من أين تنشأ الشجاعة؟
وما الذي تدل عليه؟
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب 10 قواعد لحياة روحية عظيمة
نادرًا ما نجد شجاعًا لم يكن متطبعًا بالشجاعة منذ ولادته. من الصعب أن تصنع إنسانًا شجاعًا نشأ على الجبن والخوف والقلق. لكن هذه الصعوبة قد ترجع إلى نقصٍ في برامج التربية والإعداد لا إلى صعوبة التطبع بالصفات الحميدة. الشجاعة غالبًا ما تكون من الطباع الموروثة حتى لو جهلنا منشأها بالدقة، كأن لا نجدها في الأب والأم المباشرين. ربما تكون قد سرت عبر الذرية من بعد. لكن من عرف حقيقة الإنسان يُدرك جيدًا أنّ هناك طريقة ميسّرة لتحقيق هذا الكمال.
من ينشأ على الشجاعة من المحتمل جدًّا أن يتصوّرها أمرًا ذاتيًّا فيه. وهنا قد يكون المقتل.
لا شيء من كمالات الإنسان، حتى الموروث منها، ذاتي له. الذاتي لا يُعلّل لأنّه يستحيل تصوُّر الذات دونه. والأمر ليس كذلك في جميع الكمالات التي قد يتّصف بها البشر. فالإنسان بذاته هو عين الفقر والعجز والجهل واللاشيئية. أصله العدم لأنّه ممكن بذاته والممكن بالذات يستحيل أن يتبدّل إلى واجب بالذات. هكذا يكون الفقير بذاته دائمًا فقيرًا إلى ربّه.
إذا أراد الله تعالى بعبده خيرًا عرّفه حقيقة نفسه. وبهذه المعرفة يعرف ربّه. منّا من يعرف ربّه أولًا، فيعرف نفسه والعالم ثانيًا. وأصل معرفة الله هو التوحيد. لا قيمة لأي معرفة بالله بدون التوحيد. والتوحيد يعني انحصار الكمال بالله تعالى. لو نسبتَ إلى الله تعالى جميع الكمالات لكنّك لم توحّده فيها فأنت لم تعرفه حقًّا. هذا يعني أنّ كل كامل غيره يكون كماله قائمًا به سبحانه. فالكمال ذاتي لله وعرضي للمخلوق. بهذه الحقيقة يتقدّم الإنسان ويسير على طريق التوحيد نحو الإخلاص. والإخلاص هو أن يصبح عبدًا خالصًا لله، استخلصه الله لنفسه واصطفاه.
بمعرفة فقرنا وعجزنا الذاتي نصبح ملتصقين بالله تعالى، لا نرى أي خلاص ونجاة أو قوة أو حول إلا به ومنه سبحانه. وهكذا نتوجه إليه في كل ظروف حياتنا ونتضرع، فتتعمق الرابطة ويحصل الاتصال. ومع الاتصال يكون الوصال، وبعده ينقطع الكلام.
فإذا أراد الله بعبده خيرًا جعل فقره واحتياجه وذلّه وعدميته أمام ناظريه دائمًا، ليكون كمال الانقطاع من نصيبه. وإذا أراد الله بعبدٍ شرًّا، حجب عنه هذه الحقيقة الكبرى، وذلك من خلال إيكاله لنفسه وإشعاره بغناه الذاتي. وهنا تكمن خطورة الملكات الأخلاقية التي تثبت أو تترسخ في النفس على مدى العمر وتكاد لا تنفك عنها. فمعها قد نشعر أنّنا بذاتنا شجعان وكرماء وأذكياء ومقتدرون و.. وهكذا نستغني عن الله في أهم وأخطر قضايا الحياة، كالأخلاق.
هنا يكمن الخطر الأكبر؛ في أن لا نرى حقيقة التوحيد في عالم الصفات والكمالات. ولعل هذا هو الفخر الذي استعاذ منه الإمام زين العابدين عليه السلام حين سأل الله تعالى أن يهبه معالي الأخلاق حيث قال: "وهبني معالي الأخلاق واعصمني من الفخر".
إذا أراد لله بصاحب الخلق الجميل كالشجاع، أن يكون عبدًا خالصًا له، فسوف يريه أنّ الشجاعة ليست ذاتية له، ويمكن أن تنفك عنه في أي وقت. هذا ما يحدث لبعض الشجعان في ميادين البأس والقتال. ففي لحظةٍ واحدة قد يفقد هذا الشجاع شجاعته ليرى نفسه ترتعد خوفًا من غير عادة. ومهما حاول أن يفسّر ذلك لا يقدر. فالموقف مُعتاد ولا يوجد بأس غير معهود من العدو، وقد جرب مثله عشرات المرات. لكن لو تأمل قليلًا لعلم أنّ هذه هي عناية له من الله تعالى حتى لا ينسى الحقيقة وحقيقته. فلا شيء أسوأ وأخطر من نسيان الله، لأنّنا بسببه ننسى من نحن: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ}.[1]
الشجاع قد يُصاب بالفخر، ولا يُلام كثيرًا إن كانت مواقف شجاعته كثيرة لا تُحصى. في مثل هذه الحالة قد ينظر إلى غيره ممن يجبن أو ينكص في بعض مواقف البطولة بنظرة فيها تعيير ولو لم ينطق لسانه بذلك. يتصور في قرارة نفسه أنّه لا يمكن أن يحصل له ذلك. وفي هذه اللحظة بالذات يكتب على نفسه مصيرًا خطيرًا. فقد جلب لنفسه الجبن إلى آخر الحياة. إذا سمعت عن أحدٍ مثل هذا أو رأيته في نفسك في أي أمر من أمور الكمال كالعلم والذكاء والفطانة وحسن التدبير والقوة، فلا تتعجب بعدها. كثيرون اتصفوا بهذه الصفات مدة طويلة من عمرهم ثم فقدوها إلى غير رجعة.
التعيير يعني أن تعاير الآخر بنقصٍ ما باعتبار أنّك لا يمكن أن تتصف به أو تقع فيه. إذا كان الله يحبك ويرى فيك خيرًا قد يجعلك عبرة لنفسك في المستقبل حتى تعلم أنّ كل كمال هو لله بالأصالة والحقيقة، وأنّك لست سوى العجز والمسكنة والنقص والعدم. ربما يكون تعييرك شديدًا كأن يظهر على لسانك، ومعه لا تتوقع أن تستعيد هذا الكمال بعدها أبدًا.
من كان بعيدًا عن عناية الله الخاصة ولا يحبه الله ولا يريد له الخلوص، قد يميته على الاعتقاد بأنّ كمالاته ذاتية له. هنا تكمن بعض مخاطر الأبحاث الأخلاقية غير التوحيدية حيث تُصوّر لنا أنّ الملكات الأخلاقية صفات ذاتية للإنسان.
إذا أحب الله عبدًا جعله عبدًا حقًّا. والعبودية الحقة هي دوام الشعور باللاشيئية مقابل الله تعالى. العبد لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورا.
هذا ما نتعلّمه من الإمام علي عليه السلام في إرشاداته للمجاهدين في سبيل الله تعالى؛ هؤلاء الذين يُفترض أن يكونوا أقرب الناس إلى إدراك التوحيد، لأنّهم يخوضون أهم وأخطر ميادين الحياة، فيكون ذلك فرصة لهم لا نظير لها، فيقول عليه السلام:
"وَأَيُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْشٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَرَأَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلًا فَلْيَذُبَ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ الَّتِي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ؛ فَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَه.ُ إِنَّ الْمَوْتَ طَالِبٌ حَثِيثٌ لَا يَفُوتُهُ الْمُقِيمُ وَلَا يُعْجِزُهُ الْهَارِبُ. إِنَّ أَكْرَمَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ. وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِهِ لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّه".[2]
بهذه المعرفة التوحيدية ومع الخوض في غمار الحياة كما يريد الله نضمن الاتصاف بهذه الصفات الحميدة.
[1]. سورة الحشر، الآية 19.
[2]. نهج البلاغة، ص180.
دور اليقظة في السفر إلى الله... كيف نعمل على تنوير قلوبنا بالنور العظيم؟
إذا كان هناك جملة واحدة تختصر قضية السير والسفر إلى الله تعالى، فهي تلك التي وردت في الحديث الشريف: "التَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَ الْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِه".[1]الدنيا هي دار الغرور لمن اتّخذها مقرًّا وغاية، والآخرة هي دار السرور والسعادة لمن جعلها هدفًا ومقصدًا.
كيف نصلح ما بيننا وبين الله تعالى؟
لأنّ الله ينظر إلى قلوبنا، فالإصلاح ينبغي أن يبدأ من القلب. وبصلاح القلب تصلح الأعضاء والجوارح لأنّ القلب أميرها وقائدها.
لماذا نحتاج إلى التّواصل الفعّال مع الله؟ في عصر الإيمان لا شيء يغني عن الاتّصال
الإيمان بالله تعالى هو الذي يضمن لنا التّوجّه إليه. والتوجّه إلى الله هو الذي يمنحنا فرصة الاستفادة من وجودنا في هذا العالم.. لماذا؟
قضيّة الله بين الماضي والحاضر.. كيف استطاع الشيطان أن يحرفنا عن أعظم قضايا الحياة؟
حين نتأمّل في الآيات الكثيرة التي تحدّثت عن حركة الأنبياء ودعوتهم ومواجهاتهم للطواغيت، نلاحظ بصورة واضحة كيف كان تجلّي قضية الله وظهورها في خطاباتهم. وقد استطاع هؤلاء الأولياء الربّانيّون أن يجعلوا هذه القضية على رأس قضايا الصراع والمواجهة أينما كانوا، فأحرجوا بها أعداءهم، الذين كان همّهم الأكبر ترسيخ زعاماتهم والتحكّم بمصائر الشعوب.
أكبر فتنة يواجهها الإيمان.. كيف يفسر المؤمنون حضور الله في الحياة؟
ينقسم المؤمنون بالله في هذا العالم إلى فئتين: فئة ترى أنّ الله سبحانه قد وضعنا في هذا العالم ليمتحن صبرنا في مواجهة أنواع المصائب والبلاءات؛ وفئة ترى أنّ لهذا العالم مستقبلًا واعدًا يجب أن نتحرّك باتجاهه من خلال السعي الجهادي في سبيل الله، والذي يُفترض أن يتكلّل بالنصر والعاقبة الجميلة...الاختلاف الجوهري بينهما يدور حول فهم كل طائفة لكيفية تدبير الله لهذا العالم
أعظم التكاليف والواجبات.. هناك الكثير ممّا يمكن أن يُقال حول علاقتنا بالله تعالى
أكبر مسؤولية في حياتنا هي تلك المرتبطة بعلاقتنا بالله تعالى. فكلّ المسؤوليات الأخرى تنبع منها أو تؤدّي إليها. فهو سبحانه المقصود النهائي والغاية القصوى من وراء كل فعل وتحرّك وسير في الوجود، {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُور}.[1]ولكي ننجح في هذه المسؤولية ينبغي أن تصبح عملًا واعيًا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. هناك حيث يكون كل وجودنا مشاركًا في تحمّلها والقيام بها. ونقصان الوعي هنا مثل عدم وجوده؛ وكلاهما لا يؤدّيان إلى أي نتيجة طيّبة في هذه العلاقة.. ولو قيل أنّ الوصول إلى الوعي التامّ أو الوعي الكلّيّ هو الهدف من وراء كل عمل أو عبادة نؤدّيها لله، لما كان في هذا القول مبالغة.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...