حين نكون على حافة السقوط
لماذا يحمل كل واحد منّا بذرة الانهيار
السيد عباس نوالدين
مؤلف كتاب 10 قواعد لحياة روحية عظيمة
قَالَ الإمام علي (ع): لَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَثِقَ بِخَصْلَتَيْنِ الْعَافِيَةِ وَالْغِنَى بَيْنَا تَرَاهُ مُعَافًى إِذْ سَقِمَ وَبَيْنَا تَرَاهُ غَنِيًّا إِذِ افْتَقَر.
وعن الإمام الصادق(ع): "إِن الرَّجُلَ لَيَأْتي بِأي بادِرَةٍ فَيكَفُرُ"
أجسادنا عجيبة. نكون في تمام الصحة والعافية وفي لحظة واحدة يتداعى كل شيء وينهار. نشعر معها أننا لا نسيطر على أجسادنا مهما فعلنا. لكن الأعجب هو النفوس التي يمكن أن تخسر الإيمان في لمح البصر؛ فيكون أحدنا مؤمنًا أو هكذا يرى نفسه، ثم وفي موقفٍ ما يعرض له يشعر أنّه قد يصبح كافرًا تمامًا. الملفت هنا أنّ الكافر قد لا يشعر بمثل هذا الخطر؛ ربما لأنّه قد ذاب فيه وانغمس.
العجيب هو أنّ الإيمان الذي نعتز به كثيرًا ولا يمكن أن نتصور أنفسنا بدونه، نكتشف أنّه ليس أمرًا ذاتيًّا لنا. إنّه أشبه بالعارية (الشيء المُعار) التي يمكن أن يأتي صاحبها في أي وقت ويستردها. هكذا ورد في الحديث الذي يفسّر قوله تعالى: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ}،[1] حيث قال الإمام الصادق عليه السلام: أما المستقر الذي يثبت على الإيمان، والمستودع المعار".[2]
هذا الشيء الذي نشعر أنّه قد التحم بنا إلى الدرجة التي نعتقد بأنّه منبعث من ذواتنا ليس سوى أمرٌ أُعطيناه من غير استحقاق؛ ربما فقط لنتنعم به إلى وقت اليوم المعلوم. شعورنا بأنّه قد يزول بسرعة يدل على أنّنا أدركنا بعض الحقيقة؛ وهي أنّ كل خير أو كمال فينا ليس ذاتيًّا لنا. الأمور الذاتية لكل مخلوق هي الإمكان والعجز والفقر؛ {يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَميد}.[3]
والحديث عن الشعور يختلف عن قضية الأفكار. قد نكون معتقدين بأنّ الإيمان هبة من الله، لكن أن نشعر بأنّه كذلك أمرٌ مختلف تمامًا. هذا الشعور يجعلنا خائفين وجلين دائمًا، لأنّنا لا نعرف ما هو الموقف الذي يمكن أن يحصل لنا ونضيّع إيماننا فيه بالكامل، فننقلب كافرين.
وبالإضافة الى صحة الأبدان، هناك نعمة العقل التي يمكن أن نخسرها ونفقدها في لحظةٍ واحدة. العجيب أنّه كيف يمكن للإنسان العاقل أن ينقلب إلى شخصٍ لا يعرف أبناءه أو زوجته أو وقت صلاته أو أبسط الأمور التي تمكّنه من الحفاظ على كرامته. كل ذلك يحكي عن أنّ ذواتنا لم تتحد مع هذه الأمور بحيث لا يمكن أن تنفك عنها. إنّها عطايا إلهية ونِعم يجب أن نبحث عن أسباب حصولها وزوالها. بالتأكيد الأمر ليس اعتباطيًّا. لبقاء النعمة ودوامها أسباب، وكذلك لسلبها وتغييرها. لكن أحد أهم أسباب زوال هذه النِعم هو الجهل بمنشئها وسببها. الاعتداد بالنفس واعتبار هذه القدرات ذاتية لا تنفك عنها يؤدي إلى الغفلة عن أسباب وعوامل خسارتها وضياعها. التمسك بالسبب الواقعي لهذه النِعم بعد معرفة الحقيقة، نراه أهم عامل لدوام هذه النِعم.
في كلِّ واحد منّا بذور مختبئة في باطنه للسقوط والتهاوي والانقراض. لا نعلم متى يتحول هذا البذر ويصبح هو الأصل ويسيطر على كل شيء. قد يكون في حالة نمو على مدى سنوات ونحن غافلون.
ينطبق الأمر على أهم أسباب السقوط وهي المعاصي. من يستبعد إمكانية ارتكابه لأعظم الفظائع عليه أن يُعيد النظر مرة أخرى في حقيقة النفس. يمكن أن ينتقل الإنسان من حالة ارتكاب الصغائر إلى فعل أكبر الكبائر في مدة وجيزة جدًّا. حين نسمع عن قتل إنسان لشخص بريء ونستفظع ذلك، خصوصًا إذا كنا ممن لا يخطر على باله قتل قطة أو عصفور، لا بأس بأن نستمع إلى بعض قصص القتل التي حدثت بسرعة لم يكن فاعلها يتصور صدور ذلك منه إطلاقًا.. الغضب الذي اعترى هذ القاتل وسيطر على كيانه أفقده أي قدرة على التفكير الصحيح، وما هي إلا لحظات حتى وجد يديه ملوثتين بدم إنسانٍ بريء.
كانت مراجل الغضب تغلي في باطنه دون شعورٍ منه، وفي لحظة معينة تفجرت كبركان. لم يكن هذا الشخص معروفًا بالغضب فضلًا عن العدوان. لكن الذي حدث كان يفوق كل ما كان يتوقعه أو يعيشه. نزلت الواقعة عليه كالصاعقة فحذفت كل عقل وتعقُّل من وجوده.
يمكن للبعض أن يختبروا شيئًا قريبًا من ذلك. أتصور أنّنا جميعًا قد عشنا تجربة القرب من الكفر أو السقوط أو الخرف. نحتاج إلى إمعان النظر فيها لاستخلاص العبرة. لا يُتاح هذا إلا لمن يراقب نفسه جيدًا. تكون في سيارتك وفجأة يصطدم بك سائق دراجة من الضاحية؛ رغم أنّك واقف أو تسير بحسب القانون، وبدل أن يعتذر إليك ينهال عليك بالشتائم ويتعرض لشرفك ويهددك! إنّ شدة هذه الصلافة والوقاحة هي بدرجة يصعب على أي إنسان عادي أن يتعامل معها بهدوء أو اتزان. تجد نفسك وقد تفجرت غيظًا بصورة لم تحصل لك من قبل.
يوجد العديد من المواقف التي تستفز أعمق ما في أنفسنا. إن لم نكن نعرف هذا العمق، فسوف يفاجئنا بردة فعل غير متوقعة بتاتًا. يهمني هنا التنبيه إلى تلك المواقف التي تتعرض لإيماننا. يحكي عنها البعض بأنها زلازل؛ ومن لا يتوقع مثل هذه الزلازل فليقرأ قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا}.[4] بعضها يجعل القلوب تصعد من مكانها حتى تكاد تخرج من النفس، {إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَديدًا}.[5]
أتصور أنّ كل هذه المواقف تهدف بالدرجة الأولى إلى إقناعنا بأنّ كل ما لدينا من كمال علمي معنوي نفسي ليس ذاتيًّا لنا مهما بلغ. سنبقى كذلك حتى لو وصلنا إلى أعلى درجات الإيمان والعلم والعقل. في لحظة واحدة لا نتوقعها يمكن أن نخسر كل شيء.
[1]. سورة الأنعام، الآية 98.
[2]. ميزان الحكمة، الري شهري، ج1، ص200.
[3]. سورة فاطر، الآية 15.
[4]. سورة البقرة، الآية 214.
[5]. سورة الأحزاب، الآيات 10-11.
إشراقات الروح
لقاء الله هو الغاية القصوى من حركة الكائنات. لقاء الله هو الوجه الأبرز للمعاد الذي يعني العود إلى المبدأ. لقاء الله هو الحقيقة الكبرى التي ستتجلّى يوم القيامة.لقاء الله هو الهدف الأسمى لسير السالكين ورحلة العابدين ووجود المسلمين.فكيف سيكون هذا اللقاء؟ وكيف ينبغي أن نستعد له؟ إشراقات الروح الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 160 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-036-1 السعر: 10$
عشر قواعد لحياة روحية عظيمة
عشر قواعد أساسيّة تدلّنا على كيفية الوصول إلى حياة روحانية صاخبة فوّارة طيّبة مفعمة بالنشاط والاندفاع. 10 قواعد لحياة روحية عظيمة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 160 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 7.5$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
سفر إلى الملكوت
المبادئ الأساسيّة لبناء حياة معنويّة رائعة.كتاب يتحدّى تفكيرنا ويحثّنا على إعادة النظر بما كنا نعتبره من المسلّمات أو الأمور التي لا تحتاج إلى تعمّق وتدبّر. سفر إلى الملكوت الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 406 صفحاتالطبعة الرابعة، 2017مالسعر: 10$ تعرّف أكثر إلى الكتاب من خلال الكاتب يمكنكم شراء الكتاب عبر موقع جملون على الرابط التالي:
لماذا نحتاج إلى التّواصل الفعّال مع الله؟ في عصر الإيمان لا شيء يغني عن الاتّصال
الإيمان بالله تعالى هو الذي يضمن لنا التّوجّه إليه. والتوجّه إلى الله هو الذي يمنحنا فرصة الاستفادة من وجودنا في هذا العالم.. لماذا؟
استعد للهرم... كيف نجعل الشيخوخة أفضل مراحل الحياة؟
بالنسبة لأكثر الناس، إنّ الشيخوخة لا تعني سوى ضعف القوى الجسمانية والعقلية. ولا حاجة لتصوّر ما يمكن أن يؤدّي إليه هذا الضعف على مستوى التمتّع بملذّات الحياة المختلفة؛ لكن أسوأ ما يمكن أن يحصل هنا هو ذلك الذل والهوان، بسبب عدم تمكّننا من العمل والإنتاج المتناسب مع احتياجات ومتطلّبات هذه المرحلة العمرية الحساسة.
أكبر فتنة يواجهها الإيمان.. كيف يفسر المؤمنون حضور الله في الحياة؟
ينقسم المؤمنون بالله في هذا العالم إلى فئتين: فئة ترى أنّ الله سبحانه قد وضعنا في هذا العالم ليمتحن صبرنا في مواجهة أنواع المصائب والبلاءات؛ وفئة ترى أنّ لهذا العالم مستقبلًا واعدًا يجب أن نتحرّك باتجاهه من خلال السعي الجهادي في سبيل الله، والذي يُفترض أن يتكلّل بالنصر والعاقبة الجميلة...الاختلاف الجوهري بينهما يدور حول فهم كل طائفة لكيفية تدبير الله لهذا العالم
كيف نعرف الله حقًّا؟
جميع الذين يؤمنون بإله العالم وخالقه يعتقدون بأنّه يتجلّى لعباده بنحوٍ ما وأنّه يعرّفهم إلى نفسه. التجلي هو التعرّف. وسواء وصل الناس إلى هذه العقيدة عن طريق العقل والفكر أو عن طريق النقل (أو الشرع باصطلاح العرفاء)، فإنّه ما من شك بأنّ هذا الإله قادر على التعرُّف إلى خلقه، وأنّه لن يكون من هو أفضل منه في هذا التعريف. والسؤال في الواقع هو: كيف نجعل حياتنا حالة دائمة من تلقي التجليات واستقبال الواردات لنزداد بذلك معرفة به؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...