ما بعد ابن العربي.. حول تكامل التراث الإسلامي
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب الله في العرفان
ينقسم التراث الإسلامي إلى قسمين في واقعه الخارجي، وإلى قسم واحد في واقعه الباطني.
في الخارج يوجد نصوص ثابتة العصمة كالقرآن الكريم وأحاديث وروايات منقولة بالحرف عن المعصومين. ويوجد تراث علماء ومفكرين وشارحين قدموا تصوراتهم وفهمهم لتلك النصوص الثابتة أو تأثروا بها. وفي كثيرٍ من الحالات نسبوا ما فهموه إلى الإسلام الإلهي المقدّس وعدّوا ذلك من القسم الأول تسامحًا.
وفي الباطن هناك فقط أمر واحد، وهو ما يتصوره ويفهمه كل واحد من القسمين السابقين.
قد نفهم النص مباشرة ودون أي وسيط، وقد نتصور كلام الوسيط تصورًا خاطئًا أو مغايرًا لما يريده صاحبه، حتى لو كان ما يريده واضحًا وسهلًا على الفهم.
نتحاور ونتبادل المعلومات ونرسل المعاني ونعمل بها بحسب فهمنا فقط. لا يصح أن ننسب ما نفهمه ونعمل به إلى الله أو الدين الحق إلا مع نوع من التسامح والتساهل. ولأن عقولنا وقوانا الإدراكية هي التي تحكم النص المقدس وتحدده، سيبقى الإسلام مُحرّفًا بمعنًى من المعاني، بالحد الأدنى عبر تحديده وتقييده بعقولنا وإدراكاتنا.
لا شك بأن الله تعالى قد علم ذلك. وفي مخططه الكبير نجد أنه عز وجل قد عمل على إلغاء مفاعيل هذا النوع من التحريف وغيره، ليبقى للحق المحض الصراح حضوره ودوره في الحياة البشرية. فمن قلب كل هذا التحريف يخرج الحق جليًّا أيضًا، ويكون له الانتصار والثبوت في النهاية. ولذلك فإن اختلافات البشر وتأويلاتهم وتفسيراتهم وجدالاتهم لن تضرّ الحق شيئًا. فقد قضى الله أن يُتم نوره رغم أنف المشركين والمحرّفين.
كأننا هنا أمام حتمية كونية، ننساق في النهاية مع الحق رغم قصورنا وتقصيرنا طالما أننا نريده ونطلبه؛ فيما ينساق أهل الباطل مع الباطل لأنهم يطلبونه، وإن نطقت ألسنتهم بالحق المحض أحيانًا.
وراء كل هذه التفسيرات والتأويلات العجيبة، يوجد حق وباطل لا علاقة لهما بفهمنا وتصوراتنا. والصراع بينهما هو الذي يحسم النتيجة، ما دام هناك طلاب للحق وطلاب للباطل. إذا أصبح جميع الناس طلابًا للباطل يبتغونه، فسوف يحكم الباطل ولو كانوا جميعًا على رأيٍ واحدٍ حق. وإذا صار جميع الناس طلابًا للحق يريدونه، فسوف يحكم الحق، حتى لو اختلفوا فيما بينهم أشد الاختلاف!
لقد تشكل التراث الإسلامي في قسمه الثاني ونمى وسلك طريقًا تراكميًا حين بنى اللاحقون على ما تركه لهم السابقون. فإن أغفلوا ذلك جمدوا، بل رجعوا القهقرى. هذا ما يفسر وجود تلك الحركات الرجعية في مناطق مختلفة من بلاد المسلمين على صعيد الفكر أو الفقه. كل ذلك لأن أهلها وعلماءها غضوا النظر أو أهملوا آخر ما توصلت إليه عقول الباحثين وأعمالهم الفكرية والتفسيرية والاجتهادية.
نجد اليوم في قلب الحوزات العلمية أشخاصًا يُصرّون على الرجوع إلى عصر ما قبل الوحيد البهبهاني استنصارًا منهم للتيار الإخباري. ونجد أشخاصًا لا يعترفون بتراث صدر المتألهين ولا يقرأونه، إصرارًا منهم على العودة إلى ابن سينا كممثل وحيد للعقل والفلسفة. لم يقتصر الأمر على البعد الاجتماعي السياسي المستجد بقيادة الإمام الخميني، بل هو يسري إلى ميادين الفكر ومجالات العلم دومًا.
إنّ لعدم البناء على آخر ما توصل إليه المحققون وللغفلة عن الصبغة التراكمية للمعارف البشرية، أسبابه في النفس والفكر، في التعصب الأعمى وفي الاعتقادات المختلفة. لكن، عاجلًا أو آجلا، سيأتي من يقفز فوق هذه الموانع ويبني على الأعلى والأدق ويمضي بمسيرة التكامل العلمي. أما تلك الحقبة من التجاهل والغفلة فسوف تُعد بعد حين عصرًا ظلاميًا فحسب.
إن مسيرة التكامل المعرفي لا يمكن أن تتوقف ما دام هناك من يبحث عن الحقيقة. الأفكار الجديدة الأقوى والأدق والأعمق تنتصر في النهاية، وتكون بمثابة أحجار البناء لتلك العمارة الشاهقة.
في الإلهيات الإسلامية، يمكن القول بأنّ التراث الكلامي كان اللبنة الأولى من القسم الثاني. فجهود المتكلمين في استنطاق القسم الأول من التراث العلمي (النص المقدس) أسفرت عن معارف ملفتة، رغم كل الملاحظات على النهج والأداء والنوايا. هنا نجد أن حجم النتاج العلمي في مجال الإلهيات قد تضاعف بصورة ملفتة.. حتى إذا دخل الذهن الفلسفي على الإلهيات أحدث نقلة نوعية فيها، رغم أنه تعمّق على حساب الكم، لكنه فتح أبوابًا لمضاعفة الإنتاج أيضًا. كانت الفلسفة هنا تقوم بإعادة إنتاج الإلهيات على حساب الكم لانشغالها بمنهج التقعيد (وضع قواعد كلية).
كان هناك مسار آخر يشق طريقه بعيدًا عن الحركة الكلامية والفلسفية ناظرًا إليهما دون الخضوع لمنهجيهما. بُني تراث عرفاني انطلاقًا من المزج بين التجارب الروحية وتفسير النص المقدس، فحلّق هذا التراث عاليًا وبلغ شأوًا بعيدًا ظهر في حجم الإنتاج وعمقه ومسائله الجديدة.
هناك من أحب أن يُطل على المتكلّمين والفلاسفة متزودًا من العرفان، مثلما أن هناك من دخل إلى العرفان من على مركب الفلسفة والكلام. النتائج تختلف حتمًا. ولكن من الصعب القول بأن هذه النتائج تُمثل هذا العرفان المختلف. يبقى للعرفان صبغته الخاصة المرتبطة بالتجربة الروحية وبالعلم والبيان الذوقيين. ولذلك يصعب فهمه خارج هذا السياق مهما كان عقل الباحث مجردًا. كأن العرفان يقول لنا إنّ تراثي مفتوح فقط لمن يمزج بين النص والتجربة الروحية. موقف العرفان من العقل يبدو غريبًا ومخالفًا للنصوص لأول وهلة.
لكن ذلك لا يمنع من الاعتراف بحجم الإنتاج العرفاني ونوعيته وعمقه وكونه في نهاية المطاف أعلى وأرقى مما توصلت إليه عقول الفلاسفة والمتكلمين عمومًا.
يتم الاعتراف لصدر المتألهين بأنه يمثل نهاية الفلسفة. وفي الوقت نفسه فإن المسائل التي ابتكرها في فلسفته لا تعدو أن تكون اقتباسات من عرفان ابن العربي. لا نتحدث عن إبداعاته الاستدلالية هنا. كلامنا في المسائل والقضايا الجديدة التي يُبنى عليها في التصور والعمل.
يبدو أنه تم التغافل عن تراث ابن العربي لتلك الأسباب التي تجعل أي باحث يغض النظر عن آخر ما توصل إليه الفكر. يبقى هناك احتمال عدم إمكانية الوصول إلى تراثه في بعض الحالات. لكن المسائل والاكتشافات التي يعرضها ابن العربي تكاد تمثل الثمانين بالمئة من مجموع التراث الإسلامي. نحسب ذلك مع استثناء الأبحاث البرهانية والإثباتية والجدلية بالطبع.
ولا شك أنه ليس من السهل استبعاد التأثيرات النفسية وحتى العقائدية والفكرية لتراث ابن العربي. فتراثه هذا ليس مجرد مسائل وقضايا يتم عرضها بمعزل عن تجربته الخاصة ونظرته للتاريخ والعالم. يأتيك ابن العربي بكله أو لا يأتيك أبدًا. يجب عليك أن تدقق وتحقق وتفكك لكي تستبعد أي شكل من الخطأ والباطل، لكن البطلان لا ينبغي أن يكون حجابًا عن حقائق ما زال كبار الفلاسفة يحلمون بفك رموزها.
شكّل محي الدين ابن العربي بتراثه تحديًا جديًّا لمنهج الفلاسفة كما فعل الفلاسفة بالمتكلمين. ورغم أن الفلاسفة لم ينزعوا بالعموم إلى تكفيره وهم يستحضرون ما فعله المتكلمون بهم في الأيام الأولى خصوصًا، لكن الفلسفة بمنهجها ما زالت تُمثل عائقًا أمام الورود إلى عالم العرفان. والذين يشجّعون على الفلسفة كمقدمة للعرفان يعلمون مسبقًا أنها ليست طريقًا إليه. المنصفون منهم يتراجعون ويعترفون بأن العرفان النظري غير قابل للفهم دون تهذيب الباطن وتصفية السر. لقد اصطنعوا عرفانًا سموه العرفان النظري ثم عادوا ليقولوا إنّ فهمه غير متيسر. هل كان ذلك عائقًا أوجدوه من الأساس لمنع الدخول إلى عرفان ابن العربي؟
التحدي الذي يمثله ابن العربي هنا يتجلى في المنهج الخاص الذي يُفترض أن يجتنب علم الكلام والفلسفة إلى حد الحرمة. لكنه عرفان يدّعي بأننا نستطيع الانطلاق من القرآن والسنّة في تمحّض خاص وتعبّد فريد يصل إلى حد المغالاة.
هناك من يؤمن بهذا الكلام ويعتبر أن الطريقة الوحيدة للتفوق على تراث ابن العربي تكمن في توسعة الاستفادة من القرآن الكريم والسنّة.
لا يبدو أن ابن العربي قد اعتمد منهج الاستقصاء الرائع الذي تتميز به مدرسة الفقه الإسلامي في مجال الاجتهاد. ورغم قوة حضور الآيات والأحاديث النبوية في مشاهداته وتفسيراته، فقد فاته الكثير أيضًا. أما عن قوة الروح وعمق البصيرة وسعة القلب، فهو أمر نتركه لمن يوفقه الله ممن اختارهم الله لإعلاء كلمته.
إشراقات الروح
لقاء الله هو الغاية القصوى من حركة الكائنات. لقاء الله هو الوجه الأبرز للمعاد الذي يعني العود إلى المبدأ. لقاء الله هو الحقيقة الكبرى التي ستتجلّى يوم القيامة.لقاء الله هو الهدف الأسمى لسير السالكين ورحلة العابدين ووجود المسلمين.فكيف سيكون هذا اللقاء؟ وكيف ينبغي أن نستعد له؟ إشراقات الروح الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 160 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-036-1 السعر: 10$
مقامات السالكين
تحرير لكتاب منازل السائرين للشيخ عبدالله الأنصاري وشرحه للشيخ القاساني، والذي يُعد من أجلّ الكتب وأرفعها في السير والسلوك والعرفان العملي. ولا نبالغ إذا قلنا أنه لا يوجد له مثيل في هذا الفن الأعلى من حيث الترتيب والمنهجية والتفصيل والعمق والدقة. ولهذا كان مورد تأييد واعتماد أساتذة العرفان وتدريسهم. مقامات السالكين تحرير وشرح: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 304 صفحاتالطبعة الأولى، 2009م السعر: 8$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراءه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
معراج السالكين
كتاب في السير والسلوك والتوحيد والمعارف العقائدية ومنهج محكم في تهذيب النفوس وباب مهم للدخول إلى عالم العرفان الأصيل يتضمن من المعارف ما يضفي عليه صفة الموسوعية رغم صغر حجمه. يمثل منهاجًا دراسيًّا يكاد يصل إلى حد الاكتفاء الذاتي. فإذا فُهم جيّدًا يصنع الشخصية الإسلامية الواعية العميقة والشاملة الوثيقة.. إنّه باختصار لب مدرسة الإمام وروح نهجه الذي نبحث عنه في عشرات الكتب الأخرى. معراج السالكين الكاتب: الإمام الخميني إعداد: مركز باء للدراسات حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي وكرتوني: 400 صفحة الطبعة الأولى، 2009مالسعر (للغلاف الورقي): 8$السعر (للغلاف الكرتوني): 9$
الله في العرفان
لمن يحب أن يتعمق في معرفة الله ويسبر أغوار الحقائق الإلهية. كتاب يختصر المعارف العرفانية العميقة التي تُعد آخر ما وصل إليه الفكر البشري في مجال معرفة الله وصفاته وشؤوناته، ويتعرّض لمعاني الاسم الأعظم والمقامات الإلهية والاسم المستأثر الذي حارت بشأنه عقول الخلائق. ويطرح طبيعة العرفان والشهود وما يميز هذه المدرسة عن غيرها من مدارس الإلهيات.وقد استفاد الكاتب من أهم ما كتبه الإمام الخميني وذكره في القضايا المذكورة وتعرّض لذلك بالشرح والتفصيل. الله في العرفان الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21.5غلاف ورقي: 272 صفحةالطبعة الأولى، 2014مالسعر: 8$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
لماذا نهرب من العرفان؟.. لماذا نخسر هذه القوة العظيمة؟
لو انفتح الناس كلهم على التراث العرفاني وانتشرت ثقافة احترام العرفان وأهله لصار صعبًا على المدّعين المارقين ترويج بضاعتهم المزيفة ولكسدت أسواقهم الرخيصة.
حول الغاية القصوى للسير والسلوك.. كيف نميز العارف الواصل من غيره؟
قيمة الكامل في عبوديته لله تعالى وفي خضوعه وتنفيذه لإرادة الله المتعلّقة بهذه الأرض. ولكي يتحقق بهذا الكمال يجب أن يطلع على برنامج هذه الإرادة ومشروعها الذي يتمثل في الشريعة الكاملة.
هل الفلسفة هي الطريق الوحيد للمعرفة؟
اشتهر بين المسلمين ثلاثة طرق للمعرفة، وهي الطريق الذي يعتمد المنهج الكلامي؛ والطريق الذي يعتمد المنهج الفلسفي؛ أما الطريق الثالث فهو الذي يعتمد طريقة تهذيب الباطن وتصفية النفس عبر مراحل السّير والسّلوك، وهو الطريق العرفاني. ولم يكن علماء المسلمين رافضين للمنهج التجريبي، لكنّهم اعتبروه محدودًا في إطار المحسوسات والمادّيّات. فقد تكشّفت النصوص الدينيّة كالقرآن الكريم والسنّة المطهّرة عن غنًى ملحوظ في مجال القضايا والمجالات التي تناولتها، وتمّ عرض وبيان الكثير من الأمور المرتبطة بحياة هي أوسع وأعمق بكثير من هذه الحياة الدنيا. فجذبت هذه القضايا الجديدة الفكر الإسلامي وأشغلته طوال القرون التي أعقبت ظهور الإسلام.
مميزات المذهب السلوكي لأئمة أهل البيت (ع).. ما الذي يختلف حين نصل إلى العرفان العملي؟
إذا كان لا بد من الخلاص من حب النفس ورؤيتها كشرط للوصول إلى مقام الفناء في الله وما بعده من مقام البقاء بالله..فلا شيء يمكن أن يضع النفس في لجة الانصهار والذوبان والفناء مثل الانتماء إلى جماعة ذات حركة تقدمية!
كيف نستفيد من التراث العرفاني؟ الحقائق بين المطلوب وكشف السر
لقد وفّقني الله تعالى للاطّلاع على التراث العرفانيّ ودراسة أهم أفكاره على مدى عدّة عقود، وكنت شديد الحساسيّة تجاه علاقته بتراث أهل بيت العصمة والطهارة ونهجهم المرتبط بالتعليم وكشف الحقائق للناس.
مشروع خدمة التراث الأخلاقي
كل من يتعرف إلى القيم الدينية وأخلاق الإسلام فإنّه يلاحظ البون الشاسع ما بين هذه القيم من جهة وواقع المسلمين من جهة أخرى.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...