![](http://m.islamona.center/archive/image/2024/1/11/390508a1-749f-4e9c-894c-7084ebf0b785/1.jpg)
حول خطورة الانقسامات الفكرية
وكيف يمكن حلها
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب أي مجتمع نريد
التفاعل الفكري مع ظواهر الوجود والحياة يدل على حياة الإنسان والمجتمع. حين يتوقف الفكر فهذا هو الموت وإن بقي الجسد فاعلًا. يمكن للكثير من العوامل أن تبقي الناس في حركة ونشاط، لكن ذلك لا يعني أنّهم أحياء حقًّا. العلامة الأولى على الحياة الواقعية هي التفكُّر.
المجتمع الحي هو المجتمع المُفكر، حيث ينشط فيه تناول القضايا المهمة بالتحليل والتفكير، وينتج عنه بروز مفكرين متميزين يسبقون غيرهم بفضل تعمُّقهم وتوسُّعهم وحيويتهم. يمكن أن نجعل نسبة المفكرين في أي مجتمع كمؤشر على درجة حياته الواقعية. وبعض النسب تبعث الرجاء والأمل بمستقبلٍ واعد.
لطالما اعتُبرت هذه الظاهرة خطرًا على المجتمع بسبب ما تُحدثه من انقسامٍ وشقاق. رغم أنّ المسلمين كانوا يقرأون هذه الآية المحورية في كتابهم المجيد: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون}،[1] وهي آية ترتبط بأهم ما يُقدّسون في رسالتهم ودينهم ودورهم، فقد اشتهرت بينهم مقولة أنّ التفكر عاملٌ سلبي. لم يتم التشجيع على التفكُّر بمستوى ما تدل عليه هذه الآية الشريفة، ولم يصبح التفكر قيمة محورية في الثقافة والانتماء.
إنّ التركيز على وحدة الصف واجتماع القلوب يتم استغلاله من قبل السلطات الحاكمة لترسيخ أنظمتها. لا شيء يُقلق حكام الباطل مثل أن يبدأ الناس بمساءلة شرعية حكمهم. حين يصبح التفكر عادة فسوف يصل الدور إلى الحكام حتمًا. وبسبب ذلك يفتقد النشاط الفكري عندنا إلى عناصر تبعث فيه التكامل والقوة والمنفعة، لأنّه جاء في الغالب من الخارج.. هناك من كان يفرض علينا قضايا للتفكُّر من خارج تجربتنا؛ والأنكى أنّها كانت بمعظمها قضايا اختلقها هو أو تولدت من رحم حضارته. يصعب على المفكر المسلم اليوم أن يتفكر وهو متحرر بالكامل من أجواء الفكر الآخر وفضائه ومنهجيته واهتماماته.
قيل إنّ مجال الفكر هو الاختلاف، لأنّه ينبع من الطبائع المختلفة؛ بخلاف الوحي الذي يأتي من مصدرٍ واحد؛ لذلك لن يختلف الأنبياء الذين وصل عددهم إلى ما يقارب المئة وأربعة وعشرين ألفا، ولو اجتمعوا جميعًا في زمانٍ واحد ومكانٍ واحد.
حاول البعض وضع قواعد للتفكير السليم معتقدين بأنها ستؤدي إلى التقليل من الاختلافات، لكن مثل هذا الأمر لم يترسخ أو يصبح منهجًا متّبعًا على صعيد المجتمع. لو جمعتَ مفكري أي مجتمع مسلم ناهض لشاهدت من اختلافاتهم عجبًا ولمُلئت منها رعبا.
إنّ اختلاف المفكرين ملحوظٌ جدًّا عند كل من يتابع هذا التراث الفكري اليوم؛ وهذا ما يستجلب بعض المخاطر المقلقة.. لكن ما هو أخطر من هذا الاختلاف الفكري هو موت الفكر نفسه. يتصور بعض الحالمين أنّ المجتمع الموالي المطيع هو المجتمع المثالي. لا شيء يريح القادة مثل انقياد الأتباع بسلاسة. لكن هل يحتاج القادة إلى موتى بصورة أحياء؟
تبسيط العلاقة بين القيادة والشعب إلى هذا المستوى (أمر وطاعة) يُعد سذاجة ممتزجة بالجهل بشأن كيفية جريان الأمور. كلما ارتقت القيادة في همومها وأُطروحتها احتاجت إلى المزيد من النُخب والخواص والمبدعين والكوادر. لا يمكن أن تدير مجتمعًا معقدًا متطورًا عبر القرارات المباشرة.
لكن الأمر لا يدور بين أن يكون أبناء المجتمع مجرد أتباع منقادين مطيعين وبين أن يكونوا مفكرين مختلفين. يجب أن نبحث عن عوامل توحيد النخبة المفكرة، ولا يمكن تجاوز هذا الاستحقاق إن أردنا السير على طريق التقدم.
يمكن ملاحظة أحد أسباب هذا التشعُّب والاختلاف في ضعف تواصل المفكرين فيما بينهم. لكن السبب الأول يرجع إلى ضعف المؤسسات التي يمكن أن تكون محلًّا مناسبًا لاستخدام الأفكار واستعمالها. قديمًا قالوا بشأن الذي يتكلم كثيرًا ويثرثر: "هذا الرجل يتحدث مثل قاضٍ معزول". يصح أن نقول اليوم إنّ الكثير من الأفكار العبثية أو الخلافية أو المعارضة أو التي لا طائل وراءها ترجع إلى عزل المفكرين عن العمل.
أي عمل يطالب المفكر بعدم التفكير لن يكون سوى مقتل للتفكير. هذا ما يستدعي أن نبدع في إيجاد المؤسسات والأُطر العملياتية لاستخدام الفكر. سوف يجد هؤلاء المفكرون عندها قيمة لتفكيرهم؛ وشيئًا فشيئًا سيتم توجيه هذه المهارة بالاتجاه المطلوب حتى يصبح الفكر من أنفس المنتجات وأثمنها.
إذًا، يوجد حالة ثالثة غير موت المفكرين واختلافهم، وهي توجيه الفكر نحو العمل. وبالحديث عن هذه المؤسسات والأُطر، يجب أن نعترف بأنّ هذا قد يتطلب تغييرًا ثوريًّا لكل مؤسسات المجتمع.
إن اعترفنا بأنّ التفكر هو القيمة الأعلى في حياة أي مجتمع، علينا أن نبني مؤسساتنا وفق هذه القيمة. وبدل أن يكون همُّنا الأول تحقيق المجتمع المنقاد المسلّم، يجب أن نبدع في الاستفادة من الاختلافات الفكرية. ولعل هذا أحد المعاني المقصودة في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قال "اختلاف أمتي رحمة".[2]
[1]. سورة النحل، الآية 44.
[2]. علل الشرائع، ج1، ص 85.
![](http://m.islamona.center/archive/image/2019/3/7/2aecafed-8cc1-4272-b744-841d0e62d489/2.jpg)
على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$
![](http://m.islamona.center/archive/image/2023/2/18/028271cf-939d-4bb6-a24c-368edee23b5c/1.jpg)
انسداد آفاق الفكر.. معاناة المفكرين الإسلاميين
ما جدوى الإسهامات الفكرية إن لم يستمع إليها المنخرطون في التجربة ومن حولهم من المهتمين؟
![](http://m.islamona.center/archive/image/2023/8/12/d9775092-cde1-4e96-bfdb-29c190974f3e/1.jpeg)
المفكر العظيم الآتي... ثلاثة شروط لنجاح المفكر وانتشار فكره
لا يمكن لأي مجتمع أن يستغني أبناؤه عن الفكر والاهتمام بالأفكار، لكن المصيبة تكمن في أن يكون زادهم الفكر الضال والأفكار العبثية.
![](http://m.islamona.center/archive/image/2023/5/6/8074a6f7-eb47-4664-966e-9277522e4f47/1.jpeg)
حول هرم المؤسسات.. العوامل التي تؤدي إلى ضعف الإنتاجية
نعرف الهرم بأنه حالة تصيب الجسد فتتباطأ حركته وتضعف قواه ويقل إنتاجه ويؤذن بالموت والنهاية الوشيكة.. مثل هذه الحالة قد تُصيب المؤسسات والمنظمات أيضًا. كثيرة هي المؤسسات التي انعدمت من الوجود وأُصيبت بالموت نتيجة ابتلائها بهذا المرض، دون أن يتمكن القيّمون عليها من معالجته. إن معرفتنا بالعوامل التي تتسبب بهرم المؤسسات يمكن أن تُساعدنا على الحؤول دون وصولها إلى هذه الحالة المشؤومة.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...