
بحثًا عن الروح في الآلة البشرية
ما الذي نكتشفه ونتعرف إليه؟
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب #شركاء_الحياة
إنّ الذين أدركوا سر الحياة يعلمون أنه لا شيء يمكن أن يضاهي الحب أو أن يكون بديلًا عنه. فإذا لم تكن تجربة الحب في حياتهم موجعة ومدمرة، لن يتوقفوا عن البحث عنه أبدًا.
غالبًا ما نرى نحن البشر أنّ الجنس الآخر هو فرصتنا الكبرى لنيل الحب الأبدي. نعتقد أنه في ظل الزواج سيكون لنا فرصة سانحة لنعيش الحب مدى الحياة. كيف لا، والزواج رابط محكم ينعقد ويتوثق عبر مواقف الحياة الكثيرة وما ينجم عنه من ثمار لا شبيه لها. حين تتزوج من تحب، ثم تسعى معه لإنجاب ذرية، فسوف تكون هذه الثمار عاملًا مهمًا لتوطيد علاقتكما. وأنّى نظرت إلى هذه الذرية يمكنك أن تشاهد محبوبك فيها.
نريد الحب الذي لا يزول والذي لا تخمد شعلته، وذلك بعد أن اختبرنا فيه أجمل لحظات الحياة وأشدها فرادة وعمقًا. هذا أمر طبيعي لا يُلام صاحبه عليه. وإنّما يُلام من لم يسمح لنسائم الحب أن تداعب قلبه، وإنما يُعاتب من جرّب ذلك ثم فرّط به وأضاعه.. كثيرون يفقدون هذا المعنى الرائع بعد مرور الزمن، دون أن يعرفوا لماذا حدث ذلك.
لأننا سنرى الاختلافات والمفارقات فيما بيننا منذ لحظات الحب الأولى، وسواء تغاضينا عنها أو لا، فإننا في أعماقنا سنبحث عن كل سبب يمكن أن يحفظ حبنا إلى الأبد وينجينا من تلك الخسارة المرّة. ولذلك نشرع في رحلة البحث والتحقيق للتأكد من أنّ ما سنجاهد ونضحي من أجله كان حقيقيًّا لا مجرد نزوة عابرة.
في رحلة التحقيق هذه، كثيرون لا يجيدون الأسلوب الصحيح ولا يعرفون طريقه. إنّ التشكيك المستمر قد يكون قاتلًا، لكنّه عند هؤلاء صار الوسيلة الوحيدة للتأكد. وفي الواقع، إنّ ما نبحث عنه هو شيء أعمق بكثير ممّا نتخيل. وما لم نعرف ما هو، كيف يمكن لنا أن نتحقق منه؟!
لجأ البشر على مدى القرون إلى استكشاف علائم الحب في المظاهر والسلوكيات. ولهذا يظن معظم الذكور أنّ الحب سيكون في المرأة الجميلة، مع أنّهم يختلفون في تحديد الجمال اختلافًا كبيرًا؛ لا فيما بينهم فحسب، بل بالنسبة للشخص نفسه. لا يعرف هذا الشاب لماذا يرى الحب في المرأة السمراء الممشوقة، لكنّه يظن كثيرًا بأنه سيجده عندها! ولا تعرف المرأة لماذا ترى الحب في الرجل الطويل الشامخ، لكنها تظن ظنًا كبيرًا بأنها ستدركه فيه!
حين يرتقي وعينا، نسخر من هذه العلائم ونعتبرها طفولية، أو نقول ربما كانت ملاحظاتنا هذه راجعة إلى تجارب مبكرة ربطت بين هذا الشيء الجميل الذي نعبر عنه بالحب، وبين صاحب هذا المظهر المحدد. إذا كنت قد شاهدت الإحسان والعطف في لحظة حرجة من صاحبة العيون الصغيرة، فسوف ينتقش هذا المظهر في قاع نفسك كجمالٍ ثابت لا بديل عنه. وحين تكبر ويصبح البحث عن الحب في الجنس الآخر مطلوبًا، لن تبحث إلا عن امرأة تشاكل تلك الفتاة الأولى. وإذا كنتِ قد علمتي أنّ طول القد علامة على الرجولة الممتزجة بالمروءة والنخوة، فسوف يكون محبوبك المنشود من بين أولئك الذين يتجاوز طولهم المعدل العام. بعد ذلك، قد نكتشف أن كل هذه الأمور كانت نسبيةً او طفولية ساذجة لأبعد الحدود!
هنا سنبدأ بالبحث عن علائم تمنحنا الثقة والطمأنينة. هل هي هذه السلوكيات أم تلك؟ ونتساءل عمّا يدل من الأفعال على أنّه حب فعلًا. ولأن الحياة لن تكون رحلة مريحة وهادئة، فسوف تتعارض السلوكيات والأفعال وتتناقض. فكم من موقفٍ يتطلب سلوكًا مغايرًا لقواعد الحب التي رسمناها أو ورثناها من عرف هنا أو هناك. وما كان سببًا لطمأنينتنا ذات يوم، قد يصبح مبعث شك وريبة في يومٍ آخر.. كل ذلك لأننا نريد الوصول إلى ذلك الحب الواقعي الأبدي الذي لم نعرف حقيقته بعد.
في بحثنا عن هذا الحب، نرفض بقوة كل فعل غير أصيل.. إن كان الطرف الآخر يقدم لنا باقة الورد الجميلة لأنّ صديقه لفت نظره، ستذبل تلك الأزهار في أعيننا في اللحظة التي نكتشف فيها ذلك. نريد من الأفعال أن تكون مظهرًا وتعبيرًا صادقًا وحقيقيًا عن ذلك الحب الواقعي. كل فعل يأتي عن تفكر أو تصنّع أو تمرّن لا قيمة له بالنسبة لنا في قاموس الحب، لأنّه لا يحكي عن ذلك التجلي. فالعلاقة والنسبة بين المتجلي والتجلي لا شبيه لها من حيث الصدق والقوة والارتباط.
في القصص والروايات التي طرحت العلاقة بين البشر والآلة نتوقف عند هذه القضية بالذات. مهما كانت الآلة شبيهة بالإنسان في مظهره وأفعاله وتعبيراته، نرفض بقوة أن تكون قادرة على الحب. حتى الآلة التي تمتلك ذلك الذكاء الصناعي الذي يمنحها قدرات تعبيرية تتفوق فيها على أعظم الأدباء وشعراء العشق، كما في فيلم "لها" أو المسلسل التلفزيوني "أنا لست آلة"، يبقى شيء يحيرنا جميعًا، وهو أننا لماذا نصر على رفض هذا الحب الذي يصدر مبرمجًا رغم عمقه.
في فيلم "لها" تصبح تلك الآلة وبسبب برمجتها على التعلّم الآلي قادرة على استيعاب كل التراث البشري المتعلق بالعشق. وفي مسلسل "أنا لست آلة"، تجيد الآلة ـ التي يُفترض أنها على شكل فتاة جميلة تمامًا ـ كل ما يحتاج إليه الطرف الآخر في علاقة الحب. لكن شيئًا أساسيًا سيبقى ناقصًا ولا يمكن التعويض عنه أبدًا، وهو أنّ هذا الحب المبرمج لن يكون صادقًا.. أجل ستقوم هذه الآلة بكل ما يُتوقع من المعشوق، من حيث الشكل المرتجى وتعابير الوجه ونبرات الصوت ولحن القول والكلام العذب والأفعال الجميلة والاهتمام والرعاية والحنان؛ لكن، وبمجرد أن نكتشف أنها آلة مبرمجة، سنشعر مباشرةً أنّ كل هذه التعابير ليست تجليات الحب الذي نبحث عنه.
لماذا يكون الإنسان قادرًا على الحب، في حين ستعجز الآلات التي قد تتفوق على هذا الانسان في المظهر وفي التعبير.
ليس مستحيلًا أن تصل الآلات المبرمجة على هذا النوع من الذكاء إلى مستويات من التعبير العاطفي لا يتوفر عند الأغلبية الساحقة من البشر؛ ومع ذلك، سنرفض حبها لأنه بكل بساطة ليس صادقًا أو واقعيًا. ألم نكن منذ قليل نبحث في الحب عن العطف والرعاية والاهتمام والكلام العذب؟ ها قد توفر ما نبحث عنه بأعلى مستوياته في هذه الآلة. فالأمر ليس مستحيلًا نظريًا ولا حتى بعيدًا تقنيًا. التعلم الآلي ليس خدعة. إنه رمز العصر الآتي. سنكون على موعد مع هذا النوع من الآلات التي نتحدث معها لساعات وساعات حول المشاعر والأحاسيس، وسوف تبادلنا أجمل التعابير. ولن يكون صوتها نشازًا، بل ربما تختار أكثر الأصوات لطفا وحنانًا كما حاول مخرج فيلم "لها" أن يفعل. ولكن سيبقى الأمر بالنسبة لنا غير مقبول بتاتًا. إنّ الحب الواقعي شيء لا يمكن أن يكون مبرمجًا. فما الذي تعنيه هذه الكلمة بالتحديد؟
في العصر الأول للبرمجة، كان بإمكان أي واحد يتمتع بدرجة عادية من الذكاء أن يكتشف أنّ هناك شخصًا آخر وراء هذا الناتج من البرمجة، سواء كان حل مسألة حسابية أو تعبيرًا بلاغيًّا؛ ليس بسبب ذاك الصوت الغريب الذي كان يصدر من تلك الآلة فحسب ـ والذي كان وللمفارقة صوت إنسان يتصور أنّ الآلات تنطق بهذه الطريقة، بل لأنّ ما يصدر من تلك الآلة كان متوقعًا. وفي الغد، حين سيكون في هذه الآلة ما لا يُحصى من الخيارات، سنرفض أيضًا أن يكون ما يصدر منها هو الحب، وذلك حين نعلم أنّه مبرمج. لأن كل مبرمَج مهما كانت خياراته كثيرة وغير قابلة للإحصاء، فهو بالنسبة لنا محدود ومحصور.
إنّ سر رفضنا لحب الآلة لنا هو أنّ أفعالها وتعبيراتها ناشئة من مصدرٍ محدود، وإن لم يكن بمقدورنا أن نحصيه أو نحيط به. فمجرد أن نعرف أنّ كل هذه التعابير نابعة من مصدرٍ محدود، حتى يتلاشى شغف الحب فينا؛ بل يمكن أن نمقت هذا الحب الآلي ونرفضه بشدة. ففي الحقيقة، إنّ ما نريده من وراء الحب هو ذلك المصدر اللامتناهي الذي لا يمكن لنا أن نتصور أنّه محدود. هذا أصدق وأعمق تعبير عن الحب المنشود وإن لم نعرف ذلك ولم نلتفت إليه.
إنّ توقنا إلى الحب أعمق من أفكارنا وتصوراتنا وخيالاتنا! هو شيء لم نتعلمه ولم نكتسبه ولم نخطط له. فإذا كان حيًا فينا لأي سبب، فنحن متصلون من أعماقنا بذلك المصدر اللامتناهي لأمر نعبّر عنه في تراثنا الإسلامي بالمشيئة المطلقة. وحين نبحث عن صاحب المشيئة المطلقة ومصدرها، فلن يطول الأمر بنا حتى ندرك أنّه الإله الذي لا يشاكلنا نحن البشر في شيء؛ إلا أنّ هذا الإله أراد أن يبث فينا من روحه حتى نتصل به ونرجع إليه مهما كانت أفكارنا واعتقاداتنا وتصوراتنا.
فليس الحب سوى مظهر روح الله الذي نُفخ فينا، فجعلنا خلقًا مختلفين عن كل الخلائق. وفي الحقيقة، الإنسان لا يحب سوى هذا الإله الذي تجلى بالحب في الإنسان. وحين ندرك هذه الحقيقة، قد نتمكن من الوصول إلى هذا الحب.

الزواج في مدرسة الإيمان
ما هو الحب؟ وما هو الزواج؟ وهل الحب شرط لنجاح الزواج؟ هذا ما يجيب عنه هذا الكتاب بالإضافة إلى العديد من الأسئلة الأخرى التي تفرضها الحياة في عصر الإنترنت. فلننظر إلى الزواج قبل اشتعال نيران العشق وقبل انطفاء شعلة الحب. الزواج في مدرسة الإيمان الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب:17*17غلاف ورقي: 264 صفحةالطبعة الأولى، 2016مللحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

كيف نفسر الحب من طرف واحد؟
في الحديث أنّ رَجُلًا يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) فَقَالَ: "الرَّجُلُ يَقُولُ أَوَدُّكَ، فَكَيْفَ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَوَدُّنِي؟ فَقَالَ: امْتَحِنْ قَلْبَكَ فَإِنْ كُنْتَ تَوَدُّهُ فَإِنَّهُ يَوَدُّكَ". ولكن كيف نفسر الحب من طرف واحد؟

التجربة تبين أن الإيمان والتوافق لا يولد الحب، فما الحل؟
المؤمن عندما يقدم على الزواج فإن خياره يكون وفق معايير ايمانية، ولكن بالتجربة قد تبين أنّ الايمان والتوافق بين الزوجين قد لا يولد حبًا متبادلًا، وفي هذه الحالة قد يكون الحب من طرف واحد، أو جفاف عاطفي من الطرفين.السؤال: كيف يمكن العلاج في مثل هذه الحالة، بأن يدرك أحد الزوجين او كلاهما أن حياته الزوجية مستقرة وناجحة لكن ينقصها الحب، سواء كان الجفاف العاطفي من الطرفين ام كان الطرف الآخر يحبه ويغدق عليه بالعطف والحنان والود، الا انه لا يتأثر بهذه المشاعر بل قد ينزعج منها احيانا؟

الحب في زمن المراهقة
من الأفضل أن نقول: كيف يؤدّي الحب في المرحلة العمرية الشبابية الأولى إلى المراهقة، أي إلى إرهاق الشباب بمتاعب وأعباء تفوق قدراتهم في العادة؟بالنسبة لنا كأهل وأولياء أمور إنّ همّنا الأكبر هو تجنيب أبنائنا هذا النوع من الإرهاق الذي يؤثّر سلبًا على الكثير من أنشطتهم التكاملية كالدراسة والعبادة واكتساب المهارات وغيرها. ولكن ما ينبغي الالتفات إليه هو أنّ تصعيد الاحتكاك السلبي بيننا وبين أبنائنا بخصوص هذه القضية لا يُنتج شيئًا مفيدًا.

حين يحدّد الحبّ حقيقتنا
لا شيء يحرّر الإنسان مثل الحقيقة. لكن جميع حقائق العالم لا قيمة لها إن لم يعرف المرء حقيقة نفسه. وإنّما يبتعد الإنسان عن هذه الحقيقة حين يغفل عن نفسه.. لهذا قيل أنّ اليقظة والانتباه هما مفتاح معرفة النفس.

حول لعنة الحب في سنّ المراهقة... كيف نتعامل مع هذه التجربة الحسّاسة؟
للحب روعته ولذّته التي لا تضاهيها لذّة؛ فهو أجمل ما يمكن أن يحدث للإنسان في هذه الحياة. بل إنّ الحياة بدون حبّ لا تساوي شيئًا. ولو قيل أنّ الله خلقنا للحب، لما كان في هذا الكلام أي مبالغة! ولكن لماذا نجد الكثير من البشر يعانون في الحب؟ وكيف يمكن أن نجنّب أبناءنا تجربة الحبّ المرّة في سنّ المراهقة؟

الحب في زمن المراهقة
من الأفضل أن نقول: كيف يؤدّي الحب في المرحلة العمرية الشبابية الأولى إلى المراهقة، أي إلى إرهاق الشباب بمتاعب وأعباء تفوق قدراتهم في العادة؟بالنسبة لنا كأهل وأولياء أمور إنّ همّنا الأكبر هو تجنيب أبنائنا هذا النوع من الإرهاق الذي يؤثّر سلبًا على الكثير من أنشطتهم التكاملية كالدراسة والعبادة واكتساب المهارات وغيرها. ولكن ما ينبغي الالتفات إليه هو أنّ تصعيد الاحتكاك السلبي بيننا وبين أبنائنا بخصوص هذه القضية لا يُنتج شيئًا مفيدًا.

إلى أين يذهب الحب حين يموت؟
إلى أين يذهب الحبّ حين يموت؟ أظنّ أنّه سؤالٌ مشروعٌ خاصّة بالنسبة لنا نحن الذين نؤمن بالحياة بعد الموت وبالجنّة والنار. لكن هل أنّ الحبّ كائنٌ حي حتى نتساءل عن مصيرٍ غير عدميّ له؟

لماذا يحب أن نتدرّج في الحب؟
ما هي الحقيقة التي تختفي وراء هذه النصيحة ؟هل شعرت أنها اتّضحت من وراء كلام السيد عباس نورالدين؟

كيف نصل إلى الحب الحقيقي؟
ما هي المقدمات للوصول إلى الحب الحقيقي؟ ثلاث خطوات يشرحها السيد عباس نورالدين
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...