
اجعل حسابك المصرفي عند الله
السيد عباس نورالدين
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "وَإِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ، فَكُنْ بِمَا فِي يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي يَدَيْك".[1]
يخزن الناس أموالهم في البنوك ويودعونها الخزائن المغلقة ثم يحفظون في ذاكرتهم الأرقام التي تمثل عدد ما جمعوا من مال ومقتنيات. وكلّما سمعوا بالفقر أو احتاجوا للشعور بالغنى استذكروا تلك الأرقام، أو نظروا إلى تلك المقتنيات عسى أن ترتاح نفوسهم أو تسعد قلوبهم؛ وإذا أرادوا أن يطردوا عن أنفسهم هاجس الفقر، أسرعوا للشراء والاقتناء.. ومع ذلك كلّه، يبقى القلب فارغًا والنفس مضطربة.
وسرّ ذلك هو أنّ الغنى الذي ننشده من أعماقنا ليس شيئًا خارجًا عن أنفسنا. إنّه ذاك الشيء الذي يشبه حقيقتنا التي هي الروح، ولا غنى للروح إلّا بالاتصال بعالم الروح ومصدره؛ هناك يحصل الإشباع والارتواء وتعمّ السكينة والراحة.
كلّما أظهر الإنسان قدراته ازداد شكًّا بها، وكلّما تظاهر المرء بغناه ازداد شعورًا بالفقر والحاجة. لهذا، فإنّ الثراء الواقعي لا يكون بالتملك ولا بالتظاهر بما لا يرتبط بحقيقتنا التي نحن عليها. وحين يتعلّق القلب بفقير مثله أو محتاج بذاته، فلن يدرك الغنى، وإن جمع مال الدنيا كله.
إن سرّ وجودنا في هذا العالم يكمن في قضية أساسية؛ وهي أن ندرك حقيقة عبوديتنا لله عز وجل، من خلال معرفته وتوحيده. والتوحيد يعني أن لا رازق إلّا الله لأنه سبحانه مالك كل شيء وله خزائن السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير. وقد كانت الدنيا بكل ما فيها مهدًا لتربية الإنسان عسى أن يبلغ هذه الحقيقة ويعيشها وينسجم معها في كل أفعاله وسلوكه. ولم تكن قضية الرزق بعيدة عن هذه المدرسة، وإنّما شكّلت أهم وأبلغ موادها.
حين يتحرّك الإنسان على الصراط المستقيم الذي يوصله إلى غايته، فسوف تصبح قضية الرزق إحدى الوسائل والمحركات الهادية على هذا الصراط. وحين يتنكّب الإنسان عن الصراط، فلن يتمكن من مطالعة أحداث الرزق واستيعاب دروسها.
إنّ طريقة الله في هداية عباده إليه تتمثل في تمتين أواصر الارتباط والتواصل معه. وإنّما جعل خلقه محتاجين وفقراء إليه ليدركوا مدى قربه وحضوره في حياتهم. حتى إذا جاعوا وافتقروا سألوه فيعطيهم وينعم عليهم، فيشعروا به. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَعَظَمَتِي وَكِبْرِيَائِي وَنُورِي وَعُلُوِّي وَارْتِفَاعِ مَكَانِي لَا يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَوَاهُ عَلَى هَوَايَ إِلَّا شَتَّتُّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَلَبَّسْتُ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَشَغَلْتُ قَلْبَهُ بِهَا وَلَمْ أُؤْتِهِ مِنْهَا إِلَّا مَا قَدَّرْتُ لَهُ، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَعَظَمَتِي وَنُورِي وَعُلُوِّي وَارْتِفَاعِ مَكَانِي لَا يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَوَايَ عَلَى هَوَاهُ إِلَّا اسْتَحْفَظْتُهُ مَلَائِكَتِي وَكَفَّلْتُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ رِزْقَهُ وَكُنْتُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَةِ كُلِّ تَاجِرٍ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ".[2]
للارتباط بالله حقيقة والرزق وسيلة لإدراكها. وهذه الحقيقة تقول أنّنا عين الفقر والاحتياج لله؛ والله وحده يسدّ حاجاتنا ويغني فقرنا. فحين نخوض معترك الرزق، نكون قد نزلنا إلى الميدان الواسع الرحب الذي سيبلغ بنا ذلك الشعور والإدراك لتلك العلاقة الجوهرية التي تربطنا بالله. وقد يضيّق الله على قوم لأجل أن يتضرّعوا إليه ويسألوه بعد أن غفلوا عنه ونسوه. وحين لا يبالي العبد بربّه ولا يهتم بالوصول إلى غايته، فقد يكله الله إلى نفسه ليخوض في متاهات النظام الاقتصادي الذي أوجد نفسه فيه. هناك حيث لن يرى وجه الحقيقة ولن يعرف الرازق الحقيقي أبدًا.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "مَا أَقْبَحَ بِالرَّجُلِ يَأْتِي عَلَيْهِ سَبْعُونَ سَنَةً أَوْ ثَمَانُونَ سَنَةً يَعِيشُ فِي مُلْكِ اللَّهِ وَيَأْكُلُ مِنْ نِعَمِهِ ثُمَّ لَا يَعْرِفُ اللَّهَ حَقَّ مَعْرِفَتِه".[3]
فإن لم ندرك بعد كل هذه السنين من رزق الله وحضوره من الذي كان يرزقنا ويعتني بنا، فهل سيكون لنا قيمة أو منزلة عند ربّنا؟ وهل يحق لنا بعد ذلك أن نطلب الجنة والرضوان؟ وقد قال الله تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكًا}.[4]
الرزق ليس غاية وإنما هو وسيلة. وحين يصبح الارتزاق هدفًا لعلمنا وسعينا وكدحنا وتعبنا فهذا يعني أنّنا ضللنا الطريق. وما علينا سوى العودة إلى جادة الصواب من خلال التعامل مع الرزق كساحة أو وسيلة للوصول إلى تلك الغاية التي خلقنا الله لأجلها.
كمية الرزق وتقديراته ترتبط بسيرنا؛ إنّه أشبه بالوقود الذي نحصل على مقداره بواسطة قوة الضغط على دواسته. فكلّما أسرعنا نحو الغاية ازداد ضخّ رزقنا في محرّك سيرنا. والنتيجة الطيّبة لهذه المسارعة هي الاتصال بمصدر الطاقة كلّها.
أرزاقنا ـ ولا أقول أموالنا ومقتنياتنا ـ تحكي؛ وفي حكايتها قصة؛ وأجمل ما في هذه القصة هو ما يدور بين العاشق والمعشوق؛ فالله تعالى يقول "إني خلقت الخلق وتحببت إليهم بالنعم حتى يحبوني". ولذلك يقرأ المبصرون تفاصيل هذه الحكاية في يومياتهم كرسائل يبعث بها الرب الودود لتناغي قلوبهم. فأجمل ما في هذه الحكاية هو هذا الحضور المباشر والقوي والعميق.
ذات يوم طلب صاحب المنزل الذي كان آية الله الخميني يسكنه وعائلته إخلاءه بأسرع وقت ممكن لأنّه عزم على بيعه. وقد كانت هذه المرة الخامسة التي يضطر فيها السيد روح الله لتغيير المنزل، مع ما في البحث والانتقال من مرارة ومشقة وإتلاف للمال. ولعلّكم سمعتم حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث يقول: "مِنْ مُرِّ الْعَيْشِ النُّقْلَةُ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ وَأَكْلُ خُبْزِ الشِّرَى".[5] وحين شاهد تألّم زوجته وهي ترى أغراضها وأثاثها يخرب مع كل نقلة، عزم على حلّ هذه القضية من أصلها. ولكن ماذا يفعل وليس بحوزته المال الذي طلبه المالك كدفعة أولى إن هم أرادوا الشراء والبقاء. وفي لجّة هذا الهم، ذهب السيد روح الله إلى زيارة السيدة المعصومة، وأثناء الزيارة جاءه رجلان غريبان عرّفا عن أنفسهما أنهما من مدينة أصفهان وأنّهما يريدا إيداع مبلغ عنده كأمانة حتى يرجعا من السفر بعد عدة أشهر. فسألهما الإمام: وكيف تعرفانني؟ ومن دلّكما عليّ؟ قالا: سألنا عن رجل أمين في هذه البلدة والكل أشاروا إليك. فهل تسمح بحفظ مالنا عندك هذه المدة؟ قبِل الإمام لكنّه سألهما إن كان يستطيع التصرّف فيه خلال هذه المدة؟ فوافقا. وحين عدّ الإمام المال وجد أنّه عين ما طلبه المالك دون زيادة فلس أو نقصانه. وبعدها أرسل الإمام رسالة خطّية إلى أخيه الذي كان يدير ممتلكات العائلة في خمين التي تبعد عن قم مسافة مئات الأميال طالبًا منه أن يسعى لتأمين أي مبلغ يتوفر له لشراء منزل في قم. وكانت الرسائل في ذلك الوقت تستغرق عدّة أسابيع لتصل ناهيك عن رد الجواب والوقت الذي يمكن أن يستغرق تأمين مثل هذا المبلغ الكبير نسبيًّا.
رجع الإمام إلى صاحب المنزل ودفع له المبلغ المطلوب فأسكن فؤاد زوجته القلق. وبعد حوالي ثلاثة أسابيع وصل شخص يحمل له رسالة من أخيه وفيها مبلغ من المال. وحين عدّه الإمام وجد أنّه ذات المبلغ الذي استدانه من الرجلين الأصفهانيّين لا يزيد فلسًا ولا ينقص. ولم تمض سوى ساعة من نهار حتى أطلّ هذان الرجلان قبل موعدهما بعد أشهر وأخبرا الإمام بحاجتهما إلى المال لأنّهما لم يوفّقا في ذلك السفر واضطرا للرجوع قبل الوقت.
إنّها قصة؛ وبطلها كما في الاصطلاح (وأعتذر من ربّي إن كان هناك سوء أدب في التعبير) هو الله عز وجل، الذي أراد أن يناغي عبده الصالح المتوكّل ويمرح معه ليؤكّد جمال حضوره في حياته وأنّه معه يسمع ويرى وسوف يسانده ويكون معه إلى آخر حياته، حتى يرتحل عن هذه الدنيا بنفس مطمئنة وقلب مليء بالرجاء؛ كما كتب في وصيته الخالدة.
الدنيا ساحة الاختبار والامتحان الذي يمكّننا من عبور مراحل الإنسانية والارتقاء في مراتب كمالها. ومادة الاختبار هذه هي التوحيد. فمن انتقل من هذا العالم موحّدًا مؤمنًا بأنّه لا رازق إلّا الله وأنّ كل أسباب الحياة والرزق والقوّة والغنى بيده وحده سبحانه، يكون قد فاز ونجح وأفلح. ولأجل تثبيت عباده يجعل الله الاتصال بخزائن رزقه اللامتناهي من نصيب كل من يثبت على هذا التوحيد حين تضيق عليه الأمور وتنسد عليه الأبواب فلا يلجأ إلّا إلى الله تعالى ولا يعتصم بسواه. عَنِ النَّبِيِّ (ص) أَنَّهُ قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا مِنْ مَخْلُوقٍ يَعْتَصِمُ بِمَخْلُوقٍ دُونِي إِلَّا قَطَعْتُ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ دُونَهُ، فَإِنْ سَأَلَنِي لَمْ أُعْطِهِ وَإِنْ دَعَانِي لَمْ أُجِبْهُ؛ وَمَا مِنْ مَخْلُوقٍ يَعْتَصِمُ بِي دُونَ خَلْقِي إِلَّا ضَمَّنْتُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ رِزْقَهُ، فَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ وَإِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ وَإِنِ اسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ".[6]
امتحان التوحيد الأكبر يتجلى حين نقرّر أن نتحمّل كل مصاعب الفقر وشدائد الحرمان ولا نمد أيدينا إلى من هو فقير ومحتاج مثلنا؛ وذلك حين يمكن أن يؤدي هذا إلى إذلالنا أو دفعنا للتخلي عن بعض مبادئنا.
امتحان التوحيد في الرزق يكمن في مدّ يد الضراعة والاحتياج والطلب والسؤال من الله قبل أيّ أحد؛ والنجاح في هذا الامتحان يظهر في ثباتنا على طريق التقوى واجتناب كل أشكال الظلم والحرام.
وفي النهاية يفوز في امتحان التوحيد من لم يبقَ في قلبه رجاء رزق وخير وغنى إلّا من الله وبالله.
[1]. مستدرك الوسائل، ج11، ص 216.
[2]. الكافي، ج2، ص 335.
[3]. بحار الأنوار، ج4، ص 54.
[4]. سورة طه، الآية 124.
[5]. الكافي، ج6، ص 531.
[6]. مستدرك الوسائل، ج11، ص 214.

مختصر معادلة التكامل
هذه الطبعة المختصرة لكتاب "معادلة التكامل الكبرى" الذي يبيّن مدى سعة الإسلام وشمول رؤيته ومنهجه لكلّ شيء في الوجود. كيف لا؟ والله عزّ وجل هو المبدأ والمنتهى.. نقدّمها لقرّائنا الذين يودّون أن يحصلوا على معرفة أوّليّة بتلك المعادلة الكبرى، أو للذين لا يجدون الوقت الكافي لمطالعة الكتب الكبيرة. مختصر معادلة التكامل الكاتب: السيد عباس نورالدين الناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 14*21غلاف ورقي: 200 صفحةالطبعة الأولى، 2017مالسعر: 6$للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم شراؤه عبر موقع جملون بالضغط على الرابط التالي:

معادلة التكامل الكبرى
يقدّم رؤية منهجيّة تربط بين جميع عناصر الحياة والكون وفق معادلة واحدة. ولهذا، فإنّك سوف تلاحظ عملية بناء مستمرّة من بداية الكتاب إلى آخره، تشرع بتأسيس مقدّمات ضروريّة لفهم القضية ومنطلقاتها، ثمّ تمرّ على ذكر العناصر الأساسية للحياة، لتقوم بعدها بالجمع بينها والتركيب، لتخرج في النهاية بمعادلة شاملة لا تترك من مهمّات الحياة شيئًا. معادلة التكامل الكبرى الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتب حجم الكتاب: 21.5*28غلاف ورقي: 336 صفحةالطبعة الأولى، 2016مالسعر: 15$ تعرّف إلى الكتاب من خلال الكاتب للحصول على الكتاب خارج لبنان يمكنكم أن تطلبوه عبر موقع جملون على الرابط التالي:

ما هي أهم أسباب الرزق؟.. وأيّها نعتمد؟
هل يمكن للإنسان أن يسلك طريقًا واضحًا لتأمين رزقه فلا يخيب؟ أم أنّ الرزق أمرٌ غيبيّ بيد الله وحده، لا يمكن للإنسان أن يتعرّف إلى أسبابه مهما فعل؟ في الحديث الشريف: "أَبَى اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَاب"؛ ما يعني أنّ لكلّ شيء في هذا العالم أسبابًا وعللًا توجده وتحقّقه، وإن كان كل شيء يرجع إلى الله في الأصل..

بحثًا عن أسباب الرزق والغنى... فكّر فيما لا يفكر فيه الناس
كل من يتأمّل في طبيعة موارد الأرض وحجم إمكاناتها، لا يشك لحظة واحدة بأنّ هذا الكوكب الساحر يحتوي على كل ما يحتاجه الناس، ولو بلغ عددهم أضعاف ما هم عليه اليوم. ويدرك تمامًا خطأ أصحاب الأفكار المالتوسية.حين سُئل "جورج برنارد شو"، الأديب البريطاني الساخر، عن مشكلة العالم الأساسية أجاب بطريقته المعهودة قائلًا: "إنها تشبه شعر رأسي، زيادة في الإنتاج وسوء في التوزيع". والكل يعلم أنّ هذا الأديب كان كثيف اللحية أصلع الرأس

الاقتصاد الحقيقيّ: من منّا لا يحلم باقتصادٍ مزدهر يحقّق أعلى درجات الرّفاهية!
تصوّر أنّك تعيش في بلدٍ لا يهمّك فيه تحديث سيّارتك ولا تلفازك ولا هاتفك ولا أجهزتك الإلكترونيّة!وتصوّر أنّك لا تعيش همّ كلفة الطّاقة التي تحتاج إليها لاستعمال سيّارتك وأجهزة التدفئة والتبريد وما لا يحصى من الآلات والوسائل!

6 أصول للغنى والكفاف في المعيشة
لقد استضافنا الله في هذه الأرض لا ليحرمنا ويجعل عيشنا كدًّا كدًّا، بل أراد لنا أن نسعى فيها نحو الآخرة. وقد صرّح النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) بهذه الضمانة حين قال: "أيُّهَا النَّاسُ أَقْبِلُوا عَلَى مَا كُلِّفْتُمُوهُ مِنْ إِصْلَاحِ آخِرَتِكُمْ وَأَعْرِضُوا عَمَّا ضُمِنَ لَكُمْ مِنْ دُنْيَاكُم".

تعالوا إلى بساطة العيش. كيف تكون الحياة البسيطة وسيلة لتكامل الإنسان؟
كثيرًا ما نسمع في أوساطنا مدحًا وتمجيدًا لبساطة العيش. ولطالما ذُكرت هذه المزيّة كإحدى أهم خصائص العالِم الزاهد. وما أكثر ما تُطلق الدّعوات الموجّهة لطلّاب العلوم الدينيّة ليختاروا بساطة العيش.

كيف تصبح غنيًّا.. وتعيش سعيدًا
الغنى عزٌّ، والله تعالى يريد العزّة لعباده المؤمنين. والفقر ذلٌّ وسواد الوجه في الدارين، والله لا يريد إذلال أوليائه وتحقيرهم.. الغنى خيار، وليس مجرّد قضاء وقدر ينزل على الإنسان لمجرّد الابتلاء. فكلّ إنسانٍ باستطاعته أن يصبح غنيًّا! وإذا كان من أولياء الله من اختار الفقر، فذلك لسببٍ خاصّ وموضعيّ يرتبط بطبيعة دوره في المجتمع.

6 عوامل.. من أجل اقتصادٍ مزدهر
إنّ المعادلة الكبرى لأي ازدهار اقتصادي تكمن في حقيقة أساسيّة وهي كفاية الأرض لتأمين الحاجات الأساسية لأهلها. لكن هذا العطاء يحتاج إلى عملٍ ذكيّ وتعاملٍ حكيم. وحين يجوع أي شعب في الأرض فهذا يدل على وجود خطأ ما في سلوكه ونمط عيشه وإدارته. وانطلاقًا من هذه القاعدة يوجد ستّة عوامل أساسيّة لتحقيق الازدهار، هي في الواقع بمثابة تطبيق وتفصيل لها.

ما معنى القناعة كنز لا ينفد؟ في البحث عن المعنى الحقيقيّ للغنى
أعظم أسباب الغنى القناعة. وسرّ ذلك أنّ الغنى هو شعور أكثر من أن يكون مجرّد إدراك للواقع. لكنّه ليس شعورًا نخترعه نحن، لأنّه إن انفصل عن الواقع، سرعان ما يزول ليحل محلّه شعور آخر أسوأ من الإحساس بالفقر والحرمان؛ فلا شيء أقوى من الواقع؛ لكن الواقع الذي نعرفه هو واقعٌ جميل مليء بالألطاف والرحمة؛ وكيف لا يكون كذلك وهو يد الله تعالى وتجلياته.

معيشتنا تحدّد مصيرنا
أجل، معيشتنا تحدّد مصيرنا الأبديّ. فقليل من التأمّل في تحدّيات العيش في الدنيا يجعلنا ندرك كم هي عميقة هذه القضيّة وكم هي مرتبطة بقضايا الكون الكبرى.

الطريق الصحيح لتأمين المعيشة : كيف نتجنب فتنةً لا تصيب الذين ظلموا خاصّة؟
تحفل النّصوص الدّينيّة بالتّصريحات والإشارات الهادية إلى حياة الكفاف والغنى والنّجاة من الحرمان والفقر. وأوّل دلالات هذه النّصوص (من آيات وأحاديث وأدعية) هي أنّ الله تعالى لا يريدنا أن نعيش في حالٍ من العوز والهمّ المانع من تحصيل الفضائل والسّعي نحو الكمال وبلوغ المقصد الأعلى في ظلّ عبادة الله.وباختصار، لا يمكن مع كلّ هذه الشّواهد أن يظنّ المسلم أنّ الفقر أمرٌ جيّد أو مقبول في الدّين والرّؤية الإسلاميّة، حتّى أنّه قد ورد في بعض الأحاديث "كاد الفقر أن يكون كفرًا".

نحو اقتصاد عائلي ذكي
العنوان الأبرز في الدين هو أنه دين يحقق للبشرية سعادة الدنيا والآخرة. ولا سعادة في الدنيا مع الفقر والعوز والحرمان. فكيف نفسّر فقر عدد كبير من المسلمين وما هي الأصول الدينية الأساسية التي تحقق للمسلم رفاهيته وسعادته في الدنيا إن هو إلتزم بها؟. ما هي الاجراءات المهمة التي ينبغي ان نعمل عليها من أجل بناء حياة معيشية سليمة تضمن لنا تحقيق سعادة الدنيا والآخرة. وما هي الاخطاء القاتلة التي يمكن ان نرتكبها على صعيد الاقتصاد، فتؤدي إلى تعاستنا في الدنيا والآخرة.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...