لماذا يرفض بعض الشيعة ولاية الفقيه؟
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب ولاية الفقيه في العصر الحديث
إذا كانت ولاية الفقيه شعبة من الإمامة وكانت الإمامة عند الشيعة من أصول الدين، فلماذا لا نجد مثل هذا الإجماع حولها؟
إنّ قضية ولاية الفقيه قضية التزام بواجبات خطرة وجوهرية ومكلفة؛ لذلك يرفضها البعض.. يرفضونها لا لأنّهم غير مقتنعين بها، بل لأنّها ستبدّل حياتهم إلى الأبد. ما بين الإسلام الفردي والإسلام الاجتماعي مسافة شاسعة جدًّا. فالإسلام الذي نراه منحصرًا في إطار بعض الأمور الفردية والعبادية ليس سوى جزء بسيط من الإسلام الذي يطرح قضية إصلاح المجتمع ومواجهة الظالمين وبناء الدولة وتطبيق الأحكام الاجتماعية في كل المجالات.
الذين يبحثون عن الراحة والدعة يجدون في ولاية الفقيه (التي هي عبارة عن توسعة لدور الفقيه الجامع للشرائط في حياتهم) شيئًا مناقضًا لما يريدونه أو يرغبون به. والذين يخافون من السلطات الحاكمة وبطشها ستشكل ولاية الفقيه تحديًا لهم. ولذلك ليس من المُستغرب أن نلاحظ الرفض الواسع لهذه القضية في الأماكن التي يعيش فيها محبّو أهل البيت عليهم السلام تحت سلطات حكّام الجور وحكومات الظلم.
لطالما كان رفض الإنسان للحقيقة نابعًا من أهوائه ومخاوفه أكثر من عقله ومنطقه. وولاية الفقيه لا تشذ عن هذه القاعدة.
المشكلة لا تكمن في عامة الناس، بل في مدّعي العلم والفقه الذين يركبون موجة هذه المشاعر ليستقطبوا ويجذبوا. هؤلاء الذين يعلمون أنّ أفضل وسيلة للحصول على المغانم والمنزلة والسلطة إنّما تكون في مجاراة الناس فيما يحبون ويكرهون. وقد لعب هؤلاء المتلبسين بلباس العلم دورًا بارزًا في إثارة الشكوك والشبهات حول قضية لا يمتلك الناس حولها أدنى استعداد للبحث والتعمق. فإنّ تاريخ هذه الجماعة الممتد لقرون والذي أدى إلى اعتزالها شؤون السياسة والمجتمع، جعل أدمغة الناس بعيدة كل البعد عن تصوُّر مثل هذه الشؤون والتفكُّر فيها والاهتمام بها.
هكذا تجتمع المخاوف والمطامع مع ضعف البصيرة والتجهيل لتولّد جماعات هنا وهناك تصرح برفضها أو بعدائها لقضية بهذه الأهمية والحساسية.
تصوروا لو اتّحد شيعة أهل البيت (عليهم السلام) على هذا النهج والتفوا حول قيادة فقيهٍ واحد يمتلك مشروعًا لهداية الأمة وإصلاح المسلمين وتحقيق الأهداف الإلهية؛ فهل كانت لتبقى كل هذه المصائب والمشاكل التي تنخر في شخصية هذه الجماعة وتشوهها إلى هذا الحد؟!
إنّ قسمًا كبيرًا من انعدام جاذبية الشيعة بين المسلمين وأهل الأرض يرجع إلى افتقادهم لمرجعية تهتم بتنظيم أمورهم العامة. فقد رضي الكثيرون منهم بأن تكون مرجعيتهم الدينية منحصرة في أمور لا علاقة لها بظهورهم الاجتماعي والدولي. وهكذا، نجد كل هذه المصائب في معظم أماكنهم المقدسة التي يُفترض أن تكون الواجهة الأولى لهم، حيث لم يفهم متولّوها والقيمون عليها موقعيتها تلك، فتُركت لعبث العابثين وصراعات المتنفذين وانقسامات أهل العلم والفقاهة. وكم من مناسبة وقضية اجتماعية كان يمكن أن تؤدي إلى تطور الشيعة وتقدمهم على الصعيد الإسلامي والعالمي، لكنّها مُهملة متروكة، لأنّه لا يوجد من يتولاها ممن يتمتع بالكفاءات اللازمة.
إنّ قراءة مدققة في تاريخ محبي أهل البيت الذين يُطلق عليهم عنوان "الشيعة" تبيّن لنا أنّ معظم المصائب التي ابتُلوا بها كانت بسبب عزلتهم عن الواقع وعدم قدرتهم على تشخيص التكليف والمهمة والمواقف المطلوبة عند أهم منعطفات التاريخ وحوادثه الكبرى. وقد نشأتُ وترعرعت في مجتمع كان أكبر شاهد على هذا الأمر، حيث فوجئ هذا المجتمع بتحولات اجتماعية وسياسية جعلت أبناءه يغوصون في الحرمان والتخلف ويتحولون إلى مواطنين من الدرجة الثالثة ويتنكبهم أعداؤهم ويسومونهم سوء العذاب.
إنّه لأمرٌ جميل أن يستخرج المحققون من تاريخنا تلك المفاخر، التي تُختصر أحيانًا بشخصيات علمية كان لها تأثيرها ومساهماتها في بعض مجالات العلم والمعرفة. لكنّ إغفال المصائب الناشئة من عدم المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية، وفقدان أي نوع من الرؤية الاجتماعية، وضمور كل أشكال الأبحاث المرتبطة بقضايا الزمان والعالم، وما نجم عنه من ضعفٍ مُزمن في البنية الإدارية وانعدام المؤسسات العامة، يُعد من الخيانات المرتبطة بالبحث التاريخي.
أجل، لقد أهمل الآخرون تاريخنا وتعمدوا حذفه من النسخة التي قدموها حول تاريخ هذه المنطقة، وكانت غاياتهم واضحة وأغراضهم بيّنة، لكن هذا التعمد والظلم لم يكن ليبرز بهذا المستوى من الإسفاف لو كان لهذه الجماعة تاريخها المميز الذي يتجاوز بعض البطولات العسكرية هنا وهناك.
ففي الوقت الذي نستخرج من تاريخنا شواهد عديدة تدل على وجود عزة ومقاومة وبطولات، نعجز عن الكشف عن نوع من الحياة السياسية واللحمة الاجتماعية التي تتناسب مع التحديات والاستحقاقات.
أولئك الذين يدوّنون التاريخ وهم يتصورون أنّه يمكن لجماعة مؤمنة أن تكون عزيزة حقًّا ولائقة بالتمجيد دون وجود قيادة عظيمة فوقها، إنّما يرتكبون مغالطة كبرى تساهم في التعمية على قضية ولاية الفقيه. وكأنّ وجود مثل هذه القيادة الشرعية الحكيمة ليس سوى إضافة طيبة إلى مجموعة المآثر.
إنّ قضية القيادة هي قضية مفصلية وهي قضية حياة أو موت بالنسبة لأي جماعة. وما دامت هذه القيادة مفقودة أو فاقدة للحكمة والعلم، فهذا يعني أنّ هذه الجماعة آيلة للزوال والانقراض أو تحول أفرادها إلى عبيد وتابعين لأئمة الضلالة.
وإنّ سرعة إقبال الشباب في السابق على التيارات الأجنبية والأحزاب الغريبة عن ثقافتهم إنّما كانت بسبب غياب الأطروحة السياسية الاجتماعية التي كان يُفترض أن تنبع من قيادة إسلامية. لقد خسرنا الكثير الكثير من الطاقات التي كان يمكن أن تبني الأوطان وتزدهر بها؛ وذلك فقط لأنّ هؤلاء الشباب لم يجدوا سوى تلك الأحزاب والتيارات وسيلة لرفع الحرمان والظلم والاحتلال والنكبة.
ولاية الفقيه ظل الحقيقة العظمى
جمع وتبويب لأهم كلمات وأفكار كل من الإمام الخميني والإمام الخامنئي حول ولاية الفقيه والنظام السياسي الإسلامي على مدى مراحل الثورة والنضال وإلى يومنا هذا. نتعرف إلى هذه النظرية من اصولها إلى فروعها المختلفة ضمن هيكلية تساعد على فهم النظرية وأبعادها السياسية. ولاية الفقيه ظلّ الحقيقة العظمى الكاتب: الإمام الخميني والإمام الخامنئيترجمة وإعداد: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14.5*21.5 غلاف ورقي: 312 صفحة الطبعة الأولى، 2011مالسعر: 6$
ولاية الفقيه في العصر الحديث
بحثًا عن النظرية الإسلامية للحكم والقيادة، يعرض الكاتب لولاية الفقيه باعتبار أنها خلاصة النظام السياسي وعنوانه. فما هو دور الفقه والشريعة في قيادة المجتمع، وكيف تتجلى هذه القيادة، وما هو دور الشعب في النشاط السياسي الذي يفترض أن يتوجه نحو تحقيق الأهداف المعنوية الكبرى.كتاب تعليمي مختصر يغوص في الأدلة بأسلوب لا يحتاج الى التخصص في أي علم. ولاية الفقيه في العصر الحديث الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 222 صفحةالطبعة الأولى، 2009م
إذا كانت كل بيعة قبل الظهور هي كفر ونفاق، فماذا عن ولاية الفقيه؟
كيف نرد على من يقول بأن ما ورد في بحار الأنوار عن الإمام الصادق (ع): "يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم (ع) فبيعته كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع لها والمبايَع له، وهو كلام موجه ضد ولاية الفقيه والمرجعيات الدينية حتى؟
دور ولاية الفقيه في النهضة الإيمانية
في البدايات كان هناك نوع من الأفكار المنتشرة بين المتدينين مع قلة عددهم مفادها أنه لا دخل لنا بالأمور السياسية.ما جعل الأوساط المتدينة عمومًا خامدة وبعيدة عن التحديات الكبرى. كانوا يجدون لأنفسهم مبررات فكرية وشرعية واعتقادية للقعود. وحين عرض الإمام الخميني قضية ولاية الفقيه وبيّن أنها مسألة بديهية وضرورية وأنها تنبع من الاعتقاد بالإمامة، وبيّن أنّ إقامة الحكومة الإسلامية هو تجسيد للإسلام وأنّ الإسلام بدون حكومة لا معنى له؛ وجد هؤلاء المتديّنون أنفسهم أمام مسؤوليات كبيرة لم يعهدوها من قبل؛ مسؤولية ترتبط بالأمة لا بل بالعالم كله. فالمسألة لم تكن قضية عادية بمعنى أنّنا كنّا نتحرك ونواجه ونتحمل المسؤوليات والآن أصبح لدينا قيادة حكيمة. لا،؛ بل كانت أشبه بالانتقال من الموت إلى الحياة.
ولاية الفقيه.. من المرجعية إلى النظام والأطروحة
الذين يتحدثون عن الإيمان كعنصر أساسي لأي تحرك أو جهاد عليهم أن يعيدوا النظر فيما يقولونه، حتى لا يكون القول تبسيطًا مضللًا. الإيمان الذي يذكره هؤلاء أو الروحية التي يتحدثون عنها باعتبار أنّها سر القوة والمقاومة والبطولة والتحديات يجب أن يتذكروا معها أنّ أي جماعة مهما امتلكت من إيمان إن لم يكن لديها أطروحة للحياة والمصير والنظام والحكم والمجتمع فسوف تواجه عقبات كأداء لا يمكنها الخروج منها بنجاة لمجرد أنّها تمتلك الإيمان والروحية المقاومة.
هل من جديد حول ولاية الفقيه؟
إنّ فهم الدين الإلهي لا يمكن أن يتحقّق بدون فهم أهدافه؛ فمهما عرفنا من أحكامه ومبادئه من دون أن نعرف غايته وآماله نزداد جهلاً بما عرفناه؛ فالغاية القصوى للدين هي التي تعطي الأحكام والتعاليم روحها وأبعادها الحقيقية؛ وبعبارةٍ جامعة إنّ البعد الغائي لأحكام الدين هو الذي يجعلها مرضيّة عند الله وفيه تتمّ النعمة.
لماذا لا يقبل الله الأعمال إلا بالولاية
أعمال العباد تنقسم إلى قسمين: الصالح والطالح. والصالح منه ما هو مقبول عند الله، ومنه ما دون ذلك. ولا شك بأن قبول الله لأي عمل إنما يكون بحسب انسجامه مع إرادته. وإرادة الله عز وجل واحدة إجمالية، تتكثر وتصبح تفصيلية (كما يحصل حين يأمر الحاكم بالنهوض الاقتصادي فيترجم أمره إلى مشاريع كثيرة في مختلف الوزارات).
أين أصبحنا من ولاية الفقيه اليوم؟ هل خمد البحث عن ركن التغيير الأكبر؟
يُقال إنّ طرح الإمام الخميني لمبدأ ولاية الفقيه كان بمثابة الشرارة الكبرى في استعار الثورة ونفخ لهيب النضال والعمل الثوريّ وتحويله إلى حركة رشيدة وأصيلة. ولا يشك أحد بأنّ هذه الثورة ـ التي أطلقت العنان لأوسع عملية تغيير لمنطقتنا، بل للعالم كلّه ـ قد ارتوت من منبع ولاية الفقيه، وأقامت نظامها السياسيّ عليه. فالصديق والعدوّ يعترفان بأنّه لولا هذا المبدأ الذي اتّصل بعقائد الموالين، لما كان لهذه الثورة مثل هذا الثبات والنضج والاستحكام.
كيف تصبح ولاية الفقيه قيمة عالمية؟
ولاية الفقيه هي حاكمية العالِم بالشريعة، الذي يُفترض أن يكون عادلًا ورعًا مدبّرًا حكيمًا. وإذا التفت الناس إلى أهمية شريعة الله وعظمتها، فمن لن يقبل بولاية الفقيه هذه؟!
ولاية الفقيه، أسئلة حساسة
إذا كان الولي الفقيه واجب الطاعة، فكيف نسلم زمام امورنا وانفسنا لمن لا يكون معصومًا؟ إذا كان مبدأ ولاية الفقيه قضية أساسية، لماذا لم نسمع به قبل مجيء الإمام الخميني؟
كيف كان الاعتقاد بولاية الفقيه تثبيتًا للإيمان؟
كيف ترتبط ولاية الفقيه بحقيقة الإيمان بالله؟ وما هو حكم من أنكر هذه القضية؟ وكيف تكون ولاية الفقيه تثبيتًا لمبدأ الإمامة في الحياة؟
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...