ماذا يعني قتل القادة؟

السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب كيف يُصنع القادة المميزون

السيد عباس نورالدين يتوغل في الأبعاد العميقة لهذه الأحداث التي أضحت نهجًا واضحًا عند العدو.

بالنسبة للعدو قتل القادة يُمثل تثبيت تفوُّقه العسكري وما يتبعه من فرض شروط الاستسلام. كما أنّه يساهم في تحطيم معنويات الشعوب والحركات المقاومة ويهدف إلى إبطاء وعرقلة حركة القيادة التي يُفترض أن تتصدى لإدارة الشؤون العامة للمجتمع. 

حين يقتل العدو قادة أي حركة مقاومة فهو يريد أن يثبت أنّه الأقوى، خصوصًا إذا كانت المقاومة عاجزة عن النيل من قادته في المقابل (وهذا ما يأخذنا إلى مبحث الفارق الكبير في القوة). حين يشعر أي طرف بأنّه ضعيف مقابل عدوّه ويستمر هذا الشعور مدة طويلة من الزمن، من المتوقع أن يتسلل إلى أتباعه ومناصريه الشعور بالعجز الذاتي بدل السعي للاستقواء وتحصيل القدرة. لا شيء يمكن أن يحقق مثل هذا الشعور مثل قتل القادة وتصفيتهم بطريقة سهلة عبر أسلوب الاغتيالات. الاغتيال يعني أنّنا قادرون على الوصول إلى عقر داركم في اللحظة التي نختارها وبالطريقة التي نريدها.

حين ترى الشعوب أنّ قادتها تتم تصفيتهم واحدًا بعد آخر، فلن تشعر بأنّها بمأمن. إذا كان القائد المحصَّن والمتخفي والمُناور يُقتل، فكيف بنا نحن العُزّل! الشعور بفقدان الأمن يولّد الخوف من العدو، ومع الخوف يحصل الانهزام النفسي.

وإذا أضحت تصفية القادة أمرًا ميسرًا للعدو بهذه البساطة، تصبح عملية التصدي لهذا الشأن (القيادة العسكرية والسياسية والاقتصادية وغيرها) غير مرغوبة، حيث سيُحجم الكثيرون عن فعل ذلك لأنّهم يرون أنّه لن يُكتب لهم الفرصة للقيام بدورهم على أتم وجه. 

قد يكتفي العدو بقتل القادة ليرسخ في النفوس الرغبة في اختيار العيش البسيط والعزلة وعدم الاكتراث. على مدى العصور، أضحى عدم الاهتمام بالشأن العام فضيلة نتيجة ما شاهده الناس من نزاعات فتاكة بين الطبقات الحاكمة. في العصر العباسي وصل متوسط مدة حكم السلاطين إلى بضع سنوات!

كما إنّ تعرُّض القادة لهذا المستوى من عمليات التصفية يؤدي حكمًا إلى عزلتهم عن الناس والأتباع وتصعيب متابعتهم وإدارتهم للمؤسسات إلى الحد الذي يؤثر سلبًا على أدائهم وشعبيتهم.

بالنسبة للمقاومين، يؤدي تصاعد قتل قادتهم إلى تصفية صفوفهم بطريقة لا يحلم بها أحد. يزول حب الرئاسة الذي يُعد أكبر عدو للحركات الجهادية التي تعتمد كثيرًا على المعنويات والإيمان. يعلم الجميع أنّ الرئاسة والقيادة ليست سوى تضحية، وأنّ التصدي لها يعني وضع الأرواح على الأكف والدخول إلى عالم الانقطاع شبه التام عن الدنيا وملذاتها. 

ومع زوال حب الرئاسة والجاه بنسبة كبيرة تتألق هذه الحركة وتصبح أُمنية الجميع بلوغ مقام الشهادة الذي يعني لهم تقديم النفس في سبيل الله. ترتقي الهمم وتصفو القلوب وهي ترى نفسها سالكة طريق الشهادة. لن يبقى للقيادة سوى معنًى واحد وهو بذل كل غالٍ ونفيس لله والدين والشعب.

وبدل أن يتم نقل التجارب وانتقال الخبرات على مدى زمنٍ طويل، تفرض هذه الحالة على القادة أن يعملوا على بناء أكبر عددٍ ممكن من الطاقات المؤهلة لمتابعة طريقهم. يصبح الإعداد والتعليم سمة بارزة في حركتهم وإدارتهم. منذ اللحظة الأولى التي يتصدون فيها للمسؤولية عليهم أن يعملوا على تأمين البديل المناسب. تسري هذه الروحية إلى الأتباع وتتنزل إلى الطبقات الأدنى. تصبح هذه الحركة الجهادية مفعمة بمشاعر المسؤولية القيادية. لا يستبعد المبتدئ أن يصبح قائدًا بعد زمن قصير، وعليه أن يستعد لذلك منذ البداية. لا شيء يمكن أن يرفع من الهمم ويرتقي بالكفاءات مثل الشعور بالمسؤولية.

حين يستشهد القادة تترًا تنفتح أبواب السماء وتتوسع، فتتنزل البركات والتأييدات الإلهية أكثر من أي وقت مضى. تتحول شهاداتهم إلى عناصر إلهام للشعب والأمم الناظرة في تجربتهم. 

وعلى الصعيد العام وفيما يتعلق بالبيئة الحاضنة، يثير قتل القادة مسألة مهمة بشأن حمايتهم وسترهم. فإنّ سهولة تصفية القادة ترجع بالدرجة الأولى إلى ضعف هذه البيئة الحاضنة وعجزها عن تأمين المخابئ والسواتر اللازمة، ناهيك عن قضية الاختراق الأمني وما يعنيه من هشاشة في المعتقد والإيمان والقيم. 

يستدعي ذلك المزيد من العمل على هذه البيئة لترتقي بمسؤوليتها وتحصن نفسها أمام جميع عوامل الاختراق. 

تدفع الشعوب ثمنًا باهظًا جراء تصفية قادتها، لكن بعض هذه الشعوب لا تتغير إلا بعد تجربة هذا النوع من المحن. يكون استشهاد القادة أحد عوامل التغيير الكبير. لا يُهزم شعب التزم بنهج قادته الشهداء.