
زيارة جديدة للعلم والتعلّم
لماذا يجب توجيه سيرنا العلمي نحو العلم النافع؟
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب لماذا اتعلم؟
عن أمير المؤمنين(ع) أنّه قال: "وقفوا أسماعهم على العلم النافع".[1]
قدّم المسلمون تُراثًا واسعًا من المعارف التي ترتبط بالقضايا الكبرى في الحياة والوجود. لكن تناول القضايا الكبرى لا يعني بالضرورة أنّ ما يُقدم حولها نافعٌ ومفيد. قد تكون المقاربة خاطئة أو قد يكون المنهج البحثي غير مُنتج أو ضعيف الإنتاج. ففي أجواء الخصومات والنزاعات الكلامية والمذهبية، وفي البيئة غير المناسبة للتنوير، قد تصبح المعارف التي ينتجها أهل العلم بعيدة عن الهدف الذي يرتبط بسعادة البشرية وكمالها.
لذلك نحن بحاجة إلى التأكيد على أمرين أساسيين:
الأول: اعتبار العلم النافع هو المقصد الوحيد للتعلم والحركة العلمية.
الثاني: ضرورة تحديد معايير العلم النافع وتطبيقها على التراث.
من حيث المبدأ لا يوجد اختلاف حول ضرورة التوجه إلى العلم النافع وطلبه، لكن تنقصنا الجرأة للتأكيد على فداحة الخطأ في الخوض فيما عداه. مجرد اعتبار الاشتغال بما لا ينفع تضييع غير كاف. يجب أن نعتبر أنّ الخوض فيما لا فائدة واقعية له سببًا للضلالة. وهذا ما يُحتّم علينا اعتبار من يلقي العلم غير النافع ضالًّا أيضًا.
إنّ النور الذي نرجوه من العلم هو الذي يتأتّى من بحثنا عن الفائدة والنفع فيه. حين تغيب عنا هذه الفكرة ولا نتبعها، فإنّ كل علم نناله سيكون سببًا لضلالتنا ووقوعنا في ظُلمة الحيرة. قد تنطبق علينا هذه الآية بشكل مؤكّد: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْم}.[2]
الضالون المضلون بالعلم ليسوا بأهون من الضالين بالجهل. قد تبدأ المشكلة من تضييع الوقت، لكنّها تنتهي إلى انحراف وضياع كبير. كثرة المعارف والعلوم قد تحجب عن الحق وتصد عنه. ما أكثر الذين اتبعوا فلانًا العالم لأنّه كثير العلم، ولم ينظروا إلى النور فيه. التكاثر في العلم ليس أقل ضررًا من التكاثر في المال.
كلما ترسخ المبدأ الأول صار الوصول إلى المعايير أيسر وأوضح.
لا نتحدث هنا عن العلم الضار الذي هو أمرٌ وجداني، بقدر ما نريد التأكيد على خطورة العلم غير النافع. غير النافع يصبح ضارًا على المدى البعيد. فعن أمير المؤمنين (ع): "عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ كَدَوَاءٍ لَا يَنْجَعُ".[3]
عن عِيسَى (ع): "لَيْسَ بِنَافِعِكَ أَنْ تَعْلَمَ مَا لَمْ تَعْمَلْ إِنَّ كَثْرَةَ الْعِلْمِ لَا يَزِيدُكَ إِلَّا جَهْلًا إِذَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ".[4]
هناك الكثير من المعارف التي لن تنفع الإنسان إلا بعد الموت. الجهل بها لا يؤثر على مسيره في هذه الحياة رغم أنّها من حقائق الوجود الكبرى. في بعض الحالات يكون الأمر شخصيًّا، بمعنى أنّ هذا العلم لا يكون نافعًا لفلان لكنّه يكون نافعًا لغيره. ولذلك يرتبط هذا الأمر بالسير الخاص لكلّ واحد منّا. وفي حالاتٍ أخرى، يكون النفع في الآجل لا في العاجل، فيترك طلبه في الحال دون المستقبل. لكن يمكننا وضع اليد على مجموعة من المعايير العامة التي تنطبق على كل فرد وفي كل زمان.
فمن باب المثال قضية الخلود في النار هل هي بمعنى تأبيد العذاب وسرمديته أو بمعنى البقاء والثبات طويلًا؟ هل يستحق مثل هذا البحث أن ندخل في خلافات واتهامات تصل إلى حدِّ التكفير؟!
ألا يمكن أن نقول بأنّ أصل الخلود ثابت، وكيفيته أو مدته تُترك إلى وقته. ما الذي سيختلف إن قلنا إنّ أهل النار سيبقون فيها إلى ما لا نهاية، أو أنّهم سيلبثون فيها لآلاف السنين؟ وهل يطيق أحدنا مئة سنة في مثل هذا العذاب، حتى يستسهل معه ارتكاب الذنوب والمعاصي؟!
إنّ ما يمنع الإنسان ويردعه عن فعل القبائح هو يقينه بمثل هذا العذاب الأليم، ولو كان لبضع سنين. وما الذي سيتغير علينا فيما إذا كان أهل النار ينامون أثناء العذاب وكم سنة ينامون أو لا؟ وكم هو مفيدٌ أو نافع أن نعرف العدد الدقيق لدرجات الجنة وما فيها من أنواع؟
هناك الكثير من قضايا العالم الآخر لا يجب معرفتها في هذا العالم. ربما ترك العلم بها إلى وقتها هو المطلوب. وما ظهر منها وانكشف يكفي لتحقيق الأثر المطلوب. ولعل هذا ما يفسر اكتفاء القرآن بذكر أمهات المطالب المرتبطة بالعوالم الغيبية. وعن رسول الله(ص): "أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُهُ".[5]
وهناك العديد من المسائل المرتبطة بمعرفة الله التي تكمن الاستفادة منها عبر الشهود الخاص أو التجربة القلبية الشخصية، وليس عبر التعلّم والدراسة. قد يكون الخوض في تفاصيلها الدقيقة عاملًا سلبيًّا، رغم أنّ ذكر الله تعالى وتذكر شؤونه من مقتضيات المحبة.
كذلك هناك دقائق في المعارف والمسائل لا تجلب سوى النزاع والخلاف. فمثلما نحتاج إلى البصر لننظر، يجب أن نغض النظر أحيانًا. وغض البصر يكون أصعب حين تكون المغريات كبيرة.
لو قامت مسيرة إنتاج العلم الإسلامي على قاعدة البحث عمّا هو مفيد ونافع، واحتكم الجميع إلى المعايير التي تدل عليه، لشهدنا تراثًا أكبر مما هو موجود اليوم بعشرات الأضعاف. التركيز على النافع لا يعني التحديد والتحجير؛ بل هو في الواقع توجيه صحيح للجهود البحثية والفكرية، وهذا ما يغني البشرية.
لقد خاض الكثيرون غمار البحث العلمي من أجل إثبات ما هو ثابت، والرد على الخصوم والتركيز على الغلبة؛ ولم يكن في أذهان هؤلاء مدى أهمية وأولوية تقديم ما ينفع الناس. ولعل هذا هو أحد أهم أسباب انحسار العلم في العالم المسلم وقلة نتاجه مقارنةً بما عند الحضارات الأخرى، ولا اقصد بهذا عدد الكتب المؤلفة والمجلدات المنشورة.
وصول هذا الطريق إلى الانسداد في بعض العصور وضعف المساهمة في الفكر يرجع إلى سلوك هذا المسار الخاطئ البعيد عن محورية الفائدة الواقعية. ولعل الفكر الإسلامي الحالي ما كان لينهض من جديد لولا الاستفزاز الذي أحدثته الحضارة الغربية المستعمِرة. يُقال لو قُدّر للمسلمين أن يبقوا بعيدين عن هذه المواجهة لبقوا على ما وصلوا إليه قبل هذا الاستعمار لمئات السنين.
والانفعال مهما كانت دوافعه، لا ينتج سوى القليل من النفع. فطبيعة حقائق الوجود هي أسمى من أن ندركها في لحظات الانفعال. يجب أن نبحث عنها انطلاقًا من بحثنا عن النافع منها والمفيد. وهذا ما يتطلب تحديدًا أعمق لهذا الهدف.
لا يمكننا غض البصر عن المشكلة الكبرى التي جلبتها الحضارة الغربية لنا وللبشرية جمعاء. أضحى لزامًا أن نبحث عن كل علم يساعدنا على دفع الأضرار الهائلة التي نجمت عن سيطرة الغرب وتحكُّمه بالعالم وبالطبيعة والفضاء. ربما سيكون قسمٌ كبيرٌ من المعارف المطلوبة في العصر المقبل هو ما يساهم في حل المشاكل الهائلة والكوارث الفظيعة التي تسببت بها هذه الحضارة البغيضة للأرض والإنسان. حجم الدمار البيئي يفوق التصور، والانحطاط الإنساني أضحى مهولًا.
لقد ظهر الفساد في البر والبحر، ولم يترك منطقة في العالم أو جانبًا من وجود الإنسان إلا وأمعن فيه فسادًا. لكن مواجهة هذا الفساد والدمار والخراب غير ممكنة دون تحديد النافع والمطلوب. فبدون الكمال لا يُعرف النقص.
إنّ بناء مسيرنا العلمي والتعلّمي على أساس الوصول إلى النافع يواجه معضلة كبيرة، وهي أنه كيف لنا أن نحدد النافع دون أن نتعلم وندرس ونفحص كل مسألة عرضت تحت عنوان النافع والمطلوب. ففي النهاية قد يدّعي الكثيرون أنهم يطرحون هذه المسائل لأجل نفع الناس وهدايتهم. لكن لا ينبغي أن ننسى أنّ هذا التحديد هو وظيفة العالِم قبل غيره؛ وعلى العلماء ذوي الإحاطة والخبرة أن يُعيدوا النظر بما أحاطوا به واطلعوا عليه بعد الانتهاء من تحديد المعايير وتقديمها لطلاب العلم.
البحث عن الثمرة من البحث قبل الورود في أي بحث ليس بالأمر الصعب والعسير. المطلوب بالحد الأدنى هو توجيه العقول والأذهان إلى اكتشاف الثمرة أثناء البحث. فاكتشاف العلم النافع لا يعني بالضرورة اجتناب أي بحث أو تفكُّر، لكنه حين يصبح هدفًا ومقصدًا وحيدًا، سيعيننا على هذا الاكتشاف.
من لم يكن مهتمًا بالوصول إلى العلم النافع، لن يصل إليه ولو كان بين يديه. ومن طلبه لا يلوي عنه إلى شيء، سيدركه ولو كان في بطون الأرض.
[1]. نهج البلاغة، ص 303.
[2]. سورة الجاثية، الآية 23.
[3]. تصنيف غرر الحكم، ص 44.
[4]. مجموعة ورام، ج1، ص 64
[5]. منية المريد، ص 135

مبادئ العمل الثقافي
الثقافة هي المحرك الأول لكل المجتمعات البشرية؛ وهي تستحق الكثير من الحديث والبحث العلمي. ولأجل ذلك كان هذا الكتاب في سعي للمساهمة في تفعيل الحوار بين المفكرين والمهتمين بهذه القضية الحساسة من أجل الوصول إلى المبادئ الأساسية التي ينبغي أن ينطلق منها كل نشاط ثقافي فعال. مبادئ العمل الثقافي الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21.5غلاف ورقي: 128 صفحةالطبعة الأولى، 2006م يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي: 1- النيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=02- وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء

معادلة التكامل الكبرى
يقدّم رؤية منهجيّة تربط بين جميع عناصر الحياة والكون وفق معادلة واحدة. ولهذا، فإنّك سوف تلاحظ عملية بناء مستمرّة من بداية الكتاب إلى آخره، تشرع بتأسيس مقدّمات ضروريّة لفهم القضية ومنطلقاتها، ثمّ تمرّ على ذكر العناصر الأساسية للحياة، لتقوم بعدها بالجمع بينها والتركيب، لتخرج في النهاية بمعادلة شاملة لا تترك من مهمّات الحياة شيئًا. معادلة التكامل الكبرى الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 21.5*28غلاف ورقي: 336 صفحةالطبعة الأولى، 2016مالسعر: 15$ تعرّف إلى الكتاب من خلال الكاتب للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم أن تطلبوه عبر موقع جملون على الرابط التالي:

مختصر معادلة التكامل
هذه الطبعة المختصرة لكتاب "معادلة التكامل الكبرى" الذي يبيّن مدى سعة الإسلام وشمول رؤيته ومنهجه لكلّ شيء في الوجود. كيف لا؟ والله عزّ وجل هو المبدأ والمنتهى.. نقدّمها لقرّائنا الذين يودّون أن يحصلوا على معرفة أوّليّة بتلك المعادلة الكبرى، أو للذين لا يجدون الوقت الكافي لمطالعة الكتب الكبيرة. مختصر معادلة التكامل الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 200 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

لماذا أتعلم؟
ما يهدف إليه هذا الكتاب هو تعميق نظرتك إلى العلم ودوره وأهميّته في حياتك، حتى تقبل عليه بكل وجودك، لأنّه أعظم خير يصيبه الإنسان في هذا العالم. وحين تقدّر أهمية العلم وموقعيته تصبح مستعدًّا للبحث حول هدفه وغايته وكيفية تحصيله. كن عالمًا حقيقيًا تهتدي إلى العمل المطلوب. لماذا أتعلّم؟ الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 136 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

إنتاج العلم.. شرط بناء الحضارة أين نحن منه؟
لدى المسلمين اليوم نوعان من العلوم: علوم مستوردة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التبعية والاستيراد من الآخر؛ وعلوم نابعة من ثقافتهم وتاريخهم، ميّزتهم على مدى القرون عن غيرهم من الحضارات ومنحتهم قوّة حفظ الهوية التي هي أكبر مُستهدف في صراع الحضارات وتفاعلاتها. وما لم يتحقّق الاستقلال العلمي في النوع الأول، يبدو أنّ هذه العلوم لن تزيد المسلمين إلا تبعية للآخر المهيمن المتفوق في مجالاتها.

القاعدة الذهبية للفتوحات العلمية الكبرى.. حول إخلاص العالِم وما ينجم عنه
كل طالب علم أو باحث وعالم يتمنّى لو أنّ الله يهبه العلم الكثير ويجعل قلمه ولسانه وسيلةً لهداية البشر. هل يوجد طريقة ما لتحقيق هذه الأُمنية الرائعة؟ ولماذا يتخلّى الكثيرون من أهل العلم عن هذا الحلم بعد مدة؟

نحو فتح آفاق العلم... وكيف تتشكل ذهنية الفقيه
عرّف بعضٌ مهمة علم الفقه والشريعة بالكشف عن أحكام الله فيما يتعلّق بشؤون الحياة اليومية والمسائل التي يُبتلى بها الناس. لكن هذا التعريف قد يؤدي إلى جعل هذا العلم المصيري علمًا انفعاليًّا حين يتحدّد في مقارباته واهتماماته ضمن دائرة شؤون الناس ومسائلهم. بينما المطلوب في الحقيقة هو الكشف عن أحكام الله بمُعزل عن ابتلاءاتنا وشؤوننا، ممّا يؤدي إلى رسم معالم الحياة التي يريدها الله تعالى. يُفترض بعلم الفقه أن يكشف عن خطة الله للبشر.

نريد عرفانًا يُطعم خبزًا.. حول العلم المفيد النافع في أزمنة الفترات
حين يغوص المرء في أعماق العرفان النظري ويجول في أروقته ويتأمل في زواياه، يدرك أنّه أمام عالم عجيب غريب، قد يشعر معه أنه مقطوع بالكامل عن الواقع، خصوصًا إذا كان واقعه مندمجًا بصراع لا هوادة فيه مع الدنيا باقتصادها وأمنها (وهو صراع الوجود والبقاء). قد يدعوك العرفان النظري ـ وهو التراث الواسع لمجموعة من الباحثين المحققين ـ إلى عالمٍ يجعل هذه الدنيا بعيدة كل البعد عن اهتماماتك، ثم تأتي شجون هذه الدنيا لتلقي بثقلها على كاهلك إلى الدرجة التي تشعرك بوجود ازدواجية فادحة وبرزخ حائل وحجر محجور بين العرفان والدنيا. وعندها ستتساءل عما يمكن أن ينفعك هذا العرفان في معركة الوجود هذه!

الحديث 24: العلم
الدرس 28 من دروس في شرح كتاب الأربعون حديثا للامام الخميني قده
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...