
الحياة الغنيّة للمؤمن
السيد عباس نورالدين
قال أمير المؤمنين عليه السلام في صفة المؤمن: "الْمُؤْمِنُ... بَعِيدٌ هَمُّهُ، كَثِيرٌ صَمْتُهُ، مَشْغُولٌ وَقْتُه".[1]
تتميّز حياة المؤمن الواقعيّ بغنًى واسعٍ يثري نفسه بأعمق المشاعر وأجملها. وليس هذا بعجيب لمن أدرك سعة الفرص التي جعلها الله تعالى في هذا الكون. فلو نظرنا إلى العالم المحيط بنا لرأينا الكثير الكثير ممّا يمكن أن نقوم به في الليل والنهار، ويعود علينا بالنفع والفائدة.
وأوّل شغل جميل للمؤمن يرتبط بهذه الأرض التي تضجّ بالاستعدادات والإمكانات الكامنة. ولأنّ المؤمن يحمل في ذهنه تصوّرًا عن الجنّة الموعودة، فهو مدركٌ للتّصميم النهائيّ لهذا العالم، ولو كان بالإجمال. وبعد المقارنة بين الواقع الذي يعيشه والتّصميم النهائيّ الذي يمكن أن يحقّقه، يدرك المؤمن أنّ لديه الكثير من الأعمال التي ينبغي أن يقوم بها حتى يبدّل هذه الأرض إلى تلك الجنّة.
فهذا هو أساس اشتغال وانشغال المؤمن في هذا العالم؛ أي السّعي لبناء جنّته التي تتطلّب مجموعة مهمّة من الإنجازات الاجتماعيّة، والتي بدورها تتطلّب مجموعة من الأعمال الثقافيّة الدينيّة، والتي بدورها تتطلّب مجموعة كبيرة من الإنجازات على صعيد الذّات.
إنّها أجمل مهمّة يمكن أن توكل لأي إنسان؛ فهي تضفي على حياته متعة خاصّة لا يمكن أن تحصل في أي مهمّة أخرى مهما كانت. والسرّ فيها أنّها تفتح مدركاته ومشاعره على إدراك الجمال الواقعيّ في كلّ شيء. فمن سعى إلى الجنّة صار طالبًا للجمال والكمال؛ فتستيقظ فيه كل معاني الجمال والكمال. ومثل هذه الرّهافة الفائقة في الحسّ هي أساس تمتّعنا نحن البشر بأي جمال ندركه، حتّى لو كانت تنغّص علينا بعض المتع المادّيّة، التي هي من شؤون الحيوانات والأنعام.
إنّ الثّروات الرّوحيّة الموجودة في هذه الحركة التّكامليّة تجعل حياة المؤمن حياة غنيّة حافلة بالمشاغل الرّائعة التي تترك آثارًا لا تزول في النّفس. ولهذا تنتقش حلاواتها في ذائقة روحه على مدى الدهر! وهذا بخلاف التمتّعات المادّيّة الصّرفة التي تزول آثارها بمجرّد أن تنقضي.
لدى المؤمن رحلة مذهلة مع الصّلاة، التي تمثّل خط الارتباط بالمعشوق الذي يفيض بالعطف والحنان والبهجة والاهتمام اللامتناهي. ومن المعروف أنّ العشق درجاتٌ من حيث الشدّة والضعف. ولا تتساوى بهجات العشّاق لمجرّد أنّهم يعيشون متعة الحبّ والمعاشقة. فإنّ للمعشوق أكبر الأثر في تحديد درجة العشق وآثاره الطيّبة في النّفس. ولهذا كان عشق الله تعالى أعظم عشق؛ بل لا يمكن أن يُقارن به أي عشق آخر؛ حتى قيل أنّ كل عشق غير عشق الله هو مجاز، وحبّ الله هو الحبّ الحقيقيّ. وما لم يكن حبّنا للغير متّصلًا بحبّ الله تعالى، فلن تغلب فيه جهة البهجة. لهذا اقترن الحبّ الشهوانيّ، الذي يكون مبدؤه تسلية النفس، بالكثير من الآلام والمتاعب!
فالصّلاة هي رحلة العشق أو المعاشقة، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): "أَفْضَلُ النَّاسِ مَنْ عَشِقَ الْعِبَادَةَ فَعَانَقَهَا وَأَحَبَّهَا بِقَلْبِهِ وَبَاشَرَهَا بِجَسَدِهِ وَتَفَرَّغَ لَهَا فَهُوَ لَا يُبَالِي عَلَى مَا أَصْبَحَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى عُسْرٍ أَمْ عَلَى يُسْرٍ."[2]
ويرتع المؤمن في مروج الدّعاء، ويسبح في فضاءات المناجاة، التي تضفي على حياته كلّ يوم بهجة لا توصف. وكيف لا، وهو يخاطب ويناجي ويكلّم مصدر الكمال المطلق، وهو على يقين بأنّه يستمع إليه ويستجيب له. فتجربة الدّعاء والمناجاة مع الله تعالى ليست تجربة صامتة تنشأ من طرفٍ واحد. فأهلها يعلمون أنّ ما ينالونه من لذائذ الاستجابة هو أكبر بكثير من أدعيتهم ذاتها.
ولأنّ الأدعية المدّخرة في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تشمل كل شؤون الحياة، وتتّصل بأعماق النّفس وتنفتح على آفاق غير مكتشفة، فسوف يكون للدّعاء هذا الأثر العظيم في حياة المؤمن، حيث يتمكّن من ملاحظة حضور الربّ المتعال في كلّ شيء. فلو لم يكن لمثل هذه الأدعية سوى هذا الأثر لكفى أن يكون الدّعاء أعظم وسيلة لإثراء حياتنا وإشباع رغباتنا الروحيّة والمعنويّة.
أمّا الشغل الآخر للمؤمن الواقعيّ، فهو الذي يرتبط باكتشاف حقائق العالم الذي جعله الله تعالى مرآة صفاته وأسمائه، ومرقاة معرفة الأعظم الخفيّ منها. لهذا فإنّ لرحلة العلم والاكتشاف عند المؤمن متعة خاصّة، لأنّها لا تنحصر في علم خاصّ أو قضيّة محدّدة، بل تتّسع كلّ يوم مع المزيد من الكشوفات التي وعد الله عباده المخلصين بها. ويتميّز هذا المؤمن باهتمامه الفائق بتراث العلماء الواسع الذي يمكن أن يستوعب كلّ حياته. ولأنّ سبيل الوصول والاتّصال بهذا التّراث سهلٌ يسير (مقارنةً بغيره من طرق العلم) فلا تتوقّف حركة المؤمن العلميّة عند مرحلة معيّنة، ولا تضيق مع مرور الوقت، كما يحصل لأساتذة الرياضيات والفيزياء والكيمياء.
الحياة العلميّة للمؤمن الذي أدرك أنّ هذا الوجود اللامتناهي هو ساحة كشوفاته، وأدرك المراد الأعلى الحاضر في كلّ ساحاته، ستكون حياة تكامليّة لا تزيده مع مرور الأيّام إلا غنًى وثراء وبهجة. فطوبى لمن بدأ رحلة العلم في الإسلام!
والمؤمن الواقعيّ مشغولٌ برحلةٍ من نوعٍ خاصّ وهي رحلة اكتشاف الذّات من خلال تهذيبها وتكميلها. وقد قيل:
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
فالله تعالى قد أودع أسرار الكون وعجائب الخلق في النفوس البشريّة، وما على الإنسان إلا أن يسبر أغوارها من خلال إزالة الحجب التي أسدلتها الأهواء والشّهوات الرّخيصة عليها. إنّها رحلة الانعتاق والتحرّر الأكبر. ومع كل درجة من الحرّيّة التي يحقّقها المؤمن، ستتّسع قدراته في تذوّق واستشعار المعاني الجميلة في الأشياء. فحين يحرّر حبّه من التعلّق سيذوق طعم جماله، وحين يحرّر نفسه من الجاه سيتّسع العالم أمامه، وحين يحرّر روحه من سيطرة الغضب سيدرك عظمة التّسامح والعفو الإلهيّ، وحين يحرّر نفسه من الأنانيّة سيدرك جمال الرّحمة السّارية في كلّ الوجود.
أجل، إنّ المؤمن سعيدٌ مبتهج في أعماقه لأنّه مشغول إلى حدّ الثمالة. فقد شغل بصره وقلبه وعقله وروحه وجميع قواه ومدركاته بعالمٍ لا متناهٍ لا تنقضي عجائبه. وهذه هي الجنّة التي سيحقّقها، إن هو مضى على هذا الطّريق؛ قال الله تعالى: {إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ في شُغُلٍ فاكِهُون}.[3]
[1]. نهج البلاغة، ص 533.
[2]. الكافي، ج2، ص 83.
[3]. سورة يس، الآية 55.

مختصر معادلة التكامل
هذه الطبعة المختصرة لكتاب "معادلة التكامل الكبرى" الذي يبيّن مدى سعة الإسلام وشمول رؤيته ومنهجه لكلّ شيء في الوجود. كيف لا؟ والله عزّ وجل هو المبدأ والمنتهى.. نقدّمها لقرّائنا الذين يودّون أن يحصلوا على معرفة أوّليّة بتلك المعادلة الكبرى، أو للذين لا يجدون الوقت الكافي لمطالعة الكتب الكبيرة. مختصر معادلة التكامل الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 200 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

معادلة التكامل الكبرى
يقدّم رؤية منهجيّة تربط بين جميع عناصر الحياة والكون وفق معادلة واحدة. ولهذا، فإنّك سوف تلاحظ عملية بناء مستمرّة من بداية الكتاب إلى آخره، تشرع بتأسيس مقدّمات ضروريّة لفهم القضية ومنطلقاتها، ثمّ تمرّ على ذكر العناصر الأساسية للحياة، لتقوم بعدها بالجمع بينها والتركيب، لتخرج في النهاية بمعادلة شاملة لا تترك من مهمّات الحياة شيئًا. معادلة التكامل الكبرى الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 21.5*28غلاف ورقي: 336 صفحةالطبعة الأولى، 2016مالسعر: 15$ تعرّف إلى الكتاب من خلال الكاتب للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم أن تطلبوه عبر موقع جملون على الرابط التالي:

خطة الإسلام 3
إذا كان الاسلام هو خطة الله للعالم، فما هي مبادئ هذه الخطة وأصولها؟ وكيف يمكن لنا أن نكتشف التفاصيل المهمة التي ترتبط بتطبيقها في زماننا وفي كل زمان.. كتاب يعمّق الوعي بشأن أعظم قضية في الحياة. خطة الإسلام 3 الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19*13 غلاف ورقي: 208 صفحات الطبعة الأولى، 2014م يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي: النيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=0وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء

معيشتنا تحدّد مصيرنا
أجل، معيشتنا تحدّد مصيرنا الأبديّ. فقليل من التأمّل في تحدّيات العيش في الدنيا يجعلنا ندرك كم هي عميقة هذه القضيّة وكم هي مرتبطة بقضايا الكون الكبرى.

همومك تحكي من أنت
الهموم والهواجس وما يصاحبها من حيرة وقلق أمور تنشأ من طبيعة تواجدنا في هذا العالم المتحوّل والمتبدّل. جهلنا بالمستقبل وصعوبة إدراك الغيب تولّد فينا الهمّ والاهتمام. فكل قضايانا وشؤون حياتنا قابلة للتحوّل والتغير، مهما كانت الضمانات التي حصلنا عليها بشأنها. فلا أحد يمكنه أن يجزم بأنّ أوضاعه المالية ستبقى هكذا إلى نهاية العمر.

ستّة أمور أفعلها حين أشعر بالكآبة
كلّ واحدٍ منّا قد يشعر من حينٍ إلى آخر بنوع من الحزن الدّفين أو الكآبة. شعور قد لا يعرف منشأه أو سببه. لكن المشكلة تكمن في إطالة مدّة هذا الشّعور، لأنّه قد يؤدّي إلى عواقب وخيمة، ليس أقلّها الكسل والفتور عن القيام بالواجبات.

تعالوا نرتقي بهمومنا
لما كان الهمّ نابعًا من الاهتمام الممتزج بالقلق، ولمّا كان الهمّ أمرًا طبيعيًا في سنّة الكون ونظام الحياة الدنيا، فسوف يكون عنصرًا مفيدًا إن ارتبط بالنظام الكوني الأعلى.

كيف نجعل أنفسنا ثقيلة؟
من آمن بالله واليوم الآخر يعلم أنّ أساس الحساب يوم القيامة هو النّفس. وقوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة}،[1] يدلّنا على قانون كلّي لعالم الآخرة. ففي ذلك العالم الأبديّ ينال كلّ إنسان بحسب واقع نفسه. ولا يكون هناك سوى ميزان واحد دقيق إلى درجة أنّه يقيس مثاقيل الذرّات. وحين تكون النفس خفيفة فسوف يتّجه نحو الهاوية ويؤمّها، {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازينُه * فَأُمُّهُ هَاوِيَة}[2]. وأمّا من ثقلت موازينه فسوف يكون في عيشة راضية في جنّة عالية،{فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}.[3]
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...