حين يفسد الطيبون في الأرض
أي سنة قد تجري عليهم؟
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب معادلة التكامل الكبرى
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما في قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصام * وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَساد}[1]
أصعب شيء على المؤمن ألّا يتمكن من ملاحظة قرب الله في حياته. قرب الله هنا هو قرب الرحمة الخاصة. الرحمة الرحيمية علامة على قبول الحق تعالى لعبده وتقبّله. هكذا تنبعث أواصر المحبة الإلهية ويتعمق في القلب حبنا لله. كلما تنسّمنا رياح رحمة الله كنّا أقرب إلى الشعور بحضوره الجمالي الرحماني في حياتنا. هذا مطلب يصعب على المؤمن إغفاله أو تجاوزه في علاقته بالله تعالى.
ما يجعل الأمر صعبًا هو ألّا نتمكن من تفسير حوادث الحياة تفسيرًا إلهيًّا؛ حتى لو كانت النتيجة والاستنتاج الحاصل من هذا التفسير والقراءة يدل على حضور الجلال وظهور النقمة، فإنّه أهون من ألّا نقدر على تفسير ما يحصل. ففي كل جلال يكمن الجمال وفي كل نقمة يوجد نعمة. ويمكن أن ننتقل بسرعة من ملاحظة الجلال إلى رؤية الجمال الكامن فيه حين نتمكن من قراءة الحوادث وتفسيرها تفسيرًا إلهيًّا يجعلنا شاهدين على حضور الله وربوبيته وتدبيره.
يوجد ساحتان أساسيتان لملاحظة حضور الله في عالم الدنيا: الأولى هي ساحة النفس وميدانها؛ والثانية هي ساحة المجتمع والعلاقات البشرية. تتحول ساحة النفس إلى مدرسة إلهية تعليمية حين نخوض ميدان الجهاد الأكبر ونجاهد أنفسنا للوصول إلى مقام القرب. هذا الأمر هو الضامن الأول لقراءة آيات الله في أنفسنا.
ولكي نتمكن من قراءة ساحة المجتمع والآفاق، نحتاج إلى معرفة السنن الحاكمة عليها. هناك قوانين إلهية تجري في جميع ميادين الحياة الاجتماعية للبشر، لكنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأدائهم وسلوكياتهم العامة. ومن هذه السلوكيات ما يرتبط بتعاملهم مع الأرض.
ربما يمكن القول إنّ هذه القضية هي القضية الأولى في الحياة الدنيا، لأنّ وجود الأرض مقدمة لكل شيء آخر. بقاء البشرية واستمرارها مرهون بحياة الأرض وصلاحها. وبدون البشرية لا يوجد أي حياة اجتماعية بالطبع. الأرض مهد الحياة والله يقول: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتا}.[2]
إنّ التعامل الخاطئ مع الأرض يفرض سريان مجموعة من القوانين وتحقق سلسلة من السنن. ومن المؤكد أنّ تخريب الأرض عند الله خط أحمر، لأنّ للأرض عاقبة ومصيرًا جميلًا حيث تشرق بنور ربّها ويرثها عباد الله الصالحون المصلحون. كل من تمتد يده لتخريب الأرض لا بد من قطعها مهما كان.
يمكن اعتبار عملية تخريب الأرض كأخطر ظاهرة في الحياة الاجتماعية؛ ولذلك لا يمكن التسامح معها إطلاقًا. وهذه القاعدة تسري على أي جماعة مهما كانت ديانتها وانتماؤها ووضعها.
لو كانت الجماعة متشكلة من الطيبين الذين لا يقصدون أي شر، لكنّهم يُخرّبون الأرض بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة، فهم يرتكبون واحدًا من أكبر الأخطاء على الإطلاق. ولو كانت الجماعة البشرية متشكلة من الخبيثين ولم يكونوا يخربون الأرض (هذا، على سبيل الفرض، رغم أنّه مستبعد جدًّا) فيمكن الغض عنهم أو ألّا يُجري الله أقسى السنن عليهم؛ أو يمكن القول إنّ عقابهم لن يكون بمستوى عقاب تلك الجماعة التي تُمعن خرابًا وفسادًا في الحرث!
يتصور بعض الناس أنّ المظلومية كافية لاستدرار النصر. كم من مظلومٍ هو في الوقت نفسه ظالم وإن كان لا يدري. حتى لو كانت الجماعة مظلومة مضطهَدة، لكنّها كانت في تعاملها مع الأرض تخرّب وتفسد، فربما لن تشفع لها مظلوميتها. قد يرسل الله على هذه الجماعة المظلومة من يطردها من أرضها ويشتت شملها ويشردها في البلاد.. تصبح هذه الجماعة التي إذا اجتمع أفرادها خرّبوا، وإذا تفرقوا لم يفسدوا (فليس من الضروري أن يُبادوا من الأرض). إنّ ذهاب الجماعات لا يعني فناء أفرادها، بل زوال هويتها الجمعية؛ كما نقرأ اليوم عن جماعات كثيرة أو شعوب كانت موجودة في التاريخ ثم انقرضت. قد يكون نسلهم موجودًا اليوم، لكن لا ذكر لهويتهم أبدًا.
نحتاج إلى تعميق هذه الفكرة لأسباب عدة. منها أنّ قضية تخريب البيئة وإفسادها ليس مطروحًا في ثقافتنا الإسلامية العامة كما ينبغي. يمكن القول إنّنا أقل شعوب العالم إدراكًا للعلاقة الوثيقة بين الدين والأرض. ومن هذه الأسباب أنّ ذلك يعيننا على فهم ما يجري علينا من حوادث، وما ينبغي أن نقوم به من أجل اكتشاف طريق التقدم الحضاري والسير عليه. لا يمكن لأي جماعة أن تصنع حضارة بعيدًا عن رؤية واضحة تجاه الأرض والبيئة.
احتل العدو أرضنا وسيطر على مقاليد أمورنا بالكامل. كان بإمكانه أن يفعل كل ما يحلو له بأرضنا وثرواتنا الطبيعية. قاومناه لعقدين من الزمن وطردناه من أرضنا. ما قمنا به من تخريب أرضنا في السنوات الأولى التي تلت التحرير ربما يعادل كل ما قام به هذا العدو على هذا الصعيد. الأرض تئن تحت أقدامنا من هول ما فعلناه بها ونحن شبه أحرار. تدمير ممنهج للتربة وتلويث شبه كامل للمياه وتسخير عشوائي لكل الثروات الطبيعية.
رغم أنّ الله أنعم علينا بنسبة جيدة من الأمطار، لكنّنا نلجأ إلى تجفيف مصادر المياه بطريقة تجعل مستقبل هذه الثروة الحساسة والمصيرية مخيفًا. تحولت بحيرة القرعون إلى مُستنقع للمواد الشديدة السمية ومعها نهر الليطاني الذي يُفترض أن يكون مصدرًا مهمًّا للري. هل ستنفع زيادة نسبة الأمطار هنا؟
التخريب لا ينحصر في تسميم المياه وتعرية التربة؛ جزءٌ مهم من هذا التخريب يرجع إلى الاستخدام العشوائي والاستغلال المفرط.
عدم تقدير الثروات الطبيعية هو المقدمة الأساسية للتخريب. الطيبون إن لم يعرفوا أهمية التربة والمياه ولم يشكروا الله على هذه الموارد الحساسة بحسن استعمالها، فسوف يستخدمونها بطريقة عشوائية اعتباطية ظالمة إسرافية تبذيرية. وعدم التقدير والشكر في سنن الله هو العامل الأول وراء الحرمان من النعم. قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتيها رِزْقُها رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ}.[3]
إنّ قصة أهل سبأ والسد العظيم معروفة. خلّدها الله في كتابه لتبقى لنا درسًا: {لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ في مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَليل * ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازي إِلاَّ الْكَفُورَ}.[4]
يتصور بعض الناس أن العدو طالما أنه كافر وظالم ومجرم، فإن الله سينصرنا عليه. ينسى هؤلاء أنّ هذا العدو قد يتحول إلى أداة ووسيلة بيد الجلال الإلهي لمعاقبة الجماعة الطيبة المظلومة (الظالمة أيضًا). رغم أنّ هذا العدو سينال نصيبه في النهاية من العقاب.
الظلم أنواع. بعضه ظلم الناس لبعضهم بعضًا. وبعضه ظلم الناس للأرض. ربما لم يُطرح هذا البحث الأخير في أدبياتنا الإسلامية كما ينبغي، فظنّ الكثير منّا أنّهم إن ظلموا الأرض لن يصيبهم شيء من عقاب الله لأنّهم من أهل الإسلام والإيمان.
[1]. سورة البقرة، الآيات 204-205.
[2]. سورة نوح، الآية 17.
[3]. سورة النحل، الآية 112.
[4]. سورة سبأ، الآيات 15-17.
على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$
معادلة التكامل الكبرى
يقدّم رؤية منهجيّة تربط بين جميع عناصر الحياة والكون وفق معادلة واحدة. ولهذا، فإنّك سوف تلاحظ عملية بناء مستمرّة من بداية الكتاب إلى آخره، تشرع بتأسيس مقدّمات ضروريّة لفهم القضية ومنطلقاتها، ثمّ تمرّ على ذكر العناصر الأساسية للحياة، لتقوم بعدها بالجمع بينها والتركيب، لتخرج في النهاية بمعادلة شاملة لا تترك من مهمّات الحياة شيئًا. معادلة التكامل الكبرى الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 21.5*28غلاف ورقي: 336 صفحةالطبعة الأولى، 2016مالسعر: 15$ تعرّف إلى الكتاب من خلال الكاتب للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم أن تطلبوه عبر موقع جملون على الرابط التالي:
مختصر معادلة التكامل
هذه الطبعة المختصرة لكتاب "معادلة التكامل الكبرى" الذي يبيّن مدى سعة الإسلام وشمول رؤيته ومنهجه لكلّ شيء في الوجود. كيف لا؟ والله عزّ وجل هو المبدأ والمنتهى.. نقدّمها لقرّائنا الذين يودّون أن يحصلوا على معرفة أوّليّة بتلك المعادلة الكبرى، أو للذين لا يجدون الوقت الكافي لمطالعة الكتب الكبيرة. مختصر معادلة التكامل الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 200 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
أي مجتمع نريد؟
ما هي أهمية البحث عن المدينة الفاضلة؟ وكيف نرتقي بوعينا ومسؤوليتنا الاجتماعية؟ ما هي القضايا التي لا بد من دراستها وفهمها لرسم معالم الطريق الموصل إلى المجتمع الأمثل. وما هي العوائق الكبرى على هذا الطريق.
بحثا عن حضارة جديدة
ماذا يعني أن يؤسس المسلمون حضارة جديدة؟ وما هي أسباب إخفاق حضارتهم الأولى؟ هل كانت قواعد البناء واهنة؟ أم أن المسلمين لم يتمكنوا من إشادة حضارتهم عليها؟ هل نشهد في عصرنا الحالي إمكانية بناء حضارة جديدة وسط كل هذه التحديات التي تمثلها القوى العظمى في العالم؟
ألا يكفي وجود العلماء حتى لا تسيخ الأرض بأهلها؟
احد الادلة على وجود الامام المهدي يستند الى الحديث القائل لولا الامام لساخت الارض باهلها.. اي ان بقاء الارض منوط ببقاء الانسان الكامل لكن ماذا عن ازمان الانبياء السابقين ؟ فاذا كانت تحفظ الارض بوجودهم فلماذا لا تحفظ في هذا الزمن بالعلماء والاولياء والحديث
ألم توجد الأرض وفق النظام الأكمل ولم تخضع لعملية التطور؟
ألا يوجد قول بأن الإمام المهدي (عج) حين يأتي سيعيد الأرض كما كانت أول ما نزل عليها النبي آدم(ع) ، ألا يعني ذلك أنّ الأرض منذ البداية وُجدت وفق النظام الأكمل، أي لم تخضع لعملية التطور؟ وإنما نتيجة تخريب الإنسان لها نحن الآن مضطرون للعمل على إعادتها كما كانت؟
ورد أنّ الأرض تخرج خيراتها مع ظهور الإمام، فلماذا هذا الترغيب بالخيرات المادية؟
ورد أن الأرض تخرج خيراتها مع ظهور الإمام عليه السلام.. إلى أي مدى يصح تفسير هذا الكلام بالخيرات المادية، لا سيما وأن البشر مأمورون بعدم الانجرار وراء الشهوات المادية والاستكثار منها، وفي هذه الحال سواء أخرجت الأرض خيراتها أم لم تخرجها، لن يكون هناك فرق، فلماذا هذا الترغيب بالخيرات الموعودة؟
حول أنواع الخوف والتعامل معه.. هل من الطبيعي أن نخاف مما يجري؟
الخوف ينشأ من ترقب حالة سيئة أو احتمال عروض ضرر. غالبًا ما يكون الخوف من الضرر ناشئًا من أنّه ينتهي إلى الموت. لذلك كان الخوف من الموت منبع كل خوف طبيعي.. لكن ما دامت علاقتنا بالموت متوترة، فلا يمكننا أن نحصل على هذه البصيرة التي نحتاجها للإصابة والنجاح في العمل.. وذلك لأنّنا سنخاف كثيرًا، وخوفنا سوف يمنعنا من التفكير الصحيح ورؤية الأمور كما هي. بسبب الخوف من الموت سنخاف من أمور وهمية كثيرة. والوهم أساس الفشل والإخفاق.. فما هو الحل؟
كيف تكون الأرض مشروعًا تعليميًّا أساسيًّا؟ بدل التشرذم، تتضافر العلوم والمناهج
منذ أن حصل الطلاق بين العلوم التجريبية والفلسفة، والأرض تئن تحت وطأة التفلت العجيب في استخدام عناصرها ومكوّناتها بطريقة تنذر بكارثة وجودية. حين أصبح ما يُسمى اليوم بالعلم (أو الساينس) يمارَس لأجل "العلم" كما يُقال، فقد العمل البحثي في كل ما يتعلق بالأرض أي نوع من التوجه الهادف والمسؤول تجاه هذا الكوكب الذي يبدو أنّه الوحيد الحاضن للحياة.
حين تصبح الأرض ضحية خيارات الشيطان
ما يحدث اليوم حين يجري الحديث عن البيئة والأرض، ويحتد النقاش بين خيارين: الأول يدور حول ضرورة أن نترك الطبيعة على رسلهاأما أصحاب الخيار الثاني، فيعتقدون بضرورة تدخل الإنسان، ويؤمنون بأهمية ذلك ودوره في إصلاح الطبيعةولكن أليس هناك من خيار ثالث؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...