
الحب في زمن المراهقة
السيد عباس نورالدين
من الأفضل أن نقول: كيف يؤدّي الحب في المرحلة العمرية الشبابية الأولى إلى المراهقة، أي إلى إرهاق الشباب بمتاعب وأعباء تفوق قدراتهم في العادة؟
لا شيء يمنع أبناء هذه المرحلة العمرية من التفكير بالجنس الآخر، فضلًا عن التوجه أو الانجذاب إليه. فإذا أخذنا بعين الاعتبار العوامل الجسمانية، الناشئة من البلوغ؛ والعوامل النفسية كالرغبة في الحب أو الحاجة إلى العاطفة والأنس بشخص آخر؛ والإمكانات المتوفرة اليوم، ليس على صعيد وسائط التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت وما تعرضه من صور جذّابة مغرية للعلاقات فحسب، بل على مستوى البيئة والأجواء المدرسية المختلطة أيضًا، سنجد أنّ جميع هذه العوامل من شأنها أن تقوّي هذا التوجّه والانجذاب إلى الجنس الآخر والانشغال والاهتمام به، والرغبة في إقامة نوع من العلاقات العاطفية معه، حتى قبل سن الرابعة عشر.
إذًا، هناك عوامل طبيعية ترتبط بأصل الخلقة، وهناك عوامل تُضاف إليها بحكم التربية والبيئة والمجتمع والإمكانات والفرص، تضع الشباب في المرحلة العمرية الأولى أمام استحقاق ليسوا في الغالب مؤهلين للتعامل معه بحكمة ومسؤولية.
إنّ خوف الكبار أو أولياء الأمور من هذا الاندفاع مبرّر جدًّا، لأنّهم لا يرون في الشباب القدرة على تحمّل مسؤولية مثل هذه العلاقة والقيام بحقوقها كما ينبغي في هذه المرحلة؛ ما يفاقم المشكلة لدى الشباب، لا سيما على المستوى النفسي، حيث سيرى الشباب في المجتمع وفي الكبار وفي كل من يمنعهم ويضغط عليهم موانع وعقبات ينبغي التمرّد عليها، وهنا بالتحديد تنشأ قضية المراهقة. فلا شيء في زماننا هذا يزيد المراهقين وأولياء أمورهم إرهاقًا مثل هذه القضية.
إنّ الالتذاذ الذي يشعر به الشباب نتيجة التواصل مع الجنس الآخر الذي يهتم لأمرهم، يبدو أكثر ممّا هو من الوالدين وأقرب الناس إليهم. إنّ مثل هذا الالتذاذ قد يُلبي لهم بعض الحاجات الشهوانية الطبيعية ـ لا نقول أنّها تصل إلى درجة إقامة العلاقات الجنسية الحميمة، ولكن هذا التواصل بذاته هو في بعض حالاته أحد أشكال التواصل الجنسي؛ فالاستمتاع الجنسي لا يقتصر على تلك العلاقة الخاصة. إلّا إنّ هذا التواصل العاطفي، وما يتبعه من أنواع التعبير عن الحب والرغبة وغيرها من الأمور، يؤدي إلى الضغط على الشباب بدلًا من جعلهم سعداء، لأنّ البيئة الطبيعية المناسبة للعلاقات بين الجنسين هي الزواج.
لم يُشرَّع الزواج اعتباطًا. فكل أشكال الارتباط والتواصل بين الجنسين مهما بلغت، فإنّها لا ترقى إلى مستوى الزواج. فحتى بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في المجتمعات الغربية ويتّخذون الأخدان (boyfriends & girlfriends) ويُساكنونهم في بيت واحد وتحت سقف واحد، من دون وجود أي قيود أمام هذه العلاقة ـ لا سيّما إذا تجاوزوا سنّ الثامنة عشر ـ فإنّ الجميع يتعامل مع علاقتهم على أنّها علاقات عابرة، غير جدّية؛ لا لأنّ هؤلاء لا يمتلكون الاستعداد للتعامل مع قضية الجنس الآخر، بل لسبب رئيسي وهو أنّ البيئة التي تعيش فيها هذه العلاقة ليست بيئة مساعدة لإنضاجها وتفعيلها وحمايتها وصيانتها، ما يؤدي بها غالبًا إلى أن تنتهي بالانفصال بعد سلسلة من المشكلات المزمنة والحادة، التي يعتبرها هؤلاء في مجتمعاتهم أمرًا متوقّعًا ومسلّمًا. فما نشاهده على شاشات التلفزة والإنترنت من بهجة وسعادة ولذة يعيشها أصحاب هذه العلاقات، وكأنّهم يعيشون في الجنة، إنّما هو بُعد من أبعاد علاقة سيتبعها وسيكتنفها الكثير من المشكلات والآلام النفسية الحادة.
لذلك نقول إنّ البيئة المناسبة والمجال الحيوي لنموّ مثل هذه العلاقة وحمايتها والارتقاء بها إلى أعلى مستويات السعادة واللذة، هو الزواج الشرعي أو الزواج الإسلامي، الذي وضع الإسلام لأجله سلسلة من القوانين والأحكام بهدف حمايته وصيانته وتقوية جهة الالتذاذ والسعادة فيه.
بالنسبة للشباب تكون المحنة مضاعفة ها هنا لعدم إمكانية تحقيق مثل هذه الرابطة. فهم يلتذّون من جهات لكنّهم يتألمون من جهات أخرى. وبالتأكيد هم ليسوا مضطرين لمثل هذه الآلام، إلّا إنّ أوضاع المجتمعات الاقتصادية والنفسية تفرض عليهم مثل هذه الآلام والمشاكل والضغوط.
ففي الأصل ـ وكما ذكرنا ـ لا يوجد ما يمنع من إقامة علاقات سليمة بين الجنسين في هذه المرحلة العمرية؛ وإن كان الأمر بالطبع يحتاج إلى تنمية الاستعدادات والكفاءات المرتبطة بإدارة هذه العلاقة، سواء على مستوى فهمها أو إدراك مسؤولياتها؛ إلا إنّ هذا أيضًا ليس بالأمر الصعب. يمكن لأي شاب أن يفهم مثل هذه المسائل ربما في عدة جلسات. فطالما أنّ الفهم والاستيعاب موجودان وكذلك القدرة موجودة، فلا يوجد ما يمنع الشاب من تحمّل المسؤولية الكاملة تجاه هذه العلاقة.
لذلك قد تنجح بعض هذه العلاقات وتصل إلى مرحلة الزواج؛ لكن ينبغي للشاب أن يعلم أنّ الدخول في علاقة حب ـ كما يُقال ـ في هذه المرحلة العمرية، هو دخول في عالم المشاكل والأزمات النفسية من عدة جهات.
بالنسبة لنا كأهل وأولياء أمور إنّ همّنا الأكبر هو تجنيب أبنائنا هذا النوع من الإرهاق الذي يؤثّر سلبًا على الكثير من أنشطتهم التكاملية كالدراسة والعبادة واكتساب المهارات وغيرها. ولكن ما ينبغي الالتفات إليه هو أنّ تصعيد الاحتكاك السلبي بيننا وبين أبنائنا بخصوص هذه القضية لا يُنتج شيئًا مفيدًا.
لذا، علينا في البداية وضع عنوان كبير للتعامل مع هذه المشكلة وهو عدم إيصالها إلى مستوى المس بجمال العلاقة بين الأهل والأبناء؛ لأنّه حين يرى الشاب، والإنسان عمومًا، أنّ الآخر يريد أن يحول بينه وبين متعة معيّنة ترتبط بحاجاته الطبيعية ـ خصوصًا قضية الجنس الآخر ـ فإنّه سيتألم كثيرًا وسيشعر بعدم إعانة ومساندة هذا الآخر له، وأخص بالذكر الوالدين. سيشعر الشاب أنّ كل تلك السنوات التي تلقى فيها المعاملة الجميلة والحسنة والاهتمام الفائق من والديه أضحى كلَا شيء. فهو يتساءل: لماذا حين وصلت إلى مرحلة أريد أن أكون سعيدًا في حياتي، يقف والدي أو والدتي أمامي بهذا الحزم وبهذه القسوة؟! لماذا يريدان أن يمنعاني من أن أعيش حياتي السعيدة، وأن أعيش بلوغي وشبابي؟
فكيف إذا كنّا قد وضعنا أبناءنا في تلك البيئة المختلطة أو سمحنا لهم بالانفتاح على الجنس الآخر ـ وهو الأمر الذي أصبح بحكم الحتمي تقريبًا في كثير من العائلات بسبب وجود الإنترنت! فإنّ هذا سيؤدي لأن ينخر في العلاقة الطيبة التي كان يُفترض أن تُبنى في هذه المرحلة لتؤسس لمستقبل جميل.
تحدث هذه الأزمة بين الأبناء والآباء، في مرحلة المراهقة ـ كما يُقال ـ وبحدوثها سيفقد الأبناء فرصة مهمة للاستفادة من خبرة الآباء والأمهات ومن تجربتهم وعلمهم وحكمتهم؛ وهو ما يُعدّ خسارة كبيرة للجميع وخصوصًا للشباب. لذلك نحن لا نريد أن نوصل قضية الحب في زمن المراهقة إلى مستوى الأزمة في العائلة.
من هنا، علينا أن نفكّر جيدًا ونستبق الأمور. وأهم ما ينبغي لنا القيام به هو أن نُهيّئ أبناءنا للتعامل مع هذه القضية، لا سيما إذا وضعناهم في بيئة مختلطة(كالمدارس المختلطة). فعلينا وقبل أي شيء، أن نُشعرهم بأنّنا نساندهم ونتفهّم حاجاتهم المختلفة الجسمانية والنفسية، وأنّنا لا نريد إلا سعادتهم، وأنّ هذا الارتباط وهذا التوجه والتعلق والانجذاب أمر طبيعي في أصل الخلقة، وكل ما نحتاج إليه هنا هو أن نتعامل معه بحكمة؛ وإنّنا كأهل ومربّين نريد لأبنائنا ـ لكم أيها الشباب ـ أعلى مستوى من اللذة والسعادة والهناء.
ما ينبغي أن يحذر منه الأهل ها هنا هو أن يجعلوا الدراسة تُقابل هذه العلاقة؛ لأنّ الدراسة في كثير من أبعادها ليست فطرية، بينما هذا الانجذاب هو أمر يرتبط بأصل الخلقة وفيه الكثير من الأبعاد الفطرية. وحين نجعل قضية غير فطرية مقابل قضية فطرية، فإنّنا نُخطئ بحق التربية؛ وخطأنا يكون أكبر من خطأ أبنائنا الذين يندفعون نحو هذه العلاقة بحكم الفطرة.
أما بالنسبة للمدارس الإسلامية المختلطة، هذه المدارس التي تعمل تحت شعار الإسلام، ينبغي تنبيهها لمغبّة تعاملها مع هذه القضية بطريقة غير حكيمة ـ خصوصًا أنّها اختارت شعار "ألقوه في اليم" ومن ثمّ أخذت تمارس سياسة "إياك إياك من البلل".
تضع هذه المدارس الذكور والإناث، وهم في مرحلة تأجج الشهوة في غرفة واحدة، ثم تطلب منهم أن لا يتواصلوا بأي نوع من التواصل وتقف لهم حارسًا وناظرًا، تريد أن تمنعهم من هذا التواصل كيفما كان. إنّ مثل هذا الأمر هو مخاطرة بسمعة المدرسة ومصداقيتها وبأهم شأن من شؤونها وهو الشأن التربوي. فغالبًا ما يؤدي هذا التدخل غير المفهوم إلى سقوط قداسة المدرسة واحترامها في أعين طلابها. وما يحصل مع الأهل يحصل مع المدرسة. فرغم تقديم المدرسة للخدمات التعليمية المهمّة والجليلة، فقد تصبح مكروهة في قلوب هؤلاء الشباب ويتعاملون مع إدارتها كعدوّ لهم.
فلو قمنا بإجراء دراسات ميدانية واستطلاعات رأي في المدارس الإسلامية المختلطة، سنجد هذه الحالة من عدم الاحترام والتقدير للمدرسة، ولما هو أخطر وأهم: لما تمثّله المدرسة وهو الدين. وفي الوقت نفسه، سنجد نسبة مرتفعة من حالات التواصل والروابط العشقية بين الذكور والإناث، وإن كانت في معظمها خالية من الدوافع الخبيثة أو الاستغلالية، لكنّها تبيّن عجز كل تلك السياسات والضوابط عن منع التواصل بين الجنسين أو حتى الحد منه.
فالأفضل أن تهيّئوا أنفسكم للتعامل مع هذه القضية إن اخترتم الاختلاط في المدرسة؛ وإن كان الأفضل أن لا تزيدوا من عوامل الضغوط النفسية على الشباب من خلال هذه البيئة المختلطة.
وأخيرًا، كلمة للشباب: أنتم لستم مضطرين لهذا النوع من الإرهاق فيما لو فهمتهم جيدًا ما يجري معكم على المستوى الفيزيولوجي الجسماني وعلى المستوى النفسي، وعلمتم أنّ الصبر والاستعداد والتوجه إلى الله والتنزّه عن هذه العلاقات خارج إطار الزواج، كل ذلك سيمنحكم قدرات إضافية وسيزيد من قوة شخصيتكم وسيوصلكم في النهاية إلى بر الأمان وإلى عيش تلك السعادة الكبرى التي لا مثيل لها على مستوى العلاقة أو الحب.

الزواج في مدرسة الإيمان
ما هو الحب؟ وما هو الزواج؟ وهل الحب شرط لنجاح الزواج؟ هذا ما يجيب عنه هذا الكتاب بالإضافة إلى العديد من الأسئلة الأخرى التي تفرضها الحياة في عصر الإنترنت. فلننظر إلى الزواج قبل اشتعال نيران العشق وقبل انطفاء شعلة الحب. الزواج في مدرسة الإيمان الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب:17*17غلاف ورقي: 264 صفحةالطبعة الأولى، 2016مللحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

هل يحبني فعلًا؟
لماذا ينبغي أن نعيد النظر فيما نعرفه عن الحب؟ وهل هو شرط لنجاح الزواج؟

إلى أين يذهب الحب حين يموت؟
إلى أين يذهب الحبّ حين يموت؟ أظنّ أنّه سؤالٌ مشروعٌ خاصّة بالنسبة لنا نحن الذين نؤمن بالحياة بعد الموت وبالجنّة والنار. لكن هل أنّ الحبّ كائنٌ حي حتى نتساءل عن مصيرٍ غير عدميّ له؟

ماذا نعرف عن محبّة أهل البيت (ع)؟
ليست محبّة أهل البيت عليهم السلام أمرًا مغايرًا لأي حب نشعر به أو نعيشه تجاه أي شخص، لكنها درجة عالية من المحبّة لأنها محبّة متحررّة من جميع قيود الأنا والشهوة والمصلحة الشخصية.

حول لعنة الحب في سنّ المراهقة... كيف نتعامل مع هذه التجربة الحسّاسة؟
للحب روعته ولذّته التي لا تضاهيها لذّة؛ فهو أجمل ما يمكن أن يحدث للإنسان في هذه الحياة. بل إنّ الحياة بدون حبّ لا تساوي شيئًا. ولو قيل أنّ الله خلقنا للحب، لما كان في هذا الكلام أي مبالغة! ولكن لماذا نجد الكثير من البشر يعانون في الحب؟ وكيف يمكن أن نجنّب أبناءنا تجربة الحبّ المرّة في سنّ المراهقة؟

حين يحدّد الحبّ حقيقتنا
لا شيء يحرّر الإنسان مثل الحقيقة. لكن جميع حقائق العالم لا قيمة لها إن لم يعرف المرء حقيقة نفسه. وإنّما يبتعد الإنسان عن هذه الحقيقة حين يغفل عن نفسه.. لهذا قيل أنّ اليقظة والانتباه هما مفتاح معرفة النفس.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...