
الدين كقضية أساسية في المناهج التعليمية
مبادئ ومنطلقات
السيد عباس نورالدين
للمعارف المرتبطة بالأديان والمذاهب وخصوصًا الإسلام ميزة مهمة لا يمكن أن نجدها في أي مجال معرفي آخر مهما كان واسعًا؛ ويمكن أن نجعل من هذه الميزة نقطة تفوّق نوعي في شخصية المتعلم، الأمر الذي يرفع من شأنه ومن دوره وموقعيته في المجتمع.
إنّ القدرة التي تمنحها العلوم المختلفة، مهما بلغت، لا يمكن أن ترقى إلى قدرة المعارف الدينية (وهذا بمعزل عن الحق والباطل). فالمهندسون والمخترعون والأطباء والتجار ورجال الأعمال لا يمكن أن يكون لهم من القدرة والتأثير في المجتمع كما يكون لمن يمتلك المعارف المرتبطة بحياة الإنسان ومصيره وسلوكه وروحه وتاريخه ومستقبله ونمط عيشه. ولو التفتت المناهج التعليمية في مدارسنا إلى هذه القضية وجعلتها محورًا أساسيًّا في التعليم لشهدنا عمّا قريب هذا التفوّق الذي نطمح إليه.
إنّ إعداد الطالب ليكون مهندسًا أو طبيبًا، وبعبارةٍ أخرى للنجاح في الدخول إلى الجامعات "الراقية" قد سيطر على عقلية المدارس اللبنانية؛ وحتى تعليم اللغات قد أصبح في خدمة هذا الهدف بالذات. وبمعزل عن سطحية هذه الذهنية وسذاجتها، فإنّ التأمّل في المعارف التي يحصل عليها الإنسان من وراء دراسة تراث الأديان لا يمكن أن يضاهيها أي نوع من المعارف الموجودة في أي علم أو مادة تعليمية.
الطالب الذي يتمكّن من تفسير أعقد وأعمق مظاهر الحياة البشرية ويتمكن من تقديم الأجوبة عن الأسئلة التي تقض مضاجع الشباب، ويحلل التاريخ البشري وحوادثه الكبرى انطلاقًا من الرؤية الكونية لهو أكثر نفوذًا وسلطةً وتأثيرًا من أي طالب آخر يمتلك القدرة البدنية للفوز في مباريات النخبة أو زميل يمتلك مهارات الوصول إلى المستوى العاشر في لعبة إلكترونية.
إنّ إهمال هذا العنصر المعرفي وتسطيح الدراسات الدينية والتراجع فيها لحساب العلوم الأخرى لهو من أكبر مواقف الحماقة في أي منهج تعليمي. وقد آن الأوان للوقوف والتأمل في معادلة التأثير والقدرة والنفوذ الاجتماعي إذا كنا حقًا بصدد بناء وإعداد الإنسان الذي يقود البلاد والعباد.
وأغلب الظن أنّ واضعي المناهج المدرسية، بالإضافة إلى تبعيتهم العمياء لغيرهم، كانوا جاهلين بالمحتوى الفائق الثراء للمعارف الدينية؛ في الوقت الذي كان مفكرو الإسلام على وجه الخصوص منغمسين في جدالاتهم وكتاباتهم البعيدة كل البعد عن التبسيط والتسييل والتعليم العام.
ورغم أنّ هناك جهودًا مباركة حصلت وتحصل يوميًّا في شتى المجالات المعرفية الدينية من أجل مخاطبة الشباب والأحداث وحتى الأطفال، إلا إنّ هذه الجهود ستتكلل بالنجاح حين يحصل التواصل الفعال بين معدي المناهج من جهة ومفكري الإسلام الكبار من جهةٍ أخرى؛ وخصوصًا إذا أصبح هذا الارتباط عضويًّا ينطلق من إدراكٍ عميق لأهمية التعليم الديني المدرسي عند الفريقين؛ فكيف إذا انخرط الفريق الثاني بعملية إعداد المناهج كمهمة أساسية ملقاة على عاتقه؟!
إنّ إبداع المناهج ليس أمرًا سهلًا بتاتًا، وإبداع المناهج الدينية هو الأصعب، لا لأنّ المعارف الدينية مجردة غير حسية، ولا لأنّها تفتقد إلى الجاذبية والجمال، ولا لأنّها بعيدة عن الواقع، بل لأنّها تجربة جديدة ينقصها الكثير من التراث والأدبيات المتناسبة مع عملية صياغة المنهاج التعليمي المدرسي. فحين نبحث عن أدبيات الإسلام المرتبطة بالحرية الاجتماعية (التي تُعد من أعظم القيم الدينية) فسوف نجد صعوبة بالغة بالوصول إلى الكتابات التي يمكن أن نقتبس منها نصوصًا وبرامج وتمارين وتطبيقات تتنزل وتتصاعد عبر المراحل العمرية المختلفة. وهذا ما ينطبق على معظم القيم الدينية وإن كان يختلف بين واحدة وأخرى بحسب اهتمامات علماء الإسلام وإسهاماتهم.
ولئن دل هذا على شيء فإنّه يدل على ضرورة انطلاق عجلة الكتابة العلمية بروح جمالية أدبية تقترب من واقع الإنسان وعيشه ومشاعره وأحاسيسه بالإضافة إلى فكره وعقله، وتعالج تحديات الحياة الكبرى ومستقبل العالم. وهذا ما يتطلّب ذاك التواصل الذي أشرنا إليه؛ حيث يمكن أن يتولد عنه ثقافة وسيطة تلهم معدّي البرامج والمناهج ليقدموا أروع وأقوى المواد والمضامين التعليمية الجذابة.
إنّ التواصل المعنوي والمعرفي والعملي بين المتعلمين والعلماء وأصحاب الفكر، الذين كان لهم الدور الأول في إظهار حقائق الدين وكنوزه ومعارفه، ينبغي أن يكون على رأس أولويات المناهج التعليمية؛ فالاكتفاء بذكر المعارف خيانةً لهذه القضية، والاكتفاء بذكر الماضين من العلماء الموتى بحجة أنّهم لن يضلوا بعدها أبدًا هو خيانة أخرى. فما قيمة المعارف إن لم تولد ذاك الإحساس بالانتماء والاشتراك والتعاضد والتكاتف حول قضايا الحياة؟ وما هي قيمة أن يعرف كل واحد منا ما يعرف من أجمل المعارف إن لم يكتشف روادها وصانعوها الذين يمكن أن يكون لهم قصب السبق في قيادة المجتمع وهدايته وتوجيهه نحو أهداف تلك المعارف؟
ارتكب معدّو المناهج الدينية خطأً قاتلًا حين أصروا على تقديم المعرفة بعيدًا عن الواقع وأصروا على هذا الخطأ حين أوحوا للطلاب أنّ هذه المعارف ليست سوى شؤون الموتى الذين ليس لهم أي حضور في حياتهم اليوم. ولو قيل إنّ الهدف الأول من دراسة شتى القضايا الدينية هو إيجاد هذه الرابطة المعنوية والعلمية وحتى القيادية بين الطالب والعالم لما كان في هذا الكلام أي خطأ.
إنّ انبعاث المعارف الدينية وتفتّحها في الصدور لا يكون إلا بالتواصل مع العلماء الربانيين وأتباعهم المخلصين الذين يسعون لإقامة الدين في الحياة وتطبيق تعاليمه، وينبغي أن تركز المناهج على هذا البعد التطبيقي من أجل رص صفوف جبهة الحق ومعسكر الإصلاح الاجتماعي. فالإسلام رسالة تغيير النفوس الذي يؤدي إلى تغيير كل الظروف والأوضاع.
ولا ننسَ أنّ الدين كان دومًا محور الصراعات والتفاعلات الاجتماعية سواء نجح أهل الحق في تثبيت حقائقه أو تمكن أهل الباطل من حرفه وتجييره. ومن الخطأ أن يظهر العالم للطالب على أنّه تطور ناشئ من تحولات تكنولوجية أو من صراعات سلطوية. وفي الحد الأدنى، كان الإسلام هو الفاعل المحرك لكل أحداث العالم منذ ألف وأربعمئة سنة وإلى يومنا هذا، وقد دارت حوله كل التحولات الفكرية والفلسفية والأدبية والسياسية والاجتماعية وحتى السيانسية (سيانتفيك)، فإذا استطاع المنهاج التعليمي أن يبين هذه الحقيقة بكل أبعادها وتفاصيلها على مدى التاريخ، فسوف يتمكن من ترسيخ محورية القضية الدينية في ذهنية الطالب في الوقت الذي تعمل كل مدارس ومناهج اليوم على تخريج الطالب اللامبالي العلماني البعيد عن وقائع الحياة.
كم هو مؤسفٌ أيضًا ومخزٍ أن تكون مناهج تعليم الدين بعيدة عما يجري في مراكز إنتاج الفكر والمعارف الدينية والتي تعيش الكثير من هواجس تغيير المجتمع وإصلاحه؛ فيتخرج الطالب وهو يتطلع إلى نماذج علمانية لقيادة المجتمع والتخطيط له. فالاطّلاع على هذه البيئة العلمية الغنية الناشطة من شأنه أن يقدم للطالب زوايا جديدة للنظر إلى العالم ومستقبله. وكما أنّ اطّلاع التلميذ على كيفية عمل الكيميائي أو البيولوجي في مختبره وتمكينه من القيام ببعض التجارب المخبرية وإتقان مهارات الاستقراء والاستنتاج يساعده بل يشجعه على الانخراط أكثر في هذه الأنشطة البحثية، كذلك فإنّ اطّلاع تلامذة المدارس على بيئات استنباط أحكام الدين وشريعته وبرامجه سيكون له أكبر الأثر في التشجيع على المشاركة الفاعلة فيها والاستعداد لها بأسرع ما يمكن.
إنّ دراسة الدين لا تكتمل إلا بالاطّلاع الصحيح على الأديان المختلفة ودراسة مدى تأثيرها الإيجابي والسلبي على أتباعها على صعيد إدارة المجتمع وتحقيق الازدهار والسعادة، وكذلك النظرة إلى الشعوب الأخرى وتشكيل العصبيات والانتماءات وأرضيات التلاقي والتواصل والتعارف. ونقصد بالاطّلاع الصحيح اعتماد المصادر الأساسية لتلك الأديان والأخذ عن رؤسائها وممثليها الواقعيين وتجنب دراسة وتدريس أديان الآخرين انطلاقًا من تحليلاتنا ودراستنا مهما كانت. فهذه الشجاعة الفكرية هي التي تؤسس للإيمان العميق مثلما أنّها ثمرة طيبة له. وكلما تجنبنا معرفة الآخر كما ينبغي فسوف تكون معرفته لاحقًا عاملًا لاتّهام ما لدينا؛ فالخائف وإن كان محقًّا سيكون على باطل؛ لأنّ الحرية الفكرية والشجاعة في مواجهة فكر الآخر هي الدليل الأول على الحق والحقانية. كما قال تعالى لنبيه الأكرم صلى الله عليه وآله: {قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدًى أَوْ في ضَلالٍ مُبينٍ}.[1]
يجب أن يتم تدريس الأديان والمذاهب المختلفة وفق هذا المبدأ وانطلاقًا من البحث عن المشتركات التي هي الغالبة، حتى في ما لا نراه دينًا سماويًّا. فهيمنة القرآن أتت بعد الاعتراف بالتوراة والإنجيل ككتابين سماويين رغم وقوع التحريفات الكثيرة فيهما؛ لأنّ الاعتراف مقدمة التلاقي وفي ظل التلاقي تظهر الهيمنة الواضحة للقرآن الكريم. فإذا كنا نناقش قضية الحرية الاجتماعية في الديانات المختلفة ورغم النقص الفادح في أدبياتنا بهذا الخصوص لكنّنا سرعان ما سنكتشف عظمة وعمق وشمولية الإسلام في تناوله وعرضه وبرنامجه لتحقيق الحرية وترسيخها.
[1]. سورة سبأ، الآية 24.

المدرسة النموذجية
إنّ القوّة الأساسيّة للمدرسة النموذجيّة تكمن في برامجها ومناهجها التي تتميّز بقدرتها على تقديم المعارف والمهارات بأحدث الطرق وأسهلها، وتعتصر كل التراث العظيم للبشريّة وتتّصل بكامل التّراث الاسلامي وتقدّمه لطلّابها عبر السنوات الدراسيّة كأحد أعظم الكنوز المعرفيّة. وهكذا يتخرّج طلّابنا وهم متّصلون بهذا البحر العظيم لكلّ الإنجازات الحضاريّة في العالم كلّه ويمتلكون القدرة التحليليّة اللازمة لتمييز الخير من الشرّ في جميع أنحائه. المدرسة النموذجيّة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 140 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$

روح المجتمع
كتابٌ يُعدّ موسوعة شاملة ومرجعًا مهمًّا جدًّا يمتاز بالعمق والأصالة لكلّ من يحمل همّ تغيير المجتمع والسير به قدمًا نحو التكامل، يحدد للقارئ الأطر والأهداف والسياسات والمسؤوليات والأولويّات والغايات المرحليّة والنهائيّة في كلّ مجال من المجالات التي يمكن أن تشكّل عنصرًا فعّالًا في حركة التغيير، على ضوء كلمات قائد الثورة الإسلاميّة المعظّم روح المجتمع الكاتب: الإمام الخامنئي/ السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19*25غلاف كرتوني: 932 صفحةالطبعة الأولى، 2017م ISBN: 978-614-474-020-0 سعر النسخة الملوّنة: 100$سعر النسخة (أبيض وأسود): 34$ للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراءه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

المدرسة الإسلامية
يعرض لأخطر المشاكل وأهم القضايا حول أوضاع المدارس الحالية، التي تبنت المناهج الغربية، وذلك بالطبع بحثًا عن المدرسة المطلوبة التي تنسجم مع حاجات المجتمع وثقافته. كل ذلك من أجل بعث حركة فكرية جادة بين المهتمين بالتعليم عن طريق بناء الرؤية الشاملة للتربية التعليمية في الإسلام. المدرسة الإسلاميّة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 232 صفحةالطبعة الأولى، 2014مالسعر: 10$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

ثورة التربية والتعليم
يتطرّق الكتاب الرابع في سلسلة الأطروحة التربوية التعليمية التي يقدمها السيد عباس نورالدين إلى أهم القضايا التي تواجه أي ثورة حقيقية تريد إعادة إنتاج التربية التعليمية وفق استحقاقات العصر ومتطلّبات الزمان وبما يتناسب مع التحدّيات التي يعيشها مجتمعنا.الثورة التي يدعو إليها الكاتب تطال جميع مفاصل التربية التعليمية من رؤى ومناهج وقيم وحتى تلك التفاصيل التي تعني كل عامل أو مهتم بهذا المجال المصيري. ثورة التربية والتعليم الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 216 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-033-0 السعر: 12$

روح التربية
الإنسان لا يأتي إلى الدنيا فاسدًا. في البداية يأتي إلى الدنيا بفطرة جيّدة وهي الفطرة الإلهية "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَة"، وهذه هي الفطرة الإنسانية فطرة الصراط المستقيم والإسلام والتوحيد. أنواع التربية هي التي تفتح هذه الفطرة أو تسد الطريق على الفطرة. التربية هي التي يمكن أن توصل المجتمع إلى كماله المنشود، وهي التي تجعل البلاد إنسانية نموذجية كما يريدها الإسلام روح التربية الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 192 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$

حول أسلمة العلوم الطبيعية أو التطبيقية.. مبادئ أساسية لبناء المناهج
لا ينظر المؤمنون بالإسلام وقيمه إلى الحركة العلمية الغربية بارتياح عمومًا، ومنها ما يرتبط بالعلوم التي تمحورت حول دراسة الكون والطبيعة والإنسان؛ هذه العلوم التي عبّرت عن نفسها بمجموعة من الاختصاصات والفروع، وظهرت بنتاج هائل استوعب جهدًا كبيرًا للبشرية، فأصبح بسبب ضخامته وحضوره مدرسة عامة يتبنّاها العالم كلّه. فالمنهج الغربيّ في التعامل مع الطبيعة والكون والإنسان هو المنهج المعتمد اليوم في كل بلاد العالم دون استثناء. إلا إنّ المؤمنين بالإسلام متوجّسون من حركة الغرب عمومًا، لا سيّما حين ينظرون إلى نتائج هذه العلوم على مستوى علاقة الإنسان بربّه. لقد أضحت هذه العلوم علمانية بالكامل، ليس أنّها لا ترتبط باكتشاف مظاهر حضور الله وعظمته وتدبيره وربوبيته فحسب، بل أصبحت سببًا لحصول قطيعة بين الإنسان وخالقه؛ في حين أنّ هذه العلاقة هي أساس سعادة الإنسان وكماله. أضف إلى ذلك، الآثار الهدّامة المشهودة لهذه العلوم على مستوى التطبيق والتكنولوجيا.من هنا، فإنّنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، والعمل على تأسيس مقاربة أدق وأوسع وأشمل تجاه الكون والإنسان والوجود تنطلق من فهم فلسفة الوجود وغايته، فتكون عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف الكبرى.

كيف تصنع المناهج هم تهذيب النفس؟ إطلالة معمقة على دور المدرسة في التربية
يمكن للتعليم المدرسي أن يساهم مساهمة كبرى في توجيه المتعلم نحو أحد أكبر قضايا الحياة وأهمها وأكثرها تأثيرًا على حياته ومصيره، ألا وهي قضية تهذيب النفس والسير التكاملي إلى الله. ولا نقصد من التعليم المدرسي تلك البيئة الفيزيائية المتعارفة، التي يمكن أن تكون معارضة تمامًا لهذا النوع من التربية والتأثير، وإنّما المقصود هو المناهج التعليمية التي يمكن صياغتها وتطويرها بحيث تصبح قادرة على جعل قضية التكامل المعنوي الجوهري همًّا واهتمامًا أساسيًّا، يعيشه المتعلم ويمارسه في هذه المرحلة العمرية الحساسة.

المجتمع والتاريخ محورًا في التعليم .. في المقاربات والمناهج والأهداف
للمجتمع في حركته دورٌ كبير في تكوين شخصية الإنسان وتحديد مصيره، فضلًا عن كونه من أبلغ الآيات الدالات على صفات الرب المتعال وحضوره. وكلما استطعنا ترسيخ هذه النظرة وتعميقها أصبح الإنسان أكثر تفاعلًا مع إحدى أهم سبل الوصول إلى كماله. وباختصار، يجب أن تأخذ المناهج التعليمية على عاتقها مهمة أساسية تتجلى في إيصال الإنسان إلى أعلى درجات التفاعل الإيجابي مع مجتمعه والمجتمعات البشرية قاطبة.

أفضل مناهج دراسة الطبيعة، لماذا يجب أن نعيد النظر في تعليم هذه المواد؟
عرفت البشرية طوال تاريخها المديد منهجين أساسيين لدراسة الطبيعة. وقد انتصر ثم هيمن أحد هذين المنهجين بعد صراع لم يدم طويلًا. كان الأول يعتمد على فلسفة البحث من خلال طرح الأسئلة المرتبطة بالموقعية الوجودية لأي كائن أو عنصر طبيعي والبحث عن سر وجوده وعلاقته بغيره.

كيف تتغلب المدرسة على العقبة الأولى أمام بناء المجتمع؟ لماذا تعزز مناهج اليوم النزعات الفردية وفرار الأدمغة
بالنسبة لأي مجتمع في العالم، لا يوجد ما هو أسوأ من تضييع الطاقات الشابة الخلاقة والفعالة التي يحتاج إليها للتقدم والازدهار وحتى البقاء.. شباب اليوم هم مدراء البلد والمسؤولون عن تقرير مصيره، والفارق الزمني الذي يفصل بينهما لا شيء مقارنة بعمر الأوطان؛ لهذا، فإنّ أي مجتمع سرعان ما سيلحظ الخسارة الكبرى من تضييع الطاقات الشابة.

التعليم لأجل صناعة أبناء الآخرة.. أين هي القضية الأولى في المناهج؟
إن أردنا أن ننسجم مع رؤيتنا الكونية للوجود والمصير، ينبغي أن يكون للحياة الآخرة حضور أقوى في المناهج المدرسية، يتناسب إلى حدٍّ ما مع محوريتها وأولويتها. فكيف يمكن أن نعد الطالب المدرسي ليكون من أبناء الآخرة بدل أن يكون من أبناء الدنيا امتثالًا لقول أمير المؤمنين عليه السلام؟ المبدأ الأول الذي ينبغي أن تُبنى عليه مناهج التعليم هو ضرورة إعداد المتعلّم للتعامل مع قضايا الحياة الأساسية بما يتناسب مع أهميتها وتأثيرها ودورها في حياته. ولا شك بأنّ الحياة الآخرة هي القضية الأولى

حول أسلمة العلوم التطبيقية والطبيعية... مبادئ أساسية لإعداد المناهج
لا ينظر المؤمنون بالإسلام وقيمه إلى الحركة العلمية الغربية بارتياح عمومًا، ومنها ما يرتبط بالعلوم التي تمحورت حول دراسة الكون والطبيعة والإنسان؛ هذه العلوم التي عبّرت عن نفسها بمجموعة من الاختصاصات والفروع، وظهرت بنتاج هائل استوعب جهدًا كبيرًا للبشرية، فأصبح بسبب ضخامته وحضوره مدرسة عامة يتبنّاها العالم كلّه. فالمنهج الغربيّ في التعامل مع الطبيعة والكون والإنسان هو المنهج المعتمد اليوم في كل بلاد العالم دون استثناء. إلا إنّ المؤمنين بالإسلام متوجّسون من حركة الغرب عمومًا، لا سيّما حين ينظرون إلى نتائج هذه العلوم على مستوى علاقة الإنسان بربّه. لقد أضحت هذه العلوم علمانية بالكامل، ليس أنّها لا ترتبط باكتشاف مظاهر حضور الله وعظمته وتدبيره وربوبيته فحسب، بل أصبحت سببًا لحصول قطيعة بين الإنسان وخالقه؛ في حين أنّ هذه العلاقة هي أساس سعادة الإنسان وكماله. أضف إلى ذلك، الآثار الهدّامة المشهودة لهذه العلوم على مستوى التطبيق والتكنولوجيا.من هنا، فإنّنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، والعمل على تأسيس مقاربة أدق وأوسع وأشمل تجاه الكون والإنسان والوجود تنطلق من فهم فلسفة الوجود وغايته، فتكون عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف الكبرى.

هل يصح تدريس العلوم الطبيعية بمناهجها الحالية؟ وما هي الشروط التربوية لنجاح هذا التعليم؟
تعمد الأطروحة الجديدة للمدرسة النموذجية إلى إعادة النظر بشأن تعليم العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والأحياء وكذلك الرياضيات، وذلك بما يتناسب مع الرؤية المرتبطة بدور العلم في الحياة البشرية. لقد تم التركيز على هذه العلوم في المناهج الغربية باعتبار الموقعية المركزية لعالم المادة والطبيعة في الحياة البشرية. ففي الفكر الغربي المادي يُعد تسخير الطبيعة وعناصرها أساس السعادة البشرية، وذلك باعتبار أنّ المنشأ الأساسي للقدرة هو المادة. وبحسب هذا الفكر، بالقدرة يتمكن البشر من الوصول إلى السعادة أو حلّ المشكلات المختلفة... في حين أنّه بحسب الرؤية الكونية الدينية، فإنّ القدرة الأساسية (أي قدرة التغيير والتأثير) إنّما تتجلى في إرادة البشر. وهذه الإرادة لا تظهر فقط بالسيطرة على عناصر الطبيعة، وإنّما تظهر في سلوكياتهم وتعاملهم فيما بينهم في الاجتماع والسياسة. كما أنّ مستوى القدرة يتحدد وفق طبيعة استخدام عناصر الطبيعة وآلياتها وبرامجها؛ ممّا يعني أنّ هذه القدرة الناشئة من تسخير مواد الطبيعة إنّما تتبع أهداف البشر ونواياهم وكيفية استعمالهم لهذه المواد، لا مجرد تسخيرها كيفما كان.لذا يجب قبل أي شيء العمل على بناء الرؤية السليمة المرتبطة بدور الانسان في تسخير عالم المادة، ومدى تأثير ذلك على سعادة البشرية أو شقائها، وتعريف المتعلم إلى كل عناصر القدرة التي يمكن أن يحقق من خلالها سعادته وسعادة مجتمعه.

المشروع الحضاري للتعليم العام.. كيف ننزل هذا المشروع في قالب المناهج المدرسية
السؤال الأساسي هنا هو أنّه كيف يمكن أن نجعل من المشروع الحضاري الكبير الذي نؤمن به منهاجًا دراسيًّا، بل محورًا أساسيًّا في التعليم العام، بحيث يمكن الوصول بالمتعلم إلى مستوى من الفهم والإيمان والتبني والمسؤولية تجاهه، حتى ينتقل إلى الحياة التخصصية والمهنية وقد جعل ذلك كله قائمًا عليه ومتوجهًا إليه.حين يتمكن المتعلم من رؤية الحياة كما هي في الحقيقة، لن ينخدع بعدها بهذه الظواهر: ناطحات السحاب، التكنولوجيا، الطائرات، العدد الكبير لسكان دولة، الدخل القومي الكبير.. فكل هذه المدنية وهذا العمران وهذه الآلات والأدوات لن تكون عاملًا يصرف ذهن هذا المتعلم عن حقيقة ما يجري، وسوف يجد نفسه منخرطًا بسهولة في المكان والموقف الحق الذي يعمل بصدق ووفاء على تحقيق صلاح البشرية والأرض.

كيف تكون الأرض مشروعًا تعليميًّا أساسيًّا؟ بدل التشرذم، تتضافر العلوم والمناهج
منذ أن حصل الطلاق بين العلوم التجريبية والفلسفة، والأرض تئن تحت وطأة التفلت العجيب في استخدام عناصرها ومكوّناتها بطريقة تنذر بكارثة وجودية. حين أصبح ما يُسمى اليوم بالعلم (أو الساينس) يمارَس لأجل "العلم" كما يُقال، فقد العمل البحثي في كل ما يتعلق بالأرض أي نوع من التوجه الهادف والمسؤول تجاه هذا الكوكب الذي يبدو أنّه الوحيد الحاضن للحياة.

المحور الأوّل للنّظام التعليميّ السّليم
من أهم القضايا التي تشغل بال أهل التربية والتعليم هي قضيّة العلم. لذا من أراد أن ينبي رؤية واضحة في التربية والتعليم يحتاج إلى تحديد موقفه من العلم.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...