حول السلطة الجنسية
لمن ينبغي أن تكون الكلمة الأخيرة في العلاقة؟

السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب الزواج في مدرسة الإيمان

ليس من المُتوقع أن تكون رغبة الزوجين بالمقدار نفسه وعلى التوقيت نفسه دائمًا. هناك عوامل كثيرة قد تؤثر على أحدهما سلبًا وتجعله غير مندفع نحو العلاقة الجنسية في بعض الحالات والأيام، رغم وجود الحب والود في البين.. المشكلة تكمن في الأثر النفسي الذي يمكن أن يتركه تمنّع الشريك أو عدم إقباله على شريك حياته، خصوصًا بالنسبة للرجل الذي يحلم من أعماقه بالمرأة الخاضعة المقبلة (لكي تكون كلها لك، بحثًا عن المرأة الكاملة)، أو الرجل الذي يكون واقعًا تحت ضغوط الإغراء في مكان عمله أو بيئته.

قد يدفع هذا التمنُّع نحو خيارات مدمرة، خصوصًا في المجتمعات التي لا يوجد فيها من الضوابط والروادع سوى القليل. بالنسبة للذين يعتبرون الجنس محوريًّا ويجعلونه مقياسًا للحب وصحة العلاقة، فقد يكون عدم الإقبال ـ ولو في بعض الأحيان ـ ضربة في الصميم. ولا نقصد هنا عدم الإقبال الناشئ من أعذار صحية ومنطقية. فهذا ما يمكن فهمه وتفهّمه بسهولة. إنما ذلك التمنُّع الذي يترك شكوكًا كبرى في نفس الطرف الآخر، ويحمله على وضع العلاقة الزوجية كلها تحت المساءلة.

المصارحة في الأمور الجنسية ليست بالأمر السهل، خصوصًا إذا كان المتمنّع نفسه غير عارف بما يجري معه. العوامل التي تضعف الرغبة الجنسية يصعب إحصاؤها، فضلًا عن استشعارها وفهمها بدقة.

 قد تتوزع السلطة الجنسية على الطرفين بالتساوي، حيث يتم الاتفاق أو التفاوض عليها كل مرة مع وجود لغة تفاهم سهلة وبسيطة لا تتعدى سوى بعض التلميحات والإشارات، وقد تفوَّض للزوج أو للزوجة بالكامل، حيث يُفترض بالطرف الآخر أن ينصاع لرغبة صاحب السلطة بصورة تامة. وفي جميع هذه الأحوال، لا يُفترض أن يؤدي أي من هذه التفاهمات إلى وقوع مشاكل أو نزاعات، لا تترك للود قضية. 

التفاهمات حول السلطة الجنسية قد تمنع من تحوّل هذه القضية إلى سلاح يُستخدم للضغط على الطرف الآخر (وهو سلاح مدمر للزواج)، كما أنها لن تكون سببًا لضعف الإقبال كما يتصور البعض. فالتفاهم لا يعني الفرض والإكراه، لكنه يقمع انبعاث التردد بشأن الرغبة والحاجة (التفكير بحد ذاته فيما إذا كان هناك ضرورة للمقاربة قد يقتل الرغبة).

إن أفضل طريقة للحصول على حياة جنسية طيبة تكمن في جعل الجنس نتيجة أو ثمرة غير محسوبة للتقارب العاطفي والجسدي. فالشريكان لا يخططان مسبقًا لمثل هذا الأمر، ولا يضغط أي منهما على نفسه لكي يفي الآخر حقه، وإنما يترك جسده ليتفاعل مع ذلك التقارب، غير مترقب أو فاحص لمدى إقباله واندفاعه.

التفاهم الذي لا يُبنى على الحاجة الواقعية سرعان ما يسقط. فإذا كان الرجل يعيش ضغوط الإغراء في الخارج، لا ينبغي وضعه في حالة الانتظار حتى يأتي الموعد المتفق عليه. ويبدو أن التوجه العام للأحكام الإسلامية يميل نحو وضع هذه السلطة الجنسية بيد الرجل لهذه الأسباب، حيث تكون هذه السلطة بظاهرها لمصلحة الرجل (حسب أدبيات تمكين المرأة المعاصرة)، لكن ذلك في الواقع عنصر طمأنينة للطرفين. فمن نظرت إلى هذا الحكم الشرعي على أنه ظلم للمرأة، ساءت رغبتها وقل اندفاعها مع وجود عُقد الاستعلاء والمظلومية والاستغلال. ومن رأت فيه تفويضًا لإدارة الحياة الجنسية وفق الطبيعة النفسية والجسدية للبشر، ارتاحت نفسها وأقبلت.

إن التفاهمات التي تحصل على مدى الحياة الزوجية يجب أن تُبنى على أساس متين وضمن إطار عام يحكم العلاقة الجنسية التي يُفترض بالجميع أن يعرفوا مدى خطورة كبتها أو تفلّتها على مستوى الحياة البشرية.