص من أسرها لا يكون إلا بحسن الاستفادة منها. كلما فررنا من الدنيا بإهمالها كنا أسرع للوقوع في مآزقها.
الطريقة الوحيدة للخلاص من الدنيا تكمن في شدة الاعتناء بما فيها من طبيعة وكون ووقائع وحوادث. وهذا التشدد بذاته هو الذي سيفرض علينا اكتشاف منهج وطريقة تكون وسيلة لخلاصنا؛ فضرورة التعامل المنهجي تنشأ من هذه الكثرة الكثيرة الموجودة في عالم الدنيا. لا يمكنك تنظيم ملفاتك التي لا تُحصى إلا إذا اتبعت منهجًا علميًّا رياضيًّا دقيقًا.
تبسيط الحياة الدنيا من خلال التقليل من شؤونها وشجونها لا ينفع. لن تسمح لنا الدنيا بهذا الخلاص. لا تفلتنا الدنيا إلا إذا اعتنينا بها أشد الاعتناء.
جربوا إهمال أجسادكم وستجدون أنفسكم عالقين في أمراض ومشاكل صحية لا تنتهي.
أهملوا نظامكم الصحي ولا تأكلوا إلا القليل من المواد وسوف تجدون أبدانكم متعطشة لما يفوق حاجتها.
تغاضوا عما يفعله الظالمون والأشرار واتركوا لهم هذه الدنيا الدنية، فسرعان ما ستجدونهم على أبوابكم وقد استعبدوكم ونكلوا بكم أشد التنكيل.
اتخذوا بيوتًا من كرتون وخيش، وسوف تهجم تقلبات الطقس وعواصفه وأمطاره وسيوله وقيظه وبرده وتمنعكم من القيام بكل ما تحلمون القيام به.
ارتدوا من الثياب ما لا يستر سوى عوراتكم، وسيجن جنون جلودكم بحساسيات وثآليل ودمامل وأقشاب تشغل بالكم وفكركم طوال الوقت.
اكتفوا من كل هذا بالحد الوسط، ولا تبالغوا بالاهتمام بدنياكم، ولن تتمكنوا من حل هذه المشاكل أيضًا. فلن ترضى هذه الدنيا إلا بأن نعتني بها أشد الاعتناء. لا ترضى بالحل الوسط، وسوف تستمر بجلب المشاكل تلو المشاكل وتستحضر المشاغل فوق المشاغل لتلهيكم عن المبدأ والمصير.
لكن إذا اعتنيتم بها أشد الاعتناء وصحبتموها خير صحبة فسوف تصبح مهدًا يسيرًا ووسيلة سمحة وأداة طيعة وتنعمكم بالوقت الوفير والتوفيق الكثير.
كل دعوى وكل مدرسة وكل مذهب وكل فرقة تنكشف في هذا العالم وتظهر حقيقة دعواها. لن يترك الله أصحاب أي دعوة إلا وسيمكّنهم في الأرض حتى لا يقولوا في الآخرة لو مُلّكنا لعدلنا. إنّ الأرض هي محل ظهور حقائق الأفكار والعقائد، لكنّنا غالبًا ما نفتقد إلى هذا المحك الأرضي سواء كأفراد أو مجتمعات.
يجب أن نكتشف هذا المحك لكي نفحص بواسطته كل دعوى، ويجب أن نصنع من المجتمع محكًا لكي تظهر عبره كل دعوة. هناك تتبدى لنا الدنيا كدار صدق لأنّنا صدقناها وتعاملنا معها كما أراد الله تعالى.
[1]. نهج البلاغة، ص 493.
[2]. نهج البلاغة، ص106.
أطوار القلوب
بأسلوب يراعي الإيجاز والتسهيل، مزدان بالرسوم والصور التعبيرية المميزة، يسعى الكتاب لتقديم الرؤية الشاملة لأحوال القلوب وأطوارها ومنازلها وآثار كل مقام وعلاماته، ليكون هذا الكتاب دليلا مرشدًا لكل من يحب أن يتجول في عالم المعنويات والروح دون أن يغرق في المصطلحات والتعقيدات العلمية.إنه دليل موجز لرحلة السالكين في عالم المعنى. أطوار القلوب الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19.5*19.5غلاف ورقي: 96 صفحةالطبعة الأولى، 2008م
إشراقات الروح
لقاء الله هو الغاية القصوى من حركة الكائنات. لقاء الله هو الوجه الأبرز للمعاد الذي يعني العود إلى المبدأ. لقاء الله هو الحقيقة الكبرى التي ستتجلّى يوم القيامة.لقاء الله هو الهدف الأسمى لسير السالكين ورحلة العابدين ووجود المسلمين.فكيف سيكون هذا اللقاء؟ وكيف ينبغي أن نستعد له؟ إشراقات الروح الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 160 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-036-1 السعر: 10$
الفرار من الأسر
إن كنت تبحث عن كتاب أخلاقي تعليمي للمبتدئين يعرض لاهم الأفكار التي ترتبط بتهذيب النفس والتكامل فسوف يكون هذا الكتاب ما تبحث عنه بالتأكيد. ولمساعدة الطالب والاستاذ يقدم مع نهاية كل درس مجموعة من التمارين المساعدة والهادفة الفرار من الأسر الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 19.5*19.5غلاف ورقي: 112 صفحةالطبعة الثانية، 2008م يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي: النيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=0وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء
دروب الحياة
أراد الله خليفة له، يظهر عظيم صفاته في جميع مراتب الوجود، فخلق الإنسان.. وأحب الله أن يعرف في سره المكنون فأبدع الإنسان... وشاء الله لأقرب الخلق إليه أن يعبدوه حقًّا فصوّر الإنسان... وكان لعلماء الإسلام شرف الحديث عن الإنسان في أجمل بيان، ففاقوا غيرهم في أعظم فن من الفنون. وحينما كان الغربيون يتباهون في رسم تقاسيم جسده وجمال صورته، كان العرفاء المسلمون يغوصون في أعماق روحه ليستخرجوا من بحارها أجمل وأروع المشاهد والمعاني. وما يقدمه هذا الكتاب هو صورة مصغرة عن حقيقة هذا الإنسان. دروب الحياة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 20*20غلاف ورقي: 48 صفحةالطبعة الأولى، 2006م
سفر إلى الملكوت
المبادئ الأساسيّة لبناء حياة معنويّة رائعة.كتاب يتحدّى تفكيرنا ويحثّنا على إعادة النظر بما كنا نعتبره من المسلّمات أو الأمور التي لا تحتاج إلى تعمّق وتدبّر. سفر إلى الملكوت الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 406 صفحاتالطبعة الرابعة، 2017مالسعر: 10$ تعرّف أكثر إلى الكتاب من خلال الكاتب يمكنكم شراء الكتاب عبر موقع جملون على الرابط التالي:
ما هي خلفية الصراع؟ ولماذا يجب أن نحارب من أجل هذه الدنيا؟
في غمرة المآسي والمصائب التي تنزل بطائفة من المسلمين وتُشعر بقيتهم بالضعف والهوان، يطرح المسلم سؤالًا جديًّا حول قيمة هذه الدنيا التي يشاهَد فيها مثل هذه الفظائع المهولة والبعيدة كل البعد عن أي شيء يعده به دينه!
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...