عن المؤسسة التي تقضي على التنافس السلبي
بحثًا عن نظام الإدارة القيمية
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب القيادة الاستراتيجية
"لا يكوننّ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ تَزْهِيدٌ لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ، وَتَدْرِيبٌ لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ، فَأَلْزِمْ كَلًّا مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَه". [الإمام علي، نهج البلاغة]
التنافس نوعان: إيجابي وسلبي. ما يعرفه معظم الناس عن التنافس هو ذاك الذي يرى فيه كل منافس أنّ وصوله إلى مبتغاه يعني تفرّده به دون غيره. سرعان ما يتحول هذا الأمر إلى أُمنية بأن لا يصل سواه إلى ذلك المبتغى؛ خصوصًا إذا كان التنافس حادًّا والوصول صعبًا. هنا يصبح "أن لا يصل غيري يمثل فرصة لوصولي"!
ينشأ مثل هذا التنافس من كون المبتغى واحدًا أحديًّا، مثل منصب المدير العام للشركة، والذي لا يشاركه فيه أحد. لكن إذا كان المبتغى متاحًا للجميع، فسوف يزول التنافس السلبي إلى حد كبير، ما خلا نفوس الحسّاد.
لكن المشكلة ستبرز في مثل هذه الحالة من جهتين:
الأولى: إنّ زوال التنافس يعني ضعف الهمم وقلة الإنتاجية.
والثانية: أنه يكاد يستحيل وجود مؤسسة من هذا القبيل.
يُعد التنافس أحد أهم المحركات والدوافع نحو الابتكار والإنتاجية والتفاعل والسعي الحثيث. الكثير من العاملين يحركهم مثل هذا الدافع؛ فلو فُقد، لما قدموا وأعطوا ما يعطون. هكذا نجد الكثير من المؤسسات تفضّل الإبقاء على بيئة التنافس الشديد رغم ما يلحقه بها من أضرار جانبية كبيرة. وهنا يصبح عمل المدراء المقتدرين التجوال لإطفاء نيران هذا التنافس من أجل تقليل هذه الأضرار قدر الإمكان.
أما ما يرتبط بالنظام الإداري الذي يوصل مستوى هذا النوع من التنافس إلى الصفر، فإنّه يحتاج إلى ابتكار وإبداع خاص. ويجب أن يدفعنا لابتكار هذا النظام إيماننا بضرورة القضاء على هذه الحالة النفسية المرضية لما فيها من عواقب وخيمة، ليس فقط على مستوى الإنتاجية، بل ما هو أهم، وهو ما يرتبط بدين العاملين وآخرتهم.
يجب أن يعمل المدراء والقادة على إيجاد أي منظومة تقضي على التنافس السلبي بالكامل؛ أي مدير يرضى بهذه المنظومة التنافسية، يكون شريكًا في تحمل مسؤولية عواقبها المعنوية والمادية. وكما أنّ مسؤولية أي مدير تتمحور حول رفع مستوى إنتاجية العاملين والمؤسسة، يجب أن يولي عناية فائقة بحياة العاملين المعنوية. وهذا ما لا يتم ببعض القوانين والأنظمة الأخلاقية، بل يحصل عبر تطبيق نظام إداري مختلف بالكامل. هذا هو النظام الذي يشجع على التنافس الإيجابي الذي هو عبارة عن مضمار التسابق الذي يوفر لكل عامل فرصة متساوية لتحقيق أي نوع من المبتغيات والأهداف الطيبة.
في التنافس السلبي تصبح الترقيات وتسنم المناصب الأعلى هي المكافأة الأساسية؛ هذا ما يحفز التنافس السلبي بشكل أساسي. ولهذا، يجب أن نستعيض عن هذا النوع من المكافآت بنوعٍ آخر يكون أشد تحفيزًا. وفيه لا يكون الارتقاء في المناصب سوى مزيد من الأعباء والمسؤوليات.
إعطاء الامتيازات الخاصة للمنصب يشجع التوجهات والدوافع الدنيوية. أما إذا صار المنصب مسؤولية يشتد معها الحساب في الدنيا والآخرة، كما جاء في وصية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله "وإنها لأمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة"، فهذا ما يتطلب ابتكار نوع آخر من المكافآت. ويجب الالتفات إلى أنّ الأمر لا يدور بين أن يكون تقدير عمل العامل وتفوقه بمنح المناصب، وبين المساواة بين المحسن والمسيء أو المحسن والأكثر إحسانًا. إذا كان العامل يرى أنّ ارتقاءه في المناصب دليل على تقدير إنتاجيته، فسوف تتوجه دوافعه نحو المنصب لإثبات جدارته.
لذلك يجب تحويل المناصب والمواقع الإدارية إلى ما يشبه المحل الذي يشارك الجميع فيه باتخاذ القرارات بناءً على الإنتاجية. إنّه لأمرٌ جديد بالكامل، لكنّه قابل للتطبيق. فحين يكون تقدير كل عامل وفق إنتاجيته، يتيسر تشكيل مراكز أخذ القرارات في المؤسسة بناء على الإنتاجية. وهكذا، يزول المنصب بمفهومه القديم ليحل محله شكل آخر ربما لم تعهده الإدارات من قبل.
هذه هي المنظومة التي تضمن التنافس الإيجابي وتقضي على الأضرار والخسائر الفادحة التي يتسبب بها التنافس السلبي. فالنقاط التي يحصل عليها كل عامل بحسب انتاجيته، تجعله مساهمًا في أخذ القرارات بحسب نقاطه. الأمر هنا قد يشبه البورصة، حيث يمكن أن تتغير هذه النقاط بشكل شبه يومي.
فإذا كنتَ عاملًا وتشعر أنّ لديك أفكارًا مفيدة للمؤسسة، فما عليك إلا أن تزيد من إنتاجيتك حتى ترى أفكارك قيد التطبيق. قد يبقى المدير بعنوانه ومنصبه، لكنّ دوره سيختلف اختلافًا جوهريًّا. ففي هذا النوع من الأنظمة يكون المدير مسؤولًا عن إدارة عملية اتخاذ القرارات، لا المتفرد بها.
وهذا شكلٌ آخر يختلف تمامًا عن الديمقراطية التي تساوي بين الجميع بمعزل عن كفاءاتهم ومساهماتهم، حيث يتمتع كل فرد بحق التصويت كغيره مهما كان حجمه الإنتاجي.
قد تكون هذه الفكرة شبيهة بما عرف في بعض التجارب الإسلامية بمبدأ أهل الحل والعقد؛ لكن هذا المبدأ لم يجر العمل عليه وتطويره ليتحول إلى نظامٍ إداري قابل للتطبيق على نطاقٍ واسع وفي جميع المجالات.
إنّ المؤسسة التي تتمكن من حساب نقاط إنتاجية كل عامل، وتعتمد آليات دقيقة لذلك، ستكون أكثر إنتاجية من أي مؤسسة أخرى فيما لو اعتمدت هذا النظام التنافسي الجديد. لن يكون هناك أي سعي عند أحد لإحباط مساعي غيره من أجل الوصول إلى مبتغياته، بل إن هذا النوع من التنافس السلبي سيكون سببًا للانتقاص من نقاطه وحذفها. فكلما كانت مشاركته أكبر وانخراطه في العمل الفريقي أوسع سينال من النقاط أكثر.
المدير الناجح هو الذي يتمتع بهذه الخصيصة؛ ويصبح أكثر نجاحًا كلما كان قادرًا على ملاحظة حجم إنتاجية العاملين ومستوياتها وتأثيرها على مصير المؤسسة وأدائها.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الأشتر: "وَلاَ تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطيِفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالًا عَلَى جَسِيمِهَا، فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعًا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَلِلْجَسِيمِ مَوْقِعًا لاَ يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ".[1]
[1]. نهج البلاغة، ص433.
القيادة القيمية
يتابع السيد عباس نورالدين مشروعه في بناء ثقافة إسلامية عميقة في فن القيادة وأصولها؛ وفي هذا الكتاب يعرض لقيادة المجتمع من زاوية القيم الإنسانية والإلهية؛ حيث يكشف عن وجود منظومة رائعة تتشكل فيها أربع مراحل أساسية لا بد أن يمر بها أي مجتمع في مسيرته التقدمية حتي يبلغ أعلى مراتب الازدهار والعزة والكمال. فما هو دور القائد هنا وما هي الموانع التي يمكن أن يواجهها في هذا الطريق، وكيف يمكن تذليها وتجاوزها. القيادة القيمية الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 320 صفحةالطبعة الأولى، 2014م يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي:1- لنيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=02- وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء
كيف يصنع القادة المميزون
الهدف الأساسي لهذا الكتاب هو تمكين أي إنسان للبدء من النقطة الصحيحة في عملية بناء نفسه، ليكون قائدًا ناجحًا؛ مهما اختلفت ساحات العمل التي يخوض فيها. كيف يُصنع القادة المميّزون الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 264 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 8$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:
القيادة الإيمانية
برسوم توضيحية يعرض الكتاب لأهم خصائص القيادة الناجحة والمؤهلات التي يتميز بها القادة الحقيقيون. ويذكر باختصار منشأ كل صفة وكيف يمكن اكتسابها، وما هي السلوكيات الأساسية والأعمال الرئيسية التي يقوم بها كل قائد ناجح. القيادة الإيمانية الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 15*15غلاف كرتوني: 64 صفحةالطبعة الأولى، 2010م يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي: النيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=0وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء
القيادة الاستراتيجية
نحو استكشاف غوامض القيادة وأبعادها الدقيقة
حول هرم المؤسسات.. العوامل التي تؤدي إلى ضعف الإنتاجية
نعرف الهرم بأنه حالة تصيب الجسد فتتباطأ حركته وتضعف قواه ويقل إنتاجه ويؤذن بالموت والنهاية الوشيكة.. مثل هذه الحالة قد تُصيب المؤسسات والمنظمات أيضًا. كثيرة هي المؤسسات التي انعدمت من الوجود وأُصيبت بالموت نتيجة ابتلائها بهذا المرض، دون أن يتمكن القيّمون عليها من معالجته. إن معرفتنا بالعوامل التي تتسبب بهرم المؤسسات يمكن أن تُساعدنا على الحؤول دون وصولها إلى هذه الحالة المشؤومة.
العنصر المحوري لنجاح أي إدارة.. كيف نبني مؤسساتنا على تقدير الكرامة الإنسانية
لمّا كانت الإدارة تعني حسن توجيه الموارد بما يتناسب مع الأهداف، كان لا بد من الوقوف مليًّا عند الموارد ومعرفتها لاكتشاف طبيعة عملها وتفاعلها. ولا شك في أن أعظم الموارد هي الطاقات البشرية التي يُفترض أن تكون بمثابة المحرّك لغيرها من الموارد.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...