
لماذا تفشل بعض القيادات في الحروب
حين نجهل الفرق بين قيادة الحرب وقيادة السلم
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب القيادة الاستراتيجية
كما إنّ هناك درجات في الكفاءة القيادية، هناك أنواع من القيادة بعضها يرتبط بقيادة المجتمع في حال الحرب.. تنبثق القيادة في أي مجتمع من خلال عملية تفاعلية مع الظروف التي يعيشها هذا المجتمع وذلك على أساس الثقافة السائدة فيه.
حين يعجز المجتمع عن إنتاج قيادة تتناسب مع الظروف المستجدة فإنّ أمره يؤول إلى الفشل، والسبب الأول وراء ذلك عجز ثقافته عن فهم هذه الظروف.
كان هناك قاده أمّنوا لمجتمعاتهم نحوًا من الاستقرار الاقتصادي المستديم، لكنّهم لم يتمكّنوا من التعامل مع عواصف التطوُّرات التقنية الوافدة، فابتُليت هذه المجتمعات بأزمات اقتصادية كبيرة فيما بعد.
هذا الأمر قد يحدث في حال تبدّلت الظروف من حالة السلم إلى حالة الحرب. القائد الذي أدار مجتمعه بنجاح في أيّام السلم قد يظهر عاجزًا عن التعامل مع متطلّبات الحرب.. المصيبة تكمن في أنّ هذا القائد لم يتمكّن من استشراف الحرب الآتية لكي يعدّ مجتمعه ويهيّئه لها.
لكي تنتصر في أي حرب يجب أن تجهّز لها في أوقات السلم.
حين نتحدّث عن القيادة هنا فنحن لا نقصد الشخص، بل طبيعة القيادة. قيادة السلم تختلف عن قيادة الحرب. في الحروب يجب أن تتمتع القيادة بدرجة عالية من الحزم ومركزية القرار والسرعة وتجنيب جميع أشكال الإعاقة. فإذا اعتاد القائد على التفويض وتجزئة عملية اتّخاذ القرارات وتمشية الأمور من خلال الاعتماد على عامل الوقت والمهادنة والتنازل من أجل حفظ الوحدة، وهي أمور قد تكون مطلوبة في أيام السلم التي تتميز بالحد الأدنى من الضغوط والكثير من الفرص مقارنةً بأيام الحرب، فإنّه قد لا يلتفت إلى ضرورة التخلّي عن كل هذه العادات حين تندلع الحرب! يتصوّر أنّه سينجح في التعامل مع متطلبات الحرب لأنّه كان ناجحًا في أيام السلم.
المشكلة الأخرى هنا ترتبط بتصوُّر هذا القائد للحرب والسلم. ربما لا يوجد فرحة للقائد وبهجة أكثر من كونه استطاع أن يؤمّن لمجتمعه استقرارًا أمنيًّا مستديمًا، لأنّ استتباب الأمن من أهم عوامل التقدّم والازدهار. قد تصبح هذه البهجة سببًا لأن يغفل عن الحرب!
من يظن أنّ الحروب اليوم لم تتغير جوهريًّا فهو بعيد عن التحوُّلات الكبرى التي جرت في العقود الأخيرة. يمكن لدولة ما أن تكون في حالة حرب معك دون أن تعلن ذلك، لكن جميع أجهزتها المعنية تكون فاعلة وعاملة. قيادة هذه الدولة تتعامل مع الظروف على أنّها ظروف حرب وإن لم توجّه ضربات مباشرة.
فإذا كنت تعتقد أنّك في حالة سلم وتطبّق قيادة السلم في حين أن عدوّك يعتقد أنّه في حالة حرب ويطبّق قياده الحرب، فمن المتوقَّع أن يتفوّق عليك حين اندلاع الحرب، والأرجح أنّه سيكون هو المبادر وصاحب المفاجأة والضربة القاصمة.
غالبًا ما يكون استبعاد الحرب سيّئًا لعدم اعتماد القيادة المتناسبة معها. وهناك عوامل لهذا الاستبعاد، أحدها نجاح العدوّ في إيهامنا ذلك. وهكذا يضعف تصوُّر المخاطر الآتية فيضعف التعامل معها.
بالرجوع إلى قضية تشكُّل القيادة في المجتمع، فإنّ نزوع أفراده وأبنائه إلى السلم وعدم رغبتهم في خوض الحرب أو التعامل مع خطر هذا العدوّ كما ينبغي، يؤدي إلى حصول توجهات تضغط نحو اعتماد قيادة السلم كطريقة لإدارة الأمور، يضطر القائد معها إلى مجاراة الواقع واختيار هذه الطريقة أو النهج. يمثّل هذا أهم عامل للهزيمة حين اندلاع الحرب.
ليس من السهل أن يُقنع القائد المدراء والمسؤولين والقادة الأمنيين والعسكريين معه أن يعيشوا ظروف الحرب في أيام السلم. تنزع النفوس إلى الراحة والاسترخاء والتساهل في أيام السلم. وتكمن المصيبة في الغفلة عن واقع الحروب الجديدة. عدوّك يمارس ويطبّق قيادة الحرب وأنت تطبّق قيادة السلم. النتيجة معروفة.
الأمثلة على ذلك كثيرة منها اضطرار القادة العسكريين للاجتماع والتباحث حين اندلاع الحرب، حيث يصبحون هدفًا سهلًا للعدوّ.
ومنها اضطرار هؤلاء لوضع خططٍ جديدة للتعامل مع هذا الوضع المستجد حيث لا يوجد الفرصة اللازمة لتأمين مستلزمات هذه الخطط. فلنتذكر دائمًا الذي لا يستعد جيدًّا للحرب وقت السلم لن ينتصر.
تتمثل المشكلة في جوهرها في عدم إدراك القيادة لواقع الحرب الذي يتطلّب تغيير نهجها في إدارة الموارد والطاقات، ليس فقط حين تندلع بل قبل ذلك بوقتٍ طويل.
قد تكون القيادة على طريقة الأخ الأكبر مفيدة في أيام السلم، لكن الحرب تتطلّب قيادة على طريقة الأب المُطاع. المصيبة تحصل حين يعتاد القائد على الأخوّة ولا يتمكّن من استبدالها في الوقت المناسب.
** ملاحظة: ستُنشر هذه المقالة في كتاب القيادة الاستراتيجية من إصدار بيت الكاتب للطباعة والنشر

كلفة إنتاج القادة في الأزمنة الصعبة... وماذا يعني فقدان القادة
خسارة القادة ليست صدفة غير قابلة للتفسير وليست أمرًا عابرًا أو عبثيًّا، بل تندرج ضمن حسابات إلهيّة عميقة ترتبط بمسيرة الأتباع على طريق الاقتدار الذي يحقّق العزّة والكرامة في ظل الإسلام وقيمه. تحتاج هذه الشعوب إلى إعادة اكتشاف العملية الصحيحة والدقيقة لبناء القدرة، ومقتل القادة تحذيرٌ كبير ودعوة قاسية لفعل ذلك.

حول بناء الاقتدار اللازم... ابحثوا عن الاختلاف الجوهري في المنظمات
ذا اتّفقنا على أنّه كان بالإمكان تلافي الكثير من الخسائر الكبرى التي تعرّضنا لها فيما لو كنّا أقوى وأقدر، فينبغي إعادة النظر بكل ما يرتبط بعملية إعداد القوّة. وحيث إنّ النقطة المحورية في بناء القوّة هي الطاقات الإنسانية، فيجب النظر مجدّدًا وبعمق في الأصول والمباني التي انطلقنا منها لإعداد البرامج والخطط في هذا المجال.

حين لا نتقدم.. ما هي السنّة الإلهية التي قد تجري؟
الحركات الإسلامية التي تمتلك القابليات اللازمة لتقديم الأطروحة التقدُمية والسير على طريقها، كان يجب أن تعلم بأنها إذا لم تفعّل هذه القابليات من خلال البدء بعملية اجتهادية علميه واسعة؛ وبعبارةٍ أخرى، ما لم تتمكن من تحقيق التعمُّق الفكري بين أتباعها، قد تجري عليها سُنّة إلهية خاصة، وهي أن يرسل الله عليها أعداءها ويسلّطهم عليها ليُعاد تشكيلها من جديد

حول أهمية استشراف المستقبل.. لماذا يُعد العجز عنه خطيئة كبرى؟
استشراف المستقبل يعني تحديد ما سيحدث في الزمن الآتي. ليس المطلوب القطع واليقين، بل إنّ مجرد الاحتمال يكون أمرًا منجّزًا عند العقلاء فيما لو تعلق الأمر بالقضايا الكبرى والمصيرية، مثل تدخّل قوى خارجية، وغزو واجتياح ومجاعة، وقتل القادة، وانهيار اقتصادي، وتحوّل كلّي في طريقة التعليم على ضوء الذكاء الاصطناعي وغيرها الكثير. هناك عددٌ مهم من القضايا التي يحتمل العقلاء وقوعها في المستقبل غير البعيد، ممّا يطرح أسئلة مهمّة حول كيفية التعاطي معها والاستعداد لها.

الأبوة شرط القيادة.. كيف يضمن القائد النجاح
حين تكون القيادة مظهرًا لإرادة الله تعالى فسوف يكون صاحبها مؤيَّدًا ومسدَّدًا؛ فلن يخذله الله ولن يخزيه حتى في المواقف التي لا تكون له فيها القدرة أو الدراية والمعرفة. ولكي يصبح القائد مسدَّدًا، فإنّ الشرط الأول الذي يجب أن يلتزم به منذ البداية وحتى النهاية هو ألّا يكون راغبًا ومندفعًا وطالبًا للرئاسة والزعامة والترؤُّس على الناس بأي شكل

حين يقول القائد: إذا تركتُ سوف تخرب! ماذا تخفي هذه الجملة؟
للقيادة دورٌ شديد الأهمية والحساسية، فهي التي ترسم مصير الجماعة والأتباع. في الواقع، تمثل القيادة إرادة الأتباع مجتمعةً، وتعصر توجهاتهم بصورة قابلة للتنفيذ. إنّها ابتكار العقل لحسن التدبير وإبداع الوجدان في التسيير. بدون القيادة لا أمل للجماعة، ولذلك كان القائد الفاجر أفضل من عدم وجود قائد، كما أشار الإمام علي عليه السلام: لا بد للناس من أمير برّ أو فاجر. عدم وجود قائد يعني الاضمحلال والزوال. قوة الجماعة تتمثل في إنتاج أفضل قائد واتّباعه بأفضل طريقة. لكن، لماذا تصل بعض الجماعات إلى حالة من العجز عن إنتاج القادة المميزين حتى يُقال إنّ وضعها ومآل أمورها إلى الخراب فيما إذا مات القائد أو قُتل؟

نتائج المواجهة مع الأعداء.. ما الذي ينطبق علينا اليوم؟
في المواجهات التي تحصل بين معسكري الحق والباطل يذكر لنا القرآنُ الكريم أنواعًا من النتائج والتبعات؛ بعضها على سبيل الاحتمال، وبعضها الآخر على سبيل الحتم المقضي. لكن المسألة الأساسية التي تشغل بالنا دومًا هي التي تتعلّق بانطباق هذه الآية أو تلك على الواقع الذي نتصوّره أو نعيشه. فإذا قال الله عز وجل {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرينَ عَلَى الْمُؤْمِنينَ سَبيلًا}،[1] نتساءل فيما إذا كنّا أو كان المعسكر الذي نفترضه ممّن ينطبق عليهم لفظ المؤمنين في هذه الآية الشريفة.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...