
لماذا العدو خاسر حتمًا؟ ومتى يُهزم؟
عن العدد الكبير للشهداء في الحرب
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب بحثًا عن حضارة جديدة
لا يعرف عدونا إلا طريقة واحدة لمواجهتنا وهي أن يقتل أكبر عددٍ منّا. بالنسبة له إما أن ننتهي أو لا يبقى من كوادرنا وأهل الخبرة عندنا أحد، وإما أن يكسر إرادتنا فنتراجع أو نستسلم. لكن ما لا يمكن لهذا العدو أن يفهمه أو يستوعبه هو أنّه بقتلنا يساعد على نموّنا وتكاملنا. والأمر بكل بساطة يرجع إلى أنّ معظم مجاهدينا حين يدخلون إلى هذا الميدان فإنّ الشهادة تصبح أمنيتهم وهم على ثقة بأنّ القتل هو وسيلتهم الوحيدة لتحقيق ذلك.
هذه الأمنية تظهر عليهم وفي أدائهم حين يتحدون الموت ويتوجهون إلى أماكن شديدة الخطر ويقومون بأعمال يكون احتمال القتل فيها قريبًا كفعل الاستشهاد. وكل من يتعرف إليهم ويصحبهم سيعيش معهم هذه الأمنية بنحوٍ ما. تتحول هذه الأمنية إلى هدف يراه هذا المجاهد ثمرة نهائية لمجيئه إلى هذا العالم. بالقتل يبلغ هذا المجاهد مناه. ومع هذا البلوغ والوصول يتأكد لمن حوله أنّه انتقل من هذا العالم سعيدًا.
ومع انتشار السعادة في أوساط الشهيد يرتفع منسوب الأمل ويصبح هؤلاء الذين عايشوه أبعد ما يكونون عن الانكسار. إن قتل المجاهدين يضاعف من قوة الإرادة والعزيمة بدل أن يفعل العكس.
ومع انتشار السعادة بين معارف الشهيد ورفاقه، يزداد عدد الراغبين في المضي على هذا الطريق، ويزداد عدد الذين يريدون أن يستلهموا من نهجه وطريقته في الحياة والعمل. فيصبح هذا الشهيد ملهمًا ومربيًا ومؤثرًا في تكميل الآخرين وتزويدهم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها في لحظات المواجهة وأيام الوغى.
فالشهداء هم العنصر الأول وراء زيادة عدد المنتسبين إلى خطهم وجهادهم والعامل الأكبر في تقوية بنيان الجهاد. وكل جهاد قام على أساس طلب الشهادة وجعل القتل في سبيل الله أمنية سيكتسب زخم التطور والتوسع والانتشار.
العجيب أنّ هذا العدو الذي يمتلك كل هذا العدد من المحللين والباحثين وأساتذة الجامعات والخبراء في مراكزه ومؤسساته، لم يتمكن لحد الآن ـ وبعد مضي حوالي أربعين سنة من التعامل مع هذه الظاهرة ـ أن يدرك هذه القضية التي تجلت للعيان وقدمت من الأمثلة والمصاديق والأرقام ما يغني أي باحث. ولعل السبب الأول وراء هذه الجهالة هو أنّ هذا العدو يقيس الآخرين على نفسه؛ فإذا كان يشعر بالانكسار عند كل ضحية أو قتيل، فإنه يتصور الأمر كذلك عند الطرف المقابل. فلا تنفعه بعدها الدراسات والأبحاث، لأنّه يراها جميعًا مخالفة لأمرٍ يعتبره بديهيًّا وجدانيًّا.
نحن نفرح عند عروج الشهداء، لأنّنا نعلم بأنّهم حققوا أغلى أمنية في حياتهم؛ وعلينا أن نغبط عوائلهم لأنّها أمسكت بطرف حبل الارتباط بعالم الغيب. فمع كل شهيد يعرج، تحصل أسرة على محطة ثابتة لها في ذلك العالم الأعلى. وبفضل هذه المحطة الملكوتية يصبح الاتصال بهذا العالم أيسر وأسهل.. ولا يعني الاتصال بعالم الغيب والملكوت إلا المزيد من الخير والبشرى لمن هم في عالم الناسوت.
بالشهادة التي تتحقق غالبًا بالقتل في سبيل الله يتسع حضور الغيب وبركاته في المجتمع المناصر المؤيد؛ وما على هذا المجتمع إلا أن يغترف منها مهما أمكن لتحقيق المزيد من التقدم والتكامل. وشرط ذلك بالطبع هو أن يفهم جيدًا ما تعنيه الشهادة وما تمثله.
صحيح أنّنا نحزن على فراق الأحبة والأعزة عند قتلهم بصورة فجيعة، لكننا نثق بأنّ الله تعالى سيعوضنا أمثالهم، ونعلم أيضًا بأنّ هذه الشهادة هي التي تجعل أرضنا أكثر قربًا من مستقبلها المشرق. وحين تمر السنون ونصل إلى سن شيخوخة الشهيد الذي قُتل شابًا أو كهلًا، فإننا نراه الأكثر شبابية بيننا جميعًا، ونشعر بأنه الوحيد الذي قد حقق أعلى إنجاز في حياته.
الذين يُقتلون في سبيل الله ليسوا خسارة بأي معنًى من المعاني. هم ربح خالص وصاف، لأنّهم وصلوا إلى الغاية التي خُلقوا لأجلها. وهل يُهزم مجتمع يُنتج الكثير من الواصلين إلى الغايات المنشودة؟! وهل تُهزم أمة تزرع فتثمر؟!
فالشهادة هي الغاية الأساسية لحركة أي مجتمع يسير على الطريق الصحيح، فلا يكون لهذا المجتمع سوى التقدم والازدهار. ولو قُدّر لعلماء الاجتماع أن يدرسوا الحراك الاجتماعي وفق منظور التقدم والتخلف الواقعيين، لوصلوا إلى هذه النتيجة حتمًا.
مع عروج كل شهيد ينبغي أن نتيقن بأنّ الله تعالى سيصنع من العاملين المجاهدين الفاعلين بمقدار شعاع نور شهادته. فهذا الفعل الصادق لا يمكن أن يبقى بلا تأثير يتناسب مع حجمه، لأن النفوس قد جُبلت على الاعتقاد بكل قول يصدق في العمل. ومقولة الشهداء ودعوتهم إذا حملها من يرثهم فسوف تكتسب مصداقية تنفذ إلى أعماق القلوب، فتُبدل غفلتها إلى يقظة ونكوصها إلى إقدام.
بقتلنا نزداد قوة وحيوية وعددًا حتى نصل إلى الوضع الذي نتمكن معه من إلحاق الهزيمة النهائية بهذا العدو. لا نعلم كم يحتاج هذا الوضع من شهداء، لكنّنا على يقين بأنّ مجتمعنا سيصل إلى هذا الوضع يومًا ما.

في البحث عن عوامل النصر المؤزر ماذا عن نفوذ شخصية القيادة؟
حين نؤمن بهذه المعادلة الإلهية {إن تنصروا الله ينصركم}.[1] يجب أن تتوجّه كل الجهود والطاقات والمشاريع والأعمال نحو نصر الله حتى نحصل على نصره المؤزّر. هل جلسنا وتباحثنا بعمق في شأن نصرة دين الله الذي هو أفضل مظهر لنصرة الله؟ حين تسيطر الاعتباطية والخفة على مثل هذا المبحث الكبير، فلا ينبغي أن نتوقع نزول ذلك الإلهام.

كيف نصنع البأس ونزيده؟ ابحثوا عن منابعه ومصادره
في مواجهة الأعداء نحتاج إلى قوة الأنفس أكثر من قوة العتاد. العتاد المتطوّر بيد المرتعب يصبح وبالًا عليه وعلى من حوله. قالوا: "الخيل بخيّالها"؛ وصدقوا. هذه الشدة والبأس والشجاعة والثبات التي هي عناصر القوة النفسية قد تنبع من إدراك ما يمثله العدو من معاندة ومخالفة لله العزيز الجبار، ويكون هذا المدرِك محبًّا لله شديد الالتصاق به، عاشقًا لجماله، فيروعه ذلك الخلاف والعناد، ويشتد حنقه وغيظه إلى الدرجة التي لا يقدر معها على تحمُّل وجود هذا العدو لحظةً واحدة.

من أين تنشأ الشجاعة؟ وما الذي تدل عليه؟
من ينشأ على الشجاعة من المحتمل جدًّا أن يتصوّرها أمرًا ذاتيًّا فيه. وهنا قد يكون المقتل. لا شيء من كمالات الإنسان، حتى الموروث منها، ذاتي له.. هنا تكمن بعض مخاطر الأبحاث الأخلاقية غير التوحيدية حيث تُصوّر لنا أنّ الملكات الأخلاقية صفات ذاتية للإنسان.

لماذا تغيرت عقيدة الصهيوني بشأن عدد القتلى؟ هل نحن أمام نهاية وشيكة؟
تفاجأ الكثيرون في هذه الحرب الأخيرة كيف أنّ هذا العدو بات مستعدًّا لتحمل الكثير من الخسائر، ولم يعد يذكر أرقام القتلى مثيرًا القلق والرعب في أوساطه، كما كان ملحوظًا من قبل. فهل تغير هذا العدو وما الذي تغير فيه؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...