الدولة الإسلامية في إيران
بين المنشأ القومي والمنشأ الإسلامي
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب الخميني القائد
الدولة ليست مجرّد أداة أو كيان إداري. هي نتاج ثقافة؛ وبحسب الثقافة التي نشأت منها يكون أداؤها ومستقبلها. يصعب كثيرًا دراسة هذه العلاقة، لأنّ العناصر الثقافية غالبًا ما تتشكل على مدًى زمني طويل. هنا سنحتاج إلى دراسة تاريخ الثقافة التي قامت عليها الدولة ونفهم مسار تطوّرها وتحوّلها. لكن بعض الدول التي تتشكل من أنظمة حديثة عقب ثورات اجتماعية كبرى قد تُشكّل عينة مناسبة للبحث والتأمل، ومنها الدولة الإسلامية في إيران.
نستعمل مصطلح الدولة لا الحكومة، باعتبار أنّ الحكومة مرحلة أعلى. الدولة هي المؤسسات والحكومة هي الرؤية التي تُعبّر عن الحاكمية وفق التطلعات المنشودة.
لا شك بأنّ الدولة الإسلامية في إيران قد قامت على نظامٍ جديد بعد نجاح الثورة الشعبية العارمة باقتلاع النظام الملكي الاستبدادي التابع للغرب. الثورة أفضت إلى هذا النظام الذي يُفترض أن يعبّر عن شعارات الشعب وتطلعاته. لكن، في النهاية من يحدد النظام ويقيده هو النخبة لا الشعب. لم تمتلك الشعوب تلك القدرة التي تجعلها متحكمة بعملية بناء أركان النظام البديل. هنا ستلعب النخبة دورًا أساسيًّا في بلورة معالم النظام الجديد، والذي على أساسه سيتقرر مصير الدولة.
في التجربة الإيرانية كان هناك تياران أساسيان يمثلان النخبة والكادر الأساسي الذي تعهد ببناء النظام.. تيار اعتقد أنّ ثورة الشعب الإيراني هي امتداد لسلوكه السياسي التاريخي الخاص؛ وبذلك أمكن اعتبار هذا النظام نظامًا إيرانيًّا ذا صبغة إسلامية. أما التيار الثاني فهو تيار اعتبر أنّ الثورة هي حصيلة تلك الثقافة الشيعية الإمامية التي تبلورت في أحضان الحوزات العلمية الدينية، والتي كانت غالبًا بمنأى عن حركة التاريخ.
التيار الأول يعتقد أنّ العناصر الثقافية الخاصة التي تمتع بها الشعب الإيراني كنتاج لتفاعله التاريخي مع الحكومات والدول والممالك هي التي أفضت إلى هذه الثورة، وما قام به الإمام الخميني هو تحريك هذه الثقافة بالاتجاه الطبيعي لها، نحو الحرية والاستقلال والديمقراطية.
الشواهد على ذلك عديدة؛ إيران لم تكن مجتمعًا مثل الكيانات الأخرى التي تشكلت على أثر الاستعمار، كلبنان وسوريا والعراق والكويت وغيرها. هنا تاريخ طويل من الاستقلالية النسبية في إيران، حتى في أزمنة الملكيات الضعيفة.. الديمقراطية في إيران أعرق من غيرها من دول المنطقة. حركة الملكية المشروطة شاهد على ذلك.
التيار الثاني آمن بأنّ ثورة الشعب الإيراني هي امتداد لثورة الإسلام ورسالته التي حمل لواءها أئمة أهل البيت عليهم السلام وتبلورت بنظام ولاية الفقيه التي تُعتبر فرعًا من فروع الإمامة. فإيمان هذا الشعب بالإمامة الإلهية المنصوصة شرعًا جعله يتقبل بسهولة مبدأ ولاية الفقيه الجامع للشرائط. في هذه الرؤية هناك قفزة نوعية فوق التاريخ السياسي الذي اعتبره البعض تيهًا ممتدًا وانحرافًا عن الإسلام الأصيل.
لقد تفاعل هذان التياران وتصارعا معًا بأشكالٍ مختلفة، بعضها ظهر إلى العلن بصورة أحزاب وجماعات متنافرة، وبعضها كان خفيًّا حتى على المشاركين فيه. لكن ما يعنينا هو تحديد أثر هذا الصراع والتفاعل على مستوى تشكيل الدولة وأدائها.
النظام الذي يمثل الرؤية التي تستمد منها الدولة لا يمكن حصره بالدستور رغم أهمية الدستور. هناك شيء اسمه قوانين وبنود وأصول في الدستور، وهناك روح للدستور. الروح هي الأكثر تأثيرًا لأنّها ما يعيشه الناس وما يفسرونه وهو الهامش التأويلي عند النخبة. حين نتحدث عن القرآن الواحد عند المسلمين فلا يعني ذلك أنّ لديهم رؤية واحدة قد جمعتهم. التأويلات والتفسيرات المتعارضة للقرآن هي التي أدت إلى نشوء المذاهب والمدارس والحركات الاجتماعية والسياسية المختلفة.
الدولة الإسلامية في إيران هي ابنة هذه الروح بالدرجة الأولى؛ ومنها كانت وما زالت تستمد. حتى تعديل مصطلح نظام ولاية الفقيه إلى نظام السيادة الشعبية الدينية، يحكي شيئًا عن هذا الصراع الذي كانت حكومة الرئيس خاتمي من أججه في مرحلة ما.
هناك فرق بين أن يتطلع الحكام والمسؤولون في السلطة التشريعية وغيرها إلى الثقافة الإيرانية الخاصة ليستمدوا منها، وبين أن يبحثوا في أعماق الإسلام. الفرق يكمن في أنّ الثقافة القومية رغم شدة امتزاجها بالإسلام هي نسخة جاهزة متبلورة إلى حد بعيد. يكفي الاستمداد من التاريخ، مع اعترافنا بأهميته الفائقة لما فيه من عبر ودروس ملهمة. بينما البحث في أعماق الإسلام يتطلب جهدًا وفيرًا واجتهادًا يتطلب الكثير من الإبداع. ولأنّ الثورة التي قادها الإمام الخميني كانت تتطلع إلى هذا الإسلام، فقد كانت مشروعًا أكبر بكثير من مشروع شعب وثقافته. وهذا ما يفسر التجاذب الدائم بين تيار تصدير الثورة وتيار التقوقع والانغلاق. ومن المعروف أنّ التيارات المحافظة التي تتشكل عقيب أي انتصار ستغلّب كل ما يساهم في ترسيخ الروحية المحافظة. أي تحرك ثوري آخر يمثل لهم خطرًا وتهديدًا. يكفينا إنجاز الثورة الأول، وما علينا سوى حماية هذا الإنجاز. هكذا تُصاب الثورات بالركود وتكون دولها مبتلاة بالعقم والبطء والتذبذب.
الباحثون عن حلول لأزمات إيران وراء الدولة يهربون من الحقيقة. حين يُقال لقد يئسنا من العمل الحكومي ومن أجهزة الدولة لأنّها مُصابة بمرض الترهُّل، فهذا يدل على أنّ هناك مشكلة حقيقية في النظام، وفي قراءته.
إن لم نعمل على البدء بثورة ثانية في بنية النظام وجذوره، فلن نتمكن من تغيير الدولة وتطويرها بثورة أخرى. من الطبيعي أنّ أي دولة تُبتلى بهذا المرض الخطير تحتاج إلى ثورة. لكن هذه الثورة غير ممكنة ما لم تتّجه نحو قواعد الدولة التي قامت عليها وبسببها تولدت تلك المشاكل.
قد يُقال إنّ النظام الحالي إسلامي تمامًا، رغم أنّنا قد نختلف بشأن إسلامية بعض بنود دستوره. عدم مخالفة الإسلام شيء ومطابقة الإسلام شيء آخر. لكن هذا القول يدل على أننا نتهرّب من تحديد المشكلة الواقعية. لا ننسى بأنّ روح النظام هي الحاكمة لا البنود فقط. الاحتكام إلى الدستور يحصل حين تصل الخلافات إلى حد الانفجار أو الانقلاب. لكن ما دامت هذه الخلافات ضمن سطح معين، فإنّ الحاكم هو تلك الروح التي أشرنا إليها.
الثورة على النظام لا تعني العنف أو المواجهات الشديدة. لكنّها تتطلب نقدًا عميقًا للواقع وتحديدًا لأصل المشكلة التي تعاني منها الدولة. طيلة العقود الماضية طغت فكرة تحميل الأجانب المسؤولية على معظم التحليلات. الأجانب بالطبع لم يجلسوا متفرّجين منذ اللحظات الأولى لانطلاقة الثورة. لقد قاموا بالكثير من العمل لإسقاط النظام ولإحباط الثورة بعد انتصارها ولإضعاف الدولة الإسلامية؛ لم تكن حرب صدام ذات السنوات الثماني مزحة؛ والحصار والحظر الحالي ليس مزحة. لكنّ كل عاقل يعلم بأنّ التهديدات في الواقع ليست سوى فُرص يجب استغلالها لتقوية البُنية. هذا ما حصل في الحرب التي أصبح الجميع يعتبرونها من أكبر بركات الثورة. لكن لا ينبغي أن ننسى أنّ من كان يواجه ويصمد ويقاتل في تلك الحرب الضروس هو روح الله لا روح النظام. معجزات الحرب وإنجازاتها العميقة كانت كلها نتاج ثقافة الإمام الخميني وروحه العارفة التي سرت في جميع مفاصل المواجهة ومواقفها.
لم يتم استحضار هذه الروح إلى الدولة؛ بل يمكن ادّعاء العكس. كان الإمام غريبًا في هذه التجربة إلى حدٍّ كبير. نتفهم تمامًا لماذا قام الإمام في البدايات بتأسيس كيانات ثورية إلى جانب الدولة مثل جهاد البناء والحرس والإمداد وغيرها. بعد الحرب تم دمج هذه المؤسسات الثورية في الدولة لتصبح مشاركة أساسية إلى حدٍّ ما. لكن هل دخلت الثورية إلى الدولة أو تم تدجينها وفق تلك الثقافة الخاصة؟
إنّ من سيحسم مستقبل الدولة هو ما سيجري على مستوى الصراع بين الثقافة الخاصة والثقافة الإسلامية الأصيلة. وقولنا صراع لا يعني أنّ المطلوب أو المتوقع إبادة طرف وإزالته من الوجود. سيبقى هناك تفاعل إيجابي كما كان على مدى التاريخ؛ لكن في تجربة الدول لا يمكن اعتبار الوقت ترفًا. كل يوم يمر على هذه الدولة هو بمثابة سير نحو الأجل. وحين يحين الأجل سيعلم الجميع من كان الغالب.
الخامنئي القائد
في هذا الكتاب، تتمثّل لنا تجربة عالمٍ فقيه وهو يقود مشروعًا حضاريًّا كبيرًا فنسعى للبحث في طيّات كلماته ومواقفه عن معالم هذا المشروع ومراحله، وما هي العقبات التي تواجهه والإنجازات التي تحقّقت بفضل الجهاد الكبير. وفي هذا المعترك الواسع، نشاهد هذا القائد وهو يعمل ليل نهار من أجل المحافظة على إنجاز سلفه، الذي تمثّل بإحضار الناس إلى الميادين الاجتماعية، وإقناعهم بأنّهم أصحاب الدولة الواقعيون، وأنّهم قادرون على إنجاز المستحيل. الخامنئي القائد الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 400 صفحةالطبعة الأولى، 2012م يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي: النيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=0وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء
الخميني القائد
البحث عن السيرة القيادية للإمام التي ظهرت في كل أفعاله ومواقفه، وكانت العامل المحوري لجميع إنجازاته ومفاخره. فشكلت أعظم الدروس القيادية التي يمكن تشييد مدرسة كاملة عليها. ما هي أهداف الإمام الخميني وما هي أهم انجازاته وكيف حقق ذلك على مدى عمره وكيف أسس لأعظم انجاز حضاري عرفته البشرية في العصر الحديث.. الخميني القائد الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 448 صفحةالطبعة الأولى، 2012م يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي: النيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=0وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء
الثورة لكي تنتصر
أجل، كل الأنظمة السياسية تحتاج إلى ثورات شعبية حتى تتبدل. والثورة الشعبية تعني رفض الأغلبية الساحقة لا الأكثرية الديمقراطية (خمسون زائد واحد) للنظام القديم؛ لأنّ تغيير النظام سيطال كل شؤون الحياة، وليس فقط الاقتصاد والمعاش. لكن ما الذي يمكن أن يجمع هذه النسبة الكبيرة على مثل هذا التغيير؟ أهو مجرد السخط على الأوضاع؟ أم امتلاكهم رؤية واضحة موحدة للبديل؟ وكيف يعبّر الشعب بعد اجتماعه عن مطالبه؟ وكيف يطبقها بعد انتصاره؟
هل بقي نهج الإمام الخميني؟
إنّ أحد أعظم منجزات الثّورة الإسلامية التي جرت في إيران وامتدّت عبر العالم: ابتكار وترويج مفهوم جديد هو مفهوم النهج. والنهج ـ أو نهج الإمام الخميني بالخصوص ـ اصطلاحٌ شاع مع انطلاقة تلك الثورة، ثمّ نما وتكامل حتى وصل إلى أوجه في غمرة الجدل الثوريّ بين الأجنحة والتيّارات التي شاركت في الثورة أو سعت ليكون لها نصيبٌ منها.
الثورة الإسلامية حين تواجه شعبها
رغم أنّ النظام الإسلامي كان نتاج ثورة شعبية عارمة لكنّه وقف في عدة محطات مفصلية في مواجهة حركات شعبية هددت بقاءه كيف تعامل النظام مع هذا النوع من التحديات في الماضي؟ وهل سيتمكن من الحؤول دون وقوعها في المستقبل؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...