
الحاجة الماسّة إلى المفكّر
ومن الذي يقف بوجه الفكر
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب أي مجتمع نريد
يوجد فرقٌ مهم بين المفكّر والمبلّغ. مؤسساتنا الدينية العلمية تحرص على إعداد المبلّغ وتنفر من فكرة المفكّر، يرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى الاعتقاد بأنّ ما لدينا من الدين يكفي لتحقيق الأهداف التي نصبو إليها من التدين.
هذا النمط من التفكير ليس مستغربًا على طالب علمٍ نشأ على أنّ كل ما كان قديمًا كان أقرب إلى الدين. فكرة قرب عهد الفقهاء المتقدّمين إلى عصر النص آسرة للعقل. هنا يُقال إنّ ما فهمه المتقدّمون من الدين ربما لا نفهمه لأنّهم كانوا قريبين من عصر الأئمة الأطهار (ع). أضف إلى ذلك الكتب المعتمدة في التدريس والتي يرجع معظمها إلى مرحلة غير متزمّنة، أي لا ترتبط بأي عصر ذي خصائص حضارية أو اجتماعية واضحة. هنا نفهم سبب صعوبة تحديد العصر الذي عاش فيه الشيخ الأنصاري من خلال كتبه كالرسائل والمكاسب. ففيها يخرج الزمان من دائرة البحث ويصبح بلا قيمة.
أما المفكر عند هذه الأغلبية فهو أقرب شيء إلى المبتدع، وما أقرب هذه المفردة إلى الإبداع والمبدع. المبتدع صاحب ضلالة وهو من أهل النار، لأنّه يقول في الدين ما ليس فيه. ولو تُرك المجال لأصحاب البِدع لما بقي من الدين شيء؛ علمًا أنّ المجال متروك شئنا أم أبينا ورفع شعار محاربة أهل البدع في هذا الزمان قد لا يزيد أجواء هذه المعركة سوى ضبابية.
المبلّغ هو الذي يلتزم عادةً بما يقدّمه المجتهدون الذين يدورون حول النص الديني الأصلي، هكذا يُفترض. وتجربة المبلغين مع المجتهدين الذين وصل بعضهم إلى منصب المرجعية تمثل لهم تجربة مريحة. قد يتصوّر معظم المبلغين وجود إجماع في كل أمور الدين غير ملتفتين إلى أنّ هذا الإجماع يرجع إلى تحديد نطاق ضيق من الدين وهو الأحكام الضرورية، لكن لو سنحت لهم الفرصة للدخول في تبليغ القيم والعقائد على نطاقٍ واسع، لربما شعروا بأنّه لم يعد من إجماع في الدين هنا. ولهذا يحبِّذ بعض أصحاب القرار والإمكانيات في الأعمال التبليغية تجنّب التوسّع والتعمُّق خوفًا من التفرُّق والتشتُّت والاختلاف (تصوّر لو أنّ مبلّغًا اضطرّ للخوض في قضية وحدة الوجود! لتعرف الجواب راجع آراء المراجع والفقهاء بشأن هذه القضية. حتى الإمام الخامنئي يقول إنّ فيها سبعة أو ثمانية أقوال متباينة).
وهنا يأتي السؤال الأهم: هل يمكن تأمين الحاجات الفكرية لمجتمعات اليوم من خلال هذا النمط من التبليغ، أو أنّ الأمر يحتاج إلى عددٍ كبير من المفكرين الذين يمكنهم إدراك التحديات وتعيين القضايا المحورية من خلال فهمهم الأعمق للزمان ومقتضياته؟ فلا شك بأنّ الوضع المثالي هو أن يكون لدينا مفكرون بالعدد المطلوب ممّن هم من أهل الاجتهاد والفقاهة التي يمكن للمبلّغين أن يُذعنوا لها ويتحركوا وفقها. فكم من مفكّر مجتهد لا قيمة له في أسواق هؤلاء لأنه غير مشغول بتدريس كفاية الآخوند.
ولكن هل تستطيع الحوزات العلمية وهي على ما عليه من ذهنية ومنهجية أن تُخرّج المجتهد المفكر أو سيبقى هذا الفراغ ليملأه كل من يشعر بالمسؤولية أو ترغب نفسه بالظهورية؟!
ما لم تشعر الحوزات الدينية بقيمة وأهمية المفكّر، فمن الصعب أن نشهد أي نوع من التحوّل المطلوب في هذا المجال. ما زالت فكرة "إنّ ما عندنا كافٍ لصناعة التدين" هي المهيمنة، ولا يبدو في الأفق تباشير اكتشاف حقيقة النقص الذي تعاني منه المجتمعات البشرية في نظرتها وعلاقتها بالدين.
يتنازل بعض أصحاب القرار والمال حين يرون مفكرًا مجتهدًا، لکن لا لوعي منهم تجاه أهمية المفكر ودوره، بل لارتياحهم إليه من جهة البدعة. هؤلاء أيضًا لم يعرفوا أهمية التفكير كحرفة منتجة يمكن أن تؤدي دورًا مهمًّا في تقدم المجتمع وحل مشاكله. وأنّى لهم ذلك وهم يعملون ليل نهار على تسقيف المحتوى الديني ووضع الناس في مستويات لا ينبغي لهم تجاوزها؟!
المفكر الإسلامي هو الذي يؤمن بضرورة تطبيق الإسلام بحسب كل عصر وزمان، وهذا ما يتطلب معرفة دقيقة بمقتضيات الزمان. المفكر هو الذي يفهم جيدًا معنى صلاحية الإسلام لكل عصر وزمان دون أن يضحي بالأصول أو يحرّف مقاصد الفروع. المفكر هو الخبير بالقوالب التي تنتظر أحكام الدين لتتنزل فيها دون أن تزول هوية الدين وماهيته. ولأنّ المفكر حساس تجاه الزمان، فإنه الأقدر على تشخيص مقتضياته التي تختلف كثيرًا مع مرور الزمن. وهكذا يظهر المفكر عند البعض مبدعًا وعند البعض الآخر مبتدعًا.

على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$

في ظل الجمود الفكري وفي ظل الحاجة إلى أجوبة عن أسئلة حساسة.. أين هو المنهاج العلمي الفريد؟
كل من يشرف على مراكز الإعداد والتعليم الإسلامي يفكر مليًّا في البرامج المُثلى التي تصنع المفكّر والعالم القادر على تعميق الوعي العام تجاه قضايا الإسلام الكبرى.. ولكن نظرة عامة على قضية المهدوية يبين لنا حجم الفراغ وعدد الأسئلة التي ما زالت دون أجوبة شافية.

عوامل نجاح الإبداع والأعمال والكبرى.. الاختلاف الجوهري في أنماط القيادة
الإبداع سر النجاح في الأزمات وحين تشح الموارد وتضيق السبل. والأعمال الكبرى عماد المجتمعات القوية التي تسعى لتحقيق قفزات نوعية في حياتها. وحين يجتمع الإبداع مع ضخامة العمل، فهذا يعني التفوق والعظمة.

ضرورة رواج التعمق الفكري... السيد عباس نورالدين يطرح قضية التعمق الفكري مجدّدًا
التعمّق الفكري يرتبط بالبحث عن أسرار وخبايا وخفايا أي ظاهرة أو قضية يمكن أن يواجهها الإنسان؛ هذا بالإضافة إلى أنّ التعمّق الفكري من شأنه أن يفتح على الإنسان أبواب الكثير من القضايا المجهولة. فالمتعمق بفكره لا يرضى بأن تكون حياته سطحية وهامشية، خصوصًا حين يرى الوجود وهذا الكون بما فيه من حوادث وظواهر مليئًا بالقضايا المثيرة والعجائب المدهشة، وهذا ما يحفز على التفكر فيما وراء الأشياء لمعرفة أسبابها وعللها.إنّ مجتمعنا بأمسّ الحاجة إلى التعمّق الفكري، لأنّه يواجه ظاهرة خطرة هي ظاهرة الغزو الثقافي بكل أشكاله، في الوقت الذي تعشعش فيه حالة الانبهار وغلبة الأوهام، ولا يمكن الخروج من كل هذه الحالات السلبية إلا بالوعي والبصيرة التي تتحقّق بواسطة التعمق.

ضرورة اتّحاد أهل الفكر.. على طريق تشكيل جبهة واحدة
المتتبع لأنشطة العلماء ونتاجاتهم على صعيد الفكر والدعوة إلى القيم السامية يلاحظ الوفرة والغنى والنشاط والحيوية؛ ويمكن لهذه النتاجات أن تكون قوة دافعة عظيمة لهذه الدعوة فترتقي بها إلى آفاق الحضور والتأثير العالمي، لكن المشكلة كل المشكلة تكمن في عملية التكوين والتشكيل هذه.

أعظم الدروس من سيرة الإمام... كيف تعامل هذا القائد مع الاختلافات الفكرية
إنّ الخلافات الفكرية، وما ينتج عنها من مشاحنات، لهي أمور متوقّعة وطبيعية في أي مجتمع أو بيئة لا ترى العالم إلا بمنظار الأفكار والجدالات الفكرية؛ لكنّها أمور سيئة ومضرة إن نظرنا إليها بمنظار القيم المرتبطة بحركة المجتمع التقدمية.

الفكر الإسلامي... نحو آفاق غير مسبوقة
هناك قدرة عظيمة عند الفكر الإسلامي، خصوصًا في نسخته النابعة من مدرسة أهل البيت (ع)، على ملء الفراغ الفكريّ الذي يعيشه العالم وعلى تقديم الكثير من الحكمة التي تحتاجها البشرية. يوجد أعمال فكرية رائعة في وسطنا، ومع ذلك هي مجهولة حتى في هذا الوسط، فضلًا عن الأوساط المسلمة الأخرى وبقية بلاد العالم. ورغم المحاولات العديدة لإيصال هذا الفكر للآخر، والمحاولات الحثيثة لنشره وسط بيئة تتقبّله بحكم الانتماء؛ إلا أنّه وبعد مرور عدّة عقود لا يبدو أنّ هناك أثرًا واضحًا لهذه المحاولات. بل نجد أنّ هذا الفكر في انحسار، ومع انحساره يفقد أهله الاندفاع المطلوب لإكمال مشروع بناء تلك المنظومة الفكرية وإظهار الفكر الإسلاميفي كل العالم.

حول تفعيل دور التبليغ.. كيف نخرج من حالة الانسداد الحالية
كل من لديه اهتمام بتبليغ الحقائق والمعارف الدينية يعلم بأنّ هناك الكثير الكثير من الكلام الذي يجب أن يُقال ولا يُقال، سواء كان ذلك على مستوى المضمون أو الإيصال. في مجتمعنا هذا، الذي نمارس فيه هذا الدور منذ أربعة عقود، نكتشف كل يوم حجم الفراغ الذي يعيشه الك

انسداد آفاق الفكر.. معاناة المفكرين الإسلاميين
ما جدوى الإسهامات الفكرية إن لم يستمع إليها المنخرطون في التجربة ومن حولهم من المهتمين؟

تنشيط الحياة الفكريّة في المجتمع
لكلّ مجتمع أنماطٌ من الحياة قد تكون فاعلة ناشطة أو كامنة مخفيّة. وكلّما تنوّعت حياة هذا المجتمع وتعمّقت، كان المجتمع أشدّ قوّةً وتكاملًا وازدهارًا ودوامًا.

حول الإنتاج والابتكار في علوم الإسلام.. ما الفارق بين البدعة والإبداع
التراث الإسلامي هو هذا النتاج العلمي المعرفي الكبير والذي نبع من مصادر الإسلام الأولى أو تأثر بها. وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام أساسية: الأول: يقوم على تفسير نصوص المصادر الأولى وشرحها وبيانها. والثاني: بمجمله عبارة عن محاولة الاستدلال على صحة ما جاء في هذه المصادر وإثبات حقانيتها. أما القسم الثالث: فيمكن عدّه إنتاجًا وإبداعًا لأفكار ومعارف لا تجد لها مثلًا في المصادر الأولى. وهنا نسأل: هل يمكن عد القسم الثالث من التراث الإسلامي إسلاميًّا بالمعنى الدقيق للمصطلح؟ وكيف يكون ما ليس بتفسير واستدلال إسلاميًّا وهو لا ينتمي إلى مصادر الإسلام الحقيقية؟

الإبداع كطريق للخروج من المآزق.. كيف اكتشفت المجتمعات أهمية المبدعين؟
الإبداع هو الطريقة الوحيدة لحل المشكلات المستعصية والخروج من الأزمات المحتقنة، حين تشاهد مجتمعًا أو منظّمة تعاني من أنواع المشاكل لمدة زائدة عن الطبيعي، فاعلم أنّ ذلك يعود إلى بعدها عن ثقافة الإبداع وقيمته. فالإبداع هو القيمة الأبرز التي ترشدنا إلى الكفاءة؛ وحيث لا إبداع تكون المحاباة والجهل والقمع والتخلف.

لماذا يجب تعميق الفكر الإسلامي في مجتمعنا؟
إنّ وجود عمق فكري للمعارف الدينية أمرٌ ملحوظ عند كل من كان له توفيق التوغل في هذه المعارف مطالعةً ودراسةً وتفحّصًا. ولا حاجة للإتيان بأدلّة من السنّة أو القرآن على هذا الأمر المشهود بالتجربة؛ أمّا من يطالب بالدليل، فما علينا سوى أن نقدّمه له بواسطة عرض الشواهد الكثيرة التي لا تُحصى. وأغلب الظن أنّ الذين ينكرون وجود هذه الظاهرة العجيبة، كانوا يتسترون ويخفون جهلهم، أو أنّهم كانوا يحملون معنًى مغايرًا لما هو مُراد من العمق.

المفكر العظيم الآتي... ثلاثة شروط لنجاح المفكر وانتشار فكره
لا يمكن لأي مجتمع أن يستغني أبناؤه عن الفكر والاهتمام بالأفكار، لكن المصيبة تكمن في أن يكون زادهم الفكر الضال والأفكار العبثية.
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...