
تحصيل القدرة بأقل الخسائر
أفضل السبل للتطور والاقتدار
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب بحثًا عن حضارة جديدة
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُون * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرين}[1]
كانت مجتمعاتنا تغط في سُبات الحضارة العثمانية العميق، في الوقت الذي كانت أوروبا والغرب يتجهان نحو امتلاك قدرات التحكُّم بالعالم كله. لصعود الإسلام من جديد لا بد من القدرة والاقتدار. وهذا ما تطلب أن تدفع مجتمعاتنا المسلمة أثمانًا باهظة.
لو تُركت هذه المجتمعات على حالها لبقيت في نومها دهورًا؛ فثقافتها ابتعدت عن روح الدين الحق ودعوته ورسالته، حتى عاد الدين فيها غريبًا، وصار القابض فيهم على دينه كالقابض على الجمرة.
لم يكن هناك أي عنصر ثقافي حي بين المسلمين مع بداية عصر الاستعمار يمكن أن يبعثهم على مسابقة الغرب في الاقتدار وسد الفجوة الحضارية الكبيرة. ولذلك كان لا بد من أن تجري عليهم سنّة أخرى، وهي سنّة الإيقاظ بالشدة والجلال والقهر.. وهكذا دخلت مجتمعاتنا في أُتون حمم وحشية الغرب وظلمه وافتراسه الذي عاث فيها فسادًا وقتلًا وتدميرًا، وهو يريد إزالتها عن خارطة الوجود. وكانت فلسطين إحدى النكبات التي كشفت عن مدى هشاشة المسلمين وضعفهم وتخلُّفهم عن كل ما يمكن أن يُعد حضارة أو مدنية.
هذا التخلُّف جرّأ ذلك الغرب "المتحضّر" حين نظر إلى المسلمين كمخلوقات دنية لا تستحق العيش، بل هي عالة على هذا الكوكب. ثم تفاقم الأمر في العصر الأخير مع بروز تلك الجماعات التكفيرية التي مارست كل أنواع الوحشية والجاهلية لتُثبت تلك المقولة التي روج لها على مدى القرون.
ولا نشك بأنّ مُعظم الغربيين، حتى أولئك الذين لا يؤمنون بالعنف، يتمنون لو أنّ الأرض كانت خالية من المسلمين. لذلك لا نجدهم يُظهرون أي نوع من الرأفة أو الأسف حيال هذا المستوى من جرائم الإبادة التي تُمارَس بحق المسلمين في الوقت الذي تبكي قلوبهم حرقة على كلبٍ شارد.
إذًا، من المُتوقع أن يستمر هذا الدعم المطلق لأي كيان أو جماعة يمكنها أن تقوم بدور تطهير الأرض من المسلمين. وأي مراجعة لهذا الدعم أو دعوى للحد منه إنّما تكون فقط على أساس حسابات الربح والخسارة والمصالح الاستراتيجية.
سيستمر مسلسل قتل المسلمين ومحاولة إبادتهم من خلال استعمال جميع أنواع القوة، وسيعمل الغرب على مراكمة القدرة أكثر فأكثر. ولأنّ المسلمين هم حاليًّا الموطن الوحيد للإسلام، فإن زالوا زال، فلا بد من العمل على تقوية المسلمين ليحفظوا بقاءهم فيُحفظ الدين. ولعل هذا هو السبب وراء جريان هذه السنّة الاجتماعية عليهم. فالله يريد نصر دينه لا محالة ولن يتم إطفاء نوره لو كره المشركون.
إذًا، نحن أمام مسار امتلاك القدرة اللازمة للبقاء، في الحد الأدنى. قدرة الغلبة والتفوق قد تأتي لاحقًا وبأشكال مختلفة. غاية الأمر أنّ هذا المسار إما أن يكون عن شدة وقهر وإما أن يكون عن رغبة ولطف.
النوع الأول هو أن تفرض كل هذه الجرائم والمصائب على المسلمين أن ينهضوا ويسعوا لامتلاك القدرة لأنّهم لن يتحملوا مثل هذا الإذلال والتنكيل. والنوع الثاني هو أن يسعوا لذلك بمعزل عن الانفعال تجاه هذا النوع من الحوادث.
كثيرون قرروا بعد إمعان العدو في غارات طيرانه وهو يحدث انفجارات جدار الصوت المزلزلة أن يعملوا على تطوير قدراتهم العلمية والتكنولوجية لينخرطوا في مشروع إحباط هذا النوع من الاعتداءات الوحشية. العديد من الشباب بات يفكر عند كل مشهد صاروخ يدمر سيارة أحد المقاومين أن يعمل في مجال هذه التكنولوجيا. يغلي مرجل الحقد عند كل عدوان وجريمة وينبع منه اقتدار ما. نحن شعب انفعالي في الوقت الذي لا نعرف من ثقافتنا معنى الاستسلام.
لو قلنا إنّ القسط الأكبر من مراكمة القدرة في جبهات المقاومة إنّما كان بسبب هذه الانفعالية تجاه صلافة العدو وإجرامه لما كان في قولنا أي مبالغة. هذا أمر يكاد يكون مسلّمًا. تسويغات الرد على الاعتداءات تأتي غالبًا من واقع الأسى الذي يشعر به الناس. بمجرَّد أن يتوقف العدوان في ظاهره حتى يخمُد الكثير من هذه المشاعر.
حسنًا، نحن نستدرج هذه السنّة استدراجًا. لا بد من تحقق الاقتدار لينصر الله بنا دينه أو يستبدل بنا غيرنا. إن كان هناك قابلية لهذه النصرة، فلا بد من مراكمة القدرة. وللأسف ما زال الشق الأكبر منها ناشئًا من هذه الانفعالية.
يصبح الحديث عن النوع الثاني من المسار سهلًا. إن أردنا مراكمة القدرة فعلينا أن نخرج من هذه الانفعالية وأن نصنع روحًا جديدة تؤمن بالرد والدفاع والهجوم والتحرك انطلاقًا من العقيدة والبصيرة. وهذا ما لا يتحقق إلا بالمعرفة. الكثير من المعرفة والفقاهة بمعناها الحرفي يبعث العزائم ويرفع الهمم. والهمم الناشئة من المعرفة أقوى من الهمم الناشئة من المشاعر الانفعالية.
المشاعر الانفعالية تتأثر بأفعال العدو وتتبعها، أما المشاعر الناشئة من المعرفة فإنّها تتفوق على الحوادث وتعمل في الليل والنهار وفي السرّاء والضرّاء وفي الحرب والسلم. وهذا ما يقلّل من حجم الخسائر الكبيرة التي نُمنى بها في مثل هذه المواجهة المحتومة. لأنّ من يعمل في السلم هو الذي ينتصر في الحرب.
لا ننسى بأنّ الله تعالى هو الذي يدبر الأمور؛ هو الذي يّجري السنن؛ الأعداء ليس لهم إرادة في مقابل إرادة الله تعالى. كل ما يقوم به العدو هو المساعدة على تطور مسيرة الإسلام. لم يسلط الله علينا شرار خلقه إلا لننهض من سُبات طال لقرون.
[1]. سورة الأنفال، الآيات 65-66.

لماذا العدو خاسر حتمًا؟ ومتى يُهزم؟ عن العدد الكبير للشهداء في الحرب
لا يعرف عدونا إلا طريقة واحدة لمواجهتنا وهي أن يقتل أكبر عددٍ منّا. بالنسبة له إما أن ننتهي أو لا يبقى من كوادرنا وأهل الخبرة عندنا أحد، وإما أن يكسر إرادتنا فنتراجع أو نستسلم. لكن ما لا يمكن لهذا العدو أن يفهمه أو يستوعبه هو أنّه بقتلنا يساعد على نموّنا وتكاملنا. والأمر بكل بساطة يرجع إلى أنّ معظم مجاهدينا حين يدخلون إلى هذا الميدان فإنّ الشهادة تصبح أمنيتهم وهم على ثقة بأنّ القتل هو وسيلتهم الوحيدة لتحقيق ذلك.

شروط الانتصار في الحرب النّاعمة... كيف نجعل العدوّ يائسًا من الانتصار؟
يشهد مجتمعنا تطوّرًا ملحوظًا في وعيه تجاه إحدى القضايا المصيريّة في حياته، وهي قضيّة الحرب الناعمة. هذه الحرب التي يشنّها الغرب ضدّه بمختلف أنواع الأعيرة، مستهدفًا فيها أسس هويّته وأركان وجوده.

لماذا لا يكترث الغرب لقتل المسلمين؟ وما الذي يشجعه على ذلك؟
إنّ غياب المشروع السياسي الإسلامي العالمي مهّد لدخول المشاريع العلمانية باشتراكيتها ورأسماليتها وقوميتها. بسرعة تحوّلت هذه المشاريع إلى أُطروحات للنهضة والتحرُّر والتقدُّم. ما كانت تفعله هذه الرؤى هو إبعاد المسلمين عن ثقافتهم الأصيلة التي يُمكن أن ينبعث منها مشروعٌ حقيقي لمواجهة الاستعمار.

لماذا تغيرت عقيدة الصهيوني بشأن عدد القتلى؟ هل نحن أمام نهاية وشيكة؟
تفاجأ الكثيرون في هذه الحرب الأخيرة كيف أنّ هذا العدو بات مستعدًّا لتحمل الكثير من الخسائر، ولم يعد يذكر أرقام القتلى مثيرًا القلق والرعب في أوساطه، كما كان ملحوظًا من قبل. فهل تغير هذا العدو وما الذي تغير فيه؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...