بداية النهضة الإدارية
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب القيادة الاستراتيجية
«يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الّذي عليه فيها». النبي الأكرم (ص)
إنّ أي مجتمع إذا أراد النهوض والتقدُّم على طريق المجد والازدهار، فإنّه يحتاج إلى نهضة إدارية شاملة تبدأ من مؤسساته الأساسية التي تُعنى بتوجيه المجتمع وطاقاته وموارده. ومثل هذه النهضة غير ممكنة في ظل عدم وجود ارتقاءٍ فكري اجتماعي يظهر في الفهم العميق لحركة التاريخ وسيرورة المجتمعات على طريق المجد أو الانحطاط.
الارتقاء في المعارف الإدارية والتعمُّق فيها مشروطٌ بفهم سنن الحياة الاجتماعية التي هي ظل حكمة الله في التدبير. كلما تعمّق فهمنا لشروط وقواعد تقدم وتخلف المجتمعات والأمم أصبحنا مستعدين لاستنباط الحكمة الإدارية وتقديمها؛ الأمر الذي يعد شرطًا لازمًا للثورة والنهضة الإدارية.
جميع قواعد النجاح في العمل الإداري تنبع من الفهم العميق لأوضاع المجتمع والطريق الذي يسير عليه. حين ينجح تاجر في وضعٍ متأزم، فهذا يعني أنه استطاع اجتناب العوامل التي تتسبب بالأزمة. قد يكون الأمر كالصدفة أحيانًا. فنجاح تاجرٍ أو عددٍ قليلٍ من التجار في مثل هذه الأوضاع غير المؤاتية لازدهار الأعمال هو خرقٌ للعادة. لكن هذا التاجر الناجح إذا أراد لغيره النجاح مثله، فسوف يحتاج هنا إلى تحويل تجربته إلى علمٍ ومعرفة. وفي ظل هذه المعرفة تنبثق قواعد النجاح والفشل. ومثل هذا غير ممكن ما لم يفهم التاجر أسباب الأزمة وعوامل الخروج منها.
يتشدّق الكثيرون بنجاحاتهم في العمل والإدارة، لكن قلة منهم من يقدّم لنا قواعد عامة يمكن تطبيقها بمعزل عن معرفة دقيقة بظروف البيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها. من الطبيعي أن يكون لأي بيئة بعض الناجحين، لأنّهم انسجموا معها. هكذا يحقق لوردات الحروب أرباحًا طائلة وهم يعتاشون على دماء الناس؛ وهكذا ينجح أمثال بيل غيتس وإيلون ماسك في بيئةٍ رعتها المخابرات وجهزت لها وزارة الدفاع (الحرب حاليًا) كل مقدماتها. قصة نجاح والت ديزني نتيجة خدماته المخلصة لوزارة الدفاع غير خافية على أحد. هكذا أيضًا كان حال ماكدونالد، وبعدها تنتقل القصة ذاتها إلى اليابان وكوريا الجنوبية التي بدأت مسيرة نموّها الاعجازية نتيجة استثمارات الجيش الأمريكي فيها. إنّها قصص نجاح خاصة جدًّا في بيئة خاصة للغاية. المضحك هو كلام من ينظر إلى هذه التجارب على أنّها نجاحات يمكن تعميمها على أي بيئة، مهما اختلفت.
نستخدم تعبير الحظ للإشارة إلى نجاح أو توفيق غير مُتوقَّع. حين نعجز عن الربط بين المقدّمات والنتائج قد نُعبّر عن ذلك بكلمة الحظ. بعد حصول النجاح، يُمكن للمحظوظ أن يجلس جانبًا ويتأمل أو يدع غيره يفعل ذلك ويستخرج من تجربته بعض القواعد الملهمة. ما سر نجاحك يا بيل؟ إنه الاستيقاظ باكرًا. وما هو سر نجاحك يا ويليام؟ إنّه الدقة في المواعيد.
يعمد زعماء الإدارة ومرشدوها الكبار (الغوروز) إلى تقديم النجاح الإداري ضمن قواعد مبسطة يسهل ترويجها. لا نفرّق نحن بين الترويج للشخص والترويج للقاعدة لشدة الترابط بينهما. في النهاية، هذه قاعدة يتقبّلها العقل ويؤمن بها. من المُستبعد جدًّا أن يقدّم هؤلاء الزاعمون شيئًا مخالفًا للعقلانية. لكن تبسيط النجاح الإداري بهذه الطريقة هو الذي كان من أسباب استمرار الفشل والإخفاق ولا يزال.
الإدارة قريبة من تجربة الزواج. يُبتلى الكثيرون بمهمة إدارة مؤسسات، مثلما يدخل معظم الناس في تجربة الزواج. يتصورون أنّ الزواج سهل لأنّ الحمقى يتزوجون أيضًا. النجاح في الزواج يقوم على قاعدة "المريخ وزحل"، أو قاعدة "استيقظ وبعدها عليك أن تنام"، أو قاعدة "لا تقل لا أبدًا"، أو قاعدة "عليك أن تقول لا أحيانًا"؛.. وعشرات القواعد التي تخرج بصورة كتب تمتلئ صفحاتها بالأدلة والشواهد على نجاح من طبّقها.
تعدنا كتب الإدارة بمثل هذا النجاح، إن طبّقنا القاعدة التي تعرضها علينا. هذا التبسيط يُصبح مقنعًا مع وجود بعض النجاحات الملفتة! فانغماس الكثيرين في التجارب الإدارية الواسعة والمعقّدة لا بد أن ينتج عنه نجاح البعض بنحوٍ أو بآخر. لكن كثرة التجارب الإدارية ونجاح القليل منها لا يفيدنا بشيء حين يكون هذا النجاح أشبه بالصدفة. الإدارة أعمق من ذلك، والاستخفاف بشأنها هو العامل الأول وراء الإخفاق، مثلما يحصل في الزواج تمامًا.
كثيرون يتزوجون لكن نسبة النجاح في الزواج قد تفاجئُك. تكاد لا تُذكر. والسبب الأول هو هذا الاستخفاف نفسه. فلأنّ جميع الناس يتزوجون، فلا بد أنّ الزواج أمرٌ سهل. وإن وجدناه صعبًا، فسيأتي من يعدنا بتسهيله لنا على طريقة القواعد المذكورة. لكن الزواج الناجح يرتبط بالفهم العميق للحياة والمصير. والزواج الناجح يعتمد كثيرًا على ربطنا له بشؤون الحياة الأخرى والآخرة. وفي الوقت الذي يُفترض للزواج أن يكون فرصة للتعمق في الحياة والوجود، يتحول الاستخفاف بشأنه إلى سبب للإخفاق.
نرجع إلى الإدارة، حيث قلنا إنّ أمرها يشبه أمر الزواج. يوجد الكثير من المؤسسات العامة والخاصة في مجتمعاتنا، ومع ذلك يصعب أن نضع أيدينا على مؤسسة واحدة قد حقّقت النجاح. هذا الفشل الذي تحوّل إلى ظاهرة مهيمنة لكلّ مراقبٍ حصيف أو مطّلعٍ خبير، يظهر في أشكالٍ مختلفة. بعض الفشل يظهر للعيان لأنّه غير قابل للاستمرار. لم يعُد صاحب المطعم الفلاني قادرًا على تغطية النفقات من المبيعات، مع العجز عن المزيد من الاقتراض. قصص فشل المطاعم في بلادنا معروفة للقاصي والداني. بعض الفشل يمكن أن يخفى على الناظر من بعيد، فيدوم لوقتٍ أطول، حيث يوجد رأسمال كبير ينزف باستمرار. هذه المصلحة التجارية مستمرّة لأنّ صاحبها يبيع أرضًا بعد أرض ورثها عن أبيه. لكن أسوأ أنواع الفشل هو الذي يتصل بدعم غير محدود، كفشل المؤسسات العامة التي تبقى ما بقيت الدولة، والدولة حاجة ملحة واضطرارية. في مثل هذه الحالة، قد يعتبر الكثيرون أنّ هذه المؤسسة ناجحة لأنّها احتفلت منذ مدة بيوبيلها الفضّي! مجرد البقاء والحراك والنشاط والإنجازات تُعد عند أمثال هؤلاء البسطاء نجاحًا.
لأجل ذلك، لا يمكن معرفة الفشل الحقيقي ما لم نعرف النجاح الحقيقي. ماذا يعني أن تكون مؤسسة تعليمية ناجحة؟ هل يمكن الإجابة عن هذا السؤال ببساطة؛ كأن نقول إنّها خرّجت الآلاف على مدار أكثر من ثلاثين سنة، أو نزيد على ذلك بعض التوابل فنقول إنّ تلامذتها من بين الأوائل في الامتحانات الرسمية؟! هل تكون وزارة النقل والطرقات ناجحة إذا بنت عشرين جسرًا في خمسة أعوام؟ وماذا عن الثلاثين جسرًا إضافيًّا للأعوام المقبلة؟
من الممكن أن تخدع الناس بسهولة إن لم يعرفوا حقيقة وماهية المؤسسة الناجحة. لكل مؤسسة دورٌ ينبع من ماهيتها المنبثقة من تموضعها في المشروع الاجتماعي الكبير. يجب أولًا تحديد هذا المشروع بدقّة، وهو أمرٌ يتطلّب تنظيرًا دقيقًا لوضع المجتمع وأهدافه (الانتقال من الوضع الموجود إلى الوضع المنشود). الأمر الذي ينبع أيضًا من فهم تلك السنن والقواعد المرتبطة بتقدُّم المجتمعات وازدهارها. هكذا نعود مرةً أخرى إلى هذا المبدأ. أن تكون المؤسسة التعليمية ناجحة يعني أنّها تؤدي دورها المحدَّد لنجاح المشروع الاجتماعي الذي يُفترض أن يكون له قيادة ذات رؤية عميقة.
يمكن في مثل هذه الأوضاع أن نكتشف بسهولة أنّ هذه المؤسسة التي تخرّج المئات سنويًّا تعمل خلاف أهداف المشروع. إنّ العامل الأول وراء ضعف التأييد الشعبي للنظام الإسلامي في إيران يرجع إلى التعليم. خرّيجو مدارس إيران التي تخضع جميعًا للنظام التعليمي الرسمي لا يعتنقون أبسط مبادئ الثورة، وتُشير الإحصاءات الخاصة إلى أنّ الأكثرية الساحقة من الطلاب المتفوقين هناك يحلمون بالدراسة والعمل في أمريكا التي هي العدوّ الأول لبلدهم! هذا في الوقت الذي تسجّل إيران معدّلات مرتفعة في الفوز في أولمبيادات الفيزياء والكيمياء والرياضيات العالمية!
يستخدم المغفّلون مثل هذه الأرقام لخداع البسطاء؛ وقد يسعى بعض الأذكياء لقلب هذا الخداع بخداعٍ آخر، فيستخدمون هذه الأرقام لتعزيز الشعور بالعنفوان القومي، رغم علمهم بأنّها لا تعني شيئًا على صعيد تحقيق مشروعهم الحضاري الكبير.
هنا نعود ونطرح السؤال الكبير: لماذا تفشل معظم الزيجات في مجتمعنا؟ أو لماذا تفشل مؤسّساته دون أن تُسجل أي واحدة منها أُنموذجًا يمكن جعله قدوة والبناء عليه نظريًّا. كأنّ الفشل يعمُّ حتى يصبح كما يُقال: "البلية إذا عمت طابت".
يتحول الإنجاز إلى هدفٍ حين تتغلب ثقافة أداء التكليف في جميع المستويات؛ كأنّ الجميع في هذه الحالة منخرطون في عملٍ متواصل دون هوادة. من ذا الذي يقف ليفكّر مليًّا وبعمق، ويُخطط للبعيد، وينظر إلى النتائج ويحاسب على أساسها؟ لا بأس، طالما أنّ السير العام هو على طريق أداء التكليف الشرعي!
الصعوبة المُضنية التي يواجهها المدراء والمسؤولون عند القيام بمهمات خطيرة في مؤسساتٍ كبرى، تجعلهم يبحثون عن أي شيء سهل. بدل التعامل مع هذه المهمة بحجمها الذي أشفقت السماوات والأرض عن حمله وتحمُّل مسؤوليته، يديرون وجوههم شطر كل شيء يبدو سهلًا. فالله بنظرهم لا يكلّف نفسًا إلا وسعها؛ ومن المستحيل أن نكون قد كُلّفنا بهذه المهمة المعقدة الشديدة الصعوبة. وبدل الارتقاء إلى مستوى التكليف، يُنزلون التكليف إلى مستوى كفاءاتهم، وكأنّه لا يوجد شيء في هذا العالم اسمه الرجوع إلى أهل الخبرة والكفاءة والعلم، أو كأنّه لا يوجد شيء اسمه الإعداد والاستعداد بكل قوة!
هكذا تنزّلت المؤسسات إلى أوضاع وإنجازات لا ترتبط بماهيتها، فبقيت الأسماء المطنطنة والمقدّسة، وزال الروح والجوهر، وانسحب معهما النجاح الحقيقي قائلًا: خذوني معكم لأنني لا أكون إلا حيث كنتم!
مؤسسات أصبحت على مرّ الزمن بحجم مسؤوليها الذين تربّعوا على عروشها زمنًا طويلًا، حتى لم يعودوا قادرين على تلمُّس مستلزمات مسؤولياتهم، والتي على رأسها ضرورة الاتصال بمنابع الحكمة الإلهية ومظاهرها الكبرى في الوجود.
القيادة الاستراتيجية
نحو استكشاف غوامض القيادة وأبعادها الدقيقة
القيادة القيمية
يتابع السيد عباس نورالدين مشروعه في بناء ثقافة إسلامية عميقة في فن القيادة وأصولها؛ وفي هذا الكتاب يعرض لقيادة المجتمع من زاوية القيم الإنسانية والإلهية؛ حيث يكشف عن وجود منظومة رائعة تتشكل فيها أربع مراحل أساسية لا بد أن يمر بها أي مجتمع في مسيرته التقدمية حتي يبلغ أعلى مراتب الازدهار والعزة والكمال. فما هو دور القائد هنا وما هي الموانع التي يمكن أن يواجهها في هذا الطريق، وكيف يمكن تذليها وتجاوزها. القيادة القيمية الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 320 صفحةالطبعة الأولى، 2014م يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي:1- لنيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=02- وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء
القيادة الإيمانية
برسوم توضيحية يعرض الكتاب لأهم خصائص القيادة الناجحة والمؤهلات التي يتميز بها القادة الحقيقيون. ويذكر باختصار منشأ كل صفة وكيف يمكن اكتسابها، وما هي السلوكيات الأساسية والأعمال الرئيسية التي يقوم بها كل قائد ناجح. القيادة الإيمانية الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 15*15غلاف كرتوني: 64 صفحةالطبعة الأولى، 2010م يمكن الحصول على الكتاب خارج لبنان عبر موقعي: النيل والفرات: https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=بيت%20الكاتب&Mode=0وموقع جملون:https://jamalon.com/ar/catalogsearch/result/?q=مركز+باء
حول هرم المؤسسات.. العوامل التي تؤدي إلى ضعف الإنتاجية
نعرف الهرم بأنه حالة تصيب الجسد فتتباطأ حركته وتضعف قواه ويقل إنتاجه ويؤذن بالموت والنهاية الوشيكة.. مثل هذه الحالة قد تُصيب المؤسسات والمنظمات أيضًا. كثيرة هي المؤسسات التي انعدمت من الوجود وأُصيبت بالموت نتيجة ابتلائها بهذا المرض، دون أن يتمكن القيّمون عليها من معالجته. إن معرفتنا بالعوامل التي تتسبب بهرم المؤسسات يمكن أن تُساعدنا على الحؤول دون وصولها إلى هذه الحالة المشؤومة.
مراحل التحول ومؤسساته
{كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرين}. لمّا كانت الثقافة بعناصرها الرئيسية وليدة تفاعل الناس مع الدعوات والأُطروحات المختلفة، وخصوصًا الرسالات السماوية، ولمّا كانت ثقافات المسلمين المتنوّعة حصيلة تفاعلاتهم المختلفة مع الإسلام، كان من المهم التعرّف على كيفية انبثاق هذه الثقافات وأسباب تشعّبها واختلافها رغم أنّ الدّين واحد والوحي واحد والنبيّ واحد.
العنصر المحوري لنجاح أي إدارة.. كيف نبني مؤسساتنا على تقدير الكرامة الإنسانية
لمّا كانت الإدارة تعني حسن توجيه الموارد بما يتناسب مع الأهداف، كان لا بد من الوقوف مليًّا عند الموارد ومعرفتها لاكتشاف طبيعة عملها وتفاعلها. ولا شك في أن أعظم الموارد هي الطاقات البشرية التي يُفترض أن تكون بمثابة المحرّك لغيرها من الموارد.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...











