
كيف نعين أولادنا على برّنا؟
ثلاثة مبادئ أساسية لعلاقة قويمة
السيد عباس نورالدين
قَال الإمام الصَّادِقُ (ع):"بِرُّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ حُسْنِ مَعْرِفَةِ الْعَبْدِ بِاللَّهِ تَعَالَى إِذْ لَا عِبَادَةَ أَسْرَعُ بُلُوغًا لِصَاحِبِهَا إِلَى رِضَاءِ اللَّهِ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ الْمُؤْمِنَيْنِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَالِدَيْنِ مُشْتَقٌّ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا كَانَا عَلَى مِنْهَاجِ الدِّينِ وَالسُّنَّةِ".[1]
برّ الوالدين اصطلاح يشير إلى إحدى أعظم القيم الواقعة في منظومة الفضائل والقيم الإسلامية. فلا يمكن للمسلم أن يكون مقبولًا عند الله وهو يسيء إلى والديه ويؤذيهما. ولهذا ارتبط رضا الله برضا الوالدين وتشابكا إلى الدرجة التي لم يعد بالإمكان فصلهما. فإذا كان شكر الله أفضل تعبير عن الإيمان به، كما جاء في الحديث بأنّ الإيمان كلّه شكر، فإنّ هذا الشكر لا يمكن أن يتم دون شكر الوالدين وتقدير موقعهما في الحياة. وباختصار، إنّ علاقتنا بالله تعالى ـ والتي على أساسها يتحدّد مصيرنا الأبديّ ـ ترتبط ارتباطًا مباشرًا بعلاقتنا بوالدينا.
فبناء الإيمان والفضيلة في الشخصيّة الإسلاميّة ينبغي أن يتمحور حول برّ الوالدين نظرًا لما لهذه العلاقة من دخالة في سائر الفضائل والكمالات التي يمكن أن يحوز عليها المرء المسلم. وقد تمّ ربط دنيا الإنسان وآخرته بهذه العلاقة، فصار التوفيق فيهما رهنًا بصلاحها واستقامتها. لهذا، ففي الوقت الذي نعمل على تقوية حسّ الإيمان في نفوس أبنائنا، يجب أن نولي قضيّة بر الوالدين اهتمامًا فائقًا، لأنّ الإيمان بالله تعالى يعني الإيمان بحضوره الجميل وبتدبيره للعالم ومواهبه وعطاءاته؛ وحيث إنّ الوالدين يعبّران عن هذا الحضور بأجمل تعبير وأبلغه، فلا يمكن للإيمان بالله أن يستقر في قلب من لا يدرك موقعيّة والديه الكبرى في حياته.
إنّ أوّل ما يُستفاد من وجود الوالدين هنا هو نعمة الحياة والوجود. فقد جعلهما الله تعالى واسطة بثّ هذه النعمة، وذلك لحكمة بالغة ترتبط بصلاح الإنسان وتربيته. ولا ننسى بأنّ شعور الإنسان بعظمة هذه النعمة هو الأصل الذي تُبتنى عليه كلّ الأمور الجميلة. فالوجود منشأ كل خير وفضيلة وسعادة وكمال. وما لم يقدّر الإنسان نعمة وجوده ويشكرها، فلا يمكن أن يشعر بسائر الكمالات وبقيّة المواهب.
لقد منحنا الوالدان نعمة الحياة. ولو لم يكن لهما سوى هذا الدور، لكفاهما ذلك عظمة وإجلالًا. ولهذا، يبقى للوالدين الحقّ الأكبر في ذمّة الأبناء حتى بعد وفاتهما وانتقالهما من هذا العالم الأرضيّ.
إنّ إدراك أبنائنا لنعمة الوجود والحياة يُعدّ من أكبر الفضائل وأعلاها شأنًا، ويمكن أن نعتبره الإنجاز التربويّ الأكبر لأي مربِّ شفيق. ولكي يتحقّق هذا الإدراك فينا فإنّنا بحاجة إلى عنصرين جوهريّين؛ الأوّل: هو صفاء الطينة ونقائها (والذي يتحقّق غالبًا بفضل طهارة المولد). والثاني: هو التفاعل الإيجابيّ مع جمال الحياة ومواهبها (وهذا ما يحصل عادةً عبر أجواء التربية المفعمة بالرّحمة والحنان والعطف).
الوالدان مسؤولان عن العنصر الأوّل بصورة واضحة. ويجب أن يكمّلا علاقتهما الشرعية بكل ما يرفدها من مودّة وسكينة ورأفة وتفاهم وتراحم، لتتشكّل البيئة الطيّبة التي تترعرع فيها تلك الطينة النقيّة وتثمر أنواع الإدراك والوعي الأصيل. لهذا، فإنّه من الصعب بمكان، أن يتشكّل برّ والدين أنجبا بعلاقة غير شرعية أو أنشآ ولدهما وسط النزاع والشجار والتنكّر والتذمّر. وأكبر خطأ قد يرتكبه الوالدان هنا هو أن يعتبرا أنّ انعقاد نطفة ولدهما هو خطأ كان يُفترض اجتنابه، بدل اعتباره هبة إلهيّة. فكيف إذا صار حمله وفصاله بعد ذلك مقرونًا بشتّى أنواع التذمّر والندم.
فإذا كانت العلاقة شرعيّة، فالمطلوب هو أن نقرنها بكل لوازمها المعنويّة؛ وذلك لأنّ الله تعالى قد أراد لهذه العلاقة أن تتم، ولا شك بأنّ ثمارها كانت مطلوبة عنده أيضًا.
أمّا العنصر الثاني، فهو أن نربّي أبناءنا وسط أجواء مفعمة بالرّحمة واللطف والعناية، التي لا تنحصر بإطعامهم وتغذيتهم وتأمين مستلزمات عيشهم الأوّليّة، بل تتعدّى ذلك إلى تعريفهم على ما في هذه الحياة من نِعم ومواهب ولطائف مهما أمكن. ففي ظلّ هذه البيئة الآمنة المساعدة، تستقر نفوس الأبناء وتشعر بسعة الوجود وتدرك عظمة الحياة وأهمّيّتها. ويمكن تلمّس آثار هذا الشعور في النشاط والاندفاع نحو كل أمر جميل عند الأطفال. وكذلك في البهجة والفرح الذي يُفترض أن يطغى على حياتهم. هذا بالإضافة إلى رغبتهم الأكيدة باستثمار أوقاتهم بشتّى أنواع الأمور المفيدة.
ففي البيئة اللطيفة يدرك أبناؤنا أنّ هذه الحياة مليئة بالفرص والمواهب والتوفيقات، وأنّه لا حدّ فيها للعطاء الإلهيّ، وأنّ آفاقها أوسع وأبعد مما يمكن أن يتصوّروه. هكذا تتجلّى نعمة الحياة، وبهذه الطريقة يمكن لأبنائنا أن يستشعروا قيمتها ويدركوا أصلها المتمثّل بوجود الوالدين.
وكل هذا لا يعني بالضرورة أن يتحقّق البرّ، بل على الوالدين أن لا يبالغا في توقّعاتهما في هذا المجال؛ فهناك مساحة واسعة من الاختيار متروكة في متناول أيدي أبنائهما. وفي هذه المساحة تندفع الرغبات والغرائز والشهوات المتأثّرة بالبيئة والأصدقاء والأفكار والعقائد والقيم الشائعة في المجتمع. فكم من ولدٍ ظنّ أنّ تحرّره من أبيه وأسرته هو شرطٌ ضروريّ لتحقيق استقلال شخصيّته، فأمعن في رفض كل ما يرتبط بهما. وكم من فتاةٍ ظنّت أنّ كل ما يكبّلها هو ارتباطها بأمّها، فسعت لمعارضتها بكل ما أمكنها.
إنّ عالم اليوم يضجّ بالأفكار والقيم التي تتنافى مع قيمة برّ الوالدين. ومن النادر أن نجد في وسائل الإعلام والفن ما ينسجم مع الرؤية الإسلامية في هذا المجال. فالصورة النمطيّة السائدة في عالم الأفلام والسينما الغربيّة هي صورة الصراع بين الأبناء والآباء؛ وهي في تلك الثقافة البغيضة، تُعتبر سلوكًا طبيعيًّا في عمليّة تكوين الشخصيّة المستقلّة والقويّة! ومن المتوقّع أن تتسلّل مثل هذه النظرة إلى كل من يتفاعل مع هذه الأمواج الوافدة لثقافة الغرب ونمط عيشه والتي تدخل علينا من كلّ باب وشبّاك! فلا مناص من العمل الفكريّ والعلميّ الجادّ لأجل ترسيخ قيمة الوالدين المطروحة في الإسلام في أذهان أبنائنا. ولا بدّ من العمل على بناء رؤية عميقة للقيم الإسلاميّة ومنظومتها السامية في نفوسهم.
إنّ مناقشة الأفكار والآراء الغربيّة المرتبطة بقيمة العلاقة بين الأبناء والآباء يمكن أن تكون فرصة مهمّة للتعرّف إلى الرّؤية الإسلامية أيضًا. ويجب الالتفات إلى الأسلوب المناسب في عمليّة بناء هذه الرؤية. فقد تُقرأ على أبنائك روايات وأحاديث واردة عن أئمّة الدين بشأن برّ الوالدين بطريقة تؤدّي إلى نفورهم واستهجانهم، فيؤدّي ذلك إلى عكس الغرض؛ وذلك لما في هذه القضية من عمق عميق حيث نجد الإمام زين العابدين عليه السلام يسأل ربّه تعالى أن يلهمه معرفة حقّ الوالدين إلهامًا: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَأَلْهِمْنِي عِلْمَ مَا يَجبُ لَهُمَا علَيَّ إلْهَامًا، وَاجْمَعْ لِي عِلْمَ ذلِكَ كُلِّهِ تَمَامـًا، ثُمَّ اسْتَعْمِلْنِي بِمَا تُلْهِمُنِي مِنْـهُ، وَوَفِّقْنِي لِلنُّفُوذِ فِيمَا تُبَصِّـرُنِيْ مِنْ عِلْمِهِ". ممّا يحكي عن وجود جوانب مهمّة في هذه العلاقة لا يمكن التعرّف إليها ببساطة.
وفي المقابل، يمكن للآباء والأمّهات أن يعملوا على تأسيس المقدّمات اللازمة لإدراك قيمة البرّ، فيتحقّق بذلك الوعي العميق بهذه القضيّة الحسّاسة. والمطلوب هنا أن نرسّخ في نفوسهم عظمة شخصيّة أئمّة الدين، الذين لهم النصيب الأوفى في تعليمنا وتربيتنا في شتّى مجالات الحياة.
[1]. مصباح الشريعة، ص 70-71.

أعظم وسائل التربية... أطفالنا من اللاوعي إلى الوعي الكلّيّ
كل مهتم بالتربية يسعى لمعرفة قواعدها العامّة، لكن لا يخفى على أحد أنّ القاعدة الكبرى هي أنّ اجتماع المعرفة التصديقيّة مع حسّ المسؤوليّة هو الذي يولّد العمل والسّلوك الصحيح. إنّ قسمًا مهمًّا من الشعور أو التصرّف بمسؤوليّة هو نتاجٌ طبيعيّ للجبلّة والخلقة الأصلية للبشر. جميع الناس يُفترض أن يقوموا برد فعل تجاه الخطر المحدق أو الضّرر المتوقّع.

كيف يكون المعصوم قدوة؟ إذا كان وليّ الله معصومًا منذ طفولته ومؤيّدًا منذ صغره، فكيف يمكن أن نتّخذه قدوةً لنا؟
تثبت الأدلّة العقليّة والنقليّة أنّ الأنبياء والرّسل هم أشخاص معصومون عن الخطأ ولا يمكن أن يرتكبوا أي معصية في سلوكهم وفي تلقّيهم للوحي وفي تبليغهم للرسالة. وهم مؤيّدون بروح القدس الذي بفضله تنكشف لهم قبائح المعاصي وبشاعة الذّنوب إلى الحدّ الذي تكون في مذاقهم كالسمّ الزّعاف والجيفة النتنة. فهل رأيتم من يُقبل على تناول السمّ بإرادته أو أكل الجيفة برغبته؟

أعظم أسرار السعادة.. كيف تضمن لحياتك الاجتماعية سعادة دائمة؟
جعل الله تعالى السعادة في الطمأنينة والروح، وجعل الكون كلّه في خدمة هذه السعادة. فمن أدرك قوانين العالم، وعمل بها ضمن لنفسه هذه السعادة الأبدية.

كيف نعلّم أطفالنا الدين؟ مبادئ متينة لتعليمٍ قويم
عن أمير المؤمنين(ع): "أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ".[1]إنّ الهدف الأكبر لنزول الدين هو تعميق الرابطة المعنويّة بين الإنسان وربّ العالم. ويجب أن يكون هذا الهدف هدف التعليم الدينيّ حتمًا. ولا بأس من الإشارة بدايةً إلى بعض أبعاد هذا الهدف وتجلّياته في الواقع النفسيّ والعمليّ، لما لهذا الكلام من تأثير على توجيه التّعليم نفسه.

10 مبادئ لتربية جيلٍ صالح
الصلاح هو أهم الخصائص الأخلاقيّة التي يتمنّاها الآباء والمربّون للأبناء. وللصّلاح في التّعاليم الدينيّة أبعاد عقائديّة وأخلاقيّة وسلوكيّة؛ إلّا أنّ أهم دلالاته ترتبط بالبعد العمليّ، حيث يكون الصّالح إنسانًا مصلحًا، حتى قيل لا يمكن أن يكون الصّلاح إلا بالإصلاح.

8 أمور تجعل ولدي محبًّا للمطالعة
يمثّل الارتباط بالكتاب إلتزامًا جديًا تجاه المعرفة وعالم الفكر والبحث والتعمّق. وهذه هي الأسلحة الماضية التي يمكننا بواسطتها القضاء على الآثار السلبيّة للمعاصرة.إليكم 8 نصائح يمكن أن تساهم في جعل أبنائكم محبّين للمطالعة والكتاب.

الذكاء الاجتماعيّ بين التكيّف والنجاح... ما هي أهم قواعد الحياة الاجتماعيّة السليمة؟
للحياة الاجتماعية تأثيرات مهمّة على حياة الإنسان؛ فقد تجلب له الكثير من الفرح والسعادة أو تتسبّب له بالكثير من الآلام والعذابات. وبحسب الرؤية الإسلاميّة للوجود، فإنّ للاختيار البشريّ الدور الأكبر في تحديد النتائج والآثار. لهذا، يمكن البحث عن عوامل السعادة الاجتماعية في التعاليم الإسلاميّة واكتشاف الكثير من الحكم الرّائعة في هذا المجال.

صناعة المثل الأعلى
إذا نظرنا إلى حياتنا وأردنا أن نكتشف قيمتها وأهمّيتها ودورنا فيها، فلا شيء يمكن أن يعيننا على ذلك مثل الأحداث الكبرى التي تقع فيها. إنّها الحوادث التي تخرج عن سياق الرّتابة والسّطحيّة والاهتمامات المادّيّة، وتجعلنا نعيد النّظر بأهم الأمور ونعمّق الفكر حول الوجود كلّه وحول الحياة والمصير ومن نحن، وأين وكيف سنكون.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...