
لماذا يجب جعل القضية الأولى في تعليم الدين
البحث والاكتشاف؟
السيد عباس نورالدين
عدة أمور هي أضر ما يكون على التعليم الديني؛ منها إيحاء المعلم لتلامذته بأنّه المرجع الوحيد للمادة، فلا يشجعهم على أن يتعرفوا إلى العلماء ويرتبطوا بهم ويسألوهم ويدرسوا عندهم، وكأنّه يخشى من تزلزل نظام مادته؛ ومنها انغلاق الكتاب المدرسي، بدل انفتاحه على مختلف مصادر التراث الإسلامي الغني، الأمر الذي يُفقد هذا العلم مكانته السامية في النفوس. لكنّ العائق الكبير الذي أود الإشارة إليه في هذه المقالة، هو ما يرتبط بمديات المعرفة الدينية وآفاقها.
إنّ روعة دراسة الفيزياء تتجلى في أعلى ما يكون حين تفتح على المتعلم أبواب المجهولات والغوامض، أكثر من تقديم أجوبة سهلة عن قضايا لم تجد لنفسها في ذهن هذا المتعلم أي فرصة للانبثاق والتعجب والبحث والتأمل والتساؤل؛ ففي ظل هذا النوع من الدراسة تبدأ أحلام التلميذ بالتشكل، وينظر إلى الأفق البعيد وهو يرى اسمه على لائحة المكتشفين العظماء أو عنوانًا لقانونٍ جديد؛ فيقبل على دراسة الفيزياء مستكشفًا، بدل أن يكون مجرد متلقٍّ، كوعاءٍ لا يدري ما يُلقى فيه.
إنّ رحلة الاستكشاف هذه هي العامل الأول وراء تقوية توجه الحواس وتمركز القوى الإدراكية للمتعلم؛ وهذا هو منبع الذكاء.
إن أردنا أن نجعل التلميذ مهتمًّا بأي علم، فيتوجه إليه بعقله وقلبه، ويعطيه الكثير من وقته وتفكيره، فما علينا سوى أن نقنعه بأنّه يمكن أن يكون فيه عنصرًا مكتشفًا مبدعًا مساهمًا؛ فالمكتشف كإنسان حي له الحضور الأقوى في أي علم؛ ومعرفة كيفية عمل المكتشفين والمخترعين في التوصل إلى الاكتشافات والاختراعات، هو ما يمثل روح العملية التعليمية.
ولئن كان هذا الأمر حاضرًا في مناهج العلوم الطبيعية بقوة، فهو يبدو لمعدّي مناهج التعليم الديني بعيدًا مستبعدًا؛ لأنّ الدين بحسب النظرة الأولية أمر ما فوق بشري، وإنّما يتنزل من السماء، من عند الله تعالى، وما على الرسل الأمناء على الوحي سوى تبليغه للناس من دون أي زيادة أو نقيصة. وهذه هي المقاربة السائدة في تقديم المعارف الدينية للأطفال والشباب؛ حيث يتم تلقينهم المعارف وحثّهم على تقبلها وحفظها أو الاقتناع بأدلتها حيث وُجدت.
طوال رحلتنا العلمية لم يحدث أن وجدنا من يحثنا على ابتكار دليل أو برهان على وحدانية الله أو أي قضية عقائدية، رغم وجود العديد من الأدلة التي اكتشفها علماء لم يكونوا أنبياء أو رسل. فغلب علينا همّ فهم الدليل واستيعابه وحفظ كيفية شرحه وبيانه.
ولئن كان للاجتهاد والبحث والتحقيق موقعية مميزة في التعليم الحوزوي، حيث تدور الكثير من المباحث والنقاشات حول إبداعات العلماء وابتكاراتهم، إلا إنّ ذلك غير حاضر في أي منهاج مدرسي شاهدته في مجال التعليم الديني.
وهنا من المهم أن نميّز بين الدين ـ كظاهرة إلهية وحقيقة وجودية تنزّلت إلى عقول الأنبياء وقلوبهم ـ وبين المعارف الكثيرة التي هي نتاج اجتهاد العلماء وأفكارهم في سعيهم للكشف عن حقائق الدين. ورغم عدم وجود إشكالية في أن يعرض العالِم وجهة نظره ونتاج اجتهاده بشأن حكم الدين في أي قضية، وقيامه بنسبة ذلك إلى الإسلام وقوله إنّ الإسلام يقول كذا ويقول كذا، لكن كل عالم محقق يعلم أنّ هذه الآراء ستبقى اجتهادات تحتمل الخطأ ويصح إخضاعها للنقد والتحقيق.
والأهم من ذلك كلّه هو أنّ هناك الكثير من معارف الدين وحقائقه وعلومه ما زالت لحد الآن مجهولة حتى بالنسبة للعلماء والمجتهدين، وهي تنتظر من يأتي ويكشف عنها ويبينها للناس. ويجب أن تكون هذه القضية أحد أهم محاور التعليم الديني.
ولأجل ذلك، يمكن اعتماد بعض المقاربات التعليمية التي تساهم في تفعيل التفكير الإبداعي بشأن الدين. وإحدى هذه المقاربات تتمثل في عرض المعارف الدينية بسياقات تبلورها عبر التاريخ؛ فنسلط الضوء على مجموعة من القضايا، ونعرض لنشوئها وتطور البحث حولها وأهم المحطات التي ساهمت في تشكلها.
كل طالب حوزوي يتعرف منذ السنوات الأولى لدراسته على قصة ملهمة تبعث فيه الرغبة الشديدة للاجتهاد ـ وهي قصة حكم الدين بشأن البئر إذا سقطت فيه عين النجاسة ـ ويدرك أنّ مسألة كهذه كانت مستقرة على حكم شديد الصعوبة لمئات السنين حتى قام عالم محقق بالكشف عن حكم آخر لها فأزاح عن كاهل الناس عبئًا ثقيلًا، وأعفاهم من خسارة معتبرة. وبسبب هذه القصة وأمثالها يدرك الطالب الحوزوي أنّ بإمكانه أن يكون هذا المحقق الجليل الذي يساهم في اكتشاف حقائق يكون لها دور كبير في خدمة الناس والمجتمع. وهذا ما قام به الإمام الخميني، حيث كشف عن النظام السياسي الإسلامي في عصر الغيبة تحت عنوان ولاية الفقيه، فأطلق شرارة ثورة دينية أقامت صرح دولة سيكون لها أكبر الأثر في تغيير العالم كله.
بهذه الطريقة يتعرف المتعلم إلى الدين بوصفه مصدرًا عظيمًا للإلهام والاستنباط والبحث والاكتشاف، ويقوى توجهه نحو هذه المهمة التي يُفترض أن تكون هدفًا أساسيًا للتعليم الديني.
ومن المقاربات التي قد تساهم كثيرًا في تعزيز انغماس المتعلم في دراسة الدين وانخراطه في التفكر الجاد والتعمق في معارفه والسعي لاكتشاف الكثير ممّا ضاع على مر التاريخ أو لم يقم أحد بتفريعه من أصوله، اعتماد أسلوب عرض المسائل على التلميذ وتوجيهه نحو البحث عن حلولها وأجوبتها، مستخدمًا طرق الاستدلال الصحيح؛ الأمر الذي يحصل في الرياضيات وغيرها من العلوم التطبيقية منذ بداية مراحل التعليم. فبدل أن نعرض عليه برهان النظام بمقدماته ونتائجه، نقدم له المقدمات ونشجعه على استخراج نتائجها.
حين تتوجه مناهج التعليم الديني أو معارف الدين نحو تقوية التفكر والتأمل، ويرى المتعلم فيها مكانًا للبحث عن أهم القضايا التي ما زالت تنتظر المزيد من البحث والتعمق، فسوف تصبح هذه المادة من أمتع المواد التعليمية وأكثرها جاذبية؛ وبذلك نضمن تحقق تلك الرابطة العميقة بين التلميذ والدين.

روح المجتمع
كتابٌ يُعدّ موسوعة شاملة ومرجعًا مهمًّا جدًّا يمتاز بالعمق والأصالة لكلّ من يحمل همّ تغيير المجتمع والسير به قدمًا نحو التكامل، يحدد للقارئ الأطر والأهداف والسياسات والمسؤوليات والأولويّات والغايات المرحليّة والنهائيّة في كلّ مجال من المجالات التي يمكن أن تشكّل عنصرًا فعّالًا في حركة التغيير، على ضوء كلمات قائد الثورة الإسلاميّة المعظّم روح المجتمع الكاتب: الإمام الخامنئي/ السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 19*25غلاف كرتوني: 932 صفحةالطبعة الأولى، 2017م ISBN: 978-614-474-020-0 سعر النسخة الملوّنة: 100$سعر النسخة (أبيض وأسود): 34$ للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراءه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

روح التربية
الإنسان لا يأتي إلى الدنيا فاسدًا. في البداية يأتي إلى الدنيا بفطرة جيّدة وهي الفطرة الإلهية "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَة"، وهذه هي الفطرة الإنسانية فطرة الصراط المستقيم والإسلام والتوحيد. أنواع التربية هي التي تفتح هذه الفطرة أو تسد الطريق على الفطرة. التربية هي التي يمكن أن توصل المجتمع إلى كماله المنشود، وهي التي تجعل البلاد إنسانية نموذجية كما يريدها الإسلام روح التربية الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 192 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$

المدرسة الإسلامية
يعرض لأخطر المشاكل وأهم القضايا حول أوضاع المدارس الحالية، التي تبنت المناهج الغربية، وذلك بالطبع بحثًا عن المدرسة المطلوبة التي تنسجم مع حاجات المجتمع وثقافته. كل ذلك من أجل بعث حركة فكرية جادة بين المهتمين بالتعليم عن طريق بناء الرؤية الشاملة للتربية التعليمية في الإسلام. المدرسة الإسلاميّة الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 232 صفحةالطبعة الأولى، 2014مالسعر: 10$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

ثورة التربية والتعليم
يتطرّق الكتاب الرابع في سلسلة الأطروحة التربوية التعليمية التي يقدمها السيد عباس نورالدين إلى أهم القضايا التي تواجه أي ثورة حقيقية تريد إعادة إنتاج التربية التعليمية وفق استحقاقات العصر ومتطلّبات الزمان وبما يتناسب مع التحدّيات التي يعيشها مجتمعنا.الثورة التي يدعو إليها الكاتب تطال جميع مفاصل التربية التعليمية من رؤى ومناهج وقيم وحتى تلك التفاصيل التي تعني كل عامل أو مهتم بهذا المجال المصيري. ثورة التربية والتعليم الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*21غلاف ورقي: 216 صفحة الطبعة الأولى، 2019مISBN: 978-614-474-033-0 السعر: 12$

المدرسة النموذجية
إنّ القوّة الأساسيّة للمدرسة النموذجيّة تكمن في برامجها ومناهجها التي تتميّز بقدرتها على تقديم المعارف والمهارات بأحدث الطرق وأسهلها، وتعتصر كل التراث العظيم للبشريّة وتتّصل بكامل التّراث الاسلامي وتقدّمه لطلّابها عبر السنوات الدراسيّة كأحد أعظم الكنوز المعرفيّة. وهكذا يتخرّج طلّابنا وهم متّصلون بهذا البحر العظيم لكلّ الإنجازات الحضاريّة في العالم كلّه ويمتلكون القدرة التحليليّة اللازمة لتمييز الخير من الشرّ في جميع أنحائه. المدرسة النموذجيّة الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 18.5*20غلاف ورقي: 140 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 10$

حول أسلمة العلوم الطبيعية أو التطبيقية.. مبادئ أساسية لبناء المناهج
لا ينظر المؤمنون بالإسلام وقيمه إلى الحركة العلمية الغربية بارتياح عمومًا، ومنها ما يرتبط بالعلوم التي تمحورت حول دراسة الكون والطبيعة والإنسان؛ هذه العلوم التي عبّرت عن نفسها بمجموعة من الاختصاصات والفروع، وظهرت بنتاج هائل استوعب جهدًا كبيرًا للبشرية، فأصبح بسبب ضخامته وحضوره مدرسة عامة يتبنّاها العالم كلّه. فالمنهج الغربيّ في التعامل مع الطبيعة والكون والإنسان هو المنهج المعتمد اليوم في كل بلاد العالم دون استثناء. إلا إنّ المؤمنين بالإسلام متوجّسون من حركة الغرب عمومًا، لا سيّما حين ينظرون إلى نتائج هذه العلوم على مستوى علاقة الإنسان بربّه. لقد أضحت هذه العلوم علمانية بالكامل، ليس أنّها لا ترتبط باكتشاف مظاهر حضور الله وعظمته وتدبيره وربوبيته فحسب، بل أصبحت سببًا لحصول قطيعة بين الإنسان وخالقه؛ في حين أنّ هذه العلاقة هي أساس سعادة الإنسان وكماله. أضف إلى ذلك، الآثار الهدّامة المشهودة لهذه العلوم على مستوى التطبيق والتكنولوجيا.من هنا، فإنّنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، والعمل على تأسيس مقاربة أدق وأوسع وأشمل تجاه الكون والإنسان والوجود تنطلق من فهم فلسفة الوجود وغايته، فتكون عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف الكبرى.

الدين كقضية أساسية في المناهج التعليمية.. مبادئ ومنطلقات
للمعارف المرتبطة بالأديان والمذاهب وخصوصًا الإسلام ميزة مهمة لا يمكن أن نجدها في أي مجال معرفي آخر مهما كان واسعًا؛ ويمكن أن نجعل من هذه الميزة نقطة تفوّق نوعي في شخصية المتعلم، الأمر الذي يرفع من شأنه ومن دوره وموقعيته في المجتمع. إنّ القدرة التي تمنحها العلوم المختلفة، مهما بلغت، لا يمكن أن ترقى إلى قدرة المعارف الدينية (وهذا بمعزل عن الحق والباطل). فالمهندسون والمخترعون والأطباء والتجار ورجال الأعمال لا يمكن أن يكون لهم من القدرة والتأثير في المجتمع كما يكون لمن يمتلك المعارف المرتبطة بحياة الإنسان ومصيره وسلوكه وروحه وتاريخه ومستقبله ونمط عيشه. ولو التفتت المناهج التعليمية في مدارسنا إلى هذه القضية وجعلتها محورًا أساسيًّا في التعليم لشهدنا عمّا قريب هذا التفوّق الذي نطمح إليه.

المجتمع والتاريخ محورًا في التعليم .. في المقاربات والمناهج والأهداف
للمجتمع في حركته دورٌ كبير في تكوين شخصية الإنسان وتحديد مصيره، فضلًا عن كونه من أبلغ الآيات الدالات على صفات الرب المتعال وحضوره. وكلما استطعنا ترسيخ هذه النظرة وتعميقها أصبح الإنسان أكثر تفاعلًا مع إحدى أهم سبل الوصول إلى كماله. وباختصار، يجب أن تأخذ المناهج التعليمية على عاتقها مهمة أساسية تتجلى في إيصال الإنسان إلى أعلى درجات التفاعل الإيجابي مع مجتمعه والمجتمعات البشرية قاطبة.

الإنسان محورًا في التعليم.. ما زال هناك الكثير ممّا ينبغي معرفته
إنّ في الإنسان أسرارًا كثيرة ينبغي أن يكون البحث عنها واكتشافها هدفًا أساسيًّا لكل متعلّم؛ ويجب جعل رحلة البحث هذه قضيةً مركزيةً في المناهج التعليمية، وعدم إيهام الطالب بأنه لا يوجد وراء المواد التعليمية التي تُقدّم له أشياء كثيرة جديرة بالاكتشاف، كقول القائل: لا يوجد وراء عبادان قرية. والتأكيد على أنّ البحث عن أسرار الإنسان لا ينحصر في إطار إشباع فضوله العلمي، وإنّما يندرج في إطار قضية بناء الذات وتكميلها وتقويتها. فأبعاد الوجود الإنساني ليست سوى قنوات الاتّصال بفيض الكمال الإلهي المطلق. ولأجل ذلك، يحتاج الطالب إلى معرفة النماذج البارزة للذين تحققوا بحقائق الكمال معرفةً تتصل بواقعه المعاش وتحديات حياته المعاصرة وتجعل من هذا البعيد المجهول قريبًا ممكنًا. فالنماذج الراقية للإنسان الكامل ليست سوى تجسيد لتلك الحقيقة العظيمة التي يُفترض أن تكون هدفًا أعلى للحياة كلها.

كيف تتغلب المدرسة على العقبة الأولى أمام بناء المجتمع؟ لماذا تعزز مناهج اليوم النزعات الفردية وفرار الأدمغة
بالنسبة لأي مجتمع في العالم، لا يوجد ما هو أسوأ من تضييع الطاقات الشابة الخلاقة والفعالة التي يحتاج إليها للتقدم والازدهار وحتى البقاء.. شباب اليوم هم مدراء البلد والمسؤولون عن تقرير مصيره، والفارق الزمني الذي يفصل بينهما لا شيء مقارنة بعمر الأوطان؛ لهذا، فإنّ أي مجتمع سرعان ما سيلحظ الخسارة الكبرى من تضييع الطاقات الشابة.

المشروع الحضاري للتعليم العام.. كيف ننزل هذا المشروع في قالب المناهج المدرسية
السؤال الأساسي هنا هو أنّه كيف يمكن أن نجعل من المشروع الحضاري الكبير الذي نؤمن به منهاجًا دراسيًّا، بل محورًا أساسيًّا في التعليم العام، بحيث يمكن الوصول بالمتعلم إلى مستوى من الفهم والإيمان والتبني والمسؤولية تجاهه، حتى ينتقل إلى الحياة التخصصية والمهنية وقد جعل ذلك كله قائمًا عليه ومتوجهًا إليه.حين يتمكن المتعلم من رؤية الحياة كما هي في الحقيقة، لن ينخدع بعدها بهذه الظواهر: ناطحات السحاب، التكنولوجيا، الطائرات، العدد الكبير لسكان دولة، الدخل القومي الكبير.. فكل هذه المدنية وهذا العمران وهذه الآلات والأدوات لن تكون عاملًا يصرف ذهن هذا المتعلم عن حقيقة ما يجري، وسوف يجد نفسه منخرطًا بسهولة في المكان والموقف الحق الذي يعمل بصدق ووفاء على تحقيق صلاح البشرية والأرض.

هل يصح تدريس العلوم الطبيعية بمناهجها الحالية؟ وما هي الشروط التربوية لنجاح هذا التعليم؟
تعمد الأطروحة الجديدة للمدرسة النموذجية إلى إعادة النظر بشأن تعليم العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والأحياء وكذلك الرياضيات، وذلك بما يتناسب مع الرؤية المرتبطة بدور العلم في الحياة البشرية. لقد تم التركيز على هذه العلوم في المناهج الغربية باعتبار الموقعية المركزية لعالم المادة والطبيعة في الحياة البشرية. ففي الفكر الغربي المادي يُعد تسخير الطبيعة وعناصرها أساس السعادة البشرية، وذلك باعتبار أنّ المنشأ الأساسي للقدرة هو المادة. وبحسب هذا الفكر، بالقدرة يتمكن البشر من الوصول إلى السعادة أو حلّ المشكلات المختلفة... في حين أنّه بحسب الرؤية الكونية الدينية، فإنّ القدرة الأساسية (أي قدرة التغيير والتأثير) إنّما تتجلى في إرادة البشر. وهذه الإرادة لا تظهر فقط بالسيطرة على عناصر الطبيعة، وإنّما تظهر في سلوكياتهم وتعاملهم فيما بينهم في الاجتماع والسياسة. كما أنّ مستوى القدرة يتحدد وفق طبيعة استخدام عناصر الطبيعة وآلياتها وبرامجها؛ ممّا يعني أنّ هذه القدرة الناشئة من تسخير مواد الطبيعة إنّما تتبع أهداف البشر ونواياهم وكيفية استعمالهم لهذه المواد، لا مجرد تسخيرها كيفما كان.لذا يجب قبل أي شيء العمل على بناء الرؤية السليمة المرتبطة بدور الانسان في تسخير عالم المادة، ومدى تأثير ذلك على سعادة البشرية أو شقائها، وتعريف المتعلم إلى كل عناصر القدرة التي يمكن أن يحقق من خلالها سعادته وسعادة مجتمعه.

التعليم لأجل صناعة أبناء الآخرة.. أين هي القضية الأولى في المناهج؟
إن أردنا أن ننسجم مع رؤيتنا الكونية للوجود والمصير، ينبغي أن يكون للحياة الآخرة حضور أقوى في المناهج المدرسية، يتناسب إلى حدٍّ ما مع محوريتها وأولويتها. فكيف يمكن أن نعد الطالب المدرسي ليكون من أبناء الآخرة بدل أن يكون من أبناء الدنيا امتثالًا لقول أمير المؤمنين عليه السلام؟ المبدأ الأول الذي ينبغي أن تُبنى عليه مناهج التعليم هو ضرورة إعداد المتعلّم للتعامل مع قضايا الحياة الأساسية بما يتناسب مع أهميتها وتأثيرها ودورها في حياته. ولا شك بأنّ الحياة الآخرة هي القضية الأولى

كيف تكون الأرض مشروعًا تعليميًّا أساسيًّا؟ بدل التشرذم، تتضافر العلوم والمناهج
منذ أن حصل الطلاق بين العلوم التجريبية والفلسفة، والأرض تئن تحت وطأة التفلت العجيب في استخدام عناصرها ومكوّناتها بطريقة تنذر بكارثة وجودية. حين أصبح ما يُسمى اليوم بالعلم (أو الساينس) يمارَس لأجل "العلم" كما يُقال، فقد العمل البحثي في كل ما يتعلق بالأرض أي نوع من التوجه الهادف والمسؤول تجاه هذا الكوكب الذي يبدو أنّه الوحيد الحاضن للحياة.

ظاهرة اللغة كقضية في التعليم.. ما الذي يعرفه خريجو المناهج الحالية؟
إنّ اللغة كظاهرة كونية كانت ولا تزال تُعد أهم عنصر لقوة البشر؛ فلولا اللغة لما استطاع الإنسان أن يبلغ ما بلغه من شأن على مستوى الحضارة والعمران والفكر وحتى المعنويات؛ بيد أنّ العلاقة بين اللغة وهذه الإنجازات الكبرى لا تظهر بأي نحوٍ من الأنحاء في المناهج التعليمية الشائعة؛ بل نجد عملًا ممنهجًا يؤدي إلى طمسها بشتى السبل، والتي يصل بعضها الى درجة التآمر!

حول أسلمة العلوم التطبيقية والطبيعية... مبادئ أساسية لإعداد المناهج
لا ينظر المؤمنون بالإسلام وقيمه إلى الحركة العلمية الغربية بارتياح عمومًا، ومنها ما يرتبط بالعلوم التي تمحورت حول دراسة الكون والطبيعة والإنسان؛ هذه العلوم التي عبّرت عن نفسها بمجموعة من الاختصاصات والفروع، وظهرت بنتاج هائل استوعب جهدًا كبيرًا للبشرية، فأصبح بسبب ضخامته وحضوره مدرسة عامة يتبنّاها العالم كلّه. فالمنهج الغربيّ في التعامل مع الطبيعة والكون والإنسان هو المنهج المعتمد اليوم في كل بلاد العالم دون استثناء. إلا إنّ المؤمنين بالإسلام متوجّسون من حركة الغرب عمومًا، لا سيّما حين ينظرون إلى نتائج هذه العلوم على مستوى علاقة الإنسان بربّه. لقد أضحت هذه العلوم علمانية بالكامل، ليس أنّها لا ترتبط باكتشاف مظاهر حضور الله وعظمته وتدبيره وربوبيته فحسب، بل أصبحت سببًا لحصول قطيعة بين الإنسان وخالقه؛ في حين أنّ هذه العلاقة هي أساس سعادة الإنسان وكماله. أضف إلى ذلك، الآثار الهدّامة المشهودة لهذه العلوم على مستوى التطبيق والتكنولوجيا.من هنا، فإنّنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، والعمل على تأسيس مقاربة أدق وأوسع وأشمل تجاه الكون والإنسان والوجود تنطلق من فهم فلسفة الوجود وغايته، فتكون عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف الكبرى.

أفضل مناهج دراسة الطبيعة، لماذا يجب أن نعيد النظر في تعليم هذه المواد؟
عرفت البشرية طوال تاريخها المديد منهجين أساسيين لدراسة الطبيعة. وقد انتصر ثم هيمن أحد هذين المنهجين بعد صراع لم يدم طويلًا. كان الأول يعتمد على فلسفة البحث من خلال طرح الأسئلة المرتبطة بالموقعية الوجودية لأي كائن أو عنصر طبيعي والبحث عن سر وجوده وعلاقته بغيره.

الدين كقضية أساسية في المناهج التعليمية.. مبادئ ومنطلقات
للمعارف المرتبطة بالأديان والمذاهب وخصوصًا الإسلام ميزة مهمة لا يمكن أن نجدها في أي مجال معرفي آخر مهما كان واسعًا؛ ويمكن أن نجعل من هذه الميزة نقطة تفوّق نوعي في شخصية المتعلم، الأمر الذي يرفع من شأنه ومن دوره وموقعيته في المجتمع. إنّ القدرة التي تمنحها العلوم المختلفة، مهما بلغت، لا يمكن أن ترقى إلى قدرة المعارف الدينية (وهذا بمعزل عن الحق والباطل). فالمهندسون والمخترعون والأطباء والتجار ورجال الأعمال لا يمكن أن يكون لهم من القدرة والتأثير في المجتمع كما يكون لمن يمتلك المعارف المرتبطة بحياة الإنسان ومصيره وسلوكه وروحه وتاريخه ومستقبله ونمط عيشه. ولو التفتت المناهج التعليمية في مدارسنا إلى هذه القضية وجعلتها محورًا أساسيًّا في التعليم لشهدنا عمّا قريب هذا التفوّق الذي نطمح إليه.

كيف تصنع المناهج هم تهذيب النفس؟ إطلالة معمقة على دور المدرسة في التربية
يمكن للتعليم المدرسي أن يساهم مساهمة كبرى في توجيه المتعلم نحو أحد أكبر قضايا الحياة وأهمها وأكثرها تأثيرًا على حياته ومصيره، ألا وهي قضية تهذيب النفس والسير التكاملي إلى الله. ولا نقصد من التعليم المدرسي تلك البيئة الفيزيائية المتعارفة، التي يمكن أن تكون معارضة تمامًا لهذا النوع من التربية والتأثير، وإنّما المقصود هو المناهج التعليمية التي يمكن صياغتها وتطويرها بحيث تصبح قادرة على جعل قضية التكامل المعنوي الجوهري همًّا واهتمامًا أساسيًّا، يعيشه المتعلم ويمارسه في هذه المرحلة العمرية الحساسة.

المدرسة النموذجية: كيف ستكون المدرسة في المستقبل
إنّ القوّة الأساسيّة للمدرسة النموذجيّة تكمن في برامجها ومناهجها التي تتميّز بقدرتها على تقديم المعارف والمهارات بأحدث الطرق وأسهلها، وتعتصر كل التراث العظيم للبشريّة وتتّصل بكامل التّراث الاسلامي وتقدّمه لطلّابها عبر السنوات الدراسيّة كأحد أعظم الكنوز المعرفيّة. وهكذا يتخرّج طلّابنا وهم متّصلون بهذا البحر العظيم لكلّ الإنجازات الحضاريّة في العالم كلّه ويمتلكون القدرة التحليليّة اللازمة لتمييز الخير من الشرّ في جميع أنحائه.

المحور الأوّل للنّظام التعليميّ السّليم
من أهم القضايا التي تشغل بال أهل التربية والتعليم هي قضيّة العلم. لذا من أراد أن ينبي رؤية واضحة في التربية والتعليم يحتاج إلى تحديد موقفه من العلم.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...