أهم أسباب ضعف القوة الجنسية
أيهما أولى في الحياة الزوجية؟

السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب شركاء الحياة

تُصنّف متعة المقاربة الجنسية على أنها أعلى متعة حسية في الحياة الدنيا. ولأننا كبشر نصبو إلى اللذة، فإن انسياقنا نحو كل ما يمكن أن يؤمن لنا هذه المتعة يصبح طبيعيًّا.

لم تكن المشكلة يومًا في الطبيعة البشرية، وكيف تكون كذلك، والله تعالى خالق الطبيعة وغارز غرائزها لحِكَم لا تخفى! المشكلة في تحوّل بعض اللذات إلى هدف نهائي، مما يؤدي إلى الحرمان من لذائذ أسمى وأعلى. 

ولأنّ اللذات الطبيعية كانت وسائل لغايات، فإن تحوّلها إلى هدف بحدّ ذاته يؤدي إلى زوالها أيضًا. هكذا يحدث حين يصبح الجنس هدفًا في العلاقة بين الجنسين، وتتحول الأمور الأخرى إلى وسائل للوصول إليه، فلا تبقى وسيلة ولا يتحقق هدف.

لأجل ألّا نقع في مثل هذه المصيبة ولا نحرم أنفسنا من هذه المتعة، كان لا بد أن نعيش تجارب ذات متعة أعلى وأرقى. وفي الحياة الزوجية هناك ما هو أجمل وألذ من الجنس، بل هو الذي يمنح الجنس لذته الواقعية.

إن نظرنا إلى اللذة الجنسية بذاتها، فهي لا تعدو أن تكون دفع ألم. هناك عوامل بيولوجية تُحتّم على المرء أن يدفع بعض الاحتقان من جسده ليستريح ويتوازن. وبالنظر إلى ما يُصاحب هذا الدفع من لذة، تصبح هذه اللذة مطلوبة بذاتها عند الكثيرين، حتى حين لا يكون هناك أي حاجة جسمانية.

إذا كان الجنس تعبيرًا عن الحب وعن الأنس والانشداد والانجذاب الروحي، فسوف تتضاعف لذته بصورة ملحوظة، ولن يضيع أو يذوي.

الذين ليس في حياتهم سوى الجنس لأجل الجنس، يفقدون متعة الجنس في النهاية. والذين يكون الجنس في حياتهم ثمرة الاتصال بالمحبوب والأنيس، تزداد قوته ومتعته.

غالبًا ما يتصور الذين يجعلون الجنس محورًا في حياتهم أن ضعف الإقبال على الشريك سببه عدم وجود انسجام. والأدهى أن يظنوا أنه مكتوب لهم عند عالم الجن! يظنون أن الحل يكون في البحث خارج الزواج. ربما يصاحب هذا البحث تنازلات لم يكونوا قد قدموها في التجربة الأولى، وهذا ما يجلب لهم شيئا من المتعة.

الذين كان وصولهم إلى شريك حياتهم الأول سهلًا يسيرًا، يستسهلون الأمر وقد يستخفون بقيمة ما حصلوا عليه. وكأن الإنسان في مثل هذه اللذة، يحتاج لأن يصل إليها بعد عناء ومشقة لكي يشعر بها أكثر. هكذا يُخيل لهم أن العلاقة الثانية أجمل، ليعودوا من جديد إلى دوامة الفراغ، بعد أن رجعوا إلى نمطهم الأول في محورية الجنس.

ولو سنح لهؤلاء الارتباط والاستمتاع بعشرات الشركاء لما تغير شيء عندهم، بل الاستكثار لن يزيدهم إلا خواءً. وما لم يُدركوا جمال الحب والأنس والعشرة الطيبة والكرامة والتقدير، فإنهم لن يشبعهم شيء ولن يستقروا. هذا ما كُتب على أتباع الشهوات الذين يجعلون حياتهم سيرًا مستمرًّا وسعيًا دائمًا نحو اللذات الحسية.

لم تكن الحكمة من وراء الجنس في أصل الخلقة إلا لإدراك جمالية العلاقات الإنسانية وتقارب الأرواح. ولذلك فإن متعة مقاربة الأجساد الفارغة من الروح (كمقاربة العاهرات)، أو متعة الاستمتاع بالذات (الاستمناء)، ستكون سببًا لذلك الخواء المشؤوم.

كل مُتع الحواس هي في الأصل مقدمة لمتع الأرواح، حتى إذا حصل التقارب والتواصل الروحي ارتقت لذات الحواس وتضاعفت.. حين يتقارب الزوجان في عمق العلاقة الجنسية يُفترض أن يحصل الاتصال بين أرواحهما، فإن كانت الأرواح قد تعارفت في عالمها الخاص، يحصل التآلف والانسجام، بل الاتحاد والذوبان. ولا شيء يمكن أن يعدل متعة تواصل الأرواح الطيبة، لعل هذا هو الذي أراده الله تعالى بقوله: {فَادْخُلي‏ في‏ عِبادي * وَادْخُلي‏ جَنَّتي‏}.[1]

ومع ذلك، نخسر كثيرًا مثل هذه الفرصة حين تطغى رغباتنا وتسيطر علينا شهواتنا، فيصبح أكبر همنا أن نبلغ النشوات ونحقق الرعشات. ولو كان همّنا هو مشاهدة سعادة شريك حياتنا وبهجته وأنسه، لربحنا كثيرًا، حتى في مجال المتعة الحسية نفسها.

 
[1]. سورة الفجر، الآيات 29-30.