
الارتباط بالقيادة الشرعية
ودوره في صيانة الأوطان وبنائها
السيد عباس نورالدين
بناء الأوطان من خلال بناء الإنسان هو أحد أهم أهداف التربية التعليمية؛ ولأجل ذلك يجب إعداد المناهج التي تتناسب مع هذه المهمة؛ فلا ينبغي أن يشعر المسؤولون عن هذا العمل الحساس بأي حرج جراء تهمة تقييد حرية الفرد أو استيلابها (وهو أمر يُعد من أكبر محرمات التعليم اليوم)، طالما أنّهم يطرحون هذه القضية المحورية ضمن مروحة واسعة من الخيارات التي ترتبط بمستقبل الإنسان ومسؤولياته الاجتماعية. أمّا خلو المناهج من هذا التوجيه الواضح والمباشر فيمكن أن يُعد خيانة للوطن بحد ذاته.
أجل، إنّ حرية الفرد في اختيار المهنة أو المهمة أو حتى مكان عمله لمستقبله هو أمر مقدّس، لكن ذلك لا يعني عدم طرح جميع الخيارات الممكنة عليه؛ ومن جملتها، بل على رأسها قضية الوطن والمصير والمسؤولية الكبرى تجاه القيادة الإلهية.
وأغلب الظن أنّ واضعي المناهج قد اعتبروا أنّ طرح بعض القضايا الجغرافية (مثل جمال الوطن وإمكاناته)، والأدبية (كالثلج الذي هيج أشجان الشاعر في المهجر)، والمدنية (مثل حقوق المواطن ومسؤوليات الدولة ومؤسساتها)، والتاريخية (مثل الأمجاد والعظماء)، كل ذلك سيكون كفيلًا بترسيخ معاني المواطنية وتمتين أواصرها. لكن هذا شيء، وتوجيه المتعلم إلى وجود مشروع حضاري كبير منبثق من أعماق الثقافة الدينية والمسؤوليات الإلهية شيءٌ آخر.
بناء الوطن لا يكون بعيدًا عن الرؤية الكونية التي ستكون حاضرة في الأسس النظرية والمعنوية للمتعلم (والتي يُفترض أن تكون عمدة نظره إلى كل قضايا الحياة). فوفق هذه الرؤية سيكون الإنسان مسؤولًا عن تطبيق خطة الله في الأرض، وعليه أن يعدّ نفسه بكل الإمكانات والمعارف والمهارات اللازمة لتبرئة ذمته يوم الحساب تجاه هذه المسؤولية.
ولأنّ الله تعالى قد أنعم على المسلمين بقائدٍ حقيقي يطرح مشروعًا واقعيًّا منبثقًا من تلك الخطة الإلهية، تحت عنوان بناء الحضارة الإسلامية الجديدة، فيجب السعي بجدية تامة لجعل هذا الطرح محور جميع المناهج التعليمية.
وبناءً عليه، هذا التماهي والانسجام مع الرؤية الكونية وأعمدتها الأساسية يستلزم جعل الشغل الشاغل للمتعلم هو البحث عن موقعه ودوره تجاه تأمين متطلبات هذا المشروع ومستلزماته ومراحل تنفيذه وموانعه وما تم إنجازه منه لحد الآن وكيف وصل إلى ما وصل إليه.
فما أسوأ حال المناهج التعليمية التي تعد الإنسان وتبنيه، وتكون النتيجة أن تكون أمنيته الكبرى هي العمل والعيش في أمريكا. ولا يخفى أنّ هذا هو حال الكثير من المتفوقين في مدارسنا وجامعاتنا. ولنا أن نسأل كيف يصل المتعلّم بعد أكثر من اثنتي عشرة سنة في الدراسة وفق هذه المناهج ـ التي يُفترض أن تكون نابعة من حاجات الوطن وتطلعاته ـ إلى أن تكون أمريكا بمجتمعها ومؤسساتها المحل الوحيد الذي يستوعب تمنياته وتطلعاته؟
ولا نحتاج إلى تعميق البحث حول الأسباب، فيكفي أن نلقي نظرة متفحصة على المناهج التعليمية الموجودة، حتى نلاحظ مدى غياب ذلك النوع من الآمال والتطلعات والمهمات الوطنية التي يُفترض أن تتمتع بجاذبية تفوق تأثير زخارف الغرب ومؤسساته. فما أقبح أن تكون مناهجنا عاملًا أساسيًّا وراء فرار الأدمغة من الوطن!
ها هي مناهجنا تثق كثيرًا بعقل المتعلم الرياضي والفيزيائي، فتتحداه بأعمق المسائل وتشغله بأعقد التمارين، لكنّها وبمجرد أن تقترب من قضايا الأمة الكبرى ومعاني الحياة الأساسية حتى تصبح خجولة ضعيفة تمر عليها مرور الكرام باعتبار أنّها أمور تتطلب تخصصًا وراء المنهاج! في حين أنّ الأمر ليس كذلك البتة، وإنّما يرجع إلى عاملين أساسيين:
الأول: غياب الإبداع في التعامل مع هذه القضية ـ فنحن في كل ما يتعلق بالمناهج مقلدون، فإذا وصل الأمر إلى ما لا مثيل له عجزنا.
والثاني: اختلاف المسؤولين عن وضع المناهج فيما بينهم، بسبب تسلل الروح العلمانية وتسلط بعض المتخصصين في مجالات لا علاقة لها ببناء الأوطان.
ليس من الصعب إبداع مناهج تتمحور حول مشروع بهذا المستوى، وإنّما المطلوب تدخل سلطة عليا، لا تتواضع تحت حجة ترك الأمور للمتخصصين، فتتخلى بذلك عن أهم عنصر لنجاح مشروعها. فقضية إعداد الطاقات المتناسبة مع الأطروحة هو سر نجاحها ودوامها. وحين نتأمل في مناهجنا قد لا نجد حتى مجرد إشارة إليها.
أما قضية إعداد المناهج فقد أشرنا سابقًا إلى أهم شروطها، حيث تتحمل القيادة العليا في الوطن أو الأمة المسؤولية المباشرة عن تأمينها؛ ومنها ضرورة صيانتها من أنواع التجاذبات السياسية والخلافات الفكرية والذوقية. فما لم تكن الهيئات المسؤولة عن إعداد المناهج متجانسة ومتصلة بالعقول الكبرى والخبرات الأولى، يكاد يكون من المحال خروج مناهج متوافقة مع التطلعات الأساسية.
كيف نترك مهمة إعداد منهاج الفيزياء لمن لا يمتلك الرؤية العميقة لهذا العلم ودوره وآفاقه، ولا يعرف مساره التاريخي وعلاقته بغيره من العلوم وتأثيره على الحياة البشرية؟ هل لأنّنا لا نفهم شيئًا في الفيزياء، فنسلّم لأي شخص يحمل شهادة عليا فيه، يستطيع أن ينسخ منهاجًا موجودًا في الولايات المتحدة أو بريطانيا العظمى، ونعتبر أنّ هذا شأنًا تخصصيًّا بحتًا؟
إنّ معرفة تفاصيل المسائل الفيزيائية التي يتم عرضها في المناهج المدرسية شيء، والالتفات إلى أصول إعداد منهاج الفيزياء شيءٌ آخر. فأكثر المتخصصين في الفيزياء والمتفوقين في تعليمه قد لا يكون لديهم أدنى إلمام بقضية إعداد المناهج؛ ممّا يؤدي إلى الغفلة القاتلة عن أهم قضاياه ومتطلباته.
وباختصار، ما لم تنطلق عملية بناء المناهج المدرسية والجامعية من النقطة المطلوبة، فعلينا أن نتوقع دومًا تلك النتائج الكارثية على الوطن والمجتمع والأفراد (مصيبة فرار الأدمغة من الوطن إلى الخارج، ومن المشروع إلى خارجه). ونقطة الانطلاق هذه إنّما تكون عبارة عن استيعاب الأطروحة الحضارية الكبرى للقائد، والتي يفترض أن تجتمع حولها جميع العلوم والمعارف والمهارات.
يجب أن يبدأ واضعو المناهج المدرسية من الإجابة عن الأسئلة الأساسية المرتبطة بمشروع القيادة هذه: فأين نحن اليوم منه؟ وكيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟ وما هي متطلبات الاستمرار والتقدّم؟ وما هي الموانع التي تقف أمامنا؟ وكيف يمكن تجاوز هذه الموانع والقضاء عليها؟
ولأنّ الطاقات العلمية المتخصصة في شتى مجالات العلوم والمعرفة هي جزء أساسي من الإمكانات اللازمة لهذا المشروع الكبير، يجب تحديد حاجاته الدقيقة في هذا المجال أثناء التطلع إلى الآفاق المختلفة لمستقبل تلك العلوم.
المشروع الحضاري الكبير هو أحد أهم أوجه الارتباط بالقيادة الشرعية، لكنّه ليس الوجه الوحيد فيه. إنّه البوابة العريضة التي يمكن أن نعبر من خلالها إلى عالم الولاية الإلهية الواسع، حيث نتصل بالمقام الأعلى والحكمة الكبرى والقضايا الأكثر حساسية في حياتنا كلها؛ فلا شيء يمكن أن يصون الأوطان من كل هذه الهزاهز والأزمات، الناشئة من شدة نفوذ الأعداء وغزواتهم المتواصلة، سوى الارتباط بالقيادة التي باتت اليوم أكبر إنجاز للأمة الإسلامية منذ بداية عصر الغيبة الكبرى وإلى يومنا هذا.
لقد كانت الإنجازات العلمية والمعرفية على مدى التاريخ مقدمة لترسيخ قيمة القيادة الشرعية المعبّر عنها بولاية الفقيه؛ وبدونها، تصبح كل تلك الإنجازات والتضحيات والجهود كالهباء المنثور؛ تضيع وتفنى أمام وحشية الغزو والهيمنة والسيطرة الأجنبية التي باتت على عداءٍ مطلق مع كل ما يمت إلى ثقافتنا وديننا بصلة.
فما أبعدهم عن الواقع، أولئك الذين يتصورون أنّنا قادرون على صيانة قيمنا وثقافتنا ومقدساتنا من دون وجود قيادة حكيمة تجسد تلك القيم وتحتضنها وتعمل على أساسها. فإن كان لمناهجنا قيمة ومهمة، فيجب أن يكون بيان هذه الحقيقة على رأس مهماتها.
إن كنّا نريد أن ينظر المتعلم إلى كل العلوم والمعارف والمقدسات والإنجازات والإمكانات والعظماء من منظار القيم الجميلة، فهذا يعني شيئًا واحدًا وهو إدراك موقع القيادة الإلهية، الذي يُعد بمثابة قطب الرحى لكل القيم الأخرى؛ فبواسطته تُحفظ وتُصان وتتألق وتتجلى في الحياة.
فما قيمة الاكتشافات الفيزيائية والكونية والبيولوجية والأنثروبولوجية والسيكولوجية والاجتماعية إن كانت ستوضع في خدمة مشاريع تؤدي إلى إضعاف أمتنا والقضاء على ثقافتنا؟! وما هي قيمة التفوق في الرياضيات والبرمجة والتكنولوجيا إن كانت ستصبح في خدمة تلك المؤسسات التي تزيد أعداءنا قوة وهيمنة؟!
آن الأوان لجعل هذه القضايا والوعي تجاهها عنصرًا محوريًّا في المناهج؛ ولأجل ذلك يجب إبعاد الغافلين والسطحيين عن عملية إعداد المناهج في بلادنا.

ثورة التربية والتعليم
يتطرّق الكتاب الرابع في سلسلة الأطروحة التربوية التعليمية التي يقدمها السيد عباس نورالدين إلى أهم القضايا التي تواجه أي ثورة حقيقية تريد إعادة إنتاج التربية التعليمية وفق استحقاقات العصر ومتطلّبات الزمان وبما يتناسب مع التحدّيات التي يعيشها مجتمعنا.الثورة التي يدعو إليها الكاتب تطال جميع مفاصل التربية التعليمية من رؤى ومناهج وقيم وحتى تلك التفاصيل التي تعني كل عامل أو مهتم بهذا المجال المصيري. ثورة التربية والتعليم الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 216 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-033-0 السعر: 12$

روح التربية
الإنسان لا يأتي إلى الدنيا فاسدًا. في البداية يأتي إلى الدنيا بفطرة جيّدة وهي الفطرة الإلهية "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَة"، وهذه هي الفطرة الإنسانية فطرة الصراط المستقيم والإسلام والتوحيد. أنواع التربية هي التي تفتح هذه الفطرة أو تسد الطريق على الفطرة. التربية هي التي يمكن أن توصل المجتمع إلى كماله المنشود، وهي التي تجعل البلاد إنسانية نموذجية كما يريدها الإسلام روح التربية الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 192 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$

روح المجتمع
كتابٌ يُعدّ موسوعة شاملة ومرجعًا مهمًّا جدًّا يمتاز بالعمق والأصالة لكلّ من يحمل همّ تغيير المجتمع والسير به قدمًا نحو التكامل، يحدد للقارئ الأطر والأهداف والسياسات والمسؤوليات والأولويّات والغايات المرحليّة والنهائيّة في كلّ مجال من المجالات التي يمكن أن تشكّل عنصرًا فعّالًا في حركة التغيير، على ضوء كلمات قائد الثورة الإسلاميّة المعظّم روح المجتمع الكاتب: الإمام الخامنئي/ السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19*25غلاف كرتوني: 932 صفحةالطبعة الأولى، 2017م ISBN: 978-614-474-020-0 سعر النسخة الملوّنة: 100$سعر النسخة (أبيض وأسود): 34$ للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراءه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

المدرسة النموذجية
إنّ القوّة الأساسيّة للمدرسة النموذجيّة تكمن في برامجها ومناهجها التي تتميّز بقدرتها على تقديم المعارف والمهارات بأحدث الطرق وأسهلها، وتعتصر كل التراث العظيم للبشريّة وتتّصل بكامل التّراث الاسلامي وتقدّمه لطلّابها عبر السنوات الدراسيّة كأحد أعظم الكنوز المعرفيّة. وهكذا يتخرّج طلّابنا وهم متّصلون بهذا البحر العظيم لكلّ الإنجازات الحضاريّة في العالم كلّه ويمتلكون القدرة التحليليّة اللازمة لتمييز الخير من الشرّ في جميع أنحائه. المدرسة النموذجيّة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 140 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$

المدرسة الإسلامية
يعرض لأخطر المشاكل وأهم القضايا حول أوضاع المدارس الحالية، التي تبنت المناهج الغربية، وذلك بالطبع بحثًا عن المدرسة المطلوبة التي تنسجم مع حاجات المجتمع وثقافته. كل ذلك من أجل بعث حركة فكرية جادة بين المهتمين بالتعليم عن طريق بناء الرؤية الشاملة للتربية التعليمية في الإسلام. المدرسة الإسلاميّة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 232 صفحةالطبعة الأولى، 2014مالسعر: 10$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

حول أسلمة العلوم الطبيعية أو التطبيقية.. مبادئ أساسية لبناء المناهج
لا ينظر المؤمنون بالإسلام وقيمه إلى الحركة العلمية الغربية بارتياح عمومًا، ومنها ما يرتبط بالعلوم التي تمحورت حول دراسة الكون والطبيعة والإنسان؛ هذه العلوم التي عبّرت عن نفسها بمجموعة من الاختصاصات والفروع، وظهرت بنتاج هائل استوعب جهدًا كبيرًا للبشرية، فأصبح بسبب ضخامته وحضوره مدرسة عامة يتبنّاها العالم كلّه. فالمنهج الغربيّ في التعامل مع الطبيعة والكون والإنسان هو المنهج المعتمد اليوم في كل بلاد العالم دون استثناء. إلا إنّ المؤمنين بالإسلام متوجّسون من حركة الغرب عمومًا، لا سيّما حين ينظرون إلى نتائج هذه العلوم على مستوى علاقة الإنسان بربّه. لقد أضحت هذه العلوم علمانية بالكامل، ليس أنّها لا ترتبط باكتشاف مظاهر حضور الله وعظمته وتدبيره وربوبيته فحسب، بل أصبحت سببًا لحصول قطيعة بين الإنسان وخالقه؛ في حين أنّ هذه العلاقة هي أساس سعادة الإنسان وكماله. أضف إلى ذلك، الآثار الهدّامة المشهودة لهذه العلوم على مستوى التطبيق والتكنولوجيا.من هنا، فإنّنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، والعمل على تأسيس مقاربة أدق وأوسع وأشمل تجاه الكون والإنسان والوجود تنطلق من فهم فلسفة الوجود وغايته، فتكون عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف الكبرى.

الدين كقضية أساسية في المناهج التعليمية.. مبادئ ومنطلقات
للمعارف المرتبطة بالأديان والمذاهب وخصوصًا الإسلام ميزة مهمة لا يمكن أن نجدها في أي مجال معرفي آخر مهما كان واسعًا؛ ويمكن أن نجعل من هذه الميزة نقطة تفوّق نوعي في شخصية المتعلم، الأمر الذي يرفع من شأنه ومن دوره وموقعيته في المجتمع. إنّ القدرة التي تمنحها العلوم المختلفة، مهما بلغت، لا يمكن أن ترقى إلى قدرة المعارف الدينية (وهذا بمعزل عن الحق والباطل). فالمهندسون والمخترعون والأطباء والتجار ورجال الأعمال لا يمكن أن يكون لهم من القدرة والتأثير في المجتمع كما يكون لمن يمتلك المعارف المرتبطة بحياة الإنسان ومصيره وسلوكه وروحه وتاريخه ومستقبله ونمط عيشه. ولو التفتت المناهج التعليمية في مدارسنا إلى هذه القضية وجعلتها محورًا أساسيًّا في التعليم لشهدنا عمّا قريب هذا التفوّق الذي نطمح إليه.

هل يصح تدريس العلوم الطبيعية بمناهجها الحالية؟ وما هي الشروط التربوية لنجاح هذا التعليم؟
تعمد الأطروحة الجديدة للمدرسة النموذجية إلى إعادة النظر بشأن تعليم العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والأحياء وكذلك الرياضيات، وذلك بما يتناسب مع الرؤية المرتبطة بدور العلم في الحياة البشرية. لقد تم التركيز على هذه العلوم في المناهج الغربية باعتبار الموقعية المركزية لعالم المادة والطبيعة في الحياة البشرية. ففي الفكر الغربي المادي يُعد تسخير الطبيعة وعناصرها أساس السعادة البشرية، وذلك باعتبار أنّ المنشأ الأساسي للقدرة هو المادة. وبحسب هذا الفكر، بالقدرة يتمكن البشر من الوصول إلى السعادة أو حلّ المشكلات المختلفة... في حين أنّه بحسب الرؤية الكونية الدينية، فإنّ القدرة الأساسية (أي قدرة التغيير والتأثير) إنّما تتجلى في إرادة البشر. وهذه الإرادة لا تظهر فقط بالسيطرة على عناصر الطبيعة، وإنّما تظهر في سلوكياتهم وتعاملهم فيما بينهم في الاجتماع والسياسة. كما أنّ مستوى القدرة يتحدد وفق طبيعة استخدام عناصر الطبيعة وآلياتها وبرامجها؛ ممّا يعني أنّ هذه القدرة الناشئة من تسخير مواد الطبيعة إنّما تتبع أهداف البشر ونواياهم وكيفية استعمالهم لهذه المواد، لا مجرد تسخيرها كيفما كان.لذا يجب قبل أي شيء العمل على بناء الرؤية السليمة المرتبطة بدور الانسان في تسخير عالم المادة، ومدى تأثير ذلك على سعادة البشرية أو شقائها، وتعريف المتعلم إلى كل عناصر القدرة التي يمكن أن يحقق من خلالها سعادته وسعادة مجتمعه.

المجتمع والتاريخ محورًا في التعليم .. في المقاربات والمناهج والأهداف
للمجتمع في حركته دورٌ كبير في تكوين شخصية الإنسان وتحديد مصيره، فضلًا عن كونه من أبلغ الآيات الدالات على صفات الرب المتعال وحضوره. وكلما استطعنا ترسيخ هذه النظرة وتعميقها أصبح الإنسان أكثر تفاعلًا مع إحدى أهم سبل الوصول إلى كماله. وباختصار، يجب أن تأخذ المناهج التعليمية على عاتقها مهمة أساسية تتجلى في إيصال الإنسان إلى أعلى درجات التفاعل الإيجابي مع مجتمعه والمجتمعات البشرية قاطبة.

ظاهرة اللغة كقضية في التعليم.. ما الذي يعرفه خريجو المناهج الحالية؟
إنّ اللغة كظاهرة كونية كانت ولا تزال تُعد أهم عنصر لقوة البشر؛ فلولا اللغة لما استطاع الإنسان أن يبلغ ما بلغه من شأن على مستوى الحضارة والعمران والفكر وحتى المعنويات؛ بيد أنّ العلاقة بين اللغة وهذه الإنجازات الكبرى لا تظهر بأي نحوٍ من الأنحاء في المناهج التعليمية الشائعة؛ بل نجد عملًا ممنهجًا يؤدي إلى طمسها بشتى السبل، والتي يصل بعضها الى درجة التآمر!

حول أسلمة العلوم التطبيقية والطبيعية... مبادئ أساسية لإعداد المناهج
لا ينظر المؤمنون بالإسلام وقيمه إلى الحركة العلمية الغربية بارتياح عمومًا، ومنها ما يرتبط بالعلوم التي تمحورت حول دراسة الكون والطبيعة والإنسان؛ هذه العلوم التي عبّرت عن نفسها بمجموعة من الاختصاصات والفروع، وظهرت بنتاج هائل استوعب جهدًا كبيرًا للبشرية، فأصبح بسبب ضخامته وحضوره مدرسة عامة يتبنّاها العالم كلّه. فالمنهج الغربيّ في التعامل مع الطبيعة والكون والإنسان هو المنهج المعتمد اليوم في كل بلاد العالم دون استثناء. إلا إنّ المؤمنين بالإسلام متوجّسون من حركة الغرب عمومًا، لا سيّما حين ينظرون إلى نتائج هذه العلوم على مستوى علاقة الإنسان بربّه. لقد أضحت هذه العلوم علمانية بالكامل، ليس أنّها لا ترتبط باكتشاف مظاهر حضور الله وعظمته وتدبيره وربوبيته فحسب، بل أصبحت سببًا لحصول قطيعة بين الإنسان وخالقه؛ في حين أنّ هذه العلاقة هي أساس سعادة الإنسان وكماله. أضف إلى ذلك، الآثار الهدّامة المشهودة لهذه العلوم على مستوى التطبيق والتكنولوجيا.من هنا، فإنّنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، والعمل على تأسيس مقاربة أدق وأوسع وأشمل تجاه الكون والإنسان والوجود تنطلق من فهم فلسفة الوجود وغايته، فتكون عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف الكبرى.

المشروع الحضاري للتعليم العام.. كيف ننزل هذا المشروع في قالب المناهج المدرسية
السؤال الأساسي هنا هو أنّه كيف يمكن أن نجعل من المشروع الحضاري الكبير الذي نؤمن به منهاجًا دراسيًّا، بل محورًا أساسيًّا في التعليم العام، بحيث يمكن الوصول بالمتعلم إلى مستوى من الفهم والإيمان والتبني والمسؤولية تجاهه، حتى ينتقل إلى الحياة التخصصية والمهنية وقد جعل ذلك كله قائمًا عليه ومتوجهًا إليه.حين يتمكن المتعلم من رؤية الحياة كما هي في الحقيقة، لن ينخدع بعدها بهذه الظواهر: ناطحات السحاب، التكنولوجيا، الطائرات، العدد الكبير لسكان دولة، الدخل القومي الكبير.. فكل هذه المدنية وهذا العمران وهذه الآلات والأدوات لن تكون عاملًا يصرف ذهن هذا المتعلم عن حقيقة ما يجري، وسوف يجد نفسه منخرطًا بسهولة في المكان والموقف الحق الذي يعمل بصدق ووفاء على تحقيق صلاح البشرية والأرض.

كيف تكون الأرض مشروعًا تعليميًّا أساسيًّا؟ بدل التشرذم، تتضافر العلوم والمناهج
منذ أن حصل الطلاق بين العلوم التجريبية والفلسفة، والأرض تئن تحت وطأة التفلت العجيب في استخدام عناصرها ومكوّناتها بطريقة تنذر بكارثة وجودية. حين أصبح ما يُسمى اليوم بالعلم (أو الساينس) يمارَس لأجل "العلم" كما يُقال، فقد العمل البحثي في كل ما يتعلق بالأرض أي نوع من التوجه الهادف والمسؤول تجاه هذا الكوكب الذي يبدو أنّه الوحيد الحاضن للحياة.

أفضل مناهج دراسة الطبيعة، لماذا يجب أن نعيد النظر في تعليم هذه المواد؟
عرفت البشرية طوال تاريخها المديد منهجين أساسيين لدراسة الطبيعة. وقد انتصر ثم هيمن أحد هذين المنهجين بعد صراع لم يدم طويلًا. كان الأول يعتمد على فلسفة البحث من خلال طرح الأسئلة المرتبطة بالموقعية الوجودية لأي كائن أو عنصر طبيعي والبحث عن سر وجوده وعلاقته بغيره.

كيف تصنع المناهج هم تهذيب النفس؟ إطلالة معمقة على دور المدرسة في التربية
يمكن للتعليم المدرسي أن يساهم مساهمة كبرى في توجيه المتعلم نحو أحد أكبر قضايا الحياة وأهمها وأكثرها تأثيرًا على حياته ومصيره، ألا وهي قضية تهذيب النفس والسير التكاملي إلى الله. ولا نقصد من التعليم المدرسي تلك البيئة الفيزيائية المتعارفة، التي يمكن أن تكون معارضة تمامًا لهذا النوع من التربية والتأثير، وإنّما المقصود هو المناهج التعليمية التي يمكن صياغتها وتطويرها بحيث تصبح قادرة على جعل قضية التكامل المعنوي الجوهري همًّا واهتمامًا أساسيًّا، يعيشه المتعلم ويمارسه في هذه المرحلة العمرية الحساسة.

التعليم لأجل صناعة أبناء الآخرة.. أين هي القضية الأولى في المناهج؟
إن أردنا أن ننسجم مع رؤيتنا الكونية للوجود والمصير، ينبغي أن يكون للحياة الآخرة حضور أقوى في المناهج المدرسية، يتناسب إلى حدٍّ ما مع محوريتها وأولويتها. فكيف يمكن أن نعد الطالب المدرسي ليكون من أبناء الآخرة بدل أن يكون من أبناء الدنيا امتثالًا لقول أمير المؤمنين عليه السلام؟ المبدأ الأول الذي ينبغي أن تُبنى عليه مناهج التعليم هو ضرورة إعداد المتعلّم للتعامل مع قضايا الحياة الأساسية بما يتناسب مع أهميتها وتأثيرها ودورها في حياته. ولا شك بأنّ الحياة الآخرة هي القضية الأولى

كيف تتغلب المدرسة على العقبة الأولى أمام بناء المجتمع؟ لماذا تعزز مناهج اليوم النزعات الفردية وفرار الأدمغة
بالنسبة لأي مجتمع في العالم، لا يوجد ما هو أسوأ من تضييع الطاقات الشابة الخلاقة والفعالة التي يحتاج إليها للتقدم والازدهار وحتى البقاء.. شباب اليوم هم مدراء البلد والمسؤولون عن تقرير مصيره، والفارق الزمني الذي يفصل بينهما لا شيء مقارنة بعمر الأوطان؛ لهذا، فإنّ أي مجتمع سرعان ما سيلحظ الخسارة الكبرى من تضييع الطاقات الشابة.

المدرسة النموذجية: كيف ستكون المدرسة في المستقبل
إنّ القوّة الأساسيّة للمدرسة النموذجيّة تكمن في برامجها ومناهجها التي تتميّز بقدرتها على تقديم المعارف والمهارات بأحدث الطرق وأسهلها، وتعتصر كل التراث العظيم للبشريّة وتتّصل بكامل التّراث الاسلامي وتقدّمه لطلّابها عبر السنوات الدراسيّة كأحد أعظم الكنوز المعرفيّة. وهكذا يتخرّج طلّابنا وهم متّصلون بهذا البحر العظيم لكلّ الإنجازات الحضاريّة في العالم كلّه ويمتلكون القدرة التحليليّة اللازمة لتمييز الخير من الشرّ في جميع أنحائه.

المحور الأوّل للنّظام التعليميّ السّليم
من أهم القضايا التي تشغل بال أهل التربية والتعليم هي قضيّة العلم. لذا من أراد أن ينبي رؤية واضحة في التربية والتعليم يحتاج إلى تحديد موقفه من العلم.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...