حول العنف في السينما
وكيف نقدّم البديل الأنجح
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب بحثًا عن حضارة جديدة
إنّ من أهم أسباب شيوع العنف في العلاقات بين البشر أفرادًا ومجتمعات هو أنّ مستخدميه لا يجدون غيره وسيلة للوصول إلى مرادهم. استخدام العنف غالبًا ما يؤدي إلى الفشل، وهذا أمرٌ ثابت بالتجربة والعقل، والحكمة تؤيده.
هناك حالات خاصّة يكون العنف فيها الوسيلة الوحيدة. لكن التعامل مع معظم المشاكل والعقبات التي يمكن أن تقف في طريق الإنسان لا يتطلب العنف، بل الوقاية أو غض النظر والتغافل والتسامح وحتى الإحسان. لو غلب علينا التفكير بالعواقب والنظر إلى الأهداف والغايات، لسهل علينا استكشاف الطرق المختلفة.
هناك عوامل تربوية وبيئية تجتمع مع النزعة الإنسانية المغروزة فينا، فترى في الشدة والعنف الطريقة الوحيدة أو رد الفعل المناسب والانفعال اللازم تجاه أي مشكلة أو عقبة. الإنسان بطبيعته الأولى عجول، والعجول غالبًا ما يصبح متهورًا لا يقدر على تفحص الطرق والخيارات والتأمل فيها لأنّها تحتاج إلى إعمال فكر وروية. والبيئة التي لا يحكمها القانون العادل، ستشجع على التعامل العنفي مع القضايا. "اضربه إذا ضربك" هو شعار معظم أولياء الأمور في تربيتهم لأولادهم. لا يرى هؤلاء المربون أنّ هناك طرقًا أخرى لرد الأذى أو إصلاح المشكلة.
مثل هذه النزعة تشتد وتقوى مع مشاهدة هذا الكم الهائل من الإنتاج الهوليوودي الذي يعتمد على العنف كطريقة للتشويق. أصوات الانفجارات الضخمة تحفز إنتاج الأدرينالين المسؤول عن الإثارة. والإثارة هي العامل الأول للتشويق. ومع هذا المستوى من التشويق يصبح الفيلم ناجحًا. يحتاج الناس لهذه التجارب الشعورية ليخرجوا من رتابة الحياة ومللها!
قد يُقال بأنّ استخدام السلاح لقتل الآخر ومحاربته ليس سوى تعبير رمزي عن بذل الجهد الكبير. إطلاق النار وقتل عددٍ كبير من المجرمين ليس المقصود منه القتل نفسه (ولذلك نجد بعض التوجهات السينمائية تنهي مشاهد سقوط أعداد كبيرة جراء إطلاق النيران كجرحى لا قتلى، حيث يتم نقلهم إلى المشافي لتلقي العلاج) هكذا تتحقق العدالة دون قتلى أو إعدامات مع وجود مواجهة ضارية متفجرة.
إطلاق النيران من المسدسات والبنادق هو رمزٌ للصراع المرير الذي يخوضه البطل؛ ولكن هذا النوع من الوسائل حتى لو كان يرمز إلى الجهد الكبير والكدح، فإنّه يعمينا عن رؤية الحلول والطرق الأخرى. حين نخرج من الفيلم وليس لدينا أي تعاطف مع المقتولين، لأنّهم لا يعنون لنا شيئًا، سنخسر فرصة اكتشاف الطرق غير العنفية للتعامل مع مشاكل الحياة بمختلف مراتبها.
يكاد يتفق الجميع على تفوق هوليوود النوعي في حجم وغزارة الانفجارات وضجيجها؛ وذلك يعود إلى تفوقها في تقنيات صناعة هذه المؤثرات. بعض الاستوديوهات العالمية الأخرى بدأت منذ مدة بتطوير هذه التقنيات واستخدامها على نطاق أوسع لمنافسة أدرينالين هوليوود.
مشاهد تحطم عدد كبير من السيارات وانفجارها وتدمير الأبنية الضخمة والمستودعات بكثافة عالية، يمكن أن لا تبقى حكرًا على هوليوود بهذا المستوى الفني العالي. ما هو مؤسف هو أنّ هذه النزعة العنفية أضحت عالمية من دون بروز مدرسة أخرى يمكن أن تنافسها من حيث الإثارة.
ما نعتقده هو أنّ الإثارة والتشويق مع أهميتهما الفائقة في السينما، فإنّهما لا ينحصران فقط في هذا النوع من المشاهد والحبكات؛ بل يمكن القول بأنّ العنف كطريقة هو الأقل إثارة، واللجوء إليه يحكي عن ضعفٍ واضح في الحبكة والإنتاج! إنّه لمن السهل على صُنّاع الأفلام (كتّاب ومخرجين ومنتجين) أن يخلقوا حبكة يتم فيها التعامل مع مشكلة حادة بالعنف والسلاح والقتل للقضاء على المشكلة مقارنةً بحبكة يتم فيها الوقاية من حصول هذه المشكلة من الأساس. ليس الأمر في أنّ الحبكة الأولى أكثر تشويقًا، بل لأنّ الثانية تتطلب مستوى أعلى من الإبداع والعمق، وهذا ما يفتقده معظم هؤلاء.
عصابة تعمل على ترويج المخدرات ويتسبّب ذلك بتدمير حياة الكثيرين وموت العديد منهم؛ يولّد هذا الوضع فينا شعورًا بالغيظ لا يشفى إلا بقتل قائد العصابة وأفرادها الذين لا يتمتعون بأي ذرّة من الرحمة. لكن من الصعب أن نضع خطة لهداية قائد هذه العصابة وإنقاذ من معه من مستنقع الرذيلة. هذه الخطة تحتاج إلى عمق خاص في الفكر وفي معرفة الحياة وقوانينها؛ وفي ذلك إثارة عالية جدًّا، لأنّ هذا العمق فيه من الجديد والمجهول والغامض ما تتوق معه كل نفس إلى معرفته وسبر أغواره وتجربته معنويًّا وحسيًّا. الدخول إلى أعماق النفس الممتلئة خطيئة أصعب بكثير من الدخول إلى وكرها المدجَّج بالأسلحة والمقاتلين.
كان فيلم الماتريكس إبداعًا في زمانه، لأنّه أراد معالجة قضية سيطرة الآلة والذكاء الاصطناعي على البشر والأرض، لكنّه أفرط في مشاهد العنف التي لم تكن تجري سوى في الذهن والعالم الافتراضي. وكذلك فيلم الأفاتار الذي عالج مشكلة الاستعمار الوحشي للشعوب المستضعفة بطريقة المقاومة المسلّحة مع كم هائل من الانفجارات. يبدو أنّ كل فيلم يريد أن يتصدر أرقام صناديق السينما والأرباح يجب أن يحتوي على نسبة عالية من هذا العنف.
المؤسسات الأمنية والشرطة لا تمتلك أي خطة حقيقية لمواجهة عصابات المخدرات التي تنشط فقط لأنّ الناس العاديين غير المجرمين يتوقون إلى بضاعتهم المدمرة. ولماذا يزداد عدد المدمنين على المخدرات والراغبين بتجربتها؟ هذا ما لا تتم معالجته في هذا الفن إلا نادرًا وبنسبة قليلة جدًّا مقارنةً مع المعالجات العنفية. وهل توقفت العصابات؟ وهل تم القضاء على هذه الظاهرة الكارثية في المجتمعات؟ أبدًا.. بل ازدادت، حتى فرضت على المشرّعين في بعض الدول أن يسنّوا قوانين تجيز استخدام بعض أنواع المخدرات. وسوف يستمر التراجع أمام موجة المخدرات والانحطاط الاجتماعي والصحي معها، ولن يمر وقتٌ طويل حتى يتم تشريع استخدام المزيد والمزيد منها.
في هذه الصناعة الفنية يتم التلاعب بمشاعرنا من أجل كي وعينا حتى لو لم يُتقصد ذلك. في البداية نحن أمام مشهد مؤلم جدًّا من الإجرام والاعتداء والإساءة. يتم تحريك رغبتنا في الانتقام أو التخلص من هذه المشكلة بأي شكل. نصبح مستعدين لتقبل الحلول العنيفة. حين يُردى هذا المعتدي ويُصرع، نتنفس الصعداء. هذا هو المطلوب. لكن هل استطعنا أن نكتشف أساس المشكلة وما الذي تسبّب بها؟! هذه المشاكل سوف تتكرر وتزداد، لأنّ الحلول الأساسية للمشاكل والأزمات وكل أشكال العنف لا تكون سوى بالتعامل مع أسبابها والتي تكمن في الطبيعة البشرية المنحرفة.
حتى العلاجات العنفية التي شرّعها الإسلام (من قبيل القصاص والحدود والتعزيرات) إنّما هي للردع وترهيب من يمكن أن تُسوّل له نفسه فعل مثل ذلك؛ أمّا الحل الأساسي في برنامج الإسلام فيكمن في الدخول إلى أعماق النفس البشرية ومخاطبتها من خلال ترغيبها بالخير وتعريفها على عواقب الشر، وبذلك نسير نحو بناء مجتمعٍ فاضل يشترك أفراده في إصلاح الخطايا.
نحن أمام فرصة عظيمة لكي ننتج فنًّا لم تعهده البشرية من قبل؛ فن يتفوق على فنون الإثارة العنفية فيجعلها مملة مضحكة، لا كإضحاك الكوميديا الساخرة. وعندها سوف نكون أمام مرحلة جديدة من التكامل البشري، حيث يمتدح الناس وسائل السلم والتفكير العقلاني ويرون نتائجها في حياتهم نجاحًا وازدهارًا لا مثيل له.
كيف أجعل مجتمعي قويًا؟
في ظل هذا المجتمع المنيع يتمكن الشاب المسلم من الحفاظ على قيم دينه الذي أنزله الله ليكون أعظم هدية لكل مجتمعات العالم وشعوبه التي تتوق إلى الانعتاق من قيود الظلم والضياع. فما هي مكونات المجتمع القوي، وكيف يمكن للشباب أن يجهّزوا أنفسهم ليشاركوا في أجمل الأعمال وأكثرها تشويقًا. كيف أجعل مجتمعي قويًّا؟ الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 112 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
روح المجتمع
كتابٌ يُعدّ موسوعة شاملة ومرجعًا مهمًّا جدًّا يمتاز بالعمق والأصالة لكلّ من يحمل همّ تغيير المجتمع والسير به قدمًا نحو التكامل، يحدد للقارئ الأطر والأهداف والسياسات والمسؤوليات والأولويّات والغايات المرحليّة والنهائيّة في كلّ مجال من المجالات التي يمكن أن تشكّل عنصرًا فعّالًا في حركة التغيير، على ضوء كلمات قائد الثورة الإسلاميّة المعظّم روح المجتمع الكاتب: الإمام الخامنئي/ السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19*25غلاف كرتوني: 932 صفحةالطبعة الأولى، 2017م ISBN: 978-614-474-020-0 سعر النسخة الملوّنة: 100$سعر النسخة (أبيض وأسود): 34$ للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراءه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$
أي مجتمع نريد؟
ما هي أهمية البحث عن المدينة الفاضلة؟ وكيف نرتقي بوعينا ومسؤوليتنا الاجتماعية؟ ما هي القضايا التي لا بد من دراستها وفهمها لرسم معالم الطريق الموصل إلى المجتمع الأمثل. وما هي العوائق الكبرى على هذا الطريق.
لماذا يجب التركيز على الدراما.. نحو امتلاك أهم قوة تأثير في العالم
يتفاعل البشر كثيرًا مع الأفكار والأطروحات وأي حديث يرتبط بواقعهم، والسبب يكمن في الأسرار والألغاز التي لا تزال تشغل هذا الواقع وتنبعث منه.. يريد كل واحد منّا أن يفهم واقعه لكي يتحكم به؛ فلا شيء يُقلق الإنسان مثل أن يكون ريشة في مهب رياح حوادث الحياة.
لماذا يستحيل إنتاج دراما إسلامية؟ كيف نؤسّس لهذا المجال المحوري
منذ انبعاث الصحوة الإسلامية وتشكُّلها في إطار الدول والمنظمات، بات بإمكان المهتمين بنشر الفكر وترسيخ القيم الثقافية العمل على إنتاج أعمال درامية تتناسب مع الاستحقاقات والتحديات. المشروع الإسلامي الثوري النهضوي ما زال يواجه تهديدات وجودية، وأمامه استحقاقات كبرى وآفاق رحبة. وباختصار، لم تصل هذه النهضة إلى خواتيمها، بل يمكن القول بأنّها ما زالت في بداياتها رغم الإنجازات المهمّة التي حقّقتها.
العمل الأهم.. على طريق بناء الحضارة الإسلامية الجديدة
التعليم العام بأساليب المدرسة والإعلام يُحتم علينا أن نضع عناصر ثقافتنا المتميزة في مراتب ودرجات من أجل الوصول إلى هذا الهدف وهو: اكتشاف الناس لعظمة ثقافتهم التي تبعثهم على الانطلاق في عملية بناء حضارتهم الجديدة. في غير هذه الحالة، التعويل على تحقيق ازدهار اقتصادي وعمراني واستقرار أمني ومعيشي سيكون في غير محله.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...