
قضية التكنولوجيا في التعليم
رؤية قيمية ضرورية
السيد عباس نورالدين
يتّجه العالم اليوم وبسرعة قياسية نحو جعل الآلات والأجهزة أكثر قدرةً وتأثيرًا، بمعزل عن النتائج الكارثية التي يمكن أن تتسبب بها لهذه الأرض ومن عليها؛ وما لم تخضع هذه الظاهرة للدراسة والتحليل والنقد والتمحيص، فإنّ هذه الحركة الاعتباطية ربما تخرج تمامًا عن سيطرة الإنسان، ولا يتمكن بعدها من الحد من آثارها الوخيمة.
إنّ جوهر التعليم ينبغي أن ينصب نحو تحقيق السعادة الواقعية للإنسان والتي تتمثل في خلافته لله في الأرض. فقيمة الإنسان الحقيقية وكرامته تتجلى في كونه ذاك النوع المخلوق الذي أوكلت إليه مهمة إحياء الأرض وعمارتها وإصلاحها وتبديلها إلى أرض مشرقة بنور ربها. وحين يتنكب هذا الإنسان عن هذا الصراط المستقيم، فسوف تنقلب هذه الأرض نفسها عليه ويُبتلى بأنواع العذاب والمآسي.
لا يحق للإنسان أن يستخدم القوة كيفما كان، وإن كان يحتاج إليها كثيرًا للقيام بمهمّته الكبرى؛ فالقدرة وسيلة الإنجاز، والإنجاز فعل وسعي يجب أن يكون تابعًا للحكمة؛ أمّا الحكمة فهي عبارة عن الالتزام بالسير نحو الهدف الصحيح والغاية المنشودة. والحكيم هو الذي يُخضع كل شؤون حياته وتفاصيلها للنقد العقلي الواعي، فيطرح ما ليس معينًا له على إنجاز مهمته، ويجتبي ما يكون كذلك. ولهذا يكون أي علم لا ينضوي تحت لواء الحكمة مضلًّا وسببًا لشقاء الإنسان!
التعليم الحقيقي يجب أن يعمل على صناعة الإنسان الحكيم؛ وأول ما يحتاج إليه الحكيم هو تمييز العلم النافع المطلوب عن غيره.
تشجيع أبنائنا على التفكير الناقد يبدأ من البحث عن النافع والضار. ولكي نعرف الضار الواقعي ونميزه عن المفيد الحقيقي يجب أن نحدد النفع المطلق المحض والشر المطلق البحت، فهما مراتب وتنزلات ودرجات من المحض البحت.
في الحياة الدنيا، يتمثل النفع المطلق في سير البشر نحو إصلاح الأرض في ظل مشروع الخلافة الإلهية؛ فما دمنا سائرين على هذا الطريق ونحن نجعل كل شؤون حياتنا في خدمة هذه الحركة الواعية فنحن على طريق المنافع. فما ينفعنا ويؤدي إلى سعادتنا سيكون دومًا في الحفاظ على هذه الأرض والعمل المتواصل على تبديلها إلى جنة لا أذى فيها ولا ضرر ولا إزعاج ولا خطر. وأي سير بالاتّجاه الآخر، بل إنّ أي إهمال وتقصير في هذا المجال، سيكون سببًا لشقائنا وتعاستنا وينتهي بضررنا الحتمي الأكيد.
إنّ ربط تفاصيل الحياة بهذا الهدف الأعلى، وبناء رؤية المتعلم لكل الأشياء على أساسه، هو الذي يمكنه من فهم وتفسير ما يجري عليه ومعه وحوله بصورة عميقة ودقيقة، وذلك انطلاقًا من علاقته وأدائه تجاه تلك المسؤولية؛ وبذلك يسلك السبيل الوحيد إلى الثبات والطمأنينة والوعي والبصيرة.
إن صحّ القول، فإنّ الأرض مخلوقٌ يتصرف وفق قوانين دقيقة للغاية تجاه كل فعل يصدر منا، إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر. فلا نتوقع الحصول على الصحة والسلامة مثلًا، ونحن نقوم بتخريبها وتدمير عناصرها وإهلاك مواردها. إن كانت التكنولوجيا قدرة فينبغي أن تخضع لهذا الحساب أيضًا. وأولى المحاسبات هي ما يرتبط بكلفة إنتاجها.
كم هو سهل أن تقارن بين السيارة الكهربائية والسيارة المستهلكة للوقود الأحفوري على مستوى انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من عوادمها. ولكن هل علمت كم تستهلك صناعة تلك السيارة الكهربائية من موارد هذه الأرض، وكم أنتجت وبعثت هذه الصناعة من ثاني أوكسيد الكربون نفسه؟
إنّ الأسعار المرتفعة للسيارات الكهربائية لا ترجع إلى كونها حديثة أو نادرة، بل لأنّ كلفة صناعتها كانت باهظة مقارنةً بالسيارات العادية. وصحيح أنّ السيارة الكهربائية لن تحرق مئات آلاف ليترات الوقود في متوسط عمرها، لكن هل حسبنا ما ستستهلكه من مواد نادرة فقط لصناعة بطارياتها التي لا بد من تبديلها كل عدة سنوات؟! وهل تعرفنا إلى حجم التدمير والتلويث لمناجم تلك المواد النادرة.
لقد أثبتت التجربة التكنولوجية للإنسان أنّه كلما تطورت الآلات وأصبحت أكثر قدرة ودقة وتعقيدًا كانت أكثر ضررًا لموارد الأرض وبيئتها. فإلى أين نحن سائرون؟ وهل نتوقع أنّنا مع هذه السرعة الجنونية في تطوير تقنياتنا سنتمكن من الحؤول دون وقوع الكارثة الكونية الكبرى؟
إنّ مشكلة الفكر البشري ـ الذي بات يتنزل بصورة مناهج تعليمية معلبة لأهداف واضحة ـ هي أنّه لا لم يعد قادرًا على التفكير والبحث الجاد عن بديل لهذه التكنولوجيا (وكأنّ هذه التكنولوجيا ليست سوى حتمية تاريخية). وكلما ظنّ هذا الفكر أنّه اكتشف بديلًا أقل ضررًا ثبت أنّه بعكس ذلك (ولا بأس أن ندرس كل أشكال الطاقة البديلة اليوم على صعيد البيئة لا الاقتصاد فحسب). لهذا، أصبحت التكنولوجيا في ثقافة اليوم بديلًا وحيدًا وخيارًا فريدًا لوسائل الجمال والحمير والعربات الخشبية. وبدل الحث على التفكير خارج هذا الصندوق المزخرف، يتم إغراق عقول المتعلمين في هذه المناهج بما لا يُحصى من الأمثلة المخادعة التي تغلّب الجوانب البراقة والإيجابية للتكنولوجيا. أما الجوانب السلبية التي يُشار إليها في تلك المناهج فإنّ أسبابها ترجع في الأغلب إلى فعل الإنسان نفسه لجشعه وعدم التزامه بالقيم الأخلاقية.
إنّ التكنولوجيا، وقبل أن تكون ثمرة للعلوم والتطور العلمي، هي أحد مظاهر القدرة التي يجب أن تكون خاضعة للحكمة. فالسعي نحو القدرة لا ينبغي أن يكون إلا لأجل القيام بما هو مطلوب ومفيد، وحين تزيد القدرة عن اللازم، فسوف تتحول إلى سبب للخسارة لا محالة؛ وأولها خسارة الجهد والوقت الذي بذل من أجل تحصيلها.
في عصرنا الحالي يتم إنتاج الآلات والأجهزة بكميات هائلة تؤدي إلى اكتظاظ المستودعات بالكثير مما لا يحتاج إليه الناس، أو يمكن أن يجدوا له بديلًا بسيطًا وغير مضر البتة؛ كل ذلك لسهولة إنتاج وجدوائية تصنيع الكميات الكبيرة؛ وهذا ما يدفع هؤلاء المنتجين إلى استعمال آلاف وسائل الإغراء والإغواء لتسويق منتجاتهم. فالتكنولوجيا أضحت عنوان التقدم والراحة والعصرنة والتطور. في حين أنّ الأمر بعيد عن ذلك كل البعد. هل سمعتم عن المكبات الكبرى في الصحاري الشاسعة للسيارات الجديدة غير المستعملة التي لا يتم بيعها ولا ينبغي بيعها بأسعار أقل، للحفاظ على صناعة السيارات نفسها؟!
لا ينبغي لامتلاك التكنولوجيا أن يُعد قيمة إيجابية ينبغي التسابق من أجلها. فهي قبل أي شيء استهلاك وتدمير وتخريب وتلوث. ولكي ندرك مدى الكارثة التي نشارك فيها، يجب أن نطلع على الآثار الجانبية لصناعة كل تلك الأجهزة والآلات التكنولوجية الحديثة. فلربما نشعر بالخجل ونتوقف عن التبجح بكوننا مواكبين للعصر والتطور!

ثورة التربية والتعليم
يتطرّق الكتاب الرابع في سلسلة الأطروحة التربوية التعليمية التي يقدمها السيد عباس نورالدين إلى أهم القضايا التي تواجه أي ثورة حقيقية تريد إعادة إنتاج التربية التعليمية وفق استحقاقات العصر ومتطلّبات الزمان وبما يتناسب مع التحدّيات التي يعيشها مجتمعنا.الثورة التي يدعو إليها الكاتب تطال جميع مفاصل التربية التعليمية من رؤى ومناهج وقيم وحتى تلك التفاصيل التي تعني كل عامل أو مهتم بهذا المجال المصيري. ثورة التربية والتعليم الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 216 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-033-0 السعر: 12$

روح المجتمع
كتابٌ يُعدّ موسوعة شاملة ومرجعًا مهمًّا جدًّا يمتاز بالعمق والأصالة لكلّ من يحمل همّ تغيير المجتمع والسير به قدمًا نحو التكامل، يحدد للقارئ الأطر والأهداف والسياسات والمسؤوليات والأولويّات والغايات المرحليّة والنهائيّة في كلّ مجال من المجالات التي يمكن أن تشكّل عنصرًا فعّالًا في حركة التغيير، على ضوء كلمات قائد الثورة الإسلاميّة المعظّم روح المجتمع الكاتب: الإمام الخامنئي/ السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19*25غلاف كرتوني: 932 صفحةالطبعة الأولى، 2017م ISBN: 978-614-474-020-0 سعر النسخة الملوّنة: 100$سعر النسخة (أبيض وأسود): 34$ للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراءه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

المدرسة الإسلامية
يعرض لأخطر المشاكل وأهم القضايا حول أوضاع المدارس الحالية، التي تبنت المناهج الغربية، وذلك بالطبع بحثًا عن المدرسة المطلوبة التي تنسجم مع حاجات المجتمع وثقافته. كل ذلك من أجل بعث حركة فكرية جادة بين المهتمين بالتعليم عن طريق بناء الرؤية الشاملة للتربية التعليمية في الإسلام. المدرسة الإسلاميّة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 232 صفحةالطبعة الأولى، 2014مالسعر: 10$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

المدرسة النموذجية
إنّ القوّة الأساسيّة للمدرسة النموذجيّة تكمن في برامجها ومناهجها التي تتميّز بقدرتها على تقديم المعارف والمهارات بأحدث الطرق وأسهلها، وتعتصر كل التراث العظيم للبشريّة وتتّصل بكامل التّراث الاسلامي وتقدّمه لطلّابها عبر السنوات الدراسيّة كأحد أعظم الكنوز المعرفيّة. وهكذا يتخرّج طلّابنا وهم متّصلون بهذا البحر العظيم لكلّ الإنجازات الحضاريّة في العالم كلّه ويمتلكون القدرة التحليليّة اللازمة لتمييز الخير من الشرّ في جميع أنحائه. المدرسة النموذجيّة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 140 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$

معادلة التكامل الكبرى
يقدّم رؤية منهجيّة تربط بين جميع عناصر الحياة والكون وفق معادلة واحدة. ولهذا، فإنّك سوف تلاحظ عملية بناء مستمرّة من بداية الكتاب إلى آخره، تشرع بتأسيس مقدّمات ضروريّة لفهم القضية ومنطلقاتها، ثمّ تمرّ على ذكر العناصر الأساسية للحياة، لتقوم بعدها بالجمع بينها والتركيب، لتخرج في النهاية بمعادلة شاملة لا تترك من مهمّات الحياة شيئًا. معادلة التكامل الكبرى الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 21.5*28غلاف ورقي: 336 صفحةالطبعة الأولى، 2016مالسعر: 15$ تعرّف إلى الكتاب من خلال الكاتب للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم أن تطلبوه عبر موقع جملون على الرابط التالي:

مختصر معادلة التكامل
هذه الطبعة المختصرة لكتاب "معادلة التكامل الكبرى" الذي يبيّن مدى سعة الإسلام وشمول رؤيته ومنهجه لكلّ شيء في الوجود. كيف لا؟ والله عزّ وجل هو المبدأ والمنتهى.. نقدّمها لقرّائنا الذين يودّون أن يحصلوا على معرفة أوّليّة بتلك المعادلة الكبرى، أو للذين لا يجدون الوقت الكافي لمطالعة الكتب الكبيرة. مختصر معادلة التكامل الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 200 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

حول أسلمة العلوم الطبيعية أو التطبيقية.. مبادئ أساسية لبناء المناهج
لا ينظر المؤمنون بالإسلام وقيمه إلى الحركة العلمية الغربية بارتياح عمومًا، ومنها ما يرتبط بالعلوم التي تمحورت حول دراسة الكون والطبيعة والإنسان؛ هذه العلوم التي عبّرت عن نفسها بمجموعة من الاختصاصات والفروع، وظهرت بنتاج هائل استوعب جهدًا كبيرًا للبشرية، فأصبح بسبب ضخامته وحضوره مدرسة عامة يتبنّاها العالم كلّه. فالمنهج الغربيّ في التعامل مع الطبيعة والكون والإنسان هو المنهج المعتمد اليوم في كل بلاد العالم دون استثناء. إلا إنّ المؤمنين بالإسلام متوجّسون من حركة الغرب عمومًا، لا سيّما حين ينظرون إلى نتائج هذه العلوم على مستوى علاقة الإنسان بربّه. لقد أضحت هذه العلوم علمانية بالكامل، ليس أنّها لا ترتبط باكتشاف مظاهر حضور الله وعظمته وتدبيره وربوبيته فحسب، بل أصبحت سببًا لحصول قطيعة بين الإنسان وخالقه؛ في حين أنّ هذه العلاقة هي أساس سعادة الإنسان وكماله. أضف إلى ذلك، الآثار الهدّامة المشهودة لهذه العلوم على مستوى التطبيق والتكنولوجيا.من هنا، فإنّنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، والعمل على تأسيس مقاربة أدق وأوسع وأشمل تجاه الكون والإنسان والوجود تنطلق من فهم فلسفة الوجود وغايته، فتكون عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف الكبرى.

المجتمع والتاريخ محورًا في التعليم .. في المقاربات والمناهج والأهداف
للمجتمع في حركته دورٌ كبير في تكوين شخصية الإنسان وتحديد مصيره، فضلًا عن كونه من أبلغ الآيات الدالات على صفات الرب المتعال وحضوره. وكلما استطعنا ترسيخ هذه النظرة وتعميقها أصبح الإنسان أكثر تفاعلًا مع إحدى أهم سبل الوصول إلى كماله. وباختصار، يجب أن تأخذ المناهج التعليمية على عاتقها مهمة أساسية تتجلى في إيصال الإنسان إلى أعلى درجات التفاعل الإيجابي مع مجتمعه والمجتمعات البشرية قاطبة.

الدين كقضية أساسية في المناهج التعليمية.. مبادئ ومنطلقات
للمعارف المرتبطة بالأديان والمذاهب وخصوصًا الإسلام ميزة مهمة لا يمكن أن نجدها في أي مجال معرفي آخر مهما كان واسعًا؛ ويمكن أن نجعل من هذه الميزة نقطة تفوّق نوعي في شخصية المتعلم، الأمر الذي يرفع من شأنه ومن دوره وموقعيته في المجتمع. إنّ القدرة التي تمنحها العلوم المختلفة، مهما بلغت، لا يمكن أن ترقى إلى قدرة المعارف الدينية (وهذا بمعزل عن الحق والباطل). فالمهندسون والمخترعون والأطباء والتجار ورجال الأعمال لا يمكن أن يكون لهم من القدرة والتأثير في المجتمع كما يكون لمن يمتلك المعارف المرتبطة بحياة الإنسان ومصيره وسلوكه وروحه وتاريخه ومستقبله ونمط عيشه. ولو التفتت المناهج التعليمية في مدارسنا إلى هذه القضية وجعلتها محورًا أساسيًّا في التعليم لشهدنا عمّا قريب هذا التفوّق الذي نطمح إليه.

كيف تتغلب المدرسة على العقبة الأولى أمام بناء المجتمع؟ لماذا تعزز مناهج اليوم النزعات الفردية وفرار الأدمغة
بالنسبة لأي مجتمع في العالم، لا يوجد ما هو أسوأ من تضييع الطاقات الشابة الخلاقة والفعالة التي يحتاج إليها للتقدم والازدهار وحتى البقاء.. شباب اليوم هم مدراء البلد والمسؤولون عن تقرير مصيره، والفارق الزمني الذي يفصل بينهما لا شيء مقارنة بعمر الأوطان؛ لهذا، فإنّ أي مجتمع سرعان ما سيلحظ الخسارة الكبرى من تضييع الطاقات الشابة.

ظاهرة اللغة كقضية في التعليم.. ما الذي يعرفه خريجو المناهج الحالية؟
إنّ اللغة كظاهرة كونية كانت ولا تزال تُعد أهم عنصر لقوة البشر؛ فلولا اللغة لما استطاع الإنسان أن يبلغ ما بلغه من شأن على مستوى الحضارة والعمران والفكر وحتى المعنويات؛ بيد أنّ العلاقة بين اللغة وهذه الإنجازات الكبرى لا تظهر بأي نحوٍ من الأنحاء في المناهج التعليمية الشائعة؛ بل نجد عملًا ممنهجًا يؤدي إلى طمسها بشتى السبل، والتي يصل بعضها الى درجة التآمر!

هل يصح تدريس العلوم الطبيعية بمناهجها الحالية؟ وما هي الشروط التربوية لنجاح هذا التعليم؟
تعمد الأطروحة الجديدة للمدرسة النموذجية إلى إعادة النظر بشأن تعليم العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والأحياء وكذلك الرياضيات، وذلك بما يتناسب مع الرؤية المرتبطة بدور العلم في الحياة البشرية. لقد تم التركيز على هذه العلوم في المناهج الغربية باعتبار الموقعية المركزية لعالم المادة والطبيعة في الحياة البشرية. ففي الفكر الغربي المادي يُعد تسخير الطبيعة وعناصرها أساس السعادة البشرية، وذلك باعتبار أنّ المنشأ الأساسي للقدرة هو المادة. وبحسب هذا الفكر، بالقدرة يتمكن البشر من الوصول إلى السعادة أو حلّ المشكلات المختلفة... في حين أنّه بحسب الرؤية الكونية الدينية، فإنّ القدرة الأساسية (أي قدرة التغيير والتأثير) إنّما تتجلى في إرادة البشر. وهذه الإرادة لا تظهر فقط بالسيطرة على عناصر الطبيعة، وإنّما تظهر في سلوكياتهم وتعاملهم فيما بينهم في الاجتماع والسياسة. كما أنّ مستوى القدرة يتحدد وفق طبيعة استخدام عناصر الطبيعة وآلياتها وبرامجها؛ ممّا يعني أنّ هذه القدرة الناشئة من تسخير مواد الطبيعة إنّما تتبع أهداف البشر ونواياهم وكيفية استعمالهم لهذه المواد، لا مجرد تسخيرها كيفما كان.لذا يجب قبل أي شيء العمل على بناء الرؤية السليمة المرتبطة بدور الانسان في تسخير عالم المادة، ومدى تأثير ذلك على سعادة البشرية أو شقائها، وتعريف المتعلم إلى كل عناصر القدرة التي يمكن أن يحقق من خلالها سعادته وسعادة مجتمعه.

كيف تصنع المناهج هم تهذيب النفس؟ إطلالة معمقة على دور المدرسة في التربية
يمكن للتعليم المدرسي أن يساهم مساهمة كبرى في توجيه المتعلم نحو أحد أكبر قضايا الحياة وأهمها وأكثرها تأثيرًا على حياته ومصيره، ألا وهي قضية تهذيب النفس والسير التكاملي إلى الله. ولا نقصد من التعليم المدرسي تلك البيئة الفيزيائية المتعارفة، التي يمكن أن تكون معارضة تمامًا لهذا النوع من التربية والتأثير، وإنّما المقصود هو المناهج التعليمية التي يمكن صياغتها وتطويرها بحيث تصبح قادرة على جعل قضية التكامل المعنوي الجوهري همًّا واهتمامًا أساسيًّا، يعيشه المتعلم ويمارسه في هذه المرحلة العمرية الحساسة.

أفضل مناهج دراسة الطبيعة، لماذا يجب أن نعيد النظر في تعليم هذه المواد؟
عرفت البشرية طوال تاريخها المديد منهجين أساسيين لدراسة الطبيعة. وقد انتصر ثم هيمن أحد هذين المنهجين بعد صراع لم يدم طويلًا. كان الأول يعتمد على فلسفة البحث من خلال طرح الأسئلة المرتبطة بالموقعية الوجودية لأي كائن أو عنصر طبيعي والبحث عن سر وجوده وعلاقته بغيره.

المشروع الحضاري للتعليم العام.. كيف ننزل هذا المشروع في قالب المناهج المدرسية
السؤال الأساسي هنا هو أنّه كيف يمكن أن نجعل من المشروع الحضاري الكبير الذي نؤمن به منهاجًا دراسيًّا، بل محورًا أساسيًّا في التعليم العام، بحيث يمكن الوصول بالمتعلم إلى مستوى من الفهم والإيمان والتبني والمسؤولية تجاهه، حتى ينتقل إلى الحياة التخصصية والمهنية وقد جعل ذلك كله قائمًا عليه ومتوجهًا إليه.حين يتمكن المتعلم من رؤية الحياة كما هي في الحقيقة، لن ينخدع بعدها بهذه الظواهر: ناطحات السحاب، التكنولوجيا، الطائرات، العدد الكبير لسكان دولة، الدخل القومي الكبير.. فكل هذه المدنية وهذا العمران وهذه الآلات والأدوات لن تكون عاملًا يصرف ذهن هذا المتعلم عن حقيقة ما يجري، وسوف يجد نفسه منخرطًا بسهولة في المكان والموقف الحق الذي يعمل بصدق ووفاء على تحقيق صلاح البشرية والأرض.

حول أسلمة العلوم التطبيقية والطبيعية... مبادئ أساسية لإعداد المناهج
لا ينظر المؤمنون بالإسلام وقيمه إلى الحركة العلمية الغربية بارتياح عمومًا، ومنها ما يرتبط بالعلوم التي تمحورت حول دراسة الكون والطبيعة والإنسان؛ هذه العلوم التي عبّرت عن نفسها بمجموعة من الاختصاصات والفروع، وظهرت بنتاج هائل استوعب جهدًا كبيرًا للبشرية، فأصبح بسبب ضخامته وحضوره مدرسة عامة يتبنّاها العالم كلّه. فالمنهج الغربيّ في التعامل مع الطبيعة والكون والإنسان هو المنهج المعتمد اليوم في كل بلاد العالم دون استثناء. إلا إنّ المؤمنين بالإسلام متوجّسون من حركة الغرب عمومًا، لا سيّما حين ينظرون إلى نتائج هذه العلوم على مستوى علاقة الإنسان بربّه. لقد أضحت هذه العلوم علمانية بالكامل، ليس أنّها لا ترتبط باكتشاف مظاهر حضور الله وعظمته وتدبيره وربوبيته فحسب، بل أصبحت سببًا لحصول قطيعة بين الإنسان وخالقه؛ في حين أنّ هذه العلاقة هي أساس سعادة الإنسان وكماله. أضف إلى ذلك، الآثار الهدّامة المشهودة لهذه العلوم على مستوى التطبيق والتكنولوجيا.من هنا، فإنّنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، والعمل على تأسيس مقاربة أدق وأوسع وأشمل تجاه الكون والإنسان والوجود تنطلق من فهم فلسفة الوجود وغايته، فتكون عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف الكبرى.

التعليم لأجل صناعة أبناء الآخرة.. أين هي القضية الأولى في المناهج؟
إن أردنا أن ننسجم مع رؤيتنا الكونية للوجود والمصير، ينبغي أن يكون للحياة الآخرة حضور أقوى في المناهج المدرسية، يتناسب إلى حدٍّ ما مع محوريتها وأولويتها. فكيف يمكن أن نعد الطالب المدرسي ليكون من أبناء الآخرة بدل أن يكون من أبناء الدنيا امتثالًا لقول أمير المؤمنين عليه السلام؟ المبدأ الأول الذي ينبغي أن تُبنى عليه مناهج التعليم هو ضرورة إعداد المتعلّم للتعامل مع قضايا الحياة الأساسية بما يتناسب مع أهميتها وتأثيرها ودورها في حياته. ولا شك بأنّ الحياة الآخرة هي القضية الأولى

كيف تكون الأرض مشروعًا تعليميًّا أساسيًّا؟ بدل التشرذم، تتضافر العلوم والمناهج
منذ أن حصل الطلاق بين العلوم التجريبية والفلسفة، والأرض تئن تحت وطأة التفلت العجيب في استخدام عناصرها ومكوّناتها بطريقة تنذر بكارثة وجودية. حين أصبح ما يُسمى اليوم بالعلم (أو الساينس) يمارَس لأجل "العلم" كما يُقال، فقد العمل البحثي في كل ما يتعلق بالأرض أي نوع من التوجه الهادف والمسؤول تجاه هذا الكوكب الذي يبدو أنّه الوحيد الحاضن للحياة.

المحور الأوّل للنّظام التعليميّ السّليم
من أهم القضايا التي تشغل بال أهل التربية والتعليم هي قضيّة العلم. لذا من أراد أن ينبي رؤية واضحة في التربية والتعليم يحتاج إلى تحديد موقفه من العلم.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...