
ما معنى أن نزور أولياء الله؟
السيّد عبّاس نورالدين
أن تزور النبيّ أو الإمام المعصوم يعني أن تنحرف عمّن سواه إليه. فالزّور هو الانحراف عن الشّيء إلى شيءٍ آخر؛ وحين ترى الشّمس تزاور عن كهفهم،[1] فهي لا تقترب إليهم وإن كانت تشعّ على غيرهم.
وللزّيارة في الثّقافة الإسلاميّة الأصيلة أهمّيّة كُبرى لما فيها من تقاربٍ معنويّ بالإضافة إلى تعظيم المزار والإعلان عن الانتماء إليه.
بيد أنّ كل هذا التّعظيم والانتماء يهدف إلى أمرٍ أساسيّ؛ وما لم يتحقّق هذا الأمر، فلن تترك الزّيارة أثرها المطلوب في النّفس. وهذا الأمر الأساسيّ هو حصول الارتباط الصّحيح. فحين أُمرنا بزيارة أولياء الله، فذلك لكي تكون هذه الرّابطة القلبيّة والظاهريّة سببًا لتحقّق رابطة واقعيّة بيننا وبين هؤلاء الأولياء؛ رابطة يحصل فيها التّلقّي الصّحيح والأخذ منهم ما يقدّمون. ولا شك بأنّ أعظم ما يقدّمه أولياء الله للنّاس هو الهداية العلميّة.
فلم يبعث الله نبيًّا أو وصيّ نبيّ إلّا لأجل هداية الأمم بواسطة العلم والمعرفة والحكمة. وما لم يحصل الارتباط بين النّاس وعلوم الأولياء، فلا يمكن أن تكون هناك رابطة حقيقيّة متينة. وقد كان أعداء الأئمّة الأطهار مستعدّين لتكريمهم وتعظيمهم بشرط أن لا يطرحوا علومهم على النّاس. فليس بين السّلطان وأحد عداوة شخصيّة طالما أنّه لا يهدّد حكمه. فكيف إذا كان تكريم السّلطان له موجبًا لزيادة سلطانه وشرعيّته.
كل هذا العداء التّاريخيّ، إنّما كان بسبب ما كان أهل البيت عليهم السّلام يطرحونه ويعرضونه تحت عنوان الدّين من أجل توحيد الأمّة الإسلاميّة وعزّتها وكرامتها وجمع القلوب والأفئدة على محبّة الله وطاعته. والذين لم يدركوا أهداف هؤلاء الأطهار غالبًا ما كانوا يقفون في الصفّ المقابل لهم وإن لم يشعروا بذلك. فما أسهل أن يحتنك الشيطانُ الجاهلين ويجعلهم في صفّه وحزبه.
وهكذا، كان جهل النّاس بعلوم أهل البيت (عليهم السلام) العامل الأكبر وراء تمكّن سلاطين الجور من محاربتهم والتّنكيل بهم وقتلهم. وما زال الأمر كذلك إلى يومنا هذا. فقد شاهدنا كيف تحوّل الذين كانوا يدّعون محبّة أهل البيت ويزورونهم إلى أداة طيّعة بأيدي أعداء الإسلام والإيمان. ولم تنفعهم كل تلك الزّيارات ولم تحدث في نفوسهم أثرًا.
فالزّيارة الواقعيّة للإمام هي زيارة له والأخذ عنه ما يحبّ وما جاهد من أجله وضحّى لنشره. وما لم نزر علم الإمام فكأنّنا لم نزر ولم نقترب.
ما أصعب غربة الإمام حين يكون بين جماعة لا تهتم بعلمه ولا تقرأ كلماته ولا تتدبّر أحاديثه. وهذا هو الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام قد وقف في غربته الأولى حين كان ظاهرًا بينهم وهو يقول:
"وَتَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ كَيْفَ كَانُوا فِي حَالِ التَّمْحِيص وَالْبَلَاءِ أَلَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ الْخَلَائِقِ أَعْبَاءً وَأَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلَاءً وَأَضْيَقَ أَهْلِ الدُّنْيَا حَالًا اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبِيدًا فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَ[جَرَّعُوهُمْ جُرَعَ الْمُرَارِ] جَرَّعُوهُمُ الْمُرَارَ فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فِي ذُلِّ الْهَلَكَةِ وَقَهْرِ الْغَلَبَةِ لَا يَجِدُونَ حِيلَةً فِي امْتِنَاعٍ وَلَا سَبِيلًا إِلَى دِفَاعٍ حَتَّى إِذَا رَأَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى فِي مَحَبَّتِهِ وَالِاحْتِمَالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ الْبَلَاءِ فَرَجًا فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَكَانَ الذُّلِّ وَالْأَمْنَ مَكَانَ الْخَوْفِ فَصَارُوا مُلُوكًا حُكَّامًا وَأَئِمَّةً أَعْلَامًا وَقَدْ بَلَغَتِ الْكَرَامَةُ مِنَ اللَّهِ لَهُم مَا لَمْ تَذْهَبِ الْآمَالُ إِلَيْهِ بِهِمْ.
فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانُوا حَيْثُ كَانَتِ الْأَمْلَاءُ مُجْتَمِعَةً وَالْأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً وَالْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً وَالْأَيْدِي مُتَرَادِفَةً وَالسُّيُوفُ مُتَنَاصِرَةً وَالْبَصَائِرُ نَافِذَةً وَالْعَزَائِمُ وَاحِدَةً أَلَمْ يَكُونُوا أَرْبَابًا فِي أَقْطَارِ الْأَرَضِينَ وَمُلُوكًا عَلَى رِقَابِ الْعَالَمِينَ!
فَانْظُرُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ فِي آخِرِ أُمُورِهِمْ حِينَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَتَشَتَّتَتِ الْأُلْفَةُ وَاخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ وَالْأَفْئِدَةُ وَتَشَعَّبُوا مُخْتَلِفِينَ وَتَفَرَّقُوا مُتَحَارِبِينَ وَقَدْ خَلَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ كَرَامَتِهِ وَسَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِهِ وَبَقِيَ قَصَصُ أَخْبَارِهِمْ فِيكُمْ عِبَرًا [عِبْرَةً] لِلْمُعْتَبِرِينَ [مِنْكُمْ].
فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَيَنِي إِسْحَاقَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ (ع) فَمَا أَشَدَّ اعْتِدَالَ الْأَحْوَالِ وَأَقْرَبَ اشْتِباه الْأَمْثَالِ تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِي حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وَتَفَرُّقِهِمْ لَيَالِيَ كَانَتِ الْأَكَاسِرَةُ وَالْقَيَاصِرَةُ أَرْبَابًا لَهُمْ يَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِيفِ الْآفَاقِ وَبَحْرِ الْعِرَاقِ وَخُضْرَةِ الدُّنْيَا إِلَى مَنَابِتِ الشِّيحِ وَمَهَافِي الرِّيحِ وَنَكَدِ الْمَعَاشِ فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَوَبَرٍ أَذَلَّ الْأُمَمِ دَارًا وَأَجْدَبَهُمْ قَرَارًا لَا يَأْوُونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ يَعْتَصِمُونَ بِهَا؛ وَلَا إِلَى ظِلِّ أُلْفَةٍ يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا".[2]
ونحن نسأل اليوم أين هم زوّار هذا الإمام اليوم من هذه النّصائح والوصايا والإرشادات البليغة؟ وهل سعينا لقراءتها وتطبيقها في واقعنا؟
إنّ أنبياء الله وأوصياءه إنّما جاؤوا ليورثوا النّاس العلم لا الدّرهم والدّينار. وفي ظلّ العلم والمعرفة يهتدي النّاس إلى كلّ خير. وهل يمكن أن تصلح أمورنا ونحن معرضون عن أهم ما جاء به هؤلاء الأطهار؟
كم نحن بحاجة إلى من يعمّق فينا معرفة معاني الزّيارة بدل الاكتفاء بالطّقوس العابرة، حتى يتحقّق المراد الحقيقيّ من وراء إقامة هذه المراسم الرّائعة والمقامات الشّريفة.
[1]. {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمينِ...} [سورة الكهف، الآية 17].
[2]. نهج البلاغة، ص 296 ـ298.

شرح الزيارة الجامعة
تتضمن الزيارة الجامعة المرويّة عن الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام مجموعة مهمة من الأفكار العميقة بشأن حقيقة ومنزلة أهل بيت العصمة والطهارة. وبالاضافة إلى ذلك تشير إلى مسؤوليات أساسية ينبغي أن يتحملها المؤمن تجاه هؤلاء الأئمة الأطهار. كل ذلك وغيره استرعى انتباه السيد عباس نورالدين، فقام بشرح مقاطع مهمة من هذه الزيارة.

صناعة المثل الأعلى
إذا نظرنا إلى حياتنا وأردنا أن نكتشف قيمتها وأهمّيتها ودورنا فيها، فلا شيء يمكن أن يعيننا على ذلك مثل الأحداث الكبرى التي تقع فيها. إنّها الحوادث التي تخرج عن سياق الرّتابة والسّطحيّة والاهتمامات المادّيّة، وتجعلنا نعيد النّظر بأهم الأمور ونعمّق الفكر حول الوجود كلّه وحول الحياة والمصير ومن نحن، وأين وكيف سنكون.

كيف يكون المعصوم قدوة؟ إذا كان وليّ الله معصومًا منذ طفولته ومؤيّدًا منذ صغره، فكيف يمكن أن نتّخذه قدوةً لنا؟
تثبت الأدلّة العقليّة والنقليّة أنّ الأنبياء والرّسل هم أشخاص معصومون عن الخطأ ولا يمكن أن يرتكبوا أي معصية في سلوكهم وفي تلقّيهم للوحي وفي تبليغهم للرسالة. وهم مؤيّدون بروح القدس الذي بفضله تنكشف لهم قبائح المعاصي وبشاعة الذّنوب إلى الحدّ الذي تكون في مذاقهم كالسمّ الزّعاف والجيفة النتنة. فهل رأيتم من يُقبل على تناول السمّ بإرادته أو أكل الجيفة برغبته؟

أي إنسان هذا الذي يُصلح العالم؟
ما نعرفه ونؤمن به أن وعد الله لا بد أن يتحقق يومًا فتشرق الأرض بنور ربّها ويرثها عباد الله الصالحون. كل ذلك بعد القضاء على المتكبّرين الظالمين وتتبير العتاة الطواغيت المفسدين.

10 عوامل تعجّل ظهور الإمام
الإمام المهدي هو الإنسان الذي جمع أعظم القيم الإنسانية والمعنوية في شخصيته. لهذا فإنّ انتظاره هو انتظار لتحقّق هذه القيم في الحياة الاجتماعية. وحين يدرك المسلمون أهمية هذه القيم في حياتهم ويبدأون بالمطالبة بها، فهذا يعني أنّهم قد حقّقوا الشرط الأوّل للتغيير وهو تغيير ما بالنفوس، وحينها سيحصلون على الجزاء وهو تغيير الله ما بهم.

عظمة الإمام المهدي الفريدة
كلّ المؤمنين بالإمام المهدي (عليه السلام) يعلمون أنّه سيكون أوّل رجل ربّاني يؤسّس حكومة إلهيّة عالميّة تبسط سلطانها على كلّ المعمورة. وحين نتحدّث عن الحكومة الإلهيّة، فإنّ أول ما يتبادر إلى الذّهن هو إقامة العدل والقِسط. وبإقامة العدالة الشاملة تتأسّس قاعدة راسخة لانبعاث حركة بشريّة هادرة نحو الكمال والفضيلة. بل إنّ ذلك سيكون سببًا في سباق وتنافس عظيم على هذا المضمار لم تشهد البشريّة مثله حتى في حركاتها المحمومة نحو الذّهب والفضّة والاستعمار.

أعظم طريقة لنشر القيم
يحفل تاريخنا الإسلاميّ بشخصيّات عظيمة تجسد تعاليم الإسلام وقيمه وأطروحته الكاملة. وحين نتأمّل في أفضل الطّرق والبرامج المؤثّرة في مجال نشر هذه القيم وترسيخها وتحقيق تلك الأهداف والوصول إليها، لن نجد ما هو أفضل من الشخصيّات المجسّدة لها.

العالم عشية الظهور... أين نحن من يوم خروج الإمام المهدي؟
إنّ ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) يقوم على تحقّق حالة اجتماعية سياسية أساسية لا يشكّ فيها أي عارف بدور الإمام المعصوم وما يمثّله؛ وهذه الحالة أو الوضعية الاجتماعية عبارة عن وجود جبهة حقيقيّة تدعو إلى الإمام المهدي وتطالب به باعتباره قائد عملية التغيير الكبرى في الأرض.

ماذا نعرف عن محبّة أهل البيت (ع)؟
ليست محبّة أهل البيت عليهم السلام أمرًا مغايرًا لأي حب نشعر به أو نعيشه تجاه أي شخص، لكنها درجة عالية من المحبّة لأنها محبّة متحررّة من جميع قيود الأنا والشهوة والمصلحة الشخصية.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...