
ماذا سيحدث حين يكون الفارق في القدرة هائلًا؟
حول مستقبل الصراع بين المستضعفين والمستكبرين
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب أي مجتمع نريد؟
{قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْديكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنينَ}
حين يكون الفارق في القدرة بين الظالم والمظلوم كبيرًا جدًّا: ما هي السنن التي يمكن أن تجري عليهما؟ وما الذي يمكن أن نتعلمه من دروس هذا المشهد المهول؟
عمليّة مراكمة القوة أو الضعف في أي أمّة أو شعب لا تكون فُجائية أو بالصدفة؛ حتى لو اعتبرنا اكتشاف قارة أمريكا بأجزائها الثلاثة حادثة غير متوقعة أو مُخطَّط لها، مع ما جلبته للأوروبيين من ثروات تفوق التصور، وما أدت إليه من حيث تأمين مقدمات تشكل قوة عظمى فيهم، أضحت اليوم إمبراطورية تحكم أكثر من ثلثي العالم، يبقى الأمر ضمن نطاق السعي والإرادة البشرية الواعية.
لا يوجد في حركة المجتمعات البشرية سوى الجهد والسعي والذكاء والتدبير والبصيرة. وبمقدار ما تكون هذه القيم حاكمة ومتبناة يسلك المجتمع طريق مراكمة القوة أو الضعف. فإذا كنا أمام صراع مستديم بين مجتمعين أو حضارتين، ثم وجدناهما وقد اتسع الفارق في القوة بينهما بشكل كبير، فلا يعني هذا سوى أن أحدها كان يراكم القوة على مدى الزمن، فيما الآخر كان يراكم الضعف. لقد سلك كل منهما طريقًا طويلًا من الاقتدار والاستضعاف.
وحين يصل هذا الفارق في القدرة إلى مستوى من التفوق حيث يكون الظالم قادرًا على إبادة المظلوم في لمح البصر، ويكون المظلوم أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا العيش بذلّة أو الموت بعزة، هنا سنكون بين يدي بعض السنن الإلهية المهمّة التي يمكن أن نتعلّم منها الكثير.
لا معنى لقوة أي مجتمع، إلا بعد المقارنة بشيءٍ آخر، كقوة مجتمع آخر. قوة أمريكا العظمى ليست عظيمة إلا حين تتم مقارنتها بقوة لبنان أو إيران على سبيل المثال. هذه القوة نفسها قد تكون لا شيء بلحاظ الآمال والأماني والطموحات التي تشغل بال حكّامها وملوكها. ففي مثل هذه الحالة نجدها واهية ضعيفة عاجزة عن تحقيق أي شيء من تلك الآمال والمخططات.
وحين تكون كفة القدرة راجحة لمصلحة الظالم وبهذا المستوى، نفهم أنّ الله تعالى يُريد أن يُجري على هذا الظالم سُنّة مذهلة وقانونًا عجيبًا، وهو جعله سخرية وهُزُوًا ليكون أجمل عبرة وأكبر مظهر لغلبة الحق وقدرته وجبروته. في مثل هذه الحالة يجب أن يصل الظالم إلى درجة عالية من القدرة الظاهرية، حتى يكون الانتقام الإلهي مفيدًا لذلك الاعتبار النوعي ولظهور أسمائه القدير والقاهر والمتكبر سبحانه.
هناك العديد من وسائل الانتقام الإلهي من الظالمين، مثل إنزال العذاب والابتلاء بالسنين، لكن لا يوجد انتقام يحمل الكثير من الاستهزاء والسخرية مثل تغلّب فئة قليلة مستضعفة عليهم. في مثل هذه الحالة يرتفع مستوى ظهور الاسم الإلهي وتجلّيه ليصل إلى درجة قريبة من المعجزة. لا يكون وراء عدم الإيمان هنا سوى الجحود. هدية إلهية أخرى ونفحة إيمانية كبرى للعباد؛ وربما من غير استحقاق منهم أبدًا.
تُصبح هذه الهدية الربانية أعلى قيمة بالنسبة لمن يتلقّاها حين يُفهم مغزاها ويُبنى عليها قواعد الإيمان المتين. ولكي يتحقق هذا الإيمان ويزدهر فيهم، يحتاج هؤلاء المستضعفون إلى بصيرة ووعي تجاه ما جرى بالنسبة لفارق القدرة. وهنا يبرز السؤال الأهم: ما الذي حدث؟ وما الذي أوصلنا إلى هذا الفارق الكبير في القدرة؟
إن نصر اللهُ فئةً قليلةً مستضعفة على عدوٍّ مدجّج مهيمن متجبر، ولم تكن هذه الفئة تحمل استعداد الفقه والفهم لهذه القضية الحساسة، فربما سيرتد النصر عليها ضلالةً وانحرافًا. الاستفادة من عبر التاريخ شرطٌ أساسي لكي يسلك المجتمع طريق التقدم الحقيقي.
نظرة عابرة تُبيّن مدى ضعف المسلمين أمام الإمبراطورية الأمريكية التي تستطيع أن تحشد من القوى العسكرية والأمنية والاقتصادية والبشرية والتقنية والثقافية والإعلامية ما يفوق كل ما يمكن أن تجمعه أي فئة منهم بآلاف المرات. فهذه القوة المتغطرسة التي لم يعرف البشر لها مثيلًا، يمكنها أن تحشد عشرات ملايين الجند من شتى أنحاء العالم، ليس فقط من الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية ودول الخليج ومصر والمغرب والكيان الغاصب فحسب، بل حتى من العديد من الدول التي لا تتجاهر بالعداء للإسلام. هذا فقط على صعيد الموارد البشرية التي تتقلص إمكاناتها أحيانًا مع وجود كل هذه الأسلحة الفتاكة المدمرة الشاملة التي لا تحتاج إلى عددٍ كبير من الجند. والأشد من ذلك الفارق النوعي المُذهل على مستوى الاقتصاد، حيث نرى معظم المجتمعات المسلمة معتمدًة بالكامل على أمريكا للبقاء ولو بضعة أيام. وأدهى من الكل تلك القدرات العجيبة على المستوى الفكري والعلمي والثقافي والإعلامي، التي تجعل أي سعي يريده المستضعفون أو خطة للتأثير على الرأي العام العالمي كنفثةٍ في بحرٍ لجّي!
أحيانًا نحمد الله على أنّ معظم المسلمين لا يُدركون حجم قوة الإمبراطورية الأمريكية والفارق بينهم وبينها. هذا ما يسمح لبعض القادة أن يحثوا على السعي لإعداد القوة بعيدًا عن اليأس المُطبق الذي يمكن أن ينشأ من هذا الإدراك!
لكن هذه المقارنة سرعان ما تنقلب رأسًا على عقب إن نظرنا إلى الإمكانات الكامنة والذخائر المستودعة التي لم يستعملها أحد لحد الآن، والتي يمكن أن تحصل عليها أي جماعة في العالم مهما كانت قليلة أو ضعيفة. فهذه الإمكانات الكامنة التي أكثرها في السماء يُمكن أن ترجّح كفّة ميزان القوة لمصلحة الفئة القليلة إن هي اتصلت بها وأحسنت استعمالها!
وأعجب ما في هذه الإمكانات الكامنة المهيئة للمظلوم قدرة عدوّه الظالم نفسها. ففي عالم الوجود، لا يمد الله الظالمين بأي قدرة إلا من أجل تنفيذ إرادته وتتميم كلماته عزّ اسمه. ويستحيل أن يكون هناك مدد إلهي ـ حيث لا مدد إلا منه تعالى ـ يخالف إرادته ويعمل خلاف حكمته وعدله، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرا.
هذا الفارق النوعي الذي تحقق على مدى القرون في معسكر الظالم إنّما كان في الواقع مددًا وإعدادًا إلهيًّا بانتظار أن تأتي جماعة فتستفيد منه لتكون مظهرًا لقدرة الله وقاهريته وسطوته، حيث الهدف الأكبر من وراء خلق الظالم والسماح بتشكل القوى الطاغوتية هو جريان سنّة الله تلك.
الجماعة المؤمنة الواعية التي نهضت من بين ركام الضعف الشديد وهي ترى الفارق النوعي في القدرة بينها وبين عدوّها الظالم، يجب أن تعتبر أنّ قدرة الظالم وإمكاناته ليست سوى مدد إلهي لها، جرى إعداده وتهيئته على مدى السنين. وما عليها سوى أن تنال هذا التشريف الإلهي في أن تكون مظهر تلك النقمة ووسيلة تلك السنّة الإلهية من خلال وعيها العميق لهذا الدور واستقباله.
الفارق النوعي في القدرة يعني أنّ ما ينتظر الظالم المتفوق هو سخرية تؤدي إلى موته غيظًا قبل موته قتلًا. وإنما ينشأ موت الغيظ ويحدث من مشاهدة هذا الظالم لكل ما أنجزه عاملًا لفشله وسقوطه وخزيه. هذه سنّة الله الكبرى في الظالمين.
أما المظلومون فإن أرادوا ذلك التشريف فعليهم أن يبدأوا من التفسير الصحيح للعوامل التي أدت إلى ذلك الفارق النوعي في القدرة بينهم وبين ظالميهم. وهذا ما لا يتحقق إلا بالرجوع إلى النقطة التي بدأ منها سير كل فئة في اتجاه الضعف والقوة.
فعند هذه النقطة بالتحديد، وحين كان بإمكان هؤلاء الذين أصبحوا بعد مدة مظلومين مضطهدين مستضعفين أن يستأصلوا تلك الجذور التي ستولّد ذلك الظالم المتغطرس فيما بعد، يجب أن نجد الجواب الشافي لهذا السؤال: لماذا لم يفعلوا ذلك؟
وقد يبدو لهم أن من يتحمل مسؤولية هذا الخطأ الفادح هم الأجداد البعيدون الذين انقطع أي نوع من التواصل معهم. لكن كل من يعرف كيفية تشكُّل الأمم ووصولها إلى حاضرها يُدرك تمامًا العلاقة السببية بين أفعال السلف وأتباع الخلف لهم والسير على نهجهم وتعظيمهم وتمجيدهم.
إنّ وصول أي مجتمع إلى إدراك نقطة البدء هذه، والقدرة على تفسيرها واستخلاص الدروس منها هو الذي يضع هذا المجتمع على الطريق المؤدي إلى ذلك التشريف الإلهي.

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

لماذا تعجز المقاومات عن تغيير بلادها.. وجدلية القدرة والفعل
الحياة الاجتماعية بكل شؤونها وقضاياها ساحة مهمة لاختبار أعظم تجربة في الوجود. وكلما أضحت هذه الساحة صاخبة بالأحداث المصيرية، كانت فرصها أعظم وأفضل. لقد منّ الله علينا بأن جعلنا في قلب أحداث العالم وفي الخطوط الأمامية لأكبر المواجهات الحضارية.

كيف ننتصر على القوى الطاغوتية؟
ما لم نعد النظر في مناهجنا التربوية وبرامجنا التعليمية ونصوغها من جديد على أساس متطلبات هذه المواجهة وهذا الصراع، فإنّنا لن نفلح وستبقى المواجهة العسكرية مستمرة إلى ما شاء الله.

المقاومة من أجل الحضارة.. لماذا يجب أن نصرّ على هذه الأطروحة؟
إذ كنت مهتمًّا بمستقبل مجتمعك وشعبك، فأنت بحاجة إلى التفكير بموقعيّته الحضارية في عالم الغد؛ فلا شيء يحدّد مستقبل أي شعب مثل إدراك ما سيكون عليه على المستوى الحضاريّ في الزّمن الآتي.

قضيّة الله بين الماضي والحاضر.. كيف استطاع الشيطان أن يحرفنا عن أعظم قضايا الحياة؟
حين نتأمّل في الآيات الكثيرة التي تحدّثت عن حركة الأنبياء ودعوتهم ومواجهاتهم للطواغيت، نلاحظ بصورة واضحة كيف كان تجلّي قضية الله وظهورها في خطاباتهم. وقد استطاع هؤلاء الأولياء الربّانيّون أن يجعلوا هذه القضية على رأس قضايا الصراع والمواجهة أينما كانوا، فأحرجوا بها أعداءهم، الذين كان همّهم الأكبر ترسيخ زعاماتهم والتحكّم بمصائر الشعوب.

دروس لم نتعلمها من الصراع.. في محاولة لفهم أسباب الهزيمة وعوامل النصر
ما زالت قضية فلسطين عابقة بالدروس التي تنادي أهل الوعي والبصيرة لاستخراجها وتقديمها. قضية فلسطين تُمثل اليوم الباب الأوسع لفهم واقع العالم ونظامه الدولي.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...
مجالات وأبواب
نحن في خدمتك

دورة في الكتابة الإبداعية
الكتابة فن، وأنت المبدع القادم دورة مؤلفة من عدة فصول نواكبك حتى تنتج روايتك الأولى