
لماذا ينبغي أن نكدح في الحياة؟
وهل يكفي الجد لتأمين المعاش؟
السيد عباس نورالدين
قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقيه}.[1]
الكدح والكد والجد والاجتهاد تجليات لصدق الطلب وشدة الرغبة. فمن طلب الله ورغب بلقائه ترك الدعة والراحة وانطلق ناشطًا في ميادين العمل والسعي؛ فكيف إذا آمن بأنّ هذه الحياة الدنيا ليست سوى محطة عابرة أو جسر للعبور وفرصة للوصول.
يطلب أهل الدنيا الراحة والاستقرار فيها، وهم عما ينتظرهم بعدها غافلون. ويرون كل مجاهد مضحٍ أو عامل كادح مسكينًا، ويأسفون على تضييع عمره بالتعب والعناء. وتتسلّل كلماتهم هذه إلى نفوسنا، وقد تعشعش في قلوبنا، بطريقة تفرّخ شعورًا بالذل والهوان عند كل تعب أو عرق. هذا، وأكثر التعب كما يقال يأتي من كراهية التعب!
حين نضع تعبنا وكدحنا على الطريق الصحيح، فلا بدّ أن يثمر توفيق السعة والعيش الكريم. وحين يكون العمل والجد لغير الله، فلن يزيدنا سوى مقتًا؛ وهذا هو ضلال السعي الذي قال الله تعالى عنه: {الَّذينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}..[2] فالخطوة الأولى قبل أيّ شيء في تشخيص الطريق الذي ينبغي أن نكدح فيه وننفق زهرة شبابنا؛ وبعدها سيكون كل جهد وسعي سيرًا هاديًا يبلغ بنا أجمل الغايات.
وإنّما يذهب أكثر جهد الناس سدًى ويضيع هباءً لأنّه لا يكون على الطريق الصحيح.
إنّ للرزق أسبابًا جعلها الله تعالى وسيلة عرفان مواهبه ومحال إدراك محامده. وأوّل هذه الأسباب هو العمل والسعي وبذل الجهد وإتعاب النفس. وإنّما كان السعي أوّلًا بمعنى أنّ الانتقال إلى غيره من الأسباب لا يصح إلّا من بعد القيام به. فمن لم يبذل الجهد ويعمل ويسعى فلا تنفعه الأسباب الأخرى، حتى لو كانت بالتوسل بأقوى الأدعية وإحياء الليالي بالقيام والصلاة! روي عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع): "رَجُلٌ قَالَ لَأَقْعُدَنَّ فِي بَيْتِي وَلَأُصَلِّيَنَّ وَلَأَصُومَنَّ وَلَأَعْبُدَنَّ رَبِّي فَأَمَّا رِزْقِي فَسَيَأْتِينِي، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): هَذَا أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ".[3]
ومن ترك السعي والنشاط ـ دون عذر عقلاني وشرعي ـ سيفتح على نفسه باب الفقر والحرمان؛ وإن رزقه الله تعالى، فلا يكون عن كرامة. فلا مبرّر لترك السعي هنا إلّا الكسل والخديعة. قال رسول الله (ص): "إنّ الله تعالى يحبّ أن يرى عبده تعبًا في طلب الحلال".[4]
فإن أردنا أن يستجيب الله دعاءنا ويقبل صلاتنا، علينا أن نؤمن بأنّ للجد والاجتهاد في طلب الرزق الحلال أولوية في حياتنا. وحدّ الجهد أن لا يضرّ بالفرائض الأخرى من جهاد وصلاة وحج وصيام وإدارة المنزل وتدبير للعيال. وقد قسّمت إرشادات المعصومين الأطهار (عليهم السلام) أوقات الحياة إلى ثلاثة أقسام؛ فجعلت المقدمة والأولوية للفرائض، ثم تدبير أمور المعاش الذي يأخذ من الوقت ثم وقت الاستراحة وشحن القوى. قال أمير المؤمنين (ع): "لِلْمُؤْمِنِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ: فَسَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يَرُمُّ [فِيهَا مَعَايِشَهُ] مَعَاشَهُ، وَسَاعَةٌ يُخَلِّي [فِيهَا] بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ، وَلَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ شَاخِصًا إِلَّا فِي ثَلَاثٍ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ أَوْ خُطْوَةٍ فِي مَعَادٍ أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّم".[5]
فإذا أضرّ عملنا ومهنتنا بفرائضنا، يكون قد خرج عن الكدح المطلوب. وإذا أنهك أبداننا وأتلف قوانا لن يؤدي إلى النتيجة الطيبة. وبذلك، على كل من يظن أنّ عمله يبرّر الإجحاف بالفرائض والمسؤوليات الشرعية أو يستلزم إنهاك بدنه بما يؤدي إلى تلفه، أن يعلم أنه لم يُصب العمل المطلوب وأنه لا يسير على طريق الأسباب؛ فإمّا أن يعدّله، أو يتركه إن لم يقدر على تنظيمه وفق ذلك التقسيم.
قد تتطلّب الفرائض منّا وقت العمل كله؛ كما يحصل في الجهاد أو في أيام الحج؛ وهنا يسقط السعي ويكون الرزق من غير طريقه. بل سيكون الالتزام بالفريضة سببًا لزيادة الرزق والتوسعة. فإذا اتضح موقع العمل ودوره وأهميته وحدّه، لزم أن نعرف أنواعه ومصاديقه. كل ذلك لأجل أن لا نكون مقصّرين فيما بيننا وبين الله تعالى، حتى تقبل دعواتنا وتثمر عباداتنا ويبارك لنا برزقنا. فعن الإمام الصادق (ع): "لَا تَدُومُ النِّعَمُ إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ: مَعْرِفَةٍ بِمَا يَلْزَمُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِيهَا، وَأَدَاءِ شُكْرِهَا، وَالتَّعَبِ فِيهَا".[6]
لا ينحصر السعي لطلب الرزق في المهن، بل يشمل كل اهتمام بتدبير المعاش، من صيانة المنزل ووسيلة النقل وتأمين الأدوات وحفظ المعدّات وجلب المحروقات، بشرط أن لا يتعدّى ذلك إلى ما لا طائل وراءه ولا حاجة أساسية فيه. والاشتغال والسعي لا يبرّر الإسراف ولا التبذير. فمن أوهم نفسه أنّ له الحق بالإسراف لأنّه عامل كادح، وينبغي أن يعبث ويدخن ويؤرجل ويلهو، فلا يتعجبنّ إن سُلب البركة من عمله.
فعن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: "أَرْبَعَةٌ لَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ ... وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ مَالٌ فَأَفْسَدَهُ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، فَيُقَالُ لَهُ: أَلَمْ آمُرْكَ بِالاقْتِصَادِ؟ أَلَمْ آمُرْكَ بِالْإِصْلَاحِ؟ ثُمَّ قَالَ {وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوامًا}"[7]؛ وعن أمير المؤمنين (ع): "لَمْ يَصْدُقْ يَقِينُ مَنْ أَسْرَفَ فِي الطَّلَبِ وَأَجْهَدَ نَفْسَهُ فِي الْمُكْتَسَبِ"[8]؛ وعنه (ع): "حُسْنُ التَّقْدِيرِ مَعَ الْكَفَافِ خَيْرٌ مِنَ السَّعْيِ فِي الْإِسْرَافِ"[9]؛ وعنه (ع): "الرِّضَا بِالْكَفَافِ خَيْرٌ مِنَ السَّعْيِ فِي الْإِسْرَافِ".[10]
إنّ اهتمامنا بالعمل والسعي يجب أن يبدأ من الاهتمام الشديد بإصابة وتشخيص العمل المطلوب؛ وهذا هو التحدّي الأكبر في أيامنا هذه. وحين نحفّه بالعناية ونصونه من الآفات؛ فسوف يكون سببًا حتميًّا جعله الله تعالى لإيصال المبارك من أرزاقنا.
لم تكن الأعمال الضالة في الأزمنة القديمة متشعبة وكثيرة كما هي في زماننا هذا. وربما يمكن القول بأنّ أكثر من ثمانين بالمئة من مهن اليوم أو الأعمال التي يقوم بها الناس لا تصيب المطلوب ولا تقع مورد السبب الطيّب. وما هو المطلوب؟
إنّه ذلك العمل الذي يحيي الأرض ويصلحها ويصون عزّة المجتمع وقوّته. وما أكثر الأعمال التي تؤدي اليوم إلى تخريب الأرض وإهلاك مواردها وتساهم في سلب المجتمع عزّته، وتزيد من تبعيته لقوى الاستعمار والطغيان والعدوان. قال الإمام الحسن (ع): "وَالسَّعْيَ فِيمَا لَا تُدْرِكُ عَنَاءٌ".[11]
إن كنت تعاني الفقر رغم أنّك تدعو كثيرًا وتناجي الله دومًا ليخرجك من دوّامته، فلا تعترض وتقول أنّ ما ذكرته هنا يتطلّب وقتًا وجهدًا وتفكيرًا وعمقًا. فالحقيقة هي الحقيقة، ولا تتبدّل بحسب أهوائنا؛ وحكمة الله لا تغلبها الرغبات فسبحان من لا تبدّل حكمته الوسائل..
وإن كنت مرزوقًا ولا تعاني بحسب الظاهر من أيّ ضائقة معيشية، فربما يكون أمرك أصعب من ذاك الفقير؛ لأنّني لا أتصوّر أنّك ستبذل ها هنا جهدًا في التفكير بشأن مهنتك أو تعيد النظر في مدى صوابية عملك؛ لكن أتمنى أن تتذكّر كلامي في حال حان دورك في الفتنة أو فقدت البركة في النعمة.
تتعسّر أمورنا أحيانًا لكي نعيد النظر فيما نقوم به. وقد يُملى لنا ونستدرج ببعض الإحسان، والعياذ بالله، فنحسب أنّنا نحسن صنعًا. قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): "كَمْ مِنْ مُتْعِبٍ نَفْسَهُ مُقْتَرٍ عَلَيْهِ وَمُقْتَصِدٍ فِي الطَّلَبِ قَدْ سَاعَدَتْهُ الْمَقَادِيرُ".[12] وعنه (ع): "وَرُبَّ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ مُسْتَدْرَجٌ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ".[13]
إنّ معظم الإنجازات الاقتصادية والثروات الظاهرية والنجاحات المهنية التي يحقّقها المعرضون عن الله تعالى ليست سوى إملاءات لهم وإمدادات، لكي يزيدوا من سرعة سيرهم على طريق الضلالة لغاية ربانية. وهذه الغاية غالبًا ما تتمثّل في جعل سقوطهم عبرة للمعتبرين، وفي تعاظم قوّتهم الظاهرية فتنة للمؤمنين. لكن أعمالهم هذه ليست في الواقع إلّا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا. وقد قضيت شطرًا طويلًا من عمري وأنا أطالع وأتأمل وأبحث وأتفكر في ظاهرة نجاح الغرب وحضارته، فما زادني ذلك إلّا يقينًا بقوله تعالى {إِنَّما نُمْلي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْمًا}.[14]
إنّ الرؤية التي نستنبطها من مجموع تعاليم الإسلام وقيمه بشأن العمل والسعي وتدبير المعاش تختلف كثيرًا عن الرؤى الوضعية والمادية التي شاعت في الغرب وازدهرت؛ وإن كانتا تشتركان في أهمية الكدح والعمل. يلفت نظري حديث يقول "مَنْ آجَرَ نَفْسَهُ فَقَدْ حَظَرَ عَلَى نَفْسِهِ الرِّزْقَ".[15] ولأنّ معظم مهن اليوم تجري وفق نظام الأجرة، فلا ينبغي أن نتعجب من وجود هذا الكم الهائل من المشاكل الاقتصادية. فلا أتصوّر أنّ هذا الحديث الشريف ينحصر في إطار الأعمال الفردية، بل إنّه يريد أن يوسّع مداركنا بشأن طبيعة المؤسسات وكل الأعمال الجماعية، لنبتعد عن بناء أي نوع من المصانع والمؤسسات والأعمال التي تؤدي إلى تركيز رأس المال والثروات بيد أرباب العمل. ولو اختصرنا أعظم مشكلات العالم اليوم بتمركز الثروة هذا بأيدي حفنة من الرأسماليين المتلاعبين بالأسواق والأهواء، لما كنّا مبالغين أبدًا. قال أمير المؤمنين (ع): "اسْعَ فِي كَدْحِكَ وَلَا تَكُنْ خَازِنًا لِغَيْرِكَ".[16]
إنّني أعلم جيّدًا أنّ قارئي هنا هو شخص يمتلك درجة عالية من حرية التفكير وتحرّر النفس، ويسمح لعقله أن يجول في هذه الملاحظات ويتأمّل في هذه الإشارات قبل أن يصدر الأحكام المتسرّعة بشأنها. وأُوجب على نفسي أن أقول بأنّ قضية العمل هذه والمهن ليست قضية فردية منعزلة عن الاقتصاد العام؛ وأنّ ازدهار الاقتصاد العام يقوم على مجموعة من الأسس المتينة. فمن طلب الازدهار لنفسه في ظل نظام فاشل أو اقتصاد مترهل، فهو كمن يتوقّع النجاح في غير محله.
صحيح أنّ افتتاح محلٍّ للمأكولات في قرية ما لا عيب فيه بنفسه ولا إشكال، ولكن ماذا لو كان هناك عدد كافٍ من هذه المحلات لهذه القرية. فالقوّة الشرائية لسكان هذه القرية لا يمكن أن تؤمّن أرباحًا معقولة من وراء بيع المأكولات إلّا لعدد محدد من المحلات. ونقصد بالربح المعقول ما يكفي لسدّ رمق أصحاب هذه المحلات. فهل يصبح افتتاح محل آخر منطقيًّا وصحيحًا؟ ولهذا، تنهض بعض نقابات المهن لحماية أفرادها من خلال التدخل في تنظيم المهنة. (بمعزل عن نزعة الاحتكار).
إذا أردت لمهنتك أو عملك أن يكون سببًا للرزق الكافي ففكّر جيدًا.
[1]. سورة الانشقاق، الآية 6.
[2]. سورة الكهف، الآية 104.
[3]. الكافي، ج5، ص 77.
[4]. كنز العمال، ج4، ص 4.
[5]. نهج البلاغة، ص 545.
[6]. تحف العقول، ص 318.
[7]. وسائل الشيعة، ج7، ص 124.
[8]. تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص 397.
[9]. تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص 397.
[10]. تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص 397.
[11]. نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص 77.
[12]. الكافي، ج5، ص 81.
[13]. الكافي، ج5، ص 82.
[14]. سورة آل عمران، الآية 178.
[15]. الكافي، ج5، ص 90.
[16]. تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص 370.

معادلة التكامل الكبرى
يقدّم رؤية منهجيّة تربط بين جميع عناصر الحياة والكون وفق معادلة واحدة. ولهذا، فإنّك سوف تلاحظ عملية بناء مستمرّة من بداية الكتاب إلى آخره، تشرع بتأسيس مقدّمات ضروريّة لفهم القضية ومنطلقاتها، ثمّ تمرّ على ذكر العناصر الأساسية للحياة، لتقوم بعدها بالجمع بينها والتركيب، لتخرج في النهاية بمعادلة شاملة لا تترك من مهمّات الحياة شيئًا. معادلة التكامل الكبرى الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 21.5*28غلاف ورقي: 336 صفحةالطبعة الأولى، 2016مالسعر: 15$ تعرّف إلى الكتاب من خلال الكاتب للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم أن تطلبوه عبر موقع جملون على الرابط التالي:

مختصر معادلة التكامل
هذه الطبعة المختصرة لكتاب "معادلة التكامل الكبرى" الذي يبيّن مدى سعة الإسلام وشمول رؤيته ومنهجه لكلّ شيء في الوجود. كيف لا؟ والله عزّ وجل هو المبدأ والمنتهى.. نقدّمها لقرّائنا الذين يودّون أن يحصلوا على معرفة أوّليّة بتلك المعادلة الكبرى، أو للذين لا يجدون الوقت الكافي لمطالعة الكتب الكبيرة. مختصر معادلة التكامل الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 200 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

اجعل حسابك المصرفي عند الله
يخزن الناس أموالهم في البنوك ويودعونها الخزائن المغلقة ثم يحفظون في ذاكرتهم الأرقام التي تمثل عدد ما جمعوا من مال ومقتنيات. وكلّما سمعوا بالفقر أو احتاجوا للشعور بالغنى استذكروا تلك الأرقام، أو نظروا إلى تلك المقتنيات عسى أن ترتاح نفوسهم أو تسعد قلوبهم؛ وإذا أرادوا أن يطردوا عن أنفسهم هاجس الفقر، أسرعوا للشراء والاقتناء.. ومع ذلك كلّه، يبقى القلب فارغًا والنفس مضطربة.

بحثًا عن أسباب الرزق والغنى... فكّر فيما لا يفكر فيه الناس
كل من يتأمّل في طبيعة موارد الأرض وحجم إمكاناتها، لا يشك لحظة واحدة بأنّ هذا الكوكب الساحر يحتوي على كل ما يحتاجه الناس، ولو بلغ عددهم أضعاف ما هم عليه اليوم. ويدرك تمامًا خطأ أصحاب الأفكار المالتوسية.حين سُئل "جورج برنارد شو"، الأديب البريطاني الساخر، عن مشكلة العالم الأساسية أجاب بطريقته المعهودة قائلًا: "إنها تشبه شعر رأسي، زيادة في الإنتاج وسوء في التوزيع". والكل يعلم أنّ هذا الأديب كان كثيف اللحية أصلع الرأس

تعالوا إلى بساطة العيش. كيف تكون الحياة البسيطة وسيلة لتكامل الإنسان؟
كثيرًا ما نسمع في أوساطنا مدحًا وتمجيدًا لبساطة العيش. ولطالما ذُكرت هذه المزيّة كإحدى أهم خصائص العالِم الزاهد. وما أكثر ما تُطلق الدّعوات الموجّهة لطلّاب العلوم الدينيّة ليختاروا بساطة العيش.

الاقتصاد الحقيقيّ: من منّا لا يحلم باقتصادٍ مزدهر يحقّق أعلى درجات الرّفاهية!
تصوّر أنّك تعيش في بلدٍ لا يهمّك فيه تحديث سيّارتك ولا تلفازك ولا هاتفك ولا أجهزتك الإلكترونيّة!وتصوّر أنّك لا تعيش همّ كلفة الطّاقة التي تحتاج إليها لاستعمال سيّارتك وأجهزة التدفئة والتبريد وما لا يحصى من الآلات والوسائل!

الطريق الصحيح لتأمين المعيشة : كيف نتجنب فتنةً لا تصيب الذين ظلموا خاصّة؟
تحفل النّصوص الدّينيّة بالتّصريحات والإشارات الهادية إلى حياة الكفاف والغنى والنّجاة من الحرمان والفقر. وأوّل دلالات هذه النّصوص (من آيات وأحاديث وأدعية) هي أنّ الله تعالى لا يريدنا أن نعيش في حالٍ من العوز والهمّ المانع من تحصيل الفضائل والسّعي نحو الكمال وبلوغ المقصد الأعلى في ظلّ عبادة الله.وباختصار، لا يمكن مع كلّ هذه الشّواهد أن يظنّ المسلم أنّ الفقر أمرٌ جيّد أو مقبول في الدّين والرّؤية الإسلاميّة، حتّى أنّه قد ورد في بعض الأحاديث "كاد الفقر أن يكون كفرًا".

6 أصول للغنى والكفاف في المعيشة
لقد استضافنا الله في هذه الأرض لا ليحرمنا ويجعل عيشنا كدًّا كدًّا، بل أراد لنا أن نسعى فيها نحو الآخرة. وقد صرّح النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) بهذه الضمانة حين قال: "أيُّهَا النَّاسُ أَقْبِلُوا عَلَى مَا كُلِّفْتُمُوهُ مِنْ إِصْلَاحِ آخِرَتِكُمْ وَأَعْرِضُوا عَمَّا ضُمِنَ لَكُمْ مِنْ دُنْيَاكُم".

معيشتنا تحدّد مصيرنا
أجل، معيشتنا تحدّد مصيرنا الأبديّ. فقليل من التأمّل في تحدّيات العيش في الدنيا يجعلنا ندرك كم هي عميقة هذه القضيّة وكم هي مرتبطة بقضايا الكون الكبرى.

كيف تصبح غنيًّا.. وتعيش سعيدًا
الغنى عزٌّ، والله تعالى يريد العزّة لعباده المؤمنين. والفقر ذلٌّ وسواد الوجه في الدارين، والله لا يريد إذلال أوليائه وتحقيرهم.. الغنى خيار، وليس مجرّد قضاء وقدر ينزل على الإنسان لمجرّد الابتلاء. فكلّ إنسانٍ باستطاعته أن يصبح غنيًّا! وإذا كان من أولياء الله من اختار الفقر، فذلك لسببٍ خاصّ وموضعيّ يرتبط بطبيعة دوره في المجتمع.

6 عوامل.. من أجل اقتصادٍ مزدهر
إنّ المعادلة الكبرى لأي ازدهار اقتصادي تكمن في حقيقة أساسيّة وهي كفاية الأرض لتأمين الحاجات الأساسية لأهلها. لكن هذا العطاء يحتاج إلى عملٍ ذكيّ وتعاملٍ حكيم. وحين يجوع أي شعب في الأرض فهذا يدل على وجود خطأ ما في سلوكه ونمط عيشه وإدارته. وانطلاقًا من هذه القاعدة يوجد ستّة عوامل أساسيّة لتحقيق الازدهار، هي في الواقع بمثابة تطبيق وتفصيل لها.

ما معنى القناعة كنز لا ينفد؟ في البحث عن المعنى الحقيقيّ للغنى
أعظم أسباب الغنى القناعة. وسرّ ذلك أنّ الغنى هو شعور أكثر من أن يكون مجرّد إدراك للواقع. لكنّه ليس شعورًا نخترعه نحن، لأنّه إن انفصل عن الواقع، سرعان ما يزول ليحل محلّه شعور آخر أسوأ من الإحساس بالفقر والحرمان؛ فلا شيء أقوى من الواقع؛ لكن الواقع الذي نعرفه هو واقعٌ جميل مليء بالألطاف والرحمة؛ وكيف لا يكون كذلك وهو يد الله تعالى وتجلياته.

ما هي أهم أسباب الرزق؟.. وأيّها نعتمد؟
هل يمكن للإنسان أن يسلك طريقًا واضحًا لتأمين رزقه فلا يخيب؟ أم أنّ الرزق أمرٌ غيبيّ بيد الله وحده، لا يمكن للإنسان أن يتعرّف إلى أسبابه مهما فعل؟ في الحديث الشريف: "أَبَى اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَاب"؛ ما يعني أنّ لكلّ شيء في هذا العالم أسبابًا وعللًا توجده وتحقّقه، وإن كان كل شيء يرجع إلى الله في الأصل..

نحو اقتصاد عائلي ذكي
العنوان الأبرز في الدين هو أنه دين يحقق للبشرية سعادة الدنيا والآخرة. ولا سعادة في الدنيا مع الفقر والعوز والحرمان. فكيف نفسّر فقر عدد كبير من المسلمين وما هي الأصول الدينية الأساسية التي تحقق للمسلم رفاهيته وسعادته في الدنيا إن هو إلتزم بها؟. ما هي الاجراءات المهمة التي ينبغي ان نعمل عليها من أجل بناء حياة معيشية سليمة تضمن لنا تحقيق سعادة الدنيا والآخرة. وما هي الاخطاء القاتلة التي يمكن ان نرتكبها على صعيد الاقتصاد، فتؤدي إلى تعاستنا في الدنيا والآخرة.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...