
الحصون المنيعة في الحرب الناعمة.. أين هي مفاخرنا الحضارية!
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب على طريق بناء المجتمع التقدمي
في الهجوم الثقافي والاجتياح الناعم للعقول والقلوب يتم استهداف مفاخر الشعوب بالعمق والمقتل.. المفاخر هي أهم تجليات ثقافة أي شعب، وهي التي تشكّلت على مدى حياته التاريخية ومواقف أبنائه وعظمائه وإنجازاتهم على مدى العصور. قد تتشابه مفاخر الشعوب في مكوّناتها وجوهرها، لكنها تفترق من حيث المصاديق والأسماء ومن يمثلها. فهذه الشخصية هي رمز للحرية والنضال عند شعب، وتلك الشخصية هي رمز للحرية والنضال عند شعب آخر. القيم واحدة، لكن من يمثلها متغاير، سواء على صعيد الزمان والمكان أو السيرة والمواقف.
بعض المفاخر ينبغي التوقُّف عندها لأنها تعاكس الفطرة وتخالف الحسن الواقعي والجمال والخير. وبعض المفاخر تكون فريدة جدًّا من حيث رُقيّها وعلّوها. لذلك يمكن أن يكون لشعب من المفاخر العظيمة ما ليس لغيره، وهذا ما يجعله منيعًا جدًّا أمام غزوات الآخرين. لذلك يعمد هذا الآخرـ وهو يسعى لتبديل ثقافة الأول ـ إلى ضرب تفاخره بها عبر سلسلة من عمليات التشويه وإفقاد الذاكرة.
ما دام هذا الشعب يفخر بما يعد في الواقع عظيم الشأن عالي المرتبة في الإنسانية، فمن المستحيل تبديل ثقافته وهزيمته في هذه الحرب. لا ننسى بأن المفاخر هي التي تحكي عن الثقافة بأفضل حكاية.
لكل من يعمل على مواجهة الغزوات البغيضة في الحرب الناعمة عليه أن يركز على الجلي المشهور من المفاخر وعلى الكامن المستتر منها. أما الأولى، فمن خلال تعزيز حضورها في يوميات الثقافة وأدبياتها. وأما الثانية فمن خلال ربطها بالأصول العقائدية والرؤية الكونية لهذا الشعب.
يؤمن محبو أهل البيت (عليهم السلام) بأن محمد بن علي الباقر حفيد النبي الأكرم هو إمامٌ معصوم، لكن قد يجهلون أنه أعلم إنسان عرفته البشرية، وأنّ علمه قد أحاط بعلوم الأولين والآخرين وغاص فيه وتجاوزها. هذه مفخرة لا بد من العمل عليها لكيلا تبهرنا الرموز والشخصيات التي يطرحها الآخرون في مجال العلم.
ويعتقد الموالون للأئمة الأطهار بالدرجة الرفيعة غير المسبوقة ولا الملحوقة لابنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)؛ لكن تحوُّل هذا الاعتقاد إلى مفخرة تُطرح مقابل كل نماذج النساء العظيمات والشهيرات في العالم شيءٌ آخر، ويحتاج إلى عملٍ كبير.
ذات يوم وفي زمن حياة الإمام الخميني (قدس سره)، كان التلفزيون الإيراني يبث برنامجًا حول المرأة النموذج في يوم المرأة العالمي؛ وكان المراسل يسأل المارة حول مثلهم الأعلى في عالم النساء، واتفق أن البعض أجابوا بأنها شخصية أوشين في المسلسل الياباني "سنوات بعيدًا عن المنزل"!
من الطبيعي أن نتساءل عن العوامل التي أدت إلى تشكيل هذا النموذج الأعلى في ذهن المشاهدين حين غاب عنهم مثل حقيقي واقعي قد بلغ من الكمال ما لا يمكن لأحد تصوره! لا يكفي في المفاخر الاعتقادات، نحتاج إلى بلورة النموذج بما يتناسب مع واقع الحياة وتحدياتها.
إذًا، العمل على المفاخر ما زال يتطلب الكثير، ويحتاج إلى الإبداع في التعبير والتصوير. إعادة إحياء المفاخر وترسيخها في الذهنية العامة يُعد اليوم من أعمق وأهم الأعمال التي يمكن أن ننتصر بواسطتها في هذه المواجهة الحضارية الكبرى.
هكذا حدد الإمام الخميني في وصيته السياسية الإلهية أهم المفاخر التي تُعد قلاع الثقافة العميقة العظيمة، وهو بذلك يوجه برامج الفكر وخطط الثقافة نحو الانتصار الكبير:
"أمّا نحن والشعب العزيز ـ الملتزم بكل وجوده بالإسلام والقرآن ـ فنفخر أنّنا أتباع مذهب يهدف لإنقاذ الحقائق القرآنية ـ الفيّاضة بالدعوة إلى الوحدة بين المسلمين، بل بين البشر أجمعين ـ من المقابر والمدافن، باعتبارها أعظم وصفة منجية للإنسان لتحريره من كل ما يكبّل يديه ورجليه وقلبه وعقله ويجرّه نحو الفناء والزوال والرقّ والعبودية للطواغيت.
ونفخر أننا أتباع مذهب أسّسه ـ بأمر الله ـ رسول الله (ص) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) هذا العبد المتحرر من جميع القيود والمُكلّف بتحرير البشر من أشكال الأغلال وأنواع الاستعباد.
نفخر أن كتاب نهج البلاغة ـ الذي هو أعظم دستور بعد القرآن، للحياة المادية والمعنوية، وأسمى كتاب لتحرير البشر، والممثل بتعاليمه المعنوية والحكومية أرقى نهج للنجاة ـ هو من إمامنا المعصوم.
ونفخر أنّ الأئمة المعصومين (عليهم آلاف التحية والسلام) بدءًا بعلي بن أبي طالب وانتهاءً بمنقذ البشرية، الإمام المهدي صاحب الزمان ـ الحي المشرف على الأمور بقدرة الله القادر ـ هم أئمتنا.
ونفخر أنّ الأدعية المُحيية التي تُسمى بالقرآن الصاعد، هي من أئمتنا المعصومين؛ نفخر بمناجاة أئمتنا الشعبانية ودعاء الحسين بن علي (ع) في عرفات، والصحيفة السجادية التي هي زبور آل محمد والصحيفة الفاطمية ـ الكتاب الملهم من قبل الله تعالى للزهراء المرضية.
ونفخر أنّ منا باقر العلوم ـ أسمى شخصية في التاريخ، الذي لا يعلم مقامه ولن يعلمه سوى الله تعالى والرسول صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين (عليهم السلام).
ونفخر أنّ مذهبنا جعفري وأنّ فقهنا ـ وهو البحر اللامتناهي ـ واحد من آثاره عليه السلام، نحن فخورون بجميع الأئمة المعصومين (عليهم صلوات الله) وملتزمون بالسير على نهجهم.
نحن فخورون أن أئمتنا المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم) تحمّلوا ـ ومن أجل إعلاء دين الإسلام وتطبيق القرآن الكريم الذي يُعد تشكيل الحكومة الإسلامية أحد أبعاده ـ السجن والنفي، حتى استشهدوا في النهاية وهم يعملون على إسقاط الحكومات الجائرة وطواغيت زمانهم.
واليوم.. نحن فخورون أننا نسعى لتحقيق أهداف القرآن والسنة، وأن مختلف الشرائح من شعبنا منهمكة في هذا الطريق المصيري العظيم، غير مبالية بتقديم الأرواح والأموال والأعزاء في سبيل الله تعالى.
نحن نفخر بحضور السيدات والنساء ـ صغارًا وكبارًا زرافات ووحدانًا ـ في الميادين الثقافية والاقتصادية والعسكرية يجاهدن جنبًا إلى جنب الرجال أو أفضل منهم ـ من أجل إعلاء كلمة الإسلام وأهداف القرآن الكريم.
تشارك المستطيعات في الحرب منهن في التدريبات العسكرية التي تُعد من الواجبات المهمة للدفاع عن الإسلام والدولة الإسلامية؛ وقد حرّرن أنفسهن من أنواع الحرمان الذي فُرض عليهنّ، بل على الإسلام والمسلمين ـ نتيجة تآمر الأعداء وجهل الأصدقاء بأحكام الإسلام والقرآن ـ ساعيات بمنتهى الشجاعة والحزم للانطلاق من قيود أسر الخرافات التي أوجدها الأعداء بواسطة بعض المغفلين والمشايخ الجاهلين بمصالح المسلمين من أجل منافعهم.
وأمّا غير المستطيعات منهن على القتال فمشغولات بتقديم أسمى الخدمات في المواقع الخلفية بنحوٍ يفجّر الحماس والاندفاع في قلوب أبناء الشعب، ويزلزل قلوب الأعداء والجهلة ـ الأشدُّ سوءًا من الأعداء ـ ويملؤها حنقًا وغضبًا. وما أكثر ما رأينا من النساء الجليلات وهن يمارسن دورهن الزينبي مفاخرات بفقدهن الأبناء، ومضحيات بكل شيء في سبيل الله تعالى والإسلام العزيز، مدركات أنّ ما حصلن عليه يفوق جنات النعيم، فكيف بمتاع الدنيا الرخيص.
إن شعبنا ـ بل الشعوب الإسلامية وجميع مستضعفي العالم، يفخرون بأنّ أعداءهم ـ أعداء الله والقرآن الكريم والإسلام العزيز ـ هم وحوش لا تتورع عن ارتكاب أيّة جريمة أو جناية لتحقيق أهدافها الإجرامية المشؤومة، غير مفرّقة ـ في سبيل تحقيق تسلطها ومطامعها الدنيئة ـ بين الصديق والعدو، وعلى رأسهم أمريكا الإرهابية الطبع، التي أضرمت النار في جميع أرجاء العالم، وحليفتها الصهيونية العالمية، التي ترتكب ـ وفي سبيل تحقيق مطامعها ـ من الجنايات ما تخجل الأقلام والألسن عن كتابته وذكره.. يجرّهم حلمهم الأبله بـ (إسرائيل الكبرى) إلى عدم التورع عن ارتكاب أفظع الجرائم.
كذلك فإن الشعوب الإسلامية ومستضعفي العالم تفاخر بأنّ أعداءها هم حسين الأردني المجرم المتجول وحسن [المغربي] وحسني مبارك الذين يشاركون إسرائيل على معلف واحد والذين لا يتورعون عن ارتكاب أية جريمة بحق شعوبهم خدمة لأمريكا وإسرائيل.
ونحن فخورون بأن عدوّنا هو صدّام العفلقي الذي عُرف بين الصديق والعدو بإجرامه ونقضه الحقوق الدولية، وانتهاك حقوق الإنسان، ولا يخفى على الجميع أن جريمته بحق الشعب العراقي المظلوم وبحق إمارات الخليج لا تقلُّ عن جريمته بحق الشعب الإيراني.
إننا وكل الشعوب المظلومة في العالم فخورون بأن وسائل الإعلام وأجهزته العالمية تتهمنا، وكل المظلومين، بمختلف الجرائم، منصاعة في ذلك لما تُمليه عليها القوى الكبرى. وأي فخر أسمى وأجلُّ من وقوف أمريكا ـ رغم كل ادعاءاتها وإمكاناتها العسكرية، ورغم كل تلك الدول الخاضعة لها، وسيطرتها على الثروات الهائلة للشعوب المظلومة المتخلّفة، ورغم امتلاكها لكل وسائل الإعلام ـ أمام الشعب الإيراني الغيور، ودولة بقية الله (أرواحنا لمقدمه الفداء) عاجزة ذليلة، لا تعرف بمن تستعين، وهي تسمع جواب الرفض من كلّ من تتوجه إليه.
وما ذلك كلّه إلا ببركة الإمدادات الغيبية للباري تعالى جلّت عظمته، والتي أيقظت الشعوب، خصوصًا شعب إيران المسلم وأخرجتها من ظلمات ظلم الشاه إلى نور الإسلام".

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

هل إمكانات الأنبياء الفكرية والثقافية تابعة للعصر الذي يوجدون فيه؟
هل صحيح أنّ الأنبياء يكونون بمستوى العصر الذي وُجدوا فيه من حيث إمكاناتهم الفكرية والثقافية؟

البنى التحتية للثّورة الثقافيّة
المقصود من الثورة الثقافية هو تلك التحوّلات الجوهرية التي تحدث في طريقة تفكير الناس ونظرتهم إلى الوجود، والتي تتجلّى في تبنّي مجموعة من القيم التقدّمية وشيوعها. ونحن نؤمن بأنّ المعرفة هي المقدّمة الأولى والأساسية لتحقّق تلك التحوّلات، وأنّ الجهل هو المانع الأكبر من انبعاثها وانطلاقها.

في الحرب الناعمة.. خطورة التركيز على الصراع المباشر
قوة أمريكا الناعمة لا تنحصر في إطار هذا الاستهداف ومراكزه ومسؤوليه. ما تستهدفه أمريكا بقوتها الناعمة بطريقة غير مقصودة أكثر بكثير ممّا تستهدفه بالطريقة المباشرة ذات التخطيط والبرامج المركزة.

في الحرب الناعمة.. كيف نتعرف على قدراتنا الحقيقية؟
سعيُ الغرب لتحويل الشعوب وتبديلها لتكون طيّعةً لمشاريعه ليس بالأمر الجديد أو الخفي. يعترف الغربيون بفعلتهم هذه، وإن أخفوا الأهداف الواقعية التي تقف وراءها. مجرد وجود شعوب مختلفة بثقافتها يثير الرعب في قلوب النخبة القلقة على مستقبل الحضارة الغربية.

أفضل طريقة للانتصار في الحرب الناعمة
إنّ استعمال أعداء الإسلام والأمة للقوة الناعمة أمر يقر به العدو قبل الصديق. لا يخجل الغرب عمومًا والأمريكي خصوصًا من التبجح بالسعي لتغيير قيم كل الشعوب التي تخالفه...يكفي أن يدرك الشباب أن حربًا تُشن عليهم حتى يكفروا بكل أدواتها.

ثقافة المجتمع واستشراف مستقبله
الدرس العاشر من الدورة الأولى في "أصول ومبادئ الوعي السياسي".

حاجة الفن الإسلامي إلى الثقافة الوسيطة
إظهار القضايا المختلفة في فننا يحتاج إلى أن يتصل هذا الفن بتلك المصادر الأساسية والتراث الفكري الذي أنتجه العلماء الكبار..
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...