
لماذا لا يقبل الله الأعمال إلا بالولاية
السيد عباس نورالدين
أعمال العباد تنقسم إلى قسمين: الصالح والطالح. والصالح منه ما هو مقبول عند الله، ومنه ما دون ذلك. ولا شك بأن قبول الله لأي عمل إنما يكون بحسب انسجامه مع إرادته. وإرادة الله عز وجل واحدة إجمالية، تتكثر وتصبح تفصيلية (كما يحصل حين يأمر الحاكم بالنهوض الاقتصادي فيترجم أمره إلى مشاريع كثيرة في مختلف الوزارات).
لكن كل كثرة وتفصيل في الإرادة الواحدة لا بد أن يرجع إليها ليحققها.. ولما كان وجود الإنسان على الأرض لغاية إصلاحها وعمارتها وتبديلها إلى أرضٍ مشرقة بنور ربّها، وكان هذا الهدف نابعًا من إرادة الله تعالى، فلا بد أن يتحقق. فينبع من ذلك إرادة تكوينية (والله غالب على أمره) وإرادة تشريعية. وفي عالم التشريع يجب أن تكون أعمال العباد تابعة لهذا الهدف متجهة نحوه، إن اقتربت منه وقربت إليه فهي منسجمة مع إرادة الله، وإلا فلا.
هذا ما نفهمه من روايات، صريحة ومشيرة، تناولت مسألة عدم قبول أعمال العاملين "الصالحة" التي هي بالظاهر كذلك. ففي بعض هذه الروايات نجد التأكيد على ضرورة دخول أي عامل وعابد من الباب الذي أمر الله به وإلا فلا قبول ولا رضى، فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: "إِنَّ حَبْرًا مِنْ أَحْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبَدَ اللَّهَ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْخِلَالِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ فِي زَمَانِهِ قُلْ لَهُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَجَبَرُوتِي لَوْ أَنَّكَ عَبَدْتَنِي حَتَّى تَذُوبَ كَمَا تَذُوبُ الْأَلْيَةُ فِي الْقِدْرِ مَا قَبِلْتُ مِنْكَ حَتَّى تَأْتِيَنِي مِنَ الْبَابِ الَّذِي أَمَرْتُك"؛[1] وفي بعضها تصريح بعدم قبول العمل مهما كان بظاهره موافقًا للشرع، لكونه لا يدخل فيما يريده الله. وأفضل جامع لهذا المعنى هو ما ورد في أحاديث أهل بيت العصمة حول شرطية تولي أولياء الله لقبول الأعمال.
وما نفهمه من هذه الأحاديث هو أنّ ذلك يرجع إلى أن أولياء الله هم محل ظهور إرادته تعالى. ولذلك كانت طاعتهم طاعة لله. وهذا كله غير قضية الإخلاص التي ترتبط بنية القربة، وإن كان الإخلاص دخيلًا في هداية العامل إلى إصابة التكليف.
باختصار، نحن بحاجة إلى تعميق فهمنا لمعنى العمل الصالح الذي يجعل العامل به متصفًا بالصلاح الواقعي؛ وهو مقام طلبه الأنبياء، وجُعل لبعضهم في الآخرة (التي تشير إلى آخر الزمان)، {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحين}.[2]
صحيح أن للفطرة وللعقل دورهما في تعيين الصلاح، وكذلك الشرع، لكن ينبغي أن نلتفت إلى أن هذا العقل نفسه يدلنا أيضًا على أنّ أي عمل صالح إن كان مؤداه فسادًا، فلا يكون صالحًا. كما هو الحال في الأعمال الخيرية التي توطّد سلطة الحكومات الجائرة. فهي بالظاهر تكون خدمة للمحرومين والبائسين، لكن نتاجها ـ ولا شك ـ سيكون عبارة عن كسب تأييد هؤلاء المحرومين ودعمهم لتلك السلطات التي ترعى، بل تحرك تلك الجمعيات الخيرية. ولعل هذا هو الشيء الذي كان يقصده الإمام الصادق عليه السلام حين قال: "أَيُّهَا النَّاسُ دِينَكُمْ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الْحَسَنَةِ فِي غَيْرِهِ وَإِنَّ السَّيِّئَةَ فِيهِ تُغْفَرُ وَإِنَّ الْحَسَنَةَ فِي غَيْرِهِ لَا تُقْبَلُ"،[3] مشيرًا إلى المذهب الحق.
ما نحتاجه هنا هو توسعة آفاق العقل في دراسته وتحليله للأعمال الصالحة وعدم حصره في أُطُرٍ ضيقة؛ حيث يُفترض أن يبدأ من تحديد الصلاح العام أو الصلاح الكلي الشامل لكل صلاح ممكن؛ وهو معيار عام وشامل كما كان علي بن أبي طالب معيارًا للحق يدور معه حيثما دار. وحينها لن يطول الأمر حتى ندرك أنه من دون حكومة الصالحين الأبرار والسعي نحوها، سوف تذهب أعمال الخير سدًى؛ كل ذلك انطلاقًا من الاعتقاد المرتبط بالمهمة الكبرى والإرادة الأولى الكلية.
حين لا نرى لوجودنا مثل هذه المهمة على الأرض، فمن الصعب أن نُدرك معنى الإرادة الإلهية الكلية الواحدة؛ وهكذا سنجعل إرادته تعالى أحاديث ونمزقها كلّ ممزق؛ فنتخذ من بعضها وسيلة إليه سبحانه، جاهلين بأنّ إرادة الله لا تتبعض ولا تتجزأ. وهكذا، نتصور أننا بالصلاة نعرج، أو بالصيام نفوز أو بالجهاد نصل، أو بخدمة المحرومين نتقدم. في حين أن كل هذه الأعمال مع عظمتها وأهميتها لا تكون وسيلة إلى الله إلا إذا اندرجت ضمن نظامٍ واحد مترابط يجمعه أمر الله المتمثل في حركة أوليائه؛ كما جاء عن السيدة الزهراء عليها السلام: "وطاعتنا نظامًا للملة، وإمامتنا أمانًا من الفرقة".[4]
لم تكن هذه المعارف خافية على محبي أهل البيت وأتباعهم على مدى العصور، وقد جمع بعض محدثيهم روايات مهمة في هذا المجال وعقدوا لها أبوابًا وكتبًا تؤكد على أن الأعمال لا تُقبل إلا بولايتهم، كما في حديث أبي حمزة الثمالي حيث قال: "قال لنا علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام: "أَيُّ الْبِقَاعِ أَفْضَلُ؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ الْبِقَاعِ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عُمِّرَ مَا عُمِّرَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ، أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عامًا، يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، ثُمَّ لَقِيَ اللَّهَ بِغَيْرِ وَلَايَتِنَا، لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ شَيْئًا".[5] وفي رواية أخرى، عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: "أَمَا لَوْ أَنَ رَجُلًا قَامَ لَيْلَهُ، وَصَامَ نَهَارَهُ، وَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَحَجَّ جَمِيعَ دَهْرِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْ وَلَايَةَ وَلِيِّ اللَّهِ فَيُوَالِيَهُ، فَتَكُونَ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ بِدَلَالَتِهِ إِلَيْه،ِ مَا كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ حَقٌّ فِي ثَوَابِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَان".[6]
ما كنّا نحتاجه في عصر غيبة ولي الله هو اكتشاف طريقه الموصل إلى مشروعه وخطته العامة، لأن الكثير من المحبين قد أضاعوا هذا المعنى رغم اعتقادهم به، حين لم يجدوا له مصداقًا عمليًّا. ولهذا نجدهم يُفسرون أحاديث التولي والولاية ببعدها العقائدي الخاص دون ذكر البعد العملي التطبيقي. فإذا ذكروا فرائض الإسلام وأتوا على ذكر التولي، ذهبوا إلى الاعتقاد بولاية الأئمة من أهل البيت عليهم السلام.
لقد فقدنا بغيبة إمامنا ذلك النظام الذي يجمع حبات الأعمال الصالحة، وتسلل إلينا تصور إمكانية الوصول إلى الله بهذه الأعمال دون نظامها الجامع، في حين أن إرادة الله الأولى لم تنعدم ولم تحتجب. وما زالت المهمة الأولى قائمة ما دامت السماوات والأرض.
وكان من آثار هذه الغفلة انحسار القيمة الأولى التي تنبع من هذه العقيدة، وهي قيمة ارتباط الأعمال بذلك المشروع الكبير. وهكذا أضعنا المعيار الذي نتمكن بواسطته من ترتيب الأعمال بحسب القيمة الواقعية عند الله تعالى، وهي قيمة الحسن والقبح.
ولكي يتضح هذا المعنى أذهب في مثالي إلى أقصى ما يمكن أن يحدث؛ وذلك فيما إذا كنا نقارن بين أداء رئيس أمريكا وبين أداء مجاهد كبير ومسؤول كبير في ساحة الإسلام. فلا شك بأن أعمال الطواغيت مخالفة للمشروع الإلهي شاءوا أم أبوا، لأنهم بمجرد أن تسنموا هذه المواقع الحساسة مع جهلهم بمسؤولياتها ومهماتها وطرقها وأهدافها وقيمها، فسوف يظلمون ويفسدون، فكيف إذا كان الإفساد جزءًا من برامجهم وشخصياتهم وأخلاقهم!
ثم نأتي إلى شخص يُفترض أن يعمل في موقع حساس ضمن ما يتوقعه الناس من المجاهدين والعاملين في سبيل الله تعالى، والأهم ما يُتوقع من الموالين وهو أن ينطلقوا في أعمالهم مما يريده ولي الله المنصوب المُعيَّن ـ الذي يُسمّى في عرف الأحاديث بالإمام من الله. فإن بعض المخالفات التي يرتكبها هذا المجاهد قد تكون أضر على المشروع الإلهي من جميع أعمال ذلك الطاغوت، وذلك لأن عمل الطاغوت وإن كان كبيرًا لكن فساده واضح وقبحه أوضح؛ فهو لا يمثل فتنة كبيرة للناس تعميهم عن الحق، إلا من قصد ذلك. في حين أن المخالفة التي صدرت من ذلك المجاهد، بالإضافة إلى كونها مخالفة للمشروع، فقد تعمي عن الحق لأنها تلبس لبوسه ويمكن أن يُسنّ وفقها سنّة المخالفة إلى ما شاء الله؛ وسبب ذلك أنها صدرت عمّن يُتصور أنه من الموالين المؤمنين المسلمين.
فالقبح لا يكمن فقط فيما ظهر وبان، بل إن أقبح القبيح في الأعمال (بحسب هذا التفسير) هو الذي يصد عن الأعمال الصالحة (التي أشرنا في البداية إلى منطلقاتها). وكم من قبيح من الأعمال أدى إلى انبعاث ما لا يُحصى من الأعمال الحسنة. مثل قبيح المستعمرين الذي بعث آلاف المجاهدين ليقوموا بأعمال بطولية وتضحيات فدائية وشهادات ربانية. في حين أن قبيح العاملين المجاهدين الذي خفي على الناس، استمر ودام وصار سُنّة يُعمل بها على مدى العصور!
أتفهم بدايةً سرعة إنكار بعض الإخوان عليّ حين ذكرت لهم الفارق النوعي بين الأعمال وفق معيار الولاية. وأتفهم سرعة حكمهم بالتعصب والتحجر، خصوصًا الذين يستسهلون رمي الأحاديث المعتبرة بعرض الجدار، لا لشيء سوى لأنها تخالف عقائدهم وما نشأوا عليه من نظام فكري.
إن هذا الرفض الذي لقيته منهم يشبه ما كنّا نسمعه في أزمنة سابقة من مجددي الفكر في إنكارهم لموقع محبة أهل البيت ودورها في تحديد مصير المسلم، أو في إنكارهم لقضية الشفاعة لأهل الكبائر من الأمة. فوفق ميزان العدل، يستبعد هؤلاء المساواة بين العامل الصالح العابد الزاهد والفاجر العاصي المقصر في المصير، ويرون مبدأ الشفاعة الشاملة عاملًا للمساواة. وهنا أيضًا يرى هؤلاء أن محورية الولاية في قبول الأعمال تستخف بالأعمال الكبيرة وتُقلل من شأنها وتجعل من كان قليل العمل مع الولاية أفضل من كثير العمل دونها، رغم أن الله تعالى ربط مصير الإنسان بعمله وسعيه.
إن هؤلاء ربما غفلوا عن أن السعي وحده ليس هو المعيار، وأن الأصل ليس في كثرة الأعمال وأحجامها، بل في صلاحها وإصابتها ورضى الله عنها (الذي هو الموافقة مع إرادته سبحانه). هذا، وإن مبدأ قبول الأعمال على أساس الولاية هو أمر صعب مستصعب؛ لو أعملناه بكل شروطه وجهاته لربما لا يبقى مع غرباله سوى القليل النادر من العاملين.
الاستخفاف بقيمة الأعمال عند الله والاعتباط فيها (وهو غير كونها يسيرة وسمحة) يرجع إلى الغفلة عن شأن الله تعالى. وكلامنا كله في تقييم الأعمال ومصيرها ومآلها، لا في تقييم أصحابها وتحديد مصيرهم حيث الرحمة الواسعة.
إن قبح عمل من يُفترض أن يكون سببًا لإقبال العاملين نحو المشروع الإلهي وانضمامهم إليه وتضافر جهودهم فيه، وهو يفعل العكس، لن يبقى خفيًّا حين نُعيد النظر في كل هذه المنظومة العقائدية القيمية. إعادة النظر مطلوبة، وذلك لأجل نجاتنا والخروج من الحيرة التي تتلجلج في صدورنا جراء قيامنا بالكثير من الأعمال الصالحة ونحن نرى في المقابل ضعف تأثيرها أو انعدامه؛ لأننا بذلك سنحوّل هذه الحيرة على الله ونشك بلطفه وعدله وحكمته من حيث لا نشعر. وفي ذلك هلاك عظيم.
[1]. المحاسن، ج1، ص97.
[2] . سورة البقرة، الآية 130.
[3]. بحار الأنوار، ج65، ص311.
[4]. بحار الأنوار، ج29، ص223.
[5]. المحاسن، ج1، ص91.
[6]. الكافي، ج2، ص19.

كيف أحيا مسلمًا وأعيش سعيدًا
في عالم اليوم حيث تتلاقى الحضارات وتتصادم الثقافات، تبرز الأديان كمحور أساسي في كل هذا التفاعل. وما أحوجنا إلى تقديم ثقافتنا الأصيلة في بعدها العملي المعاش الذي يطلق عليه عنوان نمط العيش.وفي هذا الكتاب سعى المؤلف إلى عرض القيم الإسلامية المحورية في قالب الأسلوب والنمط الذي يميز حياة المسلم الواقعي الذي ينطلق من عمق إيمانه والتزامه بمبادئ الإسلام وقيمه السامية. كيف أحيا مسلمًا وأعيش سعيدًا الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 288 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-037-8 السعر: 12$

الإسلام كما عرفته وآمنت به
هذا الكتاب مساهمة في ترسيخ حوار القيم والمشتركات في زمن يبحث فيه الجميع عن التلاقي. ولا شيء أفضل في هذا المجال من إظهار بعض جمال ما نؤمن به ونعتنقه. الإسلام كما عرفته وآمنت به الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 198 صفحةالطبعة الأولى، 2017مللحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

هل يمكن للمسلمين الإتحاد دون مناقشة موضوع الولاية؟
هل ممكن للمسلمين أن يتحدوا دون مناقشة موضوع الولاية فيما بينهم؟ وكيف؟

أهداف الصوم 8.. الولاية
لقد علمنا أن شهر رمضان له حرمة خاصة بمعزل عن عبادة الصيام الجليلة. إنّ لهذا الشهر منزلة وأفضلية وأوجب فيه الصيام. ويقع فيه مناسبة مهمة وهي بشارة العالم بولادة حفيد المصطفى (ص). هذا الإمام الذي افتخر به رسول الله أمام الجميع، وقال ابني هذا سيصلح به أمّتي. وهذا يدلّ على أنّ ما قام به الإمام الحسن عليه السلام في حياته يمثّل عاملًا استراتيجيا على مستوى حياة الأمة الإسلامية...فسلام الله على الإمام الحسن بن علي، سلام الله على هذا الإمام الصابر المحتسب عند الله، الذي يشعرنا في هذا الشهر المبارك أننا في ضيافة أهل البيت عليهم السلام وأننا ينبغي أن نفهم هذه العبادة الشريفة من منطلق الولاية. والحمد لله في هذه الأيام نجد أن الوعي تجاه العلاقة بين العبادات والولاية يزداد، وهذا من البركات الكبرى لهذا الشهر المبارك الفضيل، أنّ الناس بدؤوا يتفكرون بالعلاقة بين الولاية والصوم ونرجو أن يستمر ذلك على مستوى الحج وغيرها من العبادات حتى يصل على الصلاة حيث يمكن عندئذٍ أن ندرك مدى أهمية صلاتنا في تحقيق هذه الولاية والرابطة الحقيقية بين صلاتنا وولاية أولياء الله

دور ولاية الفقيه في النهضة الإيمانية
في البدايات كان هناك نوع من الأفكار المنتشرة بين المتدينين مع قلة عددهم مفادها أنه لا دخل لنا بالأمور السياسية.ما جعل الأوساط المتدينة عمومًا خامدة وبعيدة عن التحديات الكبرى. كانوا يجدون لأنفسهم مبررات فكرية وشرعية واعتقادية للقعود. وحين عرض الإمام الخميني قضية ولاية الفقيه وبيّن أنها مسألة بديهية وضرورية وأنها تنبع من الاعتقاد بالإمامة، وبيّن أنّ إقامة الحكومة الإسلامية هو تجسيد للإسلام وأنّ الإسلام بدون حكومة لا معنى له؛ وجد هؤلاء المتديّنون أنفسهم أمام مسؤوليات كبيرة لم يعهدوها من قبل؛ مسؤولية ترتبط بالأمة لا بل بالعالم كله. فالمسألة لم تكن قضية عادية بمعنى أنّنا كنّا نتحرك ونواجه ونتحمل المسؤوليات والآن أصبح لدينا قيادة حكيمة. لا،؛ بل كانت أشبه بالانتقال من الموت إلى الحياة.

كيف نتيقن من الوصول إلى مقام الولاية
كيف يعرف الإنسان ويتيقن من أنه قد وصل إلى مقام الولاية؟

عوامل نجاح الإبداع والأعمال والكبرى.. الاختلاف الجوهري في أنماط القيادة
الإبداع سر النجاح في الأزمات وحين تشح الموارد وتضيق السبل. والأعمال الكبرى عماد المجتمعات القوية التي تسعى لتحقيق قفزات نوعية في حياتها. وحين يجتمع الإبداع مع ضخامة العمل، فهذا يعني التفوق والعظمة.

أين أصبحنا من ولاية الفقيه اليوم؟ هل خمد البحث عن ركن التغيير الأكبر؟
يُقال إنّ طرح الإمام الخميني لمبدأ ولاية الفقيه كان بمثابة الشرارة الكبرى في استعار الثورة ونفخ لهيب النضال والعمل الثوريّ وتحويله إلى حركة رشيدة وأصيلة. ولا يشك أحد بأنّ هذه الثورة ـ التي أطلقت العنان لأوسع عملية تغيير لمنطقتنا، بل للعالم كلّه ـ قد ارتوت من منبع ولاية الفقيه، وأقامت نظامها السياسيّ عليه. فالصديق والعدوّ يعترفان بأنّه لولا هذا المبدأ الذي اتّصل بعقائد الموالين، لما كان لهذه الثورة مثل هذا الثبات والنضج والاستحكام.

الولاية الخائفة وسبيل الخروج منها
الولاة والقادة العظام يتميّزون بشجاعة عالية تجعلهم يستسهلون الموت في سبيل المبادئ الكبرى التي يعملون لها. فلا يمكن أن يخافوا من القتل أو يجبنوا عن التّضحية بأنفسهم. لكنّهم مع ذلك قد يعيشون نوعًا من الخوف؛ وهو الخوف على المسيرة التي يقودونها وعلى الناس الذين يتبعونهم.

بين الولاية الشعبيّة والولاية العسكريّة
لا شيء يضاهي وجود ولاية شرعية في حياة الإنسان المؤمن، ففي ظلّ هذه الولاية تصبح أهم قضايا حياته مهتدية أو تأخذ صبغة القبول والعفو عند الله تعالى. وهذا ما يُسمّى ببراءة الذمة. فما نفع صلاتنا وصيامنا وعباداتنا إن كانت قضايانا الكبرى خارجة عن شريعة الله وأحكام دينه؟!

قرأت لك: الولاية
كثيرًا ما يظن الإنسان أنه مسلم لمجرّد أنّه نشأ في أسرة مسلمة، وكم حسب شخص نفسه مؤمنة لالتزامه ببعض العبادات، وزعم كثيرون أنهم موحّدون فقط لقولهم "لا إله إلا الله". ولكن هل الإسلام هو اسم يُكتب على الهوية الشخصية؟ هل الإيمان هو تأدية لبعض العبادات؟ وهل "لا إله إلا الله" لفظ يقوله الإنسان وكفى؟ أليس هناك لوازم للإسلام والإيمان والتوحيد؟ وإذا كان هناك لوازم لهذه الحقائق، أليس من الواجب على الإنسان أن يعرفها ليكتشف حقيقة نفسه لعله يصلحها قبل فوات الأوان؟

هل من جديد حول ولاية الفقيه؟
إنّ فهم الدين الإلهي لا يمكن أن يتحقّق بدون فهم أهدافه؛ فمهما عرفنا من أحكامه ومبادئه من دون أن نعرف غايته وآماله نزداد جهلاً بما عرفناه؛ فالغاية القصوى للدين هي التي تعطي الأحكام والتعاليم روحها وأبعادها الحقيقية؛ وبعبارةٍ جامعة إنّ البعد الغائي لأحكام الدين هو الذي يجعلها مرضيّة عند الله وفيه تتمّ النعمة.

الشرط الأول للازدهار الاقتصادي... القضاء على فضول الأعمال
تكابد حكومات العالم الحر من أجل تحقيق الازدهار المستديم الذي يضمن الاستقلال لمجتمعاتها ويحفظ هويتها وكرامتها. ليس هناك ما هو أخزى من أن يخضع شعب بأسره لإملاءات الأجانب ويسلّم إرادته للقوى المستبدة التي ستعيث فيه فسادًا واستغلالًا لا مثيل له.. كل شيء جميل تتم التضحية به على مائدة شياطين الاستعمار والاستكبار.أول ما ينبغي أن يلاحظه كل مراقب حصيف هو أنّ الكثير من الأعمال الاقتصادية وغيرها تذهب نتائجها هدرًا وتؤدي إلى شلّ حركة النموّ؛ وأنّ التخلص من هذه الأعمال والأنشطة هو المقدمة الضرورية للانطلاق الصحيح نحو أعلى مراتب الاقتصاد.

حاجتنا إلى الأعمال النوعية.. لماذا يجب تأمين المنظومة أولًا
يكشف الواقع الافتراضي عن واقعٍ حقيقيّ لا يمكن تجاوزه بسهولة. ففي ظل الواقع الافتراضي يعيد الكثيرون النظر في هويتهم وثقافتهم بصورة أسرع من أيّ وقتٍ مضى. فشبكة الإنترنت زودت الناس في كل مناطق العالم بقدرة فائقة على التعبير عن أفكارهم وإظهار عناصر قوّتهم، بل تضخيمها بصورة مذهلة. وهكذا يتضاعف التفوق الحضاري لأي جماعة بشرية قادرة على استغلال الإنترنت إلى أقصى حد ممكن بصورة لا يمكن وصفها.

لا انتصار إلا في ظل الحركة التقدمية.. ولا تقدم إلا في ظل الأعمال النوعية
إنّ الحركة التقدمية للمجتمع المسلم تقف على رأس عناصر التوفيق والنجاح والانتصار. ولأنّ حركة الجماعة المؤمنة تسير وسط مستنقع المعارضين الآسن، فإنّ توقفها وجمودها يعني شيئًا واحدًا، وهو تلوثها وامتزاجها بمياه ذلك المستنقع، ومن ثمّ تحولها إلى ماهية المعارضين، وإن لم يشأ قادتها وأهلها. من أكبر الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها القيمون على الحركة التقدمية أن يظنوا بأنّ مجرد الثبات والصمود كفيل بتحقيق النصر... فأن تطلب من جماعتك الصمود السلبي من دون القيام بشيءٍ نوعي مزلزل، بل تحمّل الأذى والصبر على البلية، لهو من أكبر الأخطاء! ففي ظل هذا الحصار، فقط الإبداع وتحقيق إنجازات نوعية هو الحل.

ما هي الخطيئة الكبرى؟ في ليلة الغفران ما الذي يمنع التوبة؟
قد تعجب إذا سمعت أنّ هناك سيّئة واحدة تكفي لدخول الإنسان إلى جهنّم وبئس المصير، وأنّ هناك حسنة واحدة كافية لبلوغ الجنّة والرضوان. وهذا يعني أنّه لو قام الإنسان بكلّ أعمال البر ولم يتخلّص من تلك السيّئة، فكأنّه لم يفعل شيئًا؛ وأنّه إذا ارتكب ذنوب الثقلين وأتى بتلك الحسنة، فإنّ الله تعالى سيغفر له ويرحمه!

ولاية الفقيه، أسئلة حساسة
إذا كان الولي الفقيه واجب الطاعة، فكيف نسلم زمام امورنا وانفسنا لمن لا يكون معصومًا؟ إذا كان مبدأ ولاية الفقيه قضية أساسية، لماذا لم نسمع به قبل مجيء الإمام الخميني؟

كيف كان الاعتقاد بولاية الفقيه تثبيتًا للإيمان؟
كيف ترتبط ولاية الفقيه بحقيقة الإيمان بالله؟ وما هو حكم من أنكر هذه القضية؟ وكيف تكون ولاية الفقيه تثبيتًا لمبدأ الإمامة في الحياة؟

الحديث 33: ولاية أهل البيت عليهم السلام
الدرس 38 من دروس الأربعون حديثًا للإمام الخميني(قده)
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...