
حاجتنا إلى جبهة متراصة
لماذا لا يمكن مواجهة التحدّيات بالمبادرات والإنجازات الفردية؟
السيد عباس نورالدين
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ}[1]
رُغم ما وفّرته الإنترنت من هامشٍ واسعٍ للإرادة الفردية، وذلك مقارنةً بكل العصور التي مرّت على البشرية، فإنّ العقل الجمعيّ للجماعات الإنسانية ما زال في طور التراكم والتطوّر والفاعلية. ومن الصعب الادّعاء بأنّ هذا العقل سيتفكّك أو يتلاشى في المدى المنظور.
إنّ التوجّه إلى القوميات والشعوب ككيانات مستقلّة قائمة بذاتها ما زال الشغل الشاغل للحكومات والمؤسّسات والشركات الكبرى ذات الطموحات العالمية. ولا شك بأنّ هذا النوع من الخطاب العالميّ يقتضي إنجاز أعمال ذات أحجام وأبعاد هائلة؛ هنا يصبح الخطاب الفرديّ مهما كان عظيمًا وحقًّا ومناسبًا كنفثةٍ في بحرٍ لجّيّ؛ وما لم نعمل على إنجاز تلك الأعمال الثقافية التي تتناسب مع حجم وعي المجتمعات وتفاعلها وحركتها، فسوف نبقى الخاسر الأكبر في معترك الثقافة وصداماتها.
ينبغي أن نعترف بأنّنا كأصحاب قضية بحجم العالم لم نكن مهيّئين يومًا لمثل هذا النوع من الأعمال، سواء على المستوى المعرفيّ والرؤيويّ أو على المستوى القيميّ والأخلاقيّ؛ ناهيك عن المستوى العمليّ المرتبط بالتخطيط الاستراتيجيّ والنفس الطويل والعمل الجماعيّ المركّز.
ما لدينا اليوم من ثقافة وقيم يصعب أن يؤسّس لأي نوع من الاصطفاف والعمل المؤسّساتي الذي تتطلّبه هذه المواجهة الحضارية، فضلًا عن قدرته على تشكيل جبهة واسعة بحجم هذا التفاعل؛ ولأجل ذلك، فإنّ التغيير ينبغي أن يبدأ من الثقافة، حيث نعمل على استنباط القيم الاجتماعية والجماعية من أصولها ومنابعها الغنية، في الوقت الذي نعمل بقوّة على تغذية الوعي العام حول طبيعة ما يحدث على مستوى العالم.
لدينا المئات من المفكّرين الواعين من أهل العلم والقدرة على التحقيق والبيان واجتراح الخطاب، لكن يندر أن نجد تشكيلات يمكن أن تجمع ما يربو على العشرة منهم. وما أنجزناه لحدّ الآن على المستوى المؤسّساتي يخالف تمامًا ما نصبو إليه. فالمؤسّسات أصبحت محل دفن الطاقات بدل تفعيلها؛ فكيف إذا أردنا أن تكون مهوى قلوب المبدعين التائقين لبذل الغالي والنفيس.
لأجل ذلك، نجد أنّ معظم النجاحات الفكرية الثقافية القيمية إنّما تتمحور حول فردٍ واحد أو بضعة أفراد لا يمكنهم أن يرتقوا في إنجازاتهم إلى مستوى المشاريع الكبرى التي نحتاج إليها في صراع اليوم.
إنّ قسمًا مهمًّا من الإنجازات المطلوبة لا يرتبط بالعمل المشترك الذي يتطلّب عادة حالات من التنازل والتناغم وتدوير الزوايا (الأمر الذي يُعد من مميزات السياسة)؛ بل بما يمكن أن نعبّر عنه بتفعيل العقل الفرديّ والارتقاء به إلى مديات غير مسبوقة. فمهما كان العقل الفرديّ وقّادًا، لن يتمكّن من الإبداع في بيئة مغلقة شديدة الفردانية.
إنّ العقل الذي نصبو إليه هنا هو الذي يعمل ضمن إطار الإنجازات الكبرى، التي تكون غالبًا تحت إدارة قيادات ذات نفوذ كبير وإمكانات هائلة، وأقصد من الهائلة هنا تلك الميزانيات التي لا يحلم الأفراد ـ مهما عظُمت قدراتهم ـ بها، ولا يحتاجون إليها لأنّها أكبر منهم.
إنّ إنتاج الأفلام السينمائية العالمية، إذا أُريد له أن يكون صناعة واسعة مستديمة (وهذا هو جوهر العمل السينمائي) ينبغي أن يتحوّل إلى عملٍ تتضافر عليه مئات الطاقات المبدعة ذات العمق الذي لا يتوافر إلا لبعض الأفراد في بيئتنا الحالية. وهذا ما يفسّر إخفاق المخرج الإيراني مجيد مجيدي في أمرين أساسيين رُغم روعة إبداعه في إنتاج فيلم "محمد صلى الله عليه وآله"؛ الأمر الأوّل: أنّه لم يكمل مشروعه ذي الحلقات الثلاث، وتوقّف عند المرحلة الأولى من حياة نبيّ الإسلام. والثاني ظهر في عدم قدرته على عرضه والترويج له على المستوى العالميّ، رُغم أنّه يتمتّع بالعديد من المواصفات العالمية.
ومن السهل أن نلقي باللائمة على الحرب التي شنّتها بعض دول الخليج وأذيالها لمنع انتشار هذا الفيلم؛ لكن ما الذي يبرر بالدرجة الأولى إنتاج مثل هذه الأعمال إن لم تكن لمواجهة هذه الموانع القاسية؟
إنّ قسمًا مهمًّا من الإنتاج الثقافيّ العالميّ يرتبط بتجاوز أكبر العقبات والتحدّيات. وهذا ما لا يقدر عليه شخصٌ واحد أو نوع الأعمال الفردية.فقد أحجم العديد من المؤسّسات والأفراد عن خدمة هذا الفيلم (ترويجًا وتطويرًا و..) لأنّهم لم يكونوا مشتركين منذ البداية في إنتاجه؛ بمعنى أنّهم لم يكونوا جزءًا من الجبهة الواحدة التي يُفترض أن تنهض بأعباء مثل هذه الأعمال الكبرى.
أجل، إنّ العقل عقلان. عقل للأفراد، وسوف يكون له حدّ ومستوى، مهما بلغ من التطوّر والارتقاء. وعقل للجماعة هو الذي يمكن أن ينهض بأعباء التحدّي الاجتماعيّ العالميّ الحضاريّ الكبير. ويمكن القول بأنّنا لم نختبر مثل هذا العقل الجماعيّ لحدّ الآن في بيئتنا المسلمة، لأنّنا لم نفعل ما يحتاج إليه من تأسيس حتى في أدنى مستويات الوعي، فضلًا عن القيم اللازمة والمؤسسات والإدارة والقيادة.
لقد يئس البعض منّا من الأعمال الحكومية والمؤسّساتية إلى الدرجة التي جعلته يتبنّى خيارًا أطلق عليه عنوان الأعمال الشعبية. فالثقافة بنظر هؤلاء لا يمكن أن تنشط في محيط المؤسّسات، وإنّما تنجح حين تصبح خيارًا فرديًّا. وأحسب أنّ هذه النظرة تنطلق من موقع الدفاع. مثلما يطرح البعض خيار المقاومة الشعبية على نمط حرب العصابات لمواجهة المحتلين الغزاة. فحين يفتقر المجتمع إلى الأسلحة الاستراتيجية يصبح في موقع التهاجم وعليه أن يبتكر كل أساليب الدفاع. لكن الدفاع ـ وإن كان عملًا شريفًا ـ سيكون لغير مصلحة المدافعين إن أصبح خيارًا مستمرًّا.
[1]. سورة الصف، الآية 4.

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

روح المجتمع
كتابٌ يُعدّ موسوعة شاملة ومرجعًا مهمًّا جدًّا يمتاز بالعمق والأصالة لكلّ من يحمل همّ تغيير المجتمع والسير به قدمًا نحو التكامل، يحدد للقارئ الأطر والأهداف والسياسات والمسؤوليات والأولويّات والغايات المرحليّة والنهائيّة في كلّ مجال من المجالات التي يمكن أن تشكّل عنصرًا فعّالًا في حركة التغيير، على ضوء كلمات قائد الثورة الإسلاميّة المعظّم روح المجتمع الكاتب: الإمام الخامنئي/ السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19*25غلاف كرتوني: 932 صفحةالطبعة الأولى، 2017م ISBN: 978-614-474-020-0 سعر النسخة الملوّنة: 100$سعر النسخة (أبيض وأسود): 34$ للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراءه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

من لا تاريخ له لا مستقبل له.. كيف تساهم الأعمال التأريخية بتقوية المجتمع؟
يكمن السر الأكبر الذي يقف وراء وحدة أي جماعة بشرية في وجود وعي مشترك عند أغلبية أفرادها تجاه هوية محدّدة. وغالبًا ما تُعرّف الهوية داخل المجتمعات نسبةً إلى الهويات الأخرى وبالنظر إلى الموقعية والمكانة على خارطة الأمم. في هذا المجال، سنجد أنّ لوعي هذه الجماعة التاريخيّ، ونظرة أبنائها إلى تشكّلهم كجماعة أو أمّة واحدة، والمسار الذي طووه على مدى الزمن، الدور الأكبر في تحديد أهم أبعاد هويتهم وخصائصها المميزة.

ثورة العلم الحقيقية.. الطريق الأقصر لإصلاح المجتمع
إنّ الطريق الوحيد لنشر الفضائل في أي مجتمع، والحد من مخاطر الرذيلة وانتشار المعاصي، يكمن في أمرٍ واحد وهو: رواج روحية طلب العلم؛ فالعلم هو الخير الفريد الذي يمكن أن يشبع روح الإنسان إلى الدرجة التي لن يشعر معها بالرغبة في طلب الدنيا ومتاعها الزائل؛ ومتى ما انعدمت هذه الرغبة الدنيئة وزالت دوافعها المنحطة انقطع معها أصل الخبائث واستؤصل جذر الرذائل.

نشر وترسيخ المعنويات في المجتمع... خطوات ذكية وحلول استراتيجية
تُعدّ الصلاة روح العبادة ومركز ثقل المعنويّات في دين الإسلام وبرنامجه؛ ذلك لأنّها الوسيلة الأولى للارتباط بمنبع الروحانية والاتّصال بجوهرها ومعدنها. فالصلاة في الإسلام هي تلك الحركة الواعية التي تنطلق من إدراكنا لحقيقة الألوهية في هذا العالم وطبيعة حضورها في حياتنا وفي تحديد مصيرنا. ولهذا، فإنّ أي سعي لأجل نشر المعنويات القوية وترسيخ الروحانية العميقة في المجتمع ينبغي أن يتمحور حول الصلاة.

عالمنا العالق ببحر المآسي.. كيف ننقذ مجتمعاتنا من أهوال الحروب؟
إنّ ما نشهده اليوم من مواجهة مستمرّة بين المسلمين والغربيين، يرجع إلى زمنٍ مديد يمتد إلى الحقبة الرومية الاستعمارية الإمبريالية.

لماذا يجب تعميق الفكر الإسلامي في مجتمعنا؟
إنّ وجود عمق فكري للمعارف الدينية أمرٌ ملحوظ عند كل من كان له توفيق التوغل في هذه المعارف مطالعةً ودراسةً وتفحّصًا. ولا حاجة للإتيان بأدلّة من السنّة أو القرآن على هذا الأمر المشهود بالتجربة؛ أمّا من يطالب بالدليل، فما علينا سوى أن نقدّمه له بواسطة عرض الشواهد الكثيرة التي لا تُحصى. وأغلب الظن أنّ الذين ينكرون وجود هذه الظاهرة العجيبة، كانوا يتسترون ويخفون جهلهم، أو أنّهم كانوا يحملون معنًى مغايرًا لما هو مُراد من العمق.

5. ضرورة الإنتاج الفكري في المجتمع العلمي
يحتاج المجتمع العلمي إلى المفكرين لأنّهم يقومون بتطبيق مبادئ الإسلام والاجتهاد وأصول الشريعة على الواقع المُعاش والقضايا الزمانية، ففي كل عصر وزمان هناك مقتضيات تنشأ من التطوّر والتحوّل الاجتماعي والسياسي والتكنولوجي، وكل هذه تؤدي إلى نشوء قضايا تحتاج إلى عملٍ فكريٍ أصيل.

2. من أين ننطلق لنصنع المجتمع العلميّ؟
هل تعلم أنّ المجتمعات البشرية تعاني كثيرًا من الجهل؟ المجتمعات الإسلامية اليوم لا تمتلك الكثير من المعارف والعلوم التي تحتاج إالها في إدارة شؤونها وتحقيق التقدم والازدهار.. هل تعلم أنّ القرآن الكريم يتضمن كل ما تحتاج إليه البشرية من معارف وإنّه المصدر االوحيد للعلم فكيف نصل إلى معارف القرآن؟

3. أركان المجتمع العلمي، دور المفكّر في بنائه
لكي يتحقق المجتمع العلمي لا بد من تشكّل سلسلة من الحلقات تبدأ من المنبع الحقيقي لتصل إلى الإبداع والفن فما هي هذه الحلقات وكيف تتصل وتتواصل؟

6.لا طبقيّة في المجتمع العلمي
إن تقسيم المجتمع الى طبقتين عالمة وعامية له جذوره في الرؤية التي سادت في أوساط أهل العلم طيلة قرون من الزمن، باعتبار أن العلم الذي ينبغي الوصول إليه حكر على عدد قليل من الذين يتمتعون بالمقدرة العلمية والذهنية، وعلى باقي الناس أن يعملوا وفق ما تقوله هذه الفئة القليلة. لكن الرؤية الصحيحة للعلم تبيّن أنّ العلم متاح للجميع ويمكن لهم أن يصلوا إليه بسهولة فتنتفي الطبقية العلمية التي هي أحد أسوأ أنواع الطبقيات في تجارب التاريخ.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...