
انسداد آفاق الفكر.. معاناة المفكرين الإسلاميين
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب أي مجتمع نريد
شهدت العقود الأخيرة حالة من الانبعاث الفكري في معظم أرجاء العالم المسلم. بعض المجتمعات كانت أكثر حيوية ونشاطًا نظرًا لطبيعة التجربة الاجتماعية التي تخوضها. التحولات الاجتماعية تفرض تحديات، وتجلب استحقاقات، وتبعث أسئلة تحفّز الفكر على المشاركة.
معظم هذا النشاط كان حكرًا على طبقة خاصة لا تربطها بالضرورة أي علاقات تواصل وحوار.
ما تركه رواد النهضة كان كفيلًا بتشكيل مثل هذه الطبقة المفكرة.
لكن ما جدوى الإسهامات الفكرية إن لم يستمع إليها المنخرطون في التجربة ومن حولهم من المهتمين؟
هنا نلاحظ وضعًا عامًّا يشبه حالة الانسداد، يُعاني منه أهل الفكر كثيرًا. أعمالهم الفكرية لا تصل إلى الناس، وإذا ما وصلت، لا يوجد من يعبأ بها.
إنّ طبيعة المرحلة وحساسيتها تتطلب تفاعلًا مع عالم الأفكار أكثر من أي شيء آخر. الآخر يطرح إشكالات مهمة ويروّج لشبهات مزلزلة، ولا بد من الإجابة عنها. إننا نعيش مرحلة لا تقل أهمية عن مرحلة انبعاث الصحوة، وذلك حين تشكلت التيارات الناشطة بفعل أطروحات. لكن تلك الأطروحات كانت بمعظمها لذلك الزمن.
اليوم نحن نعيش مراحل انتقالية تتطلب المزيد من الرؤى والأطروحات أكثر من أي وقتٍ مضى. الجمود الفكري يؤدي إلى الجمود العملي، ويترك الساحات عُرضة للانفعالات.
كان الكتاب ولا يزال الوسيلة الأولى للتعبير عن الفكر. أكثر من تسعين بالمئة من النتاج الفكري يتجلى في عالم الكتاب؛ هذا، في الوقت الذي أصبحت الوسائط الأخرى هي الرائجة والمعتمدة. نقل الأفكار وتنزيلها في مثل هذه الوسائط مكلف وصعب. لا يوجد في الأفق القريب أي أمل باختراق هذا الانسداد. حين تسمع من عشرات المفكرين معاناة نشر أعمالهم وانتشارها، تُدرك أن الوضع أصبح خطيرًا.
المعدل الوسطي لطباعة أي عمل فكري لا يتجاوز بضع مئات من النسخ. الكثير منها يتعفن لسنوات في المخازن والمستودعات.
إن كانت التحديات تجلب شبهات وتطرح أسئلة، وإن كان للتحولات التقدمية أن تحدث، فلا بد من تفاعل بين أهل الفكر وكل مهتم ناشط. تبادل الأفكار يُنضج الأطروحات التي تتحول إلى شعارات للعمل.
كل هذا الاختناق والاحتقان يرجع بالدرجة الأساسية إلى نبذ الكتاب كوسيلة للتواصل.
أصبحت المطالعة جزءًا من التاريخ. يسمع الأحفاد عن أجداد أحبوا القراءة، ويشاهدون معالمهم الأثرية في مكتباتهم القديمة.
بالرغم من اتساع الطبقة المفكرة على مدى العقود السابقة وباضطراد، لكن الهوة بينها وبين الناس اتسعت أيضًا. ربما يقال إننا لم نشهد يومًا مثل هذا التواصل والتفاعل. لطالما كان الناس في واد والمفكر في واد آخر.
ما ربط الناس ببعض الفكر هو أن القيادات السياسية الاجتماعية كانت مفكرة. يهتم الناس بما يقوله قاداتهم حول شؤونهم المصيرية. الأحداث الكبرى تؤدي دور المحفز لا غير.
يمكننا أن نذعن لمثل هذه الوقائع؛ لم تصبح المطالعة والاهتمام بالكتب وأفكار العلماء عادة سائدة عندنا. جاء الكتاب الفكري إلى عالمنا متأخرًا. لو سبقت الكتب وسائل الترفيه الإعلامي والوسائط الاجتماعية، لكانت حفرت ركنًا في عاداتنا، كما حدث في الغرب.
التجربة الغربية للكتاب تختلف عما حصل في مجتمعاتنا. حين بدأ الإنسان الغربي يجد متسعًا من الوقت للترفيه، كان الكتاب جاهزًا لينافس مجموعة قليلة من الأنشطة والوسائل. تشكلت طبقة واسعة من القراء حفّزت الكتابة وأوجدت سوقًا واسعة.
تصور معي عشرات دور النشر في مختلف عواصم الدول الغربية وهي مطالَبة بنشر كل جديد بشكل يومي. ترفع هذه الدور حقوق الكتابة أضعافًا كثيرة ولا يزيدها ذلك إلا أرباحًا. يتحول حلم محبي الكتابة بالتفرغ، إلى واقع. لأول مرة نجد عشرات الكتّاب المتفرغين للتأليف.
تصبح شهرة الكاتب أقوى من شهرة السياسيين، وما زال كل من الغناء والتمثيل يحبو. إنّ منافسي الكتّاب قلة، وأهل الفن يتغنون بأنهم محبون للمطالعة. كل ذي طموح يود أن يخطب وُدّ هذا الكاتب أو ذاك. تصبح الكتابة مهنة عريقة، ويحلم الأطفال بأن يصبحوا كتّابًا.
كل هذا ولا دار نشر واحدة في مجتمعاتنا. فإذا وُجدت لم يوجد معها حركة نشر وتوزيع.
الكتاب الذي كان يُطبع في لندن في القرن الثامن عشر، كان يمكن أن يصل إلى سيدني ونيويورك وسنغافورة ودلهي وغيرها من العواصم المنتشرة في أرجاء المعمورة. في المقابل، إن ألّف عالمٌ كتابًا عندنا، قد يرث أولاده نسخته الخطية الوحيدة!
بمجرد أن اكتشف مفكّرونا قوة الكتاب في ستينات القرن الماضي وسبعينياته حتى انبعثت الصحوة. قبل انتفاضة عام 1963، كان في طهران حوالي عشر دور نشر. وحين انتصرت الثورة الإسلامية عام1979 كان عدد دور النشر في هذه العاصمة قد وصل إلى أكثر من ثلاثمئة دار!
أتذكر جيدًا كيف كنا شبابًا يافعين ونتبادل كتب سيد قطب ووحيد خان والشهيد الصدر والشيخ مغنية، وأي مفكر يمكن أن يروي عطشنا لمعرفة رؤية الدين للحياة والعصر. معظم هذه الكتب أضحت لذلك العصر، وعصرنا يطرح أسئلة أعمق. المفكرون حاضرون ويساهمون أكثر من أي وقت مضى، لكن حيوية ذلك التبادل لم تعد موجودة.
إنّ شهرة وسائط التواصل بعدد المتابعين والمشتركين تمنح شباب اليوم شعورًا بالارتواء الوهمي. ما زلنا نرى بوضوح علائم السطحية في كل مكان.
هذه ضريبة يدفعها أي مجتمع لم ينهض في الوقت المناسب. هذا ما حدث على صعيد الحركة العلمية أيضًا. حين كانت عواصم العالم المتطور (اليوم) تغص بالجامعات ومراكز البحث العلمي قبل مئتي سنة، لم نكن نسمع عن أي حراك في مجتمعاتنا. ازداد الفارق واتسعت الهوة وبتنا مجرد تابعين من الدرجة الثالثة.
لطالما تحدثنا عن أهمية التفاعل الفكري بين مختلف شرائح المجتمع كعلامة على أو شرط للنهضة والحركة التقدمية السليمة. إنّ موقعية الفكر ودوره باتا غائبين عن أذهان من يُفترض أن يؤدوا دورًا محوريًّا في تنشيط هذه الحركة. إنّ إبداع الحلول بعيدٌ عن الذهنية التي تعيش الماضي أكثر من المستقبل.
إن لم نتمكن من خرق الانسداد الحاصل، سيزهد أهل الفكر بفكرهم، وتصبح السطحية أداة بيد الأعداء حين غزوا بلادنا في مطلع قرن الاستعمار.

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

الفكر الإسلامي: نحو آفاق غير مسبوقة
هناك قدرة عظيمة عند الفكر الإسلامي، خصوصًا في نسخته النابعة من مدرسة أهل البيت (ع)، على ملء الفراغ الفكريّ الذي يعيشه العالم وعلى تقديم الكثير من الحكمة التي تحتاجها البشرية.يوجد أعمال فكرية رائعة في وسطنا، ومع ذلك هي مجهولة حتى في هذا الوسط، فضلًا عن الأوساط المسلمة الأخرى وبقية بلاد العالم. ورغم المحاولات العديدة لإيصال هذا الفكر للآخر، والمحاولات الحثيثة لنشره وسط بيئة تتقبّله بحكم الانتماء؛ إلا أنّه وبعد مرور عدّة عقود لا يبدو أنّ هناك أثرًا واضحًا لهذه المحاولات. بل نجد أنّ هذا الفكر في انحسار، ومع انحساره يفقد أهله الاندفاع المطلوب لإكمال مشروع بناء تلك المنظومة الفكرية وإظهار الفكر الإسلاميفي كل العالم. فمن الذي يتحمّل المسؤولية في هذا المجال؟والأهم كيف يمكن أن نحلّ هذه المشكلة حتى نحقّق هذه البيئة الناشطة الفاعلة التي تتفاعل فيها الأفكار الأصيلة العميقة الملهمة والمهتمة مع الواقع البشري بقضاياه المختلفة؟

هل إمكانات الأنبياء الفكرية والثقافية تابعة للعصر الذي يوجدون فيه؟
هل صحيح أنّ الأنبياء يكونون بمستوى العصر الذي وُجدوا فيه من حيث إمكاناتهم الفكرية والثقافية؟

أعظم الدروس من سيرة الإمام... كيف تعامل هذا القائد مع الاختلافات الفكرية
إنّ الخلافات الفكرية، وما ينتج عنها من مشاحنات، لهي أمور متوقّعة وطبيعية في أي مجتمع أو بيئة لا ترى العالم إلا بمنظار الأفكار والجدالات الفكرية؛ لكنّها أمور سيئة ومضرة إن نظرنا إليها بمنظار القيم المرتبطة بحركة المجتمع التقدمية.

لماذا يجب تعميق الفكر الإسلامي في مجتمعنا؟
إنّ وجود عمق فكري للمعارف الدينية أمرٌ ملحوظ عند كل من كان له توفيق التوغل في هذه المعارف مطالعةً ودراسةً وتفحّصًا. ولا حاجة للإتيان بأدلّة من السنّة أو القرآن على هذا الأمر المشهود بالتجربة؛ أمّا من يطالب بالدليل، فما علينا سوى أن نقدّمه له بواسطة عرض الشواهد الكثيرة التي لا تُحصى. وأغلب الظن أنّ الذين ينكرون وجود هذه الظاهرة العجيبة، كانوا يتسترون ويخفون جهلهم، أو أنّهم كانوا يحملون معنًى مغايرًا لما هو مُراد من العمق.

لماذا يعدّ الكتاب أهم من كل الأسلحة؟ وما الذي ينبغي أن نفعله في هذا المجال
هل تعلم أنّ كتاب الحكومة الإسلامية للإمام الخميني كان القاعدة الكبرى لانطلاقة ثورة شعبية عارمة؟ وهل تعلم أنّ الإمام الخميني نفسه قال إنّني سأجعل فرائص الشاه وقادة جيشه ترتعد بقلمي هذا؟ وهل تعلم أنّ القائد الحالي للثورة الإسلامية هو صاحب أطروحة بناء الحضارة الإسلامية الجديدة التي يقول فيها أنّ وسيلته الأساسيّة لتحقيق هذا الهدف هو الكتاب؟ فأين نحن من الكتاب، ولماذا تخلّفت هذه الوسيلة عن دورها المحوري في مجتمعنا؟

هل اكتشفت الثّراء الحقيقيّ؟ الحياة الغنيّة في عالم الكتاب
حين تتّصل بعالم الكتاب وتشعر بأنّ لديك قدرة الوصول إلى المعارف والحِكم والمعاني اللامتناهية المبثوثة فيه من قِبل مئات آلاف الكتّاب والمفكّرين، ستشعر أنّك غنيٌّ حقًّا، وأنّ حياتك متّصلة بالفرص الواسعة.

تنشيط الحياة الفكريّة في المجتمع
لكلّ مجتمع أنماطٌ من الحياة قد تكون فاعلة ناشطة أو كامنة مخفيّة. وكلّما تنوّعت حياة هذا المجتمع وتعمّقت، كان المجتمع أشدّ قوّةً وتكاملًا وازدهارًا ودوامًا.

ضرورة اتّحاد أهل الفكر.. على طريق تشكيل جبهة واحدة
المتتبع لأنشطة العلماء ونتاجاتهم على صعيد الفكر والدعوة إلى القيم السامية يلاحظ الوفرة والغنى والنشاط والحيوية؛ ويمكن لهذه النتاجات أن تكون قوة دافعة عظيمة لهذه الدعوة فترتقي بها إلى آفاق الحضور والتأثير العالمي، لكن المشكلة كل المشكلة تكمن في عملية التكوين والتشكيل هذه.

الكتاب صانع الحضارات.. كيف يصبح الكتاب عاملًا أساسيًّا في هذه المهمّة؟
إذا أردنا أن نكون جزءًا من المشروع الكبير لبناء الحضارة الإسلاميّة الجديدة، ينبغي أن نتعرّف إلى كل عامل له إسهام وتأثير فاعل في تحقيقها. ولا شك بأنّ الكتاب هو أحد أهم هذه العوامل وأكثرها تأثيرًا.

الفكر الإسلامي... نحو آفاق غير مسبوقة
هناك قدرة عظيمة عند الفكر الإسلامي، خصوصًا في نسخته النابعة من مدرسة أهل البيت (ع)، على ملء الفراغ الفكريّ الذي يعيشه العالم وعلى تقديم الكثير من الحكمة التي تحتاجها البشرية. يوجد أعمال فكرية رائعة في وسطنا، ومع ذلك هي مجهولة حتى في هذا الوسط، فضلًا عن الأوساط المسلمة الأخرى وبقية بلاد العالم. ورغم المحاولات العديدة لإيصال هذا الفكر للآخر، والمحاولات الحثيثة لنشره وسط بيئة تتقبّله بحكم الانتماء؛ إلا أنّه وبعد مرور عدّة عقود لا يبدو أنّ هناك أثرًا واضحًا لهذه المحاولات. بل نجد أنّ هذا الفكر في انحسار، ومع انحساره يفقد أهله الاندفاع المطلوب لإكمال مشروع بناء تلك المنظومة الفكرية وإظهار الفكر الإسلاميفي كل العالم.

حول تفعيل دور التبليغ.. كيف نخرج من حالة الانسداد الحالية
كل من لديه اهتمام بتبليغ الحقائق والمعارف الدينية يعلم بأنّ هناك الكثير الكثير من الكلام الذي يجب أن يُقال ولا يُقال، سواء كان ذلك على مستوى المضمون أو الإيصال. في مجتمعنا هذا، الذي نمارس فيه هذا الدور منذ أربعة عقود، نكتشف كل يوم حجم الفراغ الذي يعيشه الك

ضرورة رواج التعمق الفكري... السيد عباس نورالدين يطرح قضية التعمق الفكري مجدّدًا
التعمّق الفكري يرتبط بالبحث عن أسرار وخبايا وخفايا أي ظاهرة أو قضية يمكن أن يواجهها الإنسان؛ هذا بالإضافة إلى أنّ التعمّق الفكري من شأنه أن يفتح على الإنسان أبواب الكثير من القضايا المجهولة. فالمتعمق بفكره لا يرضى بأن تكون حياته سطحية وهامشية، خصوصًا حين يرى الوجود وهذا الكون بما فيه من حوادث وظواهر مليئًا بالقضايا المثيرة والعجائب المدهشة، وهذا ما يحفز على التفكر فيما وراء الأشياء لمعرفة أسبابها وعللها.إنّ مجتمعنا بأمسّ الحاجة إلى التعمّق الفكري، لأنّه يواجه ظاهرة خطرة هي ظاهرة الغزو الثقافي بكل أشكاله، في الوقت الذي تعشعش فيه حالة الانبهار وغلبة الأوهام، ولا يمكن الخروج من كل هذه الحالات السلبية إلا بالوعي والبصيرة التي تتحقّق بواسطة التعمق.

5. ضرورة الإنتاج الفكري في المجتمع العلمي
يحتاج المجتمع العلمي إلى المفكرين لأنّهم يقومون بتطبيق مبادئ الإسلام والاجتهاد وأصول الشريعة على الواقع المُعاش والقضايا الزمانية، ففي كل عصر وزمان هناك مقتضيات تنشأ من التطوّر والتحوّل الاجتماعي والسياسي والتكنولوجي، وكل هذه تؤدي إلى نشوء قضايا تحتاج إلى عملٍ فكريٍ أصيل.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...