
كيف نصنع البأس ونزيده؟
ابحثوا عن منابعه ومصادره
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب أي مجتمع نريد
يقول الله في كتابه الكريم: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولي بَأْسٍ شَديدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْدًا مَفْعُولا} [الإسراء، الآية5]؛ يقول الإمام علي عليه السلام: "من أحدّ سنان الغضب لله قوي على قتل أشدّاء الباطل".[1]
في مواجهة الأعداء نحتاج إلى قوة الأنفس أكثر من قوة العتاد. العتاد المتطوّر بيد المرتعب يصبح وبالًا عليه وعلى من حوله. قالوا: "الخيل بخيّالها"؛ وصدقوا. هذه الشدة والبأس والشجاعة والثبات التي هي عناصر القوة النفسية قد تنبع من إدراك ما يمثله العدو من معاندة ومخالفة لله العزيز الجبار، ويكون هذا المدرِك محبًّا لله شديد الالتصاق به، عاشقًا لجماله، فيروعه ذلك الخلاف والعناد، ويشتد حنقه وغيظه إلى الدرجة التي لا يقدر معها على تحمُّل وجود هذا العدو لحظةً واحدة. فهو غاضبٌ لأجل حبيبه الله، يغلي مرجل الغيظ في قلبه بأشد ما يكون بسبب جرأة ذلك العدو على هتك حرمات حبيبه وتجاوز حدود ربّه واستخفافه بمقامه وعدم توقير جنابه الأقدس. وكلما استحضر هذه المعاني في نفسه كان كمن يسنّ سيف الغضب ويجعله حادًّا قاطعًا فيصبح شديد القطع والنفوذ.
هذا المقاتل في سبيل الله يحتاج إلى معرفة أفعال العدو من جهة مخالفتها للحق المتعال والجرأة عليه سبحانه. وهذا ما يتطلب معرفة مقام الرب وإدراك عظمته الفريدة، لأنّ قبح المعصية وبشاعتها ليست في حجمها الظاهر، بل بما تمثله من جُرأة على من يُعصى. وقد قيل: "إِذَا وَقَعْتَ فِي مَعْصِيَةٍ فَلَا تَنْظُرْ إِلَى صِغَرِهَا وَلَكِنِ انْظُرْ مَنْ عَصَيْتَ".[2] فلا يشتد غضب لله إلا بعد معرفة الله حقًّا وبعد رسوخ عظمته في النفس. وهذا ما يمكن أن يتحقق عبر السير في التراث العرفاني والنهل منه كخيار مساعد جدًّا، كونه تراثًا متميزًا في المعارف الإلهية ومعرفة الذات. فالتراث العرفاني عمومًا ممتزجٌ بالروح والأدب الرفيع والتفاصيل المعنوية والعشقية الفريدة التي تعمّق الرابطة الروحية وتلامس شغاف الروح وتبعث فيها أعمق المشاعر، وترسّخ العُلقة القلبية بين المخلوق الضعيف والخالق العظيم؛ وهذا ما لا نجده في التراث الفلسفي الجاف أو الكلامي المشاغب.
يمكن استخراج الكثير من النصوص والمقالات التي تُساهم في الارتقاء بهذه العلاقة المعرفية القلبية المعنوية إلى درجة يصبح الله تعالى معها أعظم محبوب، ويتحقق بواسطتها هذا الانتماء العميق لله، بحيث يصبح المجاهد عاشقًا كبيرًا لله الجميل، فيقاتل في سبيله حقًّا وصدقًا.[3] وإذا قيل له: علام تقاتلهم؟ انهمرت دموع الحزن من عينيه لما يراه من جرأة عدو الله على سيده ومولاه. ومن قلب هذا الحزن يستعر غضبٌ لا مثيل له ويتأجج حتى قد يبلغ عند بعض الأولياء مرتبة غضب مالك خازن النار الذي به تشتعل وتزداد سعيرًا! كما أضحى غضب مالك الأشتر (وما أصدق تسميته) حين وصفه الإمام علي عليه السلام قائلًا: "أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ وَجَّهْتُ إِلَيْكُمْ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَا يَنَامُ أَيَّامَ الْخَوْفِ وَلَا يَنْكُلُ عَنِ الْأَعْدَاءِ حِذَارَ الدَّوَائِرِ أَشَدُّ عَلَى الْكُفَّارِ مِنْ حَرِيقِ النَّارِ وَهُوَ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَشْتَر".[4]
المصدر الآخر للبأس والشدة هو الذي يتشكل من وعي الإنسان ومعرفته بمستوى بغض العدو له وعدائه وخطره عليه وعلى شعبه، وما يضمره له من سوءٍ وأذى. والوعي وحده لا يكفي هنا، بل ينبغي أن يتغلغل في عمق المشاعر حتى يُترجَم إلى أفعال الانتقام؛ لأنّ من طبيعة النفس في بعض الشدائد ومواقف النزال التفريق بين المعرفة والشعور، فإن لم يكن من شعور، لا ينفع العلم إلا قليلًا. ولذلك كان لا بد من تذكر أفعال العدو الإجرامية واستحضارها وتجميعها حتى تتراكم في النفوس كما تتراكم كثبان الرمال لتتحول إلى جبال غليظة. وهذا ما يمكن أن يتحقق عبر قراءة التاريخ بشكل أساسي. وكلما كان للعدو تاريخ إجرامي وسجل دموي معنا ومع من ننتمي إليهم، كانت المراكمة أيسر وأسهل، شرط أن نقرأ هذا التاريخ حقًّا ونطالعه ونتفكر فيه. ولذلك يكون من الطبيعي تميز أهل المناطق الحدودية أو الذين عانوا من الاحتلال بالبأس مقارنة بمن يأتي من المهجر، إلا إذا كان هذا العائد قد تفوق عليهم بمطالعة التاريخ، فأخذ يحدّثهم عن مجازر وقعت على أهلهم وأجدادهم كانوا قد نسوها أو غفلوا عنها، فكان كمن عاينها وعاشها رغم أنه لم يكن معهم. يقول الإمام علي عليه السلام: "إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ".[5]
لقد جمعت نفسي من الحقد على الاستعمار ما كنت أعتقد أنّه بركانٌ متفجّر لا يخمد أبدًا، ولكن هذا الحقد ازداد وتضاعف حين طالعتُ مؤخّرًا مجموعة من الكتب حول تاريخ الاستعمار في العالم.[6] لا يمكن لأي شخص يطّلع على ما فعله الأوروبيون في مختلف مناطق العالم بحق شعوبه الغافلة الآمنة إلا وأن يتفجر حقدًا وسخطًا، ويقرر الانتقام من ذلك الإجرام الذي لم يكن له مثيل في تاريخ البشرية، خصوصًا إذا رأى أنّ هذا الاستعمار ما زال موجودًا بكل أشكاله وهو يمعن قتلًا وتنكيلًا كل يوم بشعوبنا المسلمة المستضعفة، ويرسل طائراته ويقصف بصواريخ ويبعث فرق إعدامه ويجوس في الأزقة والأحياء ويدمر البيوت على رؤوس أصحابها ويدنس المقدسات ويستولي على الحرم الإلهي ومعه عملاء حكام صنعهم بيد مكره وحقده ويتجاهر بالعداء للإسلام وقيمه.
لو أننا استطعنا أن نعرض هذا التاريخ بمواقفه ومراحله لتمكّنا من تكوين قلوب مفعمة بحقد لا مثيل له، لا يمكن لأي كافر أو فاجر أو شيطان أن يمتلك مثله؛ ولذلك سيكون بأسنا أشد بكثير؛ ولمَ لا؟! والحق أنّه لا يوجد بأس وغلظة أشد من غلظة مالك وأعوانه في الوجود كله.
[1]. نهج البلاغة، ص501.
[2]. بحار الأنوار، ج75، ص452.
[3]. ومنها ما جمعه وليم تشيتيك في كتاب حب الله الذي تُرجم إلى اللغة العربية.
[4]. الغارات، ج1، ص171.
[5]. نهج البلاغة، ص393.
[6]. خريجو السجون، تاريخ الاستعمار، القصة لم تنتهِ بعد... للكاتب الإيراني مهدي ميركيائي.

مختصر معادلة التكامل
هذه الطبعة المختصرة لكتاب "معادلة التكامل الكبرى" الذي يبيّن مدى سعة الإسلام وشمول رؤيته ومنهجه لكلّ شيء في الوجود. كيف لا؟ والله عزّ وجل هو المبدأ والمنتهى.. نقدّمها لقرّائنا الذين يودّون أن يحصلوا على معرفة أوّليّة بتلك المعادلة الكبرى، أو للذين لا يجدون الوقت الكافي لمطالعة الكتب الكبيرة. مختصر معادلة التكامل الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 200 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

معادلة التكامل الكبرى
يقدّم رؤية منهجيّة تربط بين جميع عناصر الحياة والكون وفق معادلة واحدة. ولهذا، فإنّك سوف تلاحظ عملية بناء مستمرّة من بداية الكتاب إلى آخره، تشرع بتأسيس مقدّمات ضروريّة لفهم القضية ومنطلقاتها، ثمّ تمرّ على ذكر العناصر الأساسية للحياة، لتقوم بعدها بالجمع بينها والتركيب، لتخرج في النهاية بمعادلة شاملة لا تترك من مهمّات الحياة شيئًا. معادلة التكامل الكبرى الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 21.5*28غلاف ورقي: 336 صفحةالطبعة الأولى، 2016مالسعر: 15$ تعرّف إلى الكتاب من خلال الكاتب للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم أن تطلبوه عبر موقع جملون على الرابط التالي:

أي مجتمع نريد؟
ما هي أهمية البحث عن المدينة الفاضلة؟ وكيف نرتقي بوعينا ومسؤوليتنا الاجتماعية؟ ما هي القضايا التي لا بد من دراستها وفهمها لرسم معالم الطريق الموصل إلى المجتمع الأمثل. وما هي العوائق الكبرى على هذا الطريق.

العمل الأهم.. على طريق بناء الحضارة الإسلامية الجديدة
التعليم العام بأساليب المدرسة والإعلام يُحتم علينا أن نضع عناصر ثقافتنا المتميزة في مراتب ودرجات من أجل الوصول إلى هذا الهدف وهو: اكتشاف الناس لعظمة ثقافتهم التي تبعثهم على الانطلاق في عملية بناء حضارتهم الجديدة. في غير هذه الحالة، التعويل على تحقيق ازدهار اقتصادي وعمراني واستقرار أمني ومعيشي سيكون في غير محله.

حين نعيش لأجل الماضي.. كيف نفقد معنى الحياة
كل واحد منّا قد ينسج لمستقبله ذكريات من نوعٍ خاص. هناك من ينسج ذكريات الرحلات والأسفار؛ وهناك من ينسج ذكريات الخيالات والأفكار؛ لكن آخر العمر أو المستقبل يُفترض أن يكون فرصتنا الأساسية لتجربة من نوعٍ خاص لا تحصل إلا بعد التحرر من الماضي مهما كان جميلًا.

هل يمكن بناء حضارة إسلامية جديدة؟ ما الذي يؤخر التجربة الحديثة؟
إقامة حضارة إسلامية جديدة تعني أنّ المسلمين سينخرطون مرة أخرى في عملية تقديم نموذج جديد للبشرية. وهذا النموذج يرتبط في الأساس بنمط العيش أكثر من العمران والمدنية... فليس مبالغة القول بأنّ أزمة البشرية الكبرى ومعاناتها المتصاعدة في هذا العصر تكمن في افتقادها المزمن لتلك الأطروحة التي تبلور لها نموذجًا واضحًا للعيش، سواء على مستوى إدارة الحكم أو طبيعة الحياة الأُسرية والعلاقات. هذا اليأس الذي يُطبق على أرواح أهل الأرض ويفرض عليهم الإذعان للواقع المر ناتج عن خفاء البرنامج المُقنع أو خارطة الطريق المرشدة إلى الحياة الطيبة.

حول أنواع الخوف والتعامل معه.. هل من الطبيعي أن نخاف مما يجري؟
الخوف ينشأ من ترقب حالة سيئة أو احتمال عروض ضرر. غالبًا ما يكون الخوف من الضرر ناشئًا من أنّه ينتهي إلى الموت. لذلك كان الخوف من الموت منبع كل خوف طبيعي.. لكن ما دامت علاقتنا بالموت متوترة، فلا يمكننا أن نحصل على هذه البصيرة التي نحتاجها للإصابة والنجاح في العمل.. وذلك لأنّنا سنخاف كثيرًا، وخوفنا سوف يمنعنا من التفكير الصحيح ورؤية الأمور كما هي. بسبب الخوف من الموت سنخاف من أمور وهمية كثيرة. والوهم أساس الفشل والإخفاق.. فما هو الحل؟

دور التضحية في التقدم الحضاري.. وهل يكفي عطاء الدم؟
بعض المفكرين ينظرون إلى المجتمع المضحي على أنّه قد بلغ أعلى مراتب القيم وأرفع درجات التقدم. "فَوْقَ كُلِّ ذِي بِرٍّ بَرٌّ حَتَّى يُقْتَلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِذَا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ بِر".[1] المجتمع الذي يكون الحال الغالب على أهله الاستعداد التام للتضحية بالأنفس وبذل المُهج وتقديم الأعزة هو المجتمع الذي بلغ بحسب هذه النظرة الدرجة العليا التي ليس فوقها درجة.. ربما يخلط هؤلاء بين البعد الفردي والبعد الاجتماعي هنا.. لذا يجب أن نُعيد النظر في عطاء الدم إن كنّا نريد توظيفه ليكون عاملًا للانتصار النهائي والرُقي الحضاري والغلبة.

من أين تنشأ الشجاعة؟ وما الذي تدل عليه؟
من ينشأ على الشجاعة من المحتمل جدًّا أن يتصوّرها أمرًا ذاتيًّا فيه. وهنا قد يكون المقتل. لا شيء من كمالات الإنسان، حتى الموروث منها، ذاتي له.. هنا تكمن بعض مخاطر الأبحاث الأخلاقية غير التوحيدية حيث تُصوّر لنا أنّ الملكات الأخلاقية صفات ذاتية للإنسان.

على طريق بصيرة الأولياء.. كيف نقدر قوة العدو وقدراته بشكل صحيح؟
لكل شيء ظاهرٍ في الدنيا باطنٌ، به تُعرف حقيقته. ومن عرف حقيقة الأشياء تمكّن من التصرُّف معها بحكمة. ومن كان حكيمًا يضع الأشياء مواضعها، وصل إلى غايته من التوفيق والنجاح.. حتى القوى الكبرى والصراعات والحروب والمجتمعات لها باطن. الأساطيل الكبرى والجيوش المتطورة لها باطن هو غير ما يظهر منها من قوة وإمكانات.. لكن حين يكون أهل الحق متمسكين بالظواهر، فلن يروا سوى ظواهر الباطل؛ ولذلك ستكون حساباتهم مبنية على أُسس غير سليمة؛ وهذا ما يؤدي إلى فشلهم أو هزيمتهم.

بحثًا عن النهج الصحيح لمواجهة الأعداء.. ماذا لو كان المطلوب غير الحرب؟
كل عاقل خبير يؤمن بأنّ القضاء على العدو بأقل خسائر ممكنة أفضل بكثير من أي نوع من الخيارات التي تستلزم المزيد من الجهد والدم والعناء والتضحية؛ فكيف إذا كان هذا الهدف ليتحقق بدون أي جهد وعناء!
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...