
حين تتزاوج المذاهب الدينية مع السلطة الجائرة
السيد عباس نورالدين
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[1]
حين كان الناس على مذهب واحد تجمعهم السذاجة وينحصر اهتمامهم بهذه الحياة الدنيا ويخضعون لسلطان واحد يقوم بجميع أمورهم، كان لا بدّ من بعث الأنبياء لأجل إعادة المسيرة البشرية نحو وجهتها الصحيحة وهي الحياة الآخرة. ولأنّ هذه الوجهة بطبيعتها وماهيّتها ستهدّد مصالح السلاطين الذين لا همّ لهم سوى هذه الحياة الدنيا، فقد انبرى هؤلاء لمواجهة الأنبياء بكل ما أوتوا من قوّة.
وقد اكتشف سلاطين الجور قوّة المعارف التي أتى بها الأنبياء، بعد أن خبروا تأثيرها العجيب على الناس. وكانت وسيلتهم الوحيدة لاستخدام هذه المعارف علماء وفقهاء من قلب البيئة الدينية.
وهكذا نشأت على مرّ الزمن مذاهب دينية، يتبع بعضها للسلطان الجائر ويشرعن له حكمه وسلطانه. فهذه التعددية المذهبية إنّما نشأت حول محور السلطان، تأييدًا ورفضًا؛ ولولا السلاطين لما كان هناك سوى مذهب واحد؛ وفي ظلّ المذهب الواحد لا معنى لكلمة المذهب.
الكثير من سلاطين العصور وملوكها وجدوا في الدين قوة عظيمة للحفاظ على عروشهم، وكان هناك من هو مستعد لتقديم كل ما يلزم لذلك. وهؤلاء هم الذين عُرفوا بفقهاء السلاطين ووعّاظهم، الذين وجدوا في قوّة السلطة فرصة بل قوة عظيمة للقضاء على مخالفيهم أو منافسيهم من الفقهاء والعلماء. ولأجل ذلك كان فقهاء السلطة يعمدون كلما شعروا بالضعف إلى سلاح التكفير والزندقة والارتداد وإلصاق تهمة الرفض لكي يتخلصوا من منافسيهم الذين يمكن أن يكشفوا عن ضعف منطقهم وقلة علمهم.
التحالف الاستراتيجي بين الفقهاء والسلاطين أنتج مجموعة من المذاهب التي حرصت على شرعنة السلطة الجائرة طالما أنّها تنال الدعم والمدد؛ وغالبًا ما كانت السلطة الدينية هنا تبرر لأتباعها هذا التحالف بأنّه لمصلحة الدين ونشره وإعلاء شأنه ومحاربة الكفار، رغم وضوح مخالفته للوجدان السليم. فمتى أمكن للوجدان البشري أن يقبل بتأييد الظالم والخضوع للجائر؟! وقد حصل هذا الأمر في الأزمنة الأولى لنشوء الإسلام، وأصبح على مدى العصور عاملًا أساسيًّا في تغيير البنية القيمية الفطرية لأكثر الناس. لقد أصبحنا حينئذٍ على موعد مع جنس بشري لم يسبق له مثيل، وهو الجنس الذي يفتقد إلى أولى مقوّمات الفطرة السليمة. إنّه الجنس الذي يُراد أن تتعايش فيه القيم السلبية والإيجابية وهو أمر يكاد يكون مستحيلًا. ولهذا أنتجت هذه التجربة التاريخية الممتدة نوعًا من البشر لا يمكن للإنسان العادي أن يستوعبهم، فهم مشوّهوا الخُلق، يتوارثون ذلك ويرتضعونه منذ الطفولة.
إنّ أسوأ ما حدث نتيجة هذا التزاوج المصلحي بين السلطة الجائرة والمذهب الديني هو هذا المسخ للوجدان الإنساني الذي يكاد يستحيل إصلاحه. ولأجل ذلك، نعتقد بأنّ هذه السلالة البشرية التي يتعايش في وجدانها الظلم والعدل هو آخر منتجات إبليس اللعين في وعيده بتغيير خلق الله. ومن المرجّح أن يكون لبقاء هذا الجنس درسًا مهمًّا لكل البشرية، نوكل الحديث عنه إلى مجال آخر.
لكن ما يمكن أن يُقال في الحديث عن مواليد هذا الزواج هو أنّه احتاج إلى شيطنة أخرى، لا تقل خطورة عن الشيطنة الأولى من أجل البقاء والحفاظ على مسخه، وهي العصبية. فلم يكن بالإمكان الحفاظ على هذا النوع من المذاهب البغيضة التي تشرعن الجور والظلم إلا بإيجاد روابط محكمة تقوم على العصبية. وهكذا وجدنا في الأزمنة الأولى طرح قضية العروبة ومن ثم أُعيد طرحها مجدّدًا في العصر الحديث انطلاقًا من تمايزها عن الفارسية. فعروبة اليوم تعني أمرًا واحدًا بالنسبة لهؤلاء المتعصبين، وهو أنّها ليست فارسية، وأنّ الفارسية هي نقيض الإسلام لأنّها مهد المجوسية.
وممّا يندى له جبين البشرية هو أن تجد هذه الدعوات الخالية من أي منطق سليم هذا التأييد الواسع بين العرب أنفسهم، مع اختلاف مذاهبهم. فقديمًا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّما يهلك العرب بالعصبية؛ وهل ترى هلاكًا أشد ممّا يحدث لهم اليوم!
العصبية ـ التي جاء في الحديث أنّها كلها في النار وأنّ من تعصّب فقد خلع ربقة الإسلام وأنّ إبليس هو إمام المتعصّبين ـ هي اليوم شعار هؤلاء المتمذهبين الذين يلتفون حول أئمّة الجور وسلاطين الظلم والفساد والعمالة لأعداء الأمة. ولا يخجل هؤلاء ولا يستحون من الدفاع عن العصبية رغم وضوح مخالفتها لأبسط القيم الأخلاقية وجلاء جهنّميتها. وليس هذا ببعيد عمن تشوّه وجدانه ومُسخت فطرته.
إنّ أي مذهب ديني أو غير ديني حين يقوم على أُسُس غير أخلاقية فإنّه يكون قد حفر قبر نهايته وزواله ليصبح بعد ذلك مجرد عبرة للمعتبرين وأضحوكة للضاحكين الذين يشاهدون كل يوم عثراته وزلاته التي تزيد من ذلّه وعاره وشناره.
إنّ الإبقاء على هذا النوع من المذاهب اللاأخلاقية إنّما يشير إلى هذه الحكمة الإلهية وهي إظهار عاقبة من يتّبع الظالم في هذه الحياة من أهل الديانة. فقد ضحكت الآفاق من مشايخهم ومفتيهم وأصبحوا سخرية للساخرين لا يزيدون أتباعهم سوى مهانة وذلًّا.
[1]. سورة البقرة، الآية 213.

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

روح المجتمع
كتابٌ يُعدّ موسوعة شاملة ومرجعًا مهمًّا جدًّا يمتاز بالعمق والأصالة لكلّ من يحمل همّ تغيير المجتمع والسير به قدمًا نحو التكامل، يحدد للقارئ الأطر والأهداف والسياسات والمسؤوليات والأولويّات والغايات المرحليّة والنهائيّة في كلّ مجال من المجالات التي يمكن أن تشكّل عنصرًا فعّالًا في حركة التغيير، على ضوء كلمات قائد الثورة الإسلاميّة المعظّم روح المجتمع الكاتب: الإمام الخامنئي/ السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19*25غلاف كرتوني: 932 صفحةالطبعة الأولى، 2017م ISBN: 978-614-474-020-0 سعر النسخة الملوّنة: 100$سعر النسخة (أبيض وأسود): 34$ للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراءه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

الولاية الخائفة وسبيل الخروج منها
الولاة والقادة العظام يتميّزون بشجاعة عالية تجعلهم يستسهلون الموت في سبيل المبادئ الكبرى التي يعملون لها. فلا يمكن أن يخافوا من القتل أو يجبنوا عن التّضحية بأنفسهم. لكنّهم مع ذلك قد يعيشون نوعًا من الخوف؛ وهو الخوف على المسيرة التي يقودونها وعلى الناس الذين يتبعونهم.

بين الولاية الشعبيّة والولاية العسكريّة
لا شيء يضاهي وجود ولاية شرعية في حياة الإنسان المؤمن، ففي ظلّ هذه الولاية تصبح أهم قضايا حياته مهتدية أو تأخذ صبغة القبول والعفو عند الله تعالى. وهذا ما يُسمّى ببراءة الذمة. فما نفع صلاتنا وصيامنا وعباداتنا إن كانت قضايانا الكبرى خارجة عن شريعة الله وأحكام دينه؟!

انتظار المخلّص بين الحقيقة والخرافة... كيف تنحرف المذاهب لعدم فهم هذه القضية
إنّ قضية حضور الله في حياة البشر وتدبيره لهذا العالم كانت وستبقى النقطة المركزية في مسألة الإيمان. وقد واجه مدّعو الإيمان من أتباع الأديان والمذاهب المختلفة هذا التحدّي والاختبار على مدى العصور والأزمان، كلٌّ على طريقته. وكان على الجميع أن يقدّموا إجابات واضحة للأتباع والمؤمنين حول كيفية هذا الحضور بما يتلاءم مع الإيمان ويقوّيه.

أين أصبحنا من ولاية الفقيه اليوم؟ هل خمد البحث عن ركن التغيير الأكبر؟
يُقال إنّ طرح الإمام الخميني لمبدأ ولاية الفقيه كان بمثابة الشرارة الكبرى في استعار الثورة ونفخ لهيب النضال والعمل الثوريّ وتحويله إلى حركة رشيدة وأصيلة. ولا يشك أحد بأنّ هذه الثورة ـ التي أطلقت العنان لأوسع عملية تغيير لمنطقتنا، بل للعالم كلّه ـ قد ارتوت من منبع ولاية الفقيه، وأقامت نظامها السياسيّ عليه. فالصديق والعدوّ يعترفان بأنّه لولا هذا المبدأ الذي اتّصل بعقائد الموالين، لما كان لهذه الثورة مثل هذا الثبات والنضج والاستحكام.

1- الوعي السياسي... لماذا؟
ما هي ضرورة الوعي السياسي؟وما هي عواقب الغفلة السياسيّة؟ما هي أهداف البصيرة السياسية؟وإلى ماذا نحتاج لنكتسب الوعي السياسي؟

عوامل تقوية الوعي السياسي... متابعة مواقف الفاعلين في صناعة الواقع السياسيّ
يمكن تقسيم الناشطين في المجال السياسي إلى فئتين أساسيتين: 1- الفئة الأولى: الفاعلة 2- والفئة الثانية: المنفعلة. أما الفاعل فهو الذي يمتلك هدفًا ويسعى لتحقيقه.وأمّا المنفعل فهو ذاك الذي ينفعل تجاه فاعلية الأول، فهو لا يملك هدفًا، وإن كان يمتلك رغبات أو طموحات أو أماني ووضعها في قالب الأهداف، فإنّه لا يسعى لتحقيقها بل يكون منفعلًا وشهوانيًا وغضوبًا، بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معنى. بالطبع، هناك فئة ثالثة لا تدخل ضمن النشاط السياسي، وهي الفئة التي ارتضت لنفسها أن تكون منقادة ومنساقة وغافلة وغير مكترثة.الفئة التي تهمنا هي الفئة الفاعلة التي تنطلق من أهداف كبيرة واستراتيجية، ومن رؤى وأطروحات تعمل على تطبيقها، لأنّها فاعلة لا مجرّد منظّرة، أي إنّها تمتلك أدوات وطاقات وإمكانات تستعملها في مجال الوصول إلى تلك الأهداف. هذه الفئة يمكن أن تكون بعملها وأدائها صانعةً للواقع السياسي؛ وحين تتحرّك نحو تلك الأهداف، فسوف تمتلك الوعي السياسي وتكتشف القوانين والسنن الحاكمة على حياة البشر والمجتمعات والتاريخ. لذلك أعتقد أنّ مواكبة ومتابعة هذه الفئة في مواقفها وتصريحاتها وفي دروسها وشروحاتها هذه، يعطينا وعيًا سياسيًا مميزًا.

ضعف البصيرة السياسية.. أسباب
ما هي أهم الأسباب التي أدت إلى ضعف المشاركة السياسية في مجتمعاتنا؟

هل ستنجح أمريكا في فرض سياستها على العالم؟
الدرس الثاني عشر من الدورة الأولى في "أصول ومبادئ الوعي السياسي".
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...