فلسطين تكشف الأمة
السيد عباس نورالدين
مؤلف كتاب بحثًا عن حضارة جديدة
هل يوجد أمّة إسلامية حقًّا؟ وما هي أسباب هذا الضعف والهوان؟
لماذا يستخف الغرب بمشاعر مئات الملايين من المسلمين ويدوس على كراماتهم؟
أي مسلم شاهد ما يحدث في فلسطين لا يُمكن أن يُقلّل من حجم هذه الفاجعة ويُقدّم لك مشهدًا أفظع منها. لقد فاقت محنة فلسطين اليوم كل ما يمكن أن يوضع في خانة الفجائع والكوارث الإنسانية.. ناهيك عن الضحايا والدمار والإجرام والاستباحة المطلقة، فإنّ استكبار الأمريكي والغربي والصهيوني واستخفافه بأكثر من مليار مسلم في العالم لم يبلغ هذا المستوى في أي عصر من العصور.
في قراءتنا للتاريخ الحديث من مصادر معتبرة لاحظنا أنّ المستعمر أثناء تقسيمه لأراضي الإمبراطورية العثمانية كان يعيش نوعًا من الهواجس أو المخاوف من أي يستاء المسلمون إلى درجة تُهدّد مصالحه. السجالات التي جرت بين وزارة الخارجية والفايسروي في الهند تدل بشكل واضح على هذا القلق الذي صدرت منه توصيات بعدم الإمعان في سياسات مستفزة للمسلمين. كذلك ما لاحظناه من الفرنسي وهو يقسم المنطقة ويشكل دولة لبنان الكبير ويوصي المسيحيين فيه برعاية بعض مشاعر المسلمين.
كل هذا قد انعدم اليوم ولم يعد الغرب وعميله الصهيوني يُظهر أي خشية من استياء المسلمين وحنقهم. ربما لأنّه لا يرى شيئًا من ذلك إلا عند جماعة قليلة من الممانعين، يعتبرهم معزولين ومنبوذين من قبل الأغلبية الساحقة من المسلمين. حتى بعض الزعماء الذين يُصرّحون علنًا برفضهم لما يجري من تنكيل وجرائم حرب يعودون ويُبرقون سرًّا إلى أوروبا وأمريكا موقفهم الحقيقي. والأفعال هي أفضل من يحكي.
أجل لقد تبدّل المسلمون، أو لنقل إنّ المستعمر المستكبر فهمهم أكثر من السابق. والأفضل أن يُقال إنّ سياسات التقسيم نجحت في تغيير ذهنية المسلمين وأدت إلى تشكيل جبهة واسعة فيهم تعيش التبعية المطلقة والتأييد الواسع للغرب.. لم يعد هذا الغرب يخشى مع هذا الوضع الجديد أي انبعاث لأمة مقتدرة يمكن أن تقف بوجهه. لا يخجل الصهاينة من البوح بما يسرّه إليهم بعض الزعماء المسلمين من دعمٍ مطلق. وفي الأساس يجب ألّا ننسى بأنّ فلسطين قد قُدِّمت لليهود ضمن اتّفاق مع زعماء مسلمين، مقابل وعدهم بالملك والحكومة.
وراء كل هذا الانقسام والتشرذم والضعف والعمالة والسكوت والتبعية، فكرٌ وثقافة. وهذا ما يعنينا في هذه المقالة. لم تصل الأمة إلى مثل هذا الوضع المشؤوم إلا بفعل أفكار وعقائد سيطرت عليها؛ وعلى رأسها فكرة طاعة الحاكم الجائر التي ترسّخت فيهم على مدى القرون.
لقد ترك المسلمون تدبير شؤونهم منذ العصور الأولى لأشخاص لا يتمتّعون بالأهلية والكفاءة، ومن ثمّ جرّهم ذلك إلى الإذعان لحكومات فاسدة ومجرمة. تصوّر أيها القارئ الحصيف كيف كان المسلمون يقبلون بالخلافة العثمانية التي كانت تقوم قبل أي شيء على القتل والإجرام، حيث يندر أن نجد خليفة عثماني لم يعدم إخوته بحجة منع تفكك السلطنة! كيف يمكن لمن يؤمن بالقيم الدينية أن يتقبل مثل هذه الجريمة ويمر عليها مرور الكرام، لا بل يعتبرها مبرَّرة لمنع شق عصا المسلمين ولحفظ وحدتهم؟!
هكذا اجتمع في هذا الذهن المسلم تناقضات لا يمكن لأي مؤمن بالقيم أن يتقبلها أو يتعايش معها، وهكذا تشكلت مثل هذه الشخصية المسلمة التي أفضت إلى هذا الوضع الذي نعيشه.
فالانقسام الحاد بين الشعوب المسلمة لا يرعاه سوى زعمائهم وحكامهم، لكنّه قائم على عقيدة تؤمن بضرورة ووجوب طاعة حكام الجور. وقد اعتُبرت هذه العقيدة أهم من جميع العقائد حتى عقيدة التوحيد. وبالرغم من أنّ للوحدة أهميتها الفائقة، لكن ذلك لم ولن يكون في ظل مثل هذه العقيدة التي يسهل دحضها بالدليل والتجربة.
لقد كانت مبررات الذين روّجوا لهذه العقيدة وجعلوها على رأس أحكام الدين (حتى الصلاة والحج) أنّهم بذلك يمنعون حصول الأسوأ، وهو زوال الصلاة والصوم من خلال حفظ الوحدة في ظل طاعة الحاكم ولو جار وظلم وأفسد وأجرم. لكن العقل والتجربة يثبتان بأنّ العامل الأول وراء كل أنواع الجرائم والمفاسد وعلى رأسها التشرذم والتفكك والتناحر والتنازع هو وجود هذا النوع من الحكام على رأس الأمور. هذا مع أنّ هؤلاء أنفسهم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله: لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَة.. فَأَوَّلُهُنَّ نَقْضُ الْحُكْمِ، وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ".
ألا يكفي لهذا العقل العجيب أن يرى واقع المسلمين اليوم من تشرذم وعجز وصل إلى حد الإذعان والقبول بما يجري على إخوتهم المسلمين في غزة وفلسطين عمومًا حتى يتخلى عن عقيدته تلك؟
ما هو الشيء الذي يمكن أن يحدث أسوأ مما يحدث؟ لقد قمتم بتبرير الأخذ بالفاسد لدفع الأفسد، ولكن بالله عليكم هل يوجد عاقل واحد اليوم يمكن أن يرى ما هو أفسد وأسوأ مما يحدث في فلسطين؟!
أجل، الكلام مع العقلاء. ولكن العقل في ظل هذه المذاهب كان قد أصبح منبوذًا منذ تلك العصور، لأنّهم رأوا فيه قوة تتحدى سلطاتهم. وهذا ما يفسر كل هذا القعود والجمود والسكوت.
إنّ قضية فلسطين اليوم باتت أكبر فضيحة لهذا الفكر الذي تسلّط على المسلمين طوال هذه القرون واستحكم بواسطة مذاهب السلطة. وحين يتم نفض هذه الشعوب وإعادة تشكيلها بعد هذه الهزائم، وما يعقبها من عقوبات إلهية (تكون مصيبة فلسطين أمامها شيئًا يسيرًا) ستكفر الشعوب المستحدَثة بكل تاريخها الذي أوصلها إلى هذا الهوان، وربما تدرك فضيحة هذا الفكر الذي تبنته وعملت به طويلًا.
على طريق بناء المجتمع التقدمي
المجتمع التقدّمي هو المجتمع الذي يتحرّك أبناؤه نحو قمم المجد والفضيلة والكمال.المجتمع التقدمي هو التعبير الأمثل عن استجابة الناس لدعوة الأنبياء الذين أرادوا أن يخرجوا البشرية من مستنقع الرذيلة والحيوانية والعبثية لإيصالها إلى أعلى مراتب الإنسانية والنور..فما هي سبل إقامة هذا المجتمع؟وما هي العقبات التي تقف في طريق تحقّقه؟ على طريق بناء المجتمع التقدّمي الكاتب: السيد عباس نورالدينالناشر: بيت الكاتبحجم الكتاب: 14.5*21عدد الصفحات: 376الطبعة الأولى، 2019Isbn: 978-614-474-081-1السعر: 14$
أي مجتمع نريد؟
ما هي أهمية البحث عن المدينة الفاضلة؟ وكيف نرتقي بوعينا ومسؤوليتنا الاجتماعية؟ ما هي القضايا التي لا بد من دراستها وفهمها لرسم معالم الطريق الموصل إلى المجتمع الأمثل. وما هي العوائق الكبرى على هذا الطريق.
بحثا عن حضارة جديدة
ماذا يعني أن يؤسس المسلمون حضارة جديدة؟ وما هي أسباب إخفاق حضارتهم الأولى؟ هل كانت قواعد البناء واهنة؟ أم أن المسلمين لم يتمكنوا من إشادة حضارتهم عليها؟ هل نشهد في عصرنا الحالي إمكانية بناء حضارة جديدة وسط كل هذه التحديات التي تمثلها القوى العظمى في العالم؟
كيف يتآمر الغرب على بلاد المسلمين.. ولماذا نرفض نظرية المؤامرة؟
يقارب الغرب مصالحه في بلاد المسلمين انطلاقًا من طبيعة براغماتية مطلقة، لا يمكن الانحياز عنها نحو أي نوع من العقائد والميول مهما كانت قوية. فلا شك بأنّ هناك تيارات دينية نافذة في بعض دوائر الحكومات الغربية تسعى لفرض أجندتها، مثلما أن هناك تيارات اسلاموفوبية
لماذا تأخر النصر في فلسطين؟
نحن هنا نضع احتمالات من أجل استحضار بعض السنن الإلهية الاجتماعية وتسليط الضوء على الواقع والأحداث من أجل الوصول إلى إجابة مقنعة عن سؤال يقض مضاجع الجميع: لماذا تأخر النصر هكذا؟
لماذا لا يكترث الغرب لقتل المسلمين؟ وما الذي يشجعه على ذلك؟
إنّ غياب المشروع السياسي الإسلامي العالمي مهّد لدخول المشاريع العلمانية باشتراكيتها ورأسماليتها وقوميتها. بسرعة تحوّلت هذه المشاريع إلى أُطروحات للنهضة والتحرُّر والتقدُّم. ما كانت تفعله هذه الرؤى هو إبعاد المسلمين عن ثقافتهم الأصيلة التي يُمكن أن ينبعث منها مشروعٌ حقيقي لمواجهة الاستعمار.
أهمية إدانة الغرب.. لماذا يجب تسليط الضوء على الاستعمار؟
لكلمة الاستعمار في الضمير الغربي تردّدات سلبية لا تتناسب أبدًا مع الادّعاء السائد فيه بأنّه قد تخلّى عن هذه النزعة الوحشية والمنحطة. فالأغلبية الساحقة للشعوب الغربية تظن أنّ استعمارها لشعوب العالم وأراضيه كان خطأ فاحشًا، ويجب الاعتذار منه؛ حتى إنّ هناك تيارات تدعو إلى التعويض لمن لحقه الأذى والضرر منه. يتصور الكثيرون من أبناء تلك المجتمعات ونخبها أنّ دولهم وحكوماتهم قد تخلت عن هذه النزعة إلى غير رجعة؛ خصوصًا عند من أدرك بعض الآثار الوخيمة للاستعمار على المستعمر نفسه، نفسيًّا وثقافيًّا وحتى اقتصاديًّا، هذا بالرغم من الثروات الهائلة المنهوبة التي يمكنك أن ترى آثارها في كل شوارع ومباني ومتاحف ومصانع وجامعات الغرب ومشاريعه الكبرى.
إسرائيل: معجزة الغرب الكبرى.. لماذا يصر الغرب على هذا الدعم العجيب؟!
في تاريخ الاستعمار كلّه ربما لن نجد مستعمرة واحدة أنفق عليها المستعمرون مثلما أنفقوا على الكيان الإسرائيلي... لكن لماذا يتصرّف الغرب بهذه الطريقة حيث تدفع بلدانه كل هذه المليارات والإعانات والخدمات والتسهيلات لمجموعة من "اليهود" المجموعين من مختلف أنحاء العالم؟
حول عداء الغرب للمسلمين هل اتفقنا على أخطر القضايا التي تواجهنا؟
هناك حقيقة كبرى ثابتة وراء كل الرطانة الإعلامية واللغة الدبلوماسية لبلدان الغرب الأوروبي الأمريكي وهي تلك المتعلقة بالالتزام المُطلق بدعم الكيان الصهيوني وحمايته والحفاظ عليه. إن لم يكن مثل هذا الدعم والتأييد لكيانٍ ارتكب أبشع الجرائم بحق المسلمين ومقدساتهم عداءً سافرًا للمسلمين، فماذا يمكن أن يكون؟!
الكاتب
السيد عباس نورالدين
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران : الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه. بدأ رحلته مع الكتابة والتدريس في سنٍّ مبكر. ...