المفكر العظيم الآتي
ثلاثة شروط لنجاح المفكر وانتشار فكره
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب أي مجتمع نريد
لا يمكن لأي مجتمع أن يستغني أبناؤه عن الفكر والاهتمام بالأفكار. المصيبة تكمن في أن يكون زادهم الفكر الضال والأفكار العبثية. الفكر بالنسبة للإنسان مثل الهواء، لا يمكن أن يعيش بدونه حتى لو لم يعترف بذلك كلما تنفس. معظم الذين يظهرون غير مبالين بعالم الأفكار يكون ذلك بسبب شعورهم بالامتلاء والشبع منها، أو بسبب سخطهم من عناوين ومجالات غير جذابة؛ كالذي يكره الفلسفة ويُعلن عن كرهه هذا بطريقة فلسفية!
لكي نضمن حياة سليمة لهذا المجتمع، ينبغي أن ننشر تلك الأفكار التي تساهم في الخروج من السطحية والعبثية والضلالة. هنا تأتي مهمة المفكر وصانع المحتوى.
قبل حصول هذه التطورات التقنية الإعلامية، كانت وسائل نقل الفكر بمعظمها تشكل ميزانًا لاختبار المفكر. لم يكن هناك مجال واسع كما هو اليوم لناقلي الأفكار الذين لا علاقة لهم بالابتكار والإبداع. كان الكتاب كفيلًا بتحديد مستويات المفكرين كالبحر الذي يكشف مهارة الغطاس. وكان للمنابر هيبتها حتى مع حضور الجماهير الانفعالية. أما اليوم، فقد بات بإمكان أي أحد ـ نعم أي أحد ـ أن يستعمل هذه الوسائل والوسائط الاجتماعية لتحميلها ما يرغب وما يشاء، دون أن يحسب حساب لأي رقيب مباشر (اضرب واهرب).
أضحى هناك مبتكر للمحتوى وهو المفكر، وصائغ للمحتوى يعيد إنتاجه بالطريقة التي تتناسب مع هذه الوسائط الجديدة. مهمتان متداخلتان في عالم الفكر اليوم.
الفراغ الملحوظ الذي يحتاج إلى زادٍ فكري كبير، بات أيضًا عاملًا يُعجز الناس عن التمييز بين هذا المفكر المبدع وناقل الفكر البحت. يكاد يستحيل على الإنسان العادي، بل المتوسط الاطلاع أن يحدد فيما إذا كان هذا اليوتيوبي قد ابتكر هذه الأفكار أو أنه يعيد صياغة كتاب قرأه (خاصة وهو يتصور أنه لن يكون مسؤولًا عن حقوقه الفكرية). قد يؤدي هذا الضجيج والصخب والكثرة العجيبة إلى زهد المفكرين بما لديهم. إن لم يجد المفكر من يستمع إليه، يضعف دافعه للابتكار والإنتاج.
لكن كل فكرة جديدة ومفيدة سيكون لها أثرها، وإن لم يُعطَ صاحبُها التقدير والحد الأدنى من الحقوق الفكرية. قد يكتشف ناقلُ محتوى هذه الفكرة ويعيد صياغتها ليستفيد منها الملايين. المفكر الذي يدرك هذا الواقع لن يزهد بعد ذلك بما عنده من جديد، إن كان يؤمن بأنّه لا يضيع عند الله عمل عامل منّا، من ذكرٍ أو أنثى.
إذا استثنينا التقدير والثناء والشهرة، يبقى عمل المفكر المبدع أحد أهم الأعمال التي يحتاج إليها المجتمع البشري اليوم. وهناك من يتجه تلقائيًا نحو هذا العمل دون قصد واع منه إليه. فالذين يتواجدون في أجواء الأبحاث العلمية والدراسات والمطالعات غالبًا ما ينتهي بهم الأمر وقد أنتجوا بعض الأفكار الجديدة. لكن هذا الانسياق غير الواعي له سلبياته. لا بأس بأن يتصور المفكر نفسه مضطلعًا بهذا الدور بكل مستلزماته. لن يزيده هذا الوعي سوى قدرة وتأثير.
ما هي شروط تألق المفكر اليوم؟
يوجد ثلاثة شروط أساسية لنجاح المفكر في عمله وتألقه في مهمته. فإذا اجتمعت في شخص واحد، صار له فضل القيام بدور عظيم التأثير.
الشرط الأول: أن يمتلك العمق العرفاني والفلسفي الذي يقترب كثيرًا من روح الدين وجوهره. لا يحتاج المرء إلى كثرة تأمل حتى يميز بين المفكر الثقيل وغيره. والكفة هنا تميل ميلًا كبيرًا نحو المتخصصين بالعرفان والفلسفة معًا.
رغم الادعاء بأنّه يمكن سلوك طريقة لمعرفة الدين بمعزل عن العرفان والفلسفة، لم يُحقق أصحاب هذا الادعاء أي تميز يُذكر لحد الآن. نعترف لهم بمجهود جمع بعض التراث وتبويبه، لكنهم ما زالوا بعيدين عن معنى المفكر الذي يقدر على فهم الواقع الاجتماعي والكوني وأزماته وتقديم الحلول لمشاكله.
مع قليل من الاطلاع والمقارنة، يظهر الفارق النوعي بين من يكتفي بالفلسفة بعيدًا عن العرفان. الفارق النوعي بين تراث العرفان والتراث الفلسفي يظهر كلما اقتربنا من نصوص الدين الأساسية. هكذا يصبح المتخصص بالعرفان، الذي لا يضيع فرصة الاستفادة من المنهج الفلسفي، أقوى من يعبّر عن الدين وينطق به، تفسيرًا وتحليلًا وبيانًا.
لكن هذا العرفان ورغم اتّساع آفاقه مقارنةً بأي علم آخر نشأ وسط التجربة الدينية، فإنه يقف متصاغرًا أمام الواقع المتحول الذي جرى تشكيله على مدى قرون غفلة أهل العرفان. نحن نعيش في عالم صنعه الآخرون، بمعظم ظواهره ومؤسساته وأنشطته وفنونه وأفكاره، إنّه عالم يميل أهل العرفان إلى اعتباره عالم الكثرات الذي يُفترض أن يتجاوزه من يريد الوصول إلى عالم الوحدة. لكنّ معرفته شرطٌ لتجاوزه. هكذا يجمد من يريد السير والانتقال من هذا العالم الجديد، وهو لا يعرفه.
إنّ تصوُّر أهل العرفان لعالم الكثرة اليوم يبدو أنّه ما زال محكومًا لتصوُّر القرون التي عاش فيها ابن العربي وأمثاله في أحسن التقادير. الوصايا الرائعة التي أتحفنا بها هؤلاء لكي ننجو من كثرات عالمهم لا تساعدنا كثيرًا على تجاوز كثرات عالمنا.
في معظم الحالات كان هؤلاء القدماء يعيشون في عالمٍ تأثر كثيرًا بالتجربة الإسلامية، رغم ما فيها من مشاكل وانحرافات. لكن تلك التجربة شيء، والتجربة الحالية لعالمنا شيء مختلف تمامًا. وإذا كان دور المفكر أن ينقلنا من عالم الكثرة (بكل أزماته وضلالته وعوائقه وموانعه)، فيجب عليه أن يفهمه جيدًا. وهذا ما يتطلب تأمين الشرط الثاني الذي نعبّر عنه بالاطلاع على الفكر الآخر.
وتكمن الصعوبة هنا في أنّ الكثير منّا يطلعون على الفكر الآخر عبر وسائط غير أمينة. منذ اللحظة الأولى التي صُدم فيها العالَم المسلم بالآخر مع بداية عصر الاستعمار الحديث، تصدى بعض أهل الفكر للدفاع عن حريم الدين دون أن يمتلكوا المعرفة اللازمة بما لدى الآخر. أكثر ما تلقيناه عن الآخر كان عبر هؤلاء الحريصين.
أما الشرط الثالث لنجاح المفكر الإسلامي فيعتمد بشكل كبير على قدراته البيانية التي يُفترض أن تنافس وتتفوق على بيان الآخر.
لم يعد بيان الأفكار مقتصرًا على الكتاب التقليدي، أو المنهج الجدلي الفلسفي. في الواقع يُعد هذا الأسلوب اليوم من أضعف الأساليب وأقلها تأثيرًا.
إن لم يتفطن المفكر إلى الأساليب المختلفة للبيان والتي منها الدراما والوثائقيات وغيرها، فسوف يبقى معزولًا عن العالم الذي يحب أن يخاطبه ويتفاعل معه.
الوسائل الحديثة للبيان تُشكل اختبارًا قويًّا للفكر أيضًا. حين نسعى للتعبير عن أفكارنا بهذه الأساليب سنكتشف ما فيها من غث وسمين. قد يتقلص التراث عندئذ كثيرًا حين يُراد له أن يعبر هذه الوسائل ويتعامل معها.
على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$
في ظل الجمود الفكري وفي ظل الحاجة إلى أجوبة عن أسئلة حساسة.. أين هو المنهاج العلمي الفريد؟
كل من يشرف على مراكز الإعداد والتعليم الإسلامي يفكر مليًّا في البرامج المُثلى التي تصنع المفكّر والعالم القادر على تعميق الوعي العام تجاه قضايا الإسلام الكبرى.. ولكن نظرة عامة على قضية المهدوية يبين لنا حجم الفراغ وعدد الأسئلة التي ما زالت دون أجوبة شافية.
القاعدة الذهبية للفتوحات العلمية الكبرى.. حول إخلاص العالِم وما ينجم عنه
كل طالب علم أو باحث وعالم يتمنّى لو أنّ الله يهبه العلم الكثير ويجعل قلمه ولسانه وسيلةً لهداية البشر. هل يوجد طريقة ما لتحقيق هذه الأُمنية الرائعة؟ ولماذا يتخلّى الكثيرون من أهل العلم عن هذا الحلم بعد مدة؟
حين يكون المجتمع مقبلًا على القيم.. ماذا عن حياة العلماء!
المجتمع الذي يُكرم العلماء حقًّا هو المجتمع الذي يشعر بحضورهم في حياتهم، من خلال التنعُّم بعلومهم وتقدير هذه القيمة التي يضيفونها إلى حياته ومسيرته، وهي قيمة لا يمكن أن يُستغنى عنها بوجه.
اختناق مسيرة العلم في المجتمع.. هل هي سبب الأزمة الحالية؟
“ما زال هناك الكثير مما يمكن أن يقال ويكتب حول الإسلام”، المرشد الأعلى آية الله العظمى الخامنئي حين نتأمل في عمق الثورة الإسلامية في إيران ـ والتي اعتُبرت أعظم حدث وقع في القرن العشرين، ما زالت تردداته مستمرة وستستمر إلى وقت طويل ـ فإننا نلاحظ بأن هذه الثورة كانت انفجارًا وقع بعد أن تهيأت إحدى مقدماته الأساسية، والتي قلما يشار إليها في أدبيات الثورة ـ سواء من قبل محبيها أو أعدائها. وهذه المقدمة الأساسية كانت عبارة عن حدوث طفرة نوعية في إنتاج ونشر الفكر الإسلامي داخل المجتمع الإيراني. ولم تكن هذه الطفرة سوى ثمرة جهود متضافرة لمجموعة من المفكرين والعلماء الذين أعادوا النظر إلى الإسلام من زواية المجتمع والسياسة.
عن أولوية العلم في مجتمعنا.. كيف يجب أن تكون العلاقة بين القيادة والعلماء؟
لا ينحصر النقاش حول العلم في أهميته ودوره وتأثيره على صعيد إدارة المجتمع، ولا ينحصر هذا النقاش في حقيقة العلم وتمييزه عن الجهل، وإنّما يتعدى ذلك إلى قضية ذات أهمية فائقة ترتبط بأولوية العلم على صعيد اهتمامات قادة المجتمع وإدارتهم. إن فرغنا من تثبيت قيمة العلم كسلطانٍ وقدرة، واستطعنا أن نتفق على المعنى الدقيق للعلم، يبقى الكلام بشأن موقعيته ضمن دائرة الأولويات؛ وذلك لأنّ العلم لا يأتي لنجدة القادة والمسؤولين كيفما شاؤوا، وإنّما يتطلب منهم سعيًا وطلبًا وتدبيرًا واجتهادًا.
إنتاج العلم.. شرط بناء الحضارة أين نحن منه؟
لدى المسلمين اليوم نوعان من العلوم: علوم مستوردة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التبعية والاستيراد من الآخر؛ وعلوم نابعة من ثقافتهم وتاريخهم، ميّزتهم على مدى القرون عن غيرهم من الحضارات ومنحتهم قوّة حفظ الهوية التي هي أكبر مُستهدف في صراع الحضارات وتفاعلاتها. وما لم يتحقّق الاستقلال العلمي في النوع الأول، يبدو أنّ هذه العلوم لن تزيد المسلمين إلا تبعية للآخر المهيمن المتفوق في مجالاتها.
3. أركان المجتمع العلمي، دور المفكّر في بنائه
لكي يتحقق المجتمع العلمي لا بد من تشكّل سلسلة من الحلقات تبدأ من المنبع الحقيقي لتصل إلى الإبداع والفن فما هي هذه الحلقات وكيف تتصل وتتواصل؟
6.لا طبقيّة في المجتمع العلمي
إن تقسيم المجتمع الى طبقتين عالمة وعامية له جذوره في الرؤية التي سادت في أوساط أهل العلم طيلة قرون من الزمن، باعتبار أن العلم الذي ينبغي الوصول إليه حكر على عدد قليل من الذين يتمتعون بالمقدرة العلمية والذهنية، وعلى باقي الناس أن يعملوا وفق ما تقوله هذه الفئة القليلة. لكن الرؤية الصحيحة للعلم تبيّن أنّ العلم متاح للجميع ويمكن لهم أن يصلوا إليه بسهولة فتنتفي الطبقية العلمية التي هي أحد أسوأ أنواع الطبقيات في تجارب التاريخ.
2. من أين ننطلق لنصنع المجتمع العلميّ؟
هل تعلم أنّ المجتمعات البشرية تعاني كثيرًا من الجهل؟ المجتمعات الإسلامية اليوم لا تمتلك الكثير من المعارف والعلوم التي تحتاج إالها في إدارة شؤونها وتحقيق التقدم والازدهار.. هل تعلم أنّ القرآن الكريم يتضمن كل ما تحتاج إليه البشرية من معارف وإنّه المصدر االوحيد للعلم فكيف نصل إلى معارف القرآن؟
5. ضرورة الإنتاج الفكري في المجتمع العلمي
يحتاج المجتمع العلمي إلى المفكرين لأنّهم يقومون بتطبيق مبادئ الإسلام والاجتهاد وأصول الشريعة على الواقع المُعاش والقضايا الزمانية، ففي كل عصر وزمان هناك مقتضيات تنشأ من التطوّر والتحوّل الاجتماعي والسياسي والتكنولوجي، وكل هذه تؤدي إلى نشوء قضايا تحتاج إلى عملٍ فكريٍ أصيل.
أهمية التفكر العلمي في قضايا الوجود
رحم الله امرئ عرف من أين؟ وفي أين؟ وإلى أين؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...