
حول لعنة الحب في سنّ المراهقة
كيف نتعامل مع هذه التجربة الحسّاسة؟
السيد عباس نورالدين
للحب روعته ولذّته التي لا تضاهيها لذّة؛ فهو أجمل ما يمكن أن يحدث للإنسان في هذه الحياة. بل إنّ الحياة بدون حبّ لا تساوي شيئًا. ولو قيل أنّ الله خلقنا للحب، لما كان في هذا الكلام أي مبالغة! ولكن لماذا نجد الكثير من البشر يعانون في الحب؟ وكيف يمكن أن نجنّب أبناءنا تجربة الحبّ المرّة في سنّ المراهقة؟
يسمّيها البعض لعنة الحبّ لأنّها ستكون معاناة كبيرة، غالبًا ما تؤدّي إلى آلام مبرحة؛ هذا بالإضافة إلى تأثيراتها السلبيّة على أهم أنشطة ومتطلّبات هذه المرحلة العمريّة، كالدراسة والروابط الأسريّة البنّاءة.. فهل يمكن اجتناب هذه اللعنة بسهولة، أم لا بدّ من مواجهتها لأنّها من حتميّات هذه المرحلة؟
إنّ للحبّ والانجذاب القلبيّ لوازم طبيعيّة كالدعوة للاتّصال والوصال. فأن تحب يعني أن ترغب في التواجد مع المحبوب بشدّة والتعبير له بكل ما يمكنك عن مدى حبّك. ولأنّ الشباب في سنّ المراهقة لا يمتلكون فرصة الوصال، إلّا وفق ظروف غير مناسبة وغير سليمة، فإنّ معاناتهم مع الحب تزداد، ويزداد معها كلّ أشكال الاضطراب.
في الغالب يتّجه أفراد مجتمعنا إلى الزواج كتعبيرٍ عن الحب. ولأنّ طرح هذا الموضوع في مرحلة المراهقة أشبه بالهذر والجنون بالنسبة للأهل والمجتمع، فإنّ التضاد بين الحبّ والوصال يتضخّم وتتضخّم معه المعاناة.. ولا أحد يتمنّى لابنه أو ابنته أن تعيش مثل هذه المعاناة.
بالنسبة لبعض الأهل، لا يمكن تقدير هذا الحبّ واحترامه بأيّ شكل، لأنّه غير مبنيّ على نضجٍ ووعي. فهو أشبه بنزوةٍ عابرة، والأفضل أن لا يحصل من الأساس. ولأجل ذلك يدرك العشّاق المراهقون أنّه من العبث طرح هذه القضيّة على أولياء أمورهم؛ وهذا ما يرفع من مستوى المعاناة أيضًا. بل لعلّ المعاناة الكبرى تكمن في عدم قدرة الأبناء على مناقشة ما يعيشونه مع الأشخاص الذين يُفترض أن يدعموهم ويقفوا إلى جانبهم.
ما الذي حدث حتى تحوّل الذين كانوا يعتنون بنا منذ طفولتنا ويؤمّنون لنا كل حاجاتنا ويهتمّون بما نشعر أشدّ الاهتمام، إلى أناسٍ غرباء لا يمكن أن نفاتحهم بما نريد ونرغب؟
سؤال يشغل بال كل مراهق يدخل في تجربة الحب في مجتمعنا.
معظم أولياء الأمور قد يغضّون النظر عن هذه التجربة باعتبار أنّها ستصل إلى طريقٍ مسدود، بفضل التواصل الذي توفّره وسائط العصر! فمن الصعب أن يمنعوا أبناءهم من التواصل مع أقرانهم ( ومن يحبّون). وعلى هذا الأساس لن يمضي وقتٌ طويل حتى يكتشف الأبناء المراهقون بأنفسهم أنّ تجربة الحب تلك لا تعدُو أن تكون نزوةً عابرة؛ فيرتاح حينئذٍ الجميع. أو هكذا يبدو!
يبدو أنّ الاستسلام للمشكلة والغض عنها هو الحل الأمثل عند معظم الآباء والأمّهات؛ لكن ألا ينبغي أن نلتفت إلى إمكانيّة حصول بعض العواقب الوخيمة للحب في هذه المرحلة العمرية الحسّاسة؟ وماذا عن الانترنت الذي يمكن أن تأخذ بهم إلى مديات غير متوقّعة؟ وهل ندرك ما تفعله الأفلام والمسلسلات على صعيد كسر الحياء والعفّة والجرأة على القيام بأمور لا تُحمد عقباها؟
قد يكون ابنك أو ابنتك ضحيّة استدراج شهواني يجعلها تندم طوال حياتها ممّا يمكن أن يدمّرها بالكامل. لأجل ذلك يجب على الأهل أن يتعاملوا مع هذه القضيّة بوعيٍ تامّ وحكمة ترتبط بالأمور التالية:
- تجنيب أبنائهم المراهقين كل ما يمكن أن يثير نزواتهم: حيث تتعاضد الطبيعة البشريّة مع البيئة والأجواء المختلطة لتستنفر تلك الرّغبات الكامنة فيهم، وتستفزّها قبل وقتها. فالوقت المثاليّ لهذه الرغبة هو حين يبلغ أبناؤنا سنّ الرشد وحالة إدراك المسؤوليّات الاجتماعيّة والدينيّة في قضيّة العلاقة بين الجنسين. فقبل هذا لن تكون علاقة الحب سوى عذاب ومعاناة؛ لأجل ذلك ليس من مصلحة أحد أن يتواجد المراهقون في بيئة وظروف تحرّك مكامن نفوسهم وأبدانهم وهم ليسوا ناضجين ومدركين للتبعات والمسؤوليّات بما يكفي.
يدهشني بعض الأهل الذين يأتون طالبين للنصيحة في هذا المجال، وقد أدخلوا أبناءهم في تلك المدارس الشديدة الاختلاط التي لا تراعي ضرورة الفصل والتوازن في هذه المرحلة. فأقول لهم لقد رميتم أبناءكم في البحر وأنتم تطلبون منهم أن لا يبلّلوا ثيابهم. لهذا، فأفضل شيء نفعله مع أبنائنا هنا هو تجنيبهم كل ما يوقظ تلك الأحاسيس والمشاعر قبل وقتها.
إنّ الطبيعة البشريّة اقتضت أن يتزامن البلوغ الجنسيّ مع البلوغ العقليّ بالحدّ الأدنى، وأن يكون الفرد جاهزًا لتحمّل مسؤولية بناء أسرة في هذه المرحلة جسديًّا ونفسيًّا وذهنيًّا؛ لكنّ التربية الاجتماعيّة والأعراف السائدة والمناهج التعليميّة الحاكمة، كلّها تعمل عكس ذلك تمامًا؛ وهذا ما يؤدّي إلى نشوء أجيالٍ يتأخّر عندها البلوغ العقليّ والنضج الاجتماعيّ عن البلوغ الجنسيّ عدّة سنوات؛ وفي ذلك محنة المراهقة الكبرى التي تبقى تبعاتها إلى آخر الحياة.
ولو استطعنا أن نصل إلى الوضع المثاليّ، وقمنا بتربية أبنائنا بما يتناسب مع هذه الطبيعة، واستطعنا أن نكسر الأعراف البالية، ونغيّر الظروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة المعاندة، لما كنّا لنشهد أي نوع من الإرهاق والمراهقة؛ ولأصبح التوجّه الطبيعيّ نحو الجنس الآخر بمنزلة السير نحو الوصال المريح الذي يطمئن النفس بدل أن يلهبها.
فالمجتمعات التي تؤخّر سنّ الزواج ـ وفق أي آلية تعتمدها ـ هي مجتمعات تدفع ثمنًا باهظًا على صعيد قوّتها ومتانتها وظروف الأمن والسلامة النفسيّة اللازمة فيها. - مناقشة قضيّة الحبّ ومفهومه في مرحلة مبكرة:فالحب أمرٌ رائع وجميل وهو فضيلة عظيمة، وينبغي الحث عليه والاهتمام به منذ الطفولة. لكن هل يميّز الأبناء بين الحبّ الحقيقيّ والنزوات الشهوانيّة؟ وهل يمكنهم أن يلتفتوا إلى أنّ ما يشعرون به تجاه الجنس الآخر ليس سوى اندفاعة الشهوة الطبيعيّة؟
والمؤسف هنا أن يتعامل الجميع مع الحب على أنّه ليس سوى ذلك، فيتضاءل التمييز بين هذا الشعور الرائع وبين الدوافع الشهويّة. وفي ذلك خسارة كبرى لأجمل ما يمكن أن يحدث في حياتنا.
لا تنحصر مسؤوليّة الأهل في تجنيب أبنائهم تلك المشاعر السلبيّة الهدّامة، بل يجب عليهم أن يعملوا على تربيتهم وتنمية توجّهاتهم نحو الفضائل والكمالات. وهنا يقف الحب على رأس هذه الفضائل، إن لم يكن أساسها. فقد ورد في مدرسة أهل بيت العصمة والطهارة أنّ الدين كلّه حب؛ وقد استنكر الأئمّة (عليهم السلام) على من لا يعرف ذلك وقالوا له: وهل الدين سوى الحب! وكيف يمكن لأي فكرة حقّة أن تؤثّر في النفس البشريّة ما لم تقترن بالحب والاندفاع العاطفيّ؟ لهذا، يجب تعليم أبنائنا معنى الحب منذ الصغر. وبهذه الطريقة يمكنهم أن يميّزوا بينه وبين تلك المشاعر التي يمكن أن تتسبّب بمعاناتهم.
فالحبّ يحرر، والحبّ يُفرح، والحبّ يطمئن ويسكّن، والحبّ يطلق أجمل ما لدى البشر، وهو الذي يجعلنا نبلاء ومضحّين وصابرين. وحين يتحرّر الحب من أسر التعلّقات والحاجات فسوف يكشف لنا عن حقيقة من نحب. والأهم أنّه لن يجعلنا ننجذب إلى الأشخاص السطحيين. وقد أثبتت التجربة أنّ نضج بناتنا غالبًا ما يمنعهنّ من الانجذاب إلى زملائهنّ الشباب في المدرسة، لأنّهن يرونهم كصبية تافهين. فكلّما نضج معنى الحبّ في النفس أصبح الانجذاب إلى العلاقات الساذجة والسطحيّة أمرًا مستبعدًا.
إنّ أبناءنا قادرون على فهم حقيقة الحبّ حتى لو كانوا مراهقين صغارًا. ولا شيء يمكن أن يفتح أمامهم أبواب الحبّ الحقيقيّ ـ بدل الحبّ الشهوانيّ والمجازيّ ـ مثل تعرّفهم إلى الشخصيّات الكاملة. ولهذا نقول في الزيارة الجامعة: "من أحبّكم فقد أحبّ الله".
أجل، يجب أن يتعرّف أبناؤنا على وجود مثل هذا الحبّ، وأن يعلموا أنّه كامنٌ في نفوسهم، وأنّه يمكن أن يدركوه قبل أن يُراهقوا، فلا يراهقون بعدها أبدًا.

عشر قواعد لحياة روحية عظيمة
عشر قواعد أساسيّة تدلّنا على كيفية الوصول إلى حياة روحانية صاخبة فوّارة طيّبة مفعمة بالنشاط والاندفاع. 10 قواعد لحياة روحية عظيمة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 160 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 7.5$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

سفر إلى الملكوت
المبادئ الأساسيّة لبناء حياة معنويّة رائعة.كتاب يتحدّى تفكيرنا ويحثّنا على إعادة النظر بما كنا نعتبره من المسلّمات أو الأمور التي لا تحتاج إلى تعمّق وتدبّر. سفر إلى الملكوت الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 406 صفحاتالطبعة الرابعة، 2017مالسعر: 10$ تعرّف أكثر إلى الكتاب من خلال الكاتب يمكنكم شراء الكتاب عبر موقع جملون على الرابط التالي:

١٠. كيف توصلنا محبّة أهل البيت(ع) إلى حبّ الله؟(2)
أجل، يمكن لكل واحد منّا أن يوجد محبة أولياء الله في قلبه، فيصل إلى أعلى درجات الكمال!

٩.كيف توصلنا محبّة أهل البيت(ع) إلى حبّ الله؟ (1)
إذا تحقق حب الله يصل الإنسان إلى كماله. وإذا وجد القلب حب أولياء الله يصل إلى حب الله!

كيف نزيد من محبّة أهل البيت (ع)؟ دور مجالس العزاء والمدح
كل حبّ يذوي أو يزول إن لم نزّوده بوقوده الحقيقيّ. وزاد الحبّ الأكبر ووقود العشق الأسمى هو وِصال المحبوب. ولا شيء يحكي عن الوِصال ويحقّقه مثل التعرّف إلى المحبوب وملاحظة تجلّياته.

ماذا نعرف عن محبّة أهل البيت (ع)؟
ليست محبّة أهل البيت عليهم السلام أمرًا مغايرًا لأي حب نشعر به أو نعيشه تجاه أي شخص، لكنها درجة عالية من المحبّة لأنها محبّة متحررّة من جميع قيود الأنا والشهوة والمصلحة الشخصية.

إلى أين يذهب الحب حين يموت؟
إلى أين يذهب الحبّ حين يموت؟ أظنّ أنّه سؤالٌ مشروعٌ خاصّة بالنسبة لنا نحن الذين نؤمن بالحياة بعد الموت وبالجنّة والنار. لكن هل أنّ الحبّ كائنٌ حي حتى نتساءل عن مصيرٍ غير عدميّ له؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...