الاختلاط بين الجنسين
وضعف الانجذاب
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب #قواعد_الزواج_الناجح
العديد من المجتمعات البشرية اتّخذت خيارًا بتقليص الضوابط التي تفصل بين الجنسين حتى أضحى الفصل عيبًا وقبحًا، وصار الاختلاط التام حسنًا ورقيًا. تقبيل المرأة على خدها بات من الأعراف التي تدل على الاحترام بعد أن كان تقبيل يدها فقط. والمدارس المختصة بالجنس الواحد تعج بالمشاكل النفسية والسلوكية أكثر من المختلطة. وجود إناث في مراكز العمل ضروري لتحسين الإنتاجية.
لكن لو تأمّلنا في هذه الظاهرة لوجدنا أنّ سلبياتها ومضارّها أكبر بكثير من منافعها. بالطبع، إنّه لمشهد جميل أن نجد زملاء العمل رجالًا ونساء يختلطون بكل مودة وأُنس كأصدقاء خالين من الضغائن والريب. لكن هل هذا المشهد واقعي حقًّا أو أنّه مجرد قناع يُخفي حقيقة بشعة ومؤلمة؟
الانجذاب للجنس الآخر أمرٌ ضروري لاستمرار الحياة. ضعف الانجذاب يؤدي إلى انخفاض واضح في عدد السكان، ولا يوجد ظاهرة أخطر من هذه الظاهرة على صعيد بقاء الأُمم. المجتمعات تضمحل وتزول ويعاني أبناؤها كثيرًا مع كل انخفاض في نسبة المواليد. كل أنواع المعاناة الاقتصادية والنفسية والأمنية وغيرها ستنتج عن هذه الحالة.
مع قوة الجاذبية بين الجنسين، يتجه البشر نحو الزواج وبناء الأُسر. وهذه حقيقة قاطعة لا لبس فيها. انعدام الانجذاب أو ضعفه يؤدي بالتدريج إلى القضاء على مؤسسة الأسرة والاستغناء عن الزواج كرابطة مستديمة. والاستغناء عن الزواج يتصاحب مع العديد من المخاطر النفسية والصحية.. جزء مهم من صحة الإنسان النفسية والجسدية تعتمد على نشاطه الجنسي وتفاعله مع الجنس الآخر بصورة سليمة.
لا نكون مبالغين إذا قلنا بأنّ أكبر عامل لضعف الانجذاب بين الجنسين هو الاختلاط. كلما ازداد الاختلاط وارتفعت الضوابط وتهشمت الحدود الفاصلة بين الجنسين يصبح الجنس الآخر أقل جاذبية.
تقوم الجاذبية في جزءٍ مهم منها على المخفي والمستور، خصوصًا في مرحلة ما قبل الزواج. بعدها يصبح الفضل والخدمات المتقابلة والمودة عوامل لبقاء الانجذاب. حين ينشأ الذكور والإناث في بيئة لا يوجد فيها سوى القليل من التمييز والفصل بين الجنسين، ويعتاد بعضهم على بعض وكأنّهم من جنسهم، فمن الطبيعي أن تضعف جاذبية الجنس الآخر. الأمر شبيه بما يحصل بين الإخوة أو الأقارب المقربين.
رغم أنّ بنات الأخوال أو الأعمام لسنَ من المحارم، لكن غالبًا ما يشعر الشباب بأنّهم غير منجذبين إليهن إن كانوا قد اعتادوا على وجودهن بينهم كأخواتهم.
قد يتصور البعض أنّ في الاختلاط تأجيجًا للشهوات، لكن هذا الاختلاط حين يصبح جزءًا أساسيًّا من الأعراف والتقاليد والممارسات يفقد تأثيره هذا إلى حدٍّ كبير. قد يحتاج إلى سكر وثمالة وزوال عقل ولحظات ضعف حتى يجمع بين الجنسين في حميمية ما؛ لكنّه لن يكون بقوة جاذبية البيئة التي تراعي حدود الاختلاط الحافظة للتمايز والتي تحترم خصوصية الجنسين.
لا يأتي مع هذا النوع من الاختلاط المُمأسس سوى زوال الفروقات إلى حدٍّ كبير. والعامل الأكبر للانجذاب الشديد بين الجنسين هو هذه الفروقات الطبيعية وحتى النفسية. الاختلاط العشوائي الذي يحصل عند ضعف الضوابط والذي يجلب معه تأجيجًا زائدًا للشهوات، يتحول بعد مدة إلى اختلاط منظَّم وعرفي. ليس عجيبًا إذًا أن تصبح قوانين المساكنة (وهي سكن الرجل والمرأة معًا دون عقد زواج) شبيهة بقوانين الزواج في معظم المحاكم الغربية. فإذا ثبُتت المُساكنة لمدة سنة أو أكثر مثلًا اعتُبر وجود حقوق زوجية.
لا يمكن لأي مجتمع أن يبقى في حالة من الفوضى في العلاقات. مع الفوضى تأتي الكثير من المصائب والمشاكل والنزاعات والأضرار. تتصدى السلطات لتنظيم العلاقات عند كل تحوُّل. ومن الطبيعي أن تكون بداية أي تحوُّل فوضى. لكن في النهاية يصبح الاختلاط مشرعنًا بقوانين وأنظمة هدفها الحد من آثاره الوخيمة. ويتوهم عقلاء المجتمعات المادية وأمثالهم أنّه بإمكانهم تحقيق استقرار وازدهار في ظل مخالفة قوانين الخلقة الأساسية. يتصورون أنّ مجرد وضع قوانين لتنظيم الروابط المخالفة للفطرة يمكن أن يحل المشكلة.
المتضرر الأكبر من قمع الشهوة هو الشهوة نفسها. لن تسمح المدارس والجامعات ومؤسسات العمل والجيوش وأمثالها بتحول العلاقات بين الجنسين إلى فوضى عارمة يفعل كل واحد ما يحلو له. لذلك تعمد إلى فرض قوانين قوية تفرض كبت الشهوة أو تؤدي في نهاية المطاف إلى كبت الانجذاب إلى الجنس الآخر. لا يمكن لزملاء العمل أن يستمروا بالإقبال على الجنس الآخر والانجذاب إليه والتعبير عن ذلك دون أن ينجم عن ذلك تبعات مضرة لمؤسسات العمل. ثبت أنّ العلاقات الجنسية بل الزواج بين الزملاء له آثار وخيمة على بيئة العمل والإنتاجية.
يجب على أستاذ المدرسة أو الجامعة أن يضبط نفسه وهو ينظر إلى كل الطالبات اللاتي يأتينه بكامل التبرج والزينة. الانجذاب إليهن سيؤدي إلى الطرد من المؤسسة. عليه أن يعتاد على كل هذه الإغراءات وكأنّها غير موجودة. ومع انخفاض معدل الانجذاب يحتاج الجنسان إلى المزيد من عناصر الجذب التي تكون مكلفة جدًّا، ليس على الصعيد المادي فحسب، بل على الصعيد النفسي وما ينجم عنه من دمار للهوية الذاتية.
يوجد حقيقة مهمة هنا وهي أنّ الانجذاب الذي يُعمي عن العيوب ضروري لتحقق الزواج واستمراره عند معظم الناس. لو أنّ هؤلاء الأزواج تعارفوا وتكاشفوا بالكامل قبل الزواج لربما امتنعوا عن الزواج. يوجد قسمٌ من العيوب التي يجب أن تظهر بعد الزواج حيث يصبح الطرفان مستعدّين لتقبّل بعضهما بعضًا والعمل للإصلاح. قلة قليلة جدًّا من الناس الذين يتخذون قرار الزواج بعد المكاشفة الكاملة عن وعي وتقبّل للعيوب، لكن الأكثرية الساحقة يجذبها الكمال الذي يخفي العيوب!
لاحظنا كيف يمتنع الشباب عن الزواج ممّن يعرفون جيدًا، ليتزوجوا من آخرين لا يعرفون عنهم سوى القليل، حيث يتبين في النهاية أنّ من تزوجوا بهم ليسوا بأفضل أو أكمل ممّن عرفوا جيدًا في السابق. ربما هنا يصدق الحديث القائل "لو تكاشفتم ما تدافنتم!".[1]
[1]. الأمالي للصدوق، ص446.
كيف نواجه الفساد الجنسي وأعاصيره القادمة
من المهم أن نسبر أغوار هذه القضية التي نُطلق عليها عنوان الفساد الجنسي، عسى أن نكتشف عناصر قوة في المواجهة ونهندس خطوط أطروحتها الشاملة. إنّ هذا تهديدٌ كبير للبشرية لم تعرف له نظيرًا، وخصوصًا على مستوى الانتشار والتوسع، بيد أننا نستطيع أن نحوّله إلى فرصة
هل سمعتم عن روبوتات الإمتاع الجنسي؟
الروبوتات تحدد من نحن هل سيتعرف البشر على الإنسانية من خلال الرجال الآليين؟
أهم أسباب ضعف القوة الجنسية.. أيهما أولى في الحياة الزوجية؟
تُصنّف متعة المقاربة الجنسية على أنها أعلى متعة حسية في الحياة الدنيا. ولأننا كبشر نصبو إلى اللذة، فإن انسياقنا نحو كل ما يمكن أن يؤمن لنا هذه المتعة يصبح طبيعيًّا. لم تكن المشكلة يومًا في الطبيعة البشرية، لكن في تحول بعض اللذات إلى ...
الحجاب في مواجهة الإغراء الجنسي.. ما هو المعيار الأساسي؟
يدور عالمنا هذا بين إفراطٍ وتفريط، ويتأرجح الناس فيه بين التعري والتزمُّت. ويُصبح تحديد الحد المطلوب والعدل الوسط صعبًا. وحين لا تتضح المعايير الدقيقة ندخل في جدالات عقيمة. للستر الجنسي حكمته التي يجب الكشف عنها لأنّها أساس الأحكام المتعلقة به.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...