
حاجتنا إلى الأعمال النوعية
لماذا يجب تأمين المنظومة أولًا
السيد عباس نورالدين
يكشف الواقع الافتراضي عن واقعٍ حقيقيّ لا يمكن تجاوزه بسهولة. ففي ظل الواقع الافتراضي يعيد الكثيرون النظر في هويتهم وثقافتهم بصورة أسرع من أيّ وقتٍ مضى. فشبكة الإنترنت زودت الناس في كل مناطق العالم بقدرة فائقة على التعبير عن أفكارهم وإظهار عناصر قوّتهم، بل تضخيمها بصورة مذهلة. وهكذا يتضاعف التفوق الحضاري لأي جماعة بشرية قادرة على استغلال الإنترنت إلى أقصى حد ممكن بصورة لا يمكن وصفها.
ومع ذلك، يمكن القول إنّنا ما زلنا (كبشر) لحدّ الآن أبناء الجيل الأول للإنترنت، حيث يتمتع عدد ضئيل نسبيًّا بأهم إمكانات البرمجة التي تسمح لهم بالتفوق النوعي. كل هذا سيزول في الجيل الثاني حيث سيتمكّن أي واحد على هذه البسيطة من إعادة إنتاج المحتوى الذي يريد بصورة جذابة وميسرة ومنافسة. كل هذا سيعتمد بالدرجة الأولى على تمكن أي فرد من مواكبة الإنترنت في عملية تطوّرها وتعقيداتها كأداة عالمية، مثلما سيعتمد على الإيمان بقدراتها وإمكاناتها الهائلة وأهمية التواجد فيها. ولأجل ذلك، لا يكفي، كمفكر أو صاحب قضية، أن تمتلك محتوًى جميلًا أو منافسًا حتى تبرز وتنجح وتنتشر على هذه الشبكة العالمية، بل ستحتاج أيضًا إلى معرفة استخدام أدواتها بأفضل طريقة.
إن أردنا أن نقرّب الفكرة هنا، يكفي أن ننظر إلى الفوارق النوعية على مستوى الإنتاج التلفزيوني بين هوليوود وغيرها من مراكز الإنتاج (خصوصًا في تجربتنا الخاصة)، والذي يعود قبل أي شيء إلى تحوّل هذه الصناعة في أمريكا إلى منظومة شاملة ومتكاملة، حيث تكون تكنولوجيا المؤثرات البصرية والسمعية آخر ما فيها.
فقبل أي شيء، جرت عملية واسعة ومستديمة على مدى العقود للتماهي والانسجام مع حاجات هذه الصناعة ومتطلباتها على مستوى إنتاج المحتوى؛ حيث اندفع عددٌ كبير من أهل الفكر للمشاركة فيها، وإن كان الأمر لدوافع مادية ملفتة. وقد شكّل إنتاج المحتوى المتفوّق والجذاب الركن الأول في هذه الصناعة؛ ويهمّنا أن نقول إنّه لا يزال كذلك بالرغم من سيادة الاعتقاد بأنّ الأمر يرجع إلى المال والإمكانات والمؤثرات؛ فنحن هنا أمام مجتمع واسع وشديد التشابك، يتفاعل فيما بينه بصورة مذهلة لأجل تأمين مستلزمات هذا الركن الذي ما زال يحفظ لهوليوود تفوقها العالمي.
إنّ التفوق الحضاريّ على الشبكة العنكبوتية لا ينحصر في الأدوات الفنية والبرمجية، لأنّها تأتي ثانيًا؛ وإنّما يرجع إلى المحتوى النوعيّ الذي استطاع أن يخاطب العالم، كما حصل في عالم الإنتاج السينمائي والتلفزيوني. ولا بد من الإشارة إلى أنّ ذاك التفوق يخفي حقيقة، لا ينبغي أن تخفى على أحد، وهي أنّ القسم الأعظم من الإنتاج الذي يُعد فاشلًا بكل معايير الإنتاج أصبح يتلطى وراء بعض النجاحات المبهرة. ولأنّ المنظومة الإعلامية والإنتاجية هناك قد أصبحت شديدة الترابط، فقد صار الناجح يأخذ بيد الفاشل ويرفعه أينما كان. وهذا ما يحدث أيضًا في العديد من المجالات الثقافية كالكتاب والتعليم أو التكنولوجيا أو حتى صناعة الأدوية وغيرها.
يُذكر أنّ شركات الإنتاج السينمائيّ في أمريكا كانت تشترط على دور السينما أن تعرض أربعة أفلام بشكل إلزامي مقابل عرض فيلم مطلوب. وهكذا كان أصحاب السينماءات ملزمين بشراء وعرض الأفلام الفاشلة من أجل التمكن من عرض الفيلم المرغوب. وبهذه الطريقة كانت هذه السياسة تؤمن الدعم التام لعملية الإنتاج كلها والتي تستوجب الإنتاج الفاشل (ولو بالنسبة الكبرى)؛ وبهذه الطريقة أيضًا كانت توجد هامشًا واسعًا للتطور والانتقال من الفشل إلى النجاح.
لقد آمن المنتجون هناك أنّ قدرتهم على إنتاج نسبة ضئيلة من الأفلام والبرامج المميزة كفيل بانتشال الإنتاج كله نتيجة هذا الترابط والتبعية. ولأجل ذلك، يمكن القول بأنّ الإنتاج السينمائي ـ على سبيل المثال ـ وبالرغم من أنّه كان بظاهره ليبراليًّا حرًّا تنافسيًّا، إلا أنّه كان في واقعه اشتراكيًّا احتكاريًّا، حيث رأى أصحابه أنّه لا مجال للبقاء والتقدّم إلا في ظل هذا الترابط المحكم.
ونحن لا ندعو إلى اعتماد مثل هذه السياسة في إنتاجنا الفكريّ والعلميّ، لكنّنا ندعو إلى الاعتبار منها والاستفادة من دروسها. فلا يكفي أن يكون لدينا إبداعات علمية وفكرية كبرى هنا وهناك حتى ننجح في فرض حضورنا المتميز على الصعيد المحلي والعالمي (حيث تنعدم كل يوم الحدود الفاصلة بينهما)، بل ينبغي أن ننظر إلى هذه المعركة على أنّها مواجهة شاملة على قاعدة {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}،[1]وما لم نتمكن من التقدّم كجبهة واحدة يكون الجميع فيها مقبولين ومدعومين ونتشرّف بمشاركتهم ونتحمل أخطاءهم ونجبر قصورهم، فإنّنا لن نتمكّن من تحقيق هذا الهدف الكبير.
لقد تأملت في مجال الروحانية، وهي في الواقع قد أصبحت صناعة كبرى في العالم بكل ما للكلمة من معنى، فوجدت أنّ هناك شبكات وشركات ومؤسسات متضافرة تعمل بصورة تبادلية تعاونية على الترويج للرجالات والشخصيات الروحانية التي تتماهى مع رؤيتها.
أجل إنّ هذه الشركات ليست معنية بما يقدّمه هذا الروحاني أو ذاك طالما أنّه يلتزم بقواعد لعبتها، فيحصل تبادل المنافع بأقصى حد ممكن. وإنّني لن أناقش هنا المحتوى الذي يقدمه هؤلاء الذين يُطلق عليهم أحيانًا كثيرة عناوين كبرى مثل المرشد العالمي، لكن هذا القليل الذي يقدّمه هذا أو ذاك يصبح كبيرًا وذا شأن بمجرد أن يدخل في هذه المنظومة الربحية التي أصبحت بمثابة البنية التحتية لحركتهم ومشاريعهم ونتاجاتهم.
يعمل الروحانيون العالميون وسط هذه البنى التحتية التي تسهل حضورهم في جميع بلدان العالم وفي الشبكة العالمية وعبر عشرات المؤتمرات والمحاضرات والندوات وهي تحوّل نتاجاتهم إلى ماركات عالمية (براند) تجذب الجميع؛ وبذلك يقدر هؤلاء ـ بل يُفرض عليهم ـ التقدّم المستمر وتطوير ذاتهم بصورة دائمة؛ فيرتقي الجميع معًا لأنّهم أصبحوا ركاب سفينة واحدة تسافر بهم إلى مصاف التفوق الحضاري العالمي.
ينظر المعنيون في تلك البلدان إلى النتاج الثقافي في مجتمعاتهم على أنّه عنصر قوة للجميع؛ ولأجل ذلك، فإنّ دعمه دون قيد أو شرط بالنسبة لهم لا يعني سوى أمر واحد وهو أن خراجه في النهاية سيعود لهم؛ أو أنّه، وبعبارة أدق، سيعود بالفائدة العظمى على من يدير هذه المنظومة ويحركها.
إنّها القيادة العقلائية التي تقدر على تصوّر الأمور في واقعها الكبير الشامل وتشاهد الصورة الكلية، وهي غير محكومة أو مغلولة لبعض الأحكام الضيقة، لأنّها ترى العالم من زاوية المنظومات أو النظم. وهذا ما نفتقد إليه بشدة.
[1]. سورة التوبة، الآية 36

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

عن سلاح الشعوب الذي لا يُقهر.. ماذا لو أصبح الشعب عدوّ نفسه؟
الشعوب مثل الأفراد، قد لا تحسن اتّخاذ القرارات المناسبة والحكيمة، ممّا يؤدّي إلى نقض مصالحها. لكن أي مقارنة بين حرية الشعب والحكم الاستبدادي تظهر أنّ الأول هو أقرب بكثير إلى القيم الإنسانية والصالح العام.. فحين تحصل الشعوب على هامش مهم من حرية التعبير وتقرير المصير، نجد أنّها لا تميل إلى الاعتداء على غيرها وشن الحروب الباهظة وظلم الآخر.. وبرأيي، إنّ هذه الظاهرة المهمّة لم تنل نصيبها المطلوب في الدراسات الاجتماعية والسياسية، رغم تألّقها وسطوعها في حياة الأمم ومسار العالم.

الوجه الأخطر للإنترنت.. لماذا نرى مستقبل البشرية في خطر
الشبكة العالمية (الإنترنت) نتاج طبيعي للمسار التقني الذي سلكه الغرب منذ عدة قرون. وأيّ متابع لهذا المسار يدرك جيّدًا كيف وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم. فلا مؤامرات محاكة ولا خططًا سرّيّة للسيطرة على العالم والتحكّم بالبشر تقف وراء هذه الإنترنت التي نستخدمها اليوم؛ وإنّما هي مجالات وميادين تُفتتح وتتوسّع في مختبرات علمية ومراكز بحثية؛ فيسبق فيها من كان مستعدًّا وينتصر ويتغلب من كان مهيّئًا.

بين القيادة التجريبية والقيادة العقلانية
القيادة التي تُعنى بتوجيه الطاقات والإمكانات هي ميدان مهم لاختبار القدرات الإدراكية للقائد. وكلّما كان المعني بهداية الموارد البشرية والمادية قوي الإدراك، كان أقدر على القيام بعمله على أفضل وجه.

كيف نتفوّق في السينما؟ إذا كنّا نريد العزّة لأمتنا فلا مناص من نهضة أدبية متفوقة
إذا كنّا ندرك حجم تأثير الإعلام والسينما والدراما، وأردنا الخلاص من براثن هذه القوّة الغربيّة المشؤومة، فلا مناص من العمل على بناء صرحٍ إعلاميّ إسلاميّ أصيل، ينبع من ثقافتنا وديننا ورؤيتنا الكونيّة.

سر صعود الأمم.. الرسالية العالمية
نظرة معمّقة إلى تاريخ الأمم يمكن أن تقدّم لنا تفسيرًا مهمًّا للعوامل التي تقف وراء الارتقاء والصعود إلى مصاف الحضارات وأسباب بلوغ مراتب السيادة والتألّق والازدهار. وأحد هذه الأسباب، الذي لا أظنّ أنّه قد تم الالتفات إليه، فضلًا عن دراسته، هو ما يمكن اختصاره والتعبير عنه في جملة واحدة ألا وهي: "إيمان أهل أيّ مجتمع واعتناقهم لدور رساليّ ومهمّة تتعدّى نطاق حياتهم وموقعهم الجغرافي المحدّد".

نحو سينما تصنع المعجزات .. ما هي مميّزات الفيلم الأعلى؟
يتّفق الجميع على قدرة السينما الكبيرة في التأثير على مشاعر الإنسان وإدراكاته ووعيه. الكثير من معارف الناس وتوجّهاتهم في هذا العصر، يتم صياغته عبر هذا الفن المتشعّب. وتتمتّع الشاشة الكبيرة بإمكانية التأثير الشعوري بدرجة قلّما يضاهيها أيّ أسلوبٍ بيانيّ آخر. لهذا، تسعى كل حكومات العالم ومؤسّساته الكبرى للاستحواذ على هذا الفن واستخدامه بما يخدم مصالحها. لكن عمق وتعقيد وكلفة الصناعة السينمائية جعل الكثيرين منهم يتراجعون ويستسلمون.

ما هي السينما الإسلاميّة؟
إذا أردنا الحديث عن سينما تكون وسيلةً لترسيخ الالتزام بالقيم السّامية واكتساب المعارف العميقة وتوسعة البصيرة والوعي، فلا بدّ من الحديث عن سينما تنافس هوليوود أو تكون عاملًا أساسيًّا في إحباط باطلها وإزهاقه.

بين القيادة الانفعالية والقيادة الاستراتيجية.. كيف يعمل الأعداء على تشكيل القيادات
منذ زمن بعيد وأنا أدأب على التفكير في كل ما يرتبط بواحدة من أهم قضايا المجتمع وأكثرها خطرًا، وهي قضية القيادة. ووجدت أنّ أكثر ما كان يخشاه المستعمرون ـ الذين غيّروا ألبستهم وبقوا على مخططاتهم ـ وما زالوا هو تبلور قيادة حقيقية في المجتمعات التي يهيمنون عليها؛ قيادة تستطيع توجيه طاقات المجتمع نحو الأهداف الكبرى، تقلب الطاولة عليهم وتبدّل المعادلات الدولية التي تعمل لمصلحتهم.

بين القيادة العلمية والقيادة الذرائعية
لعله لا يوجد نعمة أهم وأعظم من نعمة القيادة المخلصة لأي مجتمع بشري. ففي ظل هكذا قيادة يمكن أن نرجو للمجتمع أن ينهض ويزدهر ويصل إلى أعلى مراتب القدرة؛ وفي ظل غياب هكذا قيادة، فإن المجتمع، وإن كان يتوافرعلى جميع أنواع الإمكانات والاستعدادات البشرية والطبيعية والمادية والتاريخية والثقافية، لن يسير إلا نحو الانحدار والتخلّف والخسران المبين.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...