
في البحث عن عوامل النصر المؤزر
ماذا عن نفوذ شخصية القيادة؟
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب هل اقترب الوعد الحق
نفوذ كلمة القائد يعني تحقق ما يريده في واقع العمل والتطبيق. هذه هي قرة عين القادة أينما كانوا. هناك عوامل عدة تُضعف هذا النفوذ وتحد منه؛ على رأسها مشكلة تعود إلى مستوى نفوذ شخصيته في الأتباع.
ليس من السهل أن يصبح الإنسان قائدًا بنظر أتباعه. قد يُعطى منصبًا يتيح له أن يمارس دور القيادة، لكنّه لا يتمكن من الوصول إلى مقام القيادة. المدير والرئيس والزعيم والملك لن يكونوا قادة بالضرورة. فالقيادة تقوم على أساس توجيه طاقات الأتباع نحو تحقيق الأهداف التي تؤمن بها.
توجُّه البشر ومعهم الإمكانات نحو تحقيق هدفٍ معيّن يتطلب ما هو أكثر من القناعة، خصوصًا إذا كان الهدف بعيدًا وكبيرا.
بعض هذه الأمور لا علاقة لها بمستوى كفاءة القائد نفسه، بل بمدى نفوذ شخصيته في القلوب والأعماق. قد يكون القائد عالمًا حكيمًا خبيرًا، ولكن من يُفترض أن يتّبعوه غير مدركين لكفاءاته، أو لا تمثل لهم هذه الكفاءات أمرًا ذا بال.
اقتناع الناس بضرورة طاعة شخصٍ ما واتّباعه غالبًا ما ينبع من رؤيتهم الكونية وعقائدهم وإيمانهم بالحياة والمصير. المؤمنون بالله يتعاملون مع رسله على أنّهم قادة يجب اتّباعهم، وكذلك الأمر بالنسبة لأولي الأمر المنصوبين من الله.
اعتبار مجموعة من الكفاءات والشروط عنصرًا محددًا للقائد ينشأ من العقيدة والرؤية الكونية أيضًا. كلما كانت العقيدة التي يؤمن بها الناس قيمية، فسوف تتصدر الكفاءات هذا المشهد وتساهم في تحديد القيادات المطلوبة. لا يبقى سوى الكشف عنها في شخصٍ ما.
المقصود بالعقيدة القيمية هي تلك العقيدة التي تعتبر الكمالات الواقعية عنوانًا للقداسة، لا العرق ولا الإنجازات المعزولة عن الكمالات.
لا شك بأنّ الإنجازات والأفعال هي أدلة على الكمالات؛ لكن لهذه الكمالات لسان يحكي عنها هو أقوى حجة من الأفعال أحيانًا؛ فالعلم يبقى غالبًا أوسع من العمل. قد يمتلك العالِم الكثير من الأفكار الرائعة والمعارف الصحيحة التي لم تظهر أو تتجلى في واقع العمل. أهل العلم والخبرة في المعرفة يقدرون على اكتشاف ذلك أكثر من غيرهم.
حين تقوم عقائد الناس على تمجيد الكمالات الواقعية، يسهل بعدها اكتشاف أهلها ويتيسر اتّباعهم.
على مقياس التطبيق، يمكن أن نلاحظ اختلاف القادة في النفوذ. من الطبيعي أن يقل نفوذ القائد كلما علت همّته وتوسعت آفاقه وكبر مشروعه، فيما إذا كان هو في وادٍ والأتباع في وادٍ آخر. لكن إن استطاع هذا القائد أن ينقل الناس إلى عالمه ويكشف لهم عن آفاقه، فمن المتوقع أن نحصل على قيادة استثنائية هنا.
بعض الجماعات البشرية تعيش وسط ثقافة ذات قابليات عظيمة. يسهل طرح المشاريع الكبرى والدعوة إلى الأهداف العظمى فيها. فهي ثقافة متصلة بالسماء. يكفي لهذا القائد أو من معه أن يفعّلوا تلك العناصر الكامنة في هذه الثقافة. وهذا ما يجري عبر تفسير النصوص المقدسة فيها.
إذًا، عملية التفسير والتبيين تأتي وسط عملية تشكّل القيادات في أي ثقافة. إذا كانت الثقافة دنيوية، قد يتطلب الأمر إقناع الناس بأنّ هذا الشخص سوف يحقق لهم الرفاهية المادية. وهذا ما يفسر صعود الرأسماليين الكبار إلى مواقع الرئاسة في أمريكا وبعض المجتمعات الأخرى. ولعل هذا ما كان يُشار إليه في المقولة المشهورة "كما تكونوا يُولّى عليكم".
ظهور المهدي المخلّص لا ينفك عن هذه القاعدة. يتمتع هذا الإنسان الرباني بكمالات تحمل مشروعًا لإنقاذ العالم كله؛ لكن، هل يؤمن الذين يدعون لظهوره بمثل هذا الحلم أيضًا؟
المسألة الملفتة هنا هي أنّ هذا الإمام لا يُفترض إذا ظهر وخرج لتنفيذ مشروعه أن يفشل أو يُخفق. هذا ما كان يؤخر خروجه طيلة هذه القرون. بحسب تعبير البعض: الإمام المهدي هو آخر ذخيرة إلهية للبشرية ولهذا فهو يُدعى بقية الله.
بالرغم من أنّ هناك من لا يعتقد بوجود مثل هذه العلاقة (بين حلم القائد وحلم الأتباع)، فإنّنا لو وردنا قضية المهدوية من بوابة القيادة الواسعة، لعلمنا أنّ الأمر كذلك فعلًا. فإنّ عدم فشل الإمام يستلزم طاعة أتباعه بصورة مطلقة. وهذه الطاعة الاختيارية ستكون مبنية على الإيمان والاقتناع التام بمشروعه وأُطروحته.
كانت تجربة قيادة الفقيه الجامع للشرائط فرصة لكي يعيد الكثيرون النظر في هذه العلاقة. لم تكن معالمها واضحة كما هي عليه اليوم. أكثر هؤلاء كانوا ينظرون إليها من مشهد مجالس الدعاء والندبة والتوسل وحرقة القلوب. لم تسنح الفرصة للمؤمنين ليعيشوا تجربة طاعة قيادة شرعية كما حصل بعد انتصار الثورة الإسلامية. وهنا، أتصور أنّ تلك الحيرة التي ميزت ذهنية عصر الغيبة قد انقشعت إلى حدٍّ كبير.
إنّ غيبة هذا القائد الإلهي كانت تؤرّق علماء كبار وترمي بهم في حيرة المجهول. أمّا اليوم، فبتنا نشاهد بوضوح الفارق النوعي بين الطلب والتمني والترجي من جهة، والفعل والتطبيق والتنفيذ من جهة أخرى. إنّ إتّباع القائد وتنفيذ مشروعه وتطبيق أطروحته هو أعقد بكثير ممّا كان يُتصور.
هناك عاملٌ مهم يتجاوز السطح والقشر، وهو يرتبط بنفوذ شخصية القائد في أعماق النفوس. الاعتقادات وحدها لا تكفي. حتى العلاقة العاطفية الودية لن تكون قادرة على الوصول بهذه الطاقات إلى المستوى المطلوب. هذا ما كنّا نبحث عنه طيلة هذه العقود. فالاعتقاد موجود والود حاصل، ومع ذلك يقف هذا القائد حائرًا كيف يعالج ضعف الاتّباع ومشكلة التنفيذ!
إنّ وصول الأتباع إلى مستوى الانسجام والتماهي التام مع الأطروحة والمشروع يحتاج إلى كفاءات تتناسب معهما. وعلى مدى القرون لم يتم تناول هذا الأمر بالشكل اللازم في البحث والدراسة والتحليل. اكتفى الباحثون في الثقافة المهدوية بالتأكيد على الطاعة المطلقة والانقياد الأعمى عند الأنصار والخواص. البأس الذي تكلموا عنه يشبه بأس المقاتلين الأشداء الذي نعهده في الحروب والمعارك. ولهذا، تم توجيه قسم مهم من عملية التمهيد باتجاه بناء قوات مسلحة. لكن معارك اليوم تزداد تعقيدًا ويزداد معها الاقتناع بأهمية عمق النفس والطاقات الإنسانية الفريدة، وإن لم يكن هذا الاقتناع متناسبًا مع القضية.
إنّ معالم شخصية الأتباع الحقيقيين تتبلور يومًا بعد يوم في نطاق المواجهة الحالية التي تعقدت وتعمقت كثيرًا (لم يكن ليخطر على بال أحد قبل خمسين سنة أنّنا سنواجه كل هذه التحديات والأسلحة والتقنيات). قلة اليوم من يستطيعون أن يتصوروا طبيعة المواجهة الآتية.. يفاجئنا العدو عند كل اصطدام بأنّه يستخدم العلوم الحديثة والتكنولوجيا بصورة تفوق استيعابنا. تتسع الهوّة يومًا بعد يوم، ويحاول البعض منّا اللحاق، لكنّهم يسيرون على الدرب الذي شقّه العدو نفسه.
من الصعب أن نشتق دربًا متصلًا بهذا القائد الرباني لأنّنا لا نعرف عنه إلا القليل. نحتاج إليه لكي يلهمنا نصرته. لكن ذلك يبدأ حين نؤمن بهذه المعادلة الإلهية {إن تنصروا الله ينصركم}.[1] يجب أن تتوجّه كل الجهود والطاقات والمشاريع والأعمال نحو نصر الله حتى نحصل على نصره المؤزّر.
هل جلسنا وتباحثنا بعمق في شأن نصرة دين الله الذي هو أفضل مظهر لنصرة الله؟
حين تسيطر الاعتباطية والخفة على مثل هذا المبحث الكبير، فلا ينبغي أن نتوقع نزول ذلك الإلهام.
[1]. سورة محمد، الآية 7.

بحثًا عن أنصار المهدي(عج)
بعد فاجعة كربلاء الكبرى لم يعد بإمكان أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) الخروج والعمل السياسي العلنيّ ومواجهة الظلم بصورةٍ مباشرة. وقد أعلن أئمّة هذه المرحلة ـ التي استمرّت حتى الغيبة الصغرى ـ أنّ سبب ذلك هو قلّة الناصر.

لماذا لم يظهر الإمام؟ زيارة جديدة لقضية قديمة
يحتاج أهل الأرض إلى فيض السماء؛ فإذا انقطع ساخت الأرض بأهلها. كل خير يحتاجه أهل الأرض يأتي من السماء، كما قال تعالى: {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ}..هذا العلم الذي ينزل من السماء قد نزل كله منذ أن بعث الله محمدًا صلى الله عليه وآله رسولًا.

لماذا اقترب الظهور العظيم؟ إحدى العلامات الكبرى لخروج الإمام المهدي
مع تبدّل مسار الحركة البشرية، من الحكومات الاستبدادية الملكية إلى المزيد من مشاركة الشعوب، لم يعد أمام الدول المختلفة إلا أن تقيم حكوماتها وأنظمتها على أسس فكرية وفلسفية قوية.

العالم عشية الظهور... أين نحن من يوم خروج الإمام المهدي؟
إنّ ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) يقوم على تحقّق حالة اجتماعية سياسية أساسية لا يشكّ فيها أي عارف بدور الإمام المعصوم وما يمثّله؛ وهذه الحالة أو الوضعية الاجتماعية عبارة عن وجود جبهة حقيقيّة تدعو إلى الإمام المهدي وتطالب به باعتباره قائد عملية التغيير الكبرى في الأرض.

متى يظهر الإمام؟
توصلنا المبادئ العقلية المحكمة التي تثبت ضرورة وجود إمام معصوم كامل ـ له الولاية التكوينية المطلقة والخلافة الإلهية العظمى ـ إلى مبدإٍ أساسيّ، وهو أنّ غياب هذا الإمام عن الأنظار لا بدّ وأن يندرج ضمن فلسفة وجوده وحكمة ولايته وتدبيره.صحيح أنّ غياب مثل هذا الإنسان الكامل عن الأنظار هو نوع من النقمة الإلهية والعقاب الربّاني، ولهذا لا يمكن أن يتساوى ظهوره مع غيابه أبدًا؛ لكن جميع النقمات الإلهية يمكن أن تصبح ذات فائدة فيما لو تلقفها المؤمنون كنوعٍمن التربية الربانية. ولا شك بأنّ الدور الأكبر للإمام يكمن في إصلاح العالم وتبديل الأرض من خلال إقامة حكومة الله عليها وتطبيق الدين في كلّ مجالات الحياة.

لماذا ما زلنا نجد من لا يؤمن بالتمهيد؟ وما هي الأسباب التي تدعو البعض إلى معارضة الممهّدين؟
بعد مرور أكثر من ألف سنة على غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ما زلنا نشاهد أفرادًا وجماعات تعتقد بأنّه لا يجوز العمل بأي نحو من أجل التمهيد لظهوره وخروجه؛ هذا، بالرغم من ادّعاء هؤلاء الاعتقاد بوجوده وإمامته!

ما هي أولويات التمهيد؟ وما هي قصة المعضلة الأخلاقية فيه؟
ننطلق في هذا المقالة ممّا توصلنا إليه في المقالة المندرجة تحت عنوان "بين حكومة أمير المؤمنين وحكومة المهدي"، حيث تبيّن لنا أنّ العنصر المحوريّ لنجاح حكومة الإمام ومشروعه يكمن في تمتع الأنصار والأعوان الذين يعتمد عليهم في القيادة بمواصفات أخلاقية عالية، تثبّتهم على التقوى وتمنعهم من الخيانة والانقلاب على الإمام وأهدافه. فإذا كان النجاح الأخلاقي شرطًا أساسيًا لنجاح تجربة التمهيد وما بعدها؛ فكيف يمكن لمن يتحرق قلبه ألمًا على فراق الإمام وغيبته أن يسعى لإيجاد هذه البيئة؟

القيادة العالمية للإمام المهدي (عج)
إنّنا نعتقد بأنّ الإمام المهدي (عج) سيُغيّر العالم ويُصلحه من خلال إقبال الناس على قيادته أكثر من أيّ شيء آخر.. فحين ترى شعوب العالم أنّ هذا الإنسان يُمثِّل أجمل ما عندها من قيم، ويرونه تجسيدًا لتلك المبادئ الإنسانية الرفيعة التي آمنوا بها، سيُقبلون عليه وسرعان ما يتخذونه قائدًا لهم؛ وهذا الأمر بحدّ ذاته هو أحد أهم الأعمال التي سيقوم بها هذا الإمام لإثبات موقعه القيادي لهذه الشعوب في العالم كله. وبخلاف الصورة النمطية السائدة التي نتصوّر معها أنّ هذا الإمام سيحمل السيف ويفرض الإسلام على شعوب العالم، فإنّ ما سيحصل في الواقع هو أنّ هذه الشعوب ستجد في هذا الإمام القيادة والقدوة التي تحلم بها.. ولكي يتحقّق هذا الأمر، سيقوم الإمام بتفعيل خطاب القيم من داخل منظومة وثقافة كل شعب أو أمة.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...